صفحة الكاتب : نزار حيدر

الحَلُّ..في المشْروعِ الوَطَني (٣)
نزار حيدر

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

السّؤال الرّابع؛ يَقُولُ البعضُ انّ الحلّ يكمن في المشروع العربي [القومي] فما هو رأيك؟!.

   الجواب؛ العكس هو الصّحيح، فالمشروع العربي [القومي] يفرّق ولا يوحّد، ويعقّد المشكلة ولا يحلّها، ولذلك فانا لا اعتقد ابداً بمثلِ هذا المشروع كحلٍّ حقيقيٍّ وناجع للمشكلة في بلادنا العربية، ومنها العراق.

   لقد جرّب هذا المشروع حظّهُ قُرابة (٧) عقود من الزّمن! فلم يُنتِج لنا غير الحروب العبثيّة والتمزّق والتمييز واخيراً الاحتلالات والارهاب!.

   لذلك فانا اعتقد انّ الحلّ في تبنّي المشروع الإنساني، الذي يعتمد المواطنة كمعيارٍ في كلّ شيء، في العدل والمساواة وتكافؤ الفرص والشّراكة الحقيقيّة وفي كلّ شيء.

   انّ ايّ مشروعٍ آخر لا يعتمد المواطنة كمعيارٍ فهو جزء من المشكلة ان لم نقل انّهُ يُضاعفها ويزيد عليها.

   ففي العراق مثلاً، اذا اخذنا بالمشروع العربي [القومي] هذا يعني انّنا عزلنا عَنْهُ الكُرد والتُركمان والكِلدان والآشوريّين والكثير من المكوّنات الأصيلة في المجتمع العراقي والتي كان لها دورٌ، ولا يزال، في بناء العراق وحمايتهِ وتطويرهِ وعلى مختلف الاصعدة.

   بل ان [القوميّين الطائفييّن] وما أكثرهم في العراق، يعزلون، بالمشروع العربي، حتّى الشّيعة، لأنّهم يعتبرونهم فُرس ومجوس وصفويين! هذا يعني انّ مثل هذا المشروع سوف لن يستوعب في حقيقته اكثر من (٥٪‏) فقط من المجتمع العراقي، اذا اخذنا بنظر الاعتبار قول البعض من انّ سنّة العراق ليسوا عرباً وانّما اتراك جلبهم الى العراق الخليفة العبّاسي المعتصم، او من كان قبله او بعده، لحماية الخلافة بعد ان دبّ الشَّك بولاء العرب للخليفة وقتها! فعن ايّ حلٍّ [قوميٍّ] نتحدّث في هذه الحالة؟!.

   ينبغي علينا ان نتعلّم من تاريخنا ومن تجارب الأُمم والشّعوب، فنرى كيف حلّت مشاكلها على هذا الصّعيد؟ وبأيّ مشروعٍ؟ وما هي أسسهُ وموقوّماتهُ؟ ثم نحاول استيعابه بِما يتلاءم وخصوصيّاتنا وثقافتنا وتنوّعها، بما يُساهم في حلّ المعضلة التي نعيشها كشعوبٍ عربيّةٍ، ومنها الشّعب العراقي.

   تاريخيّاً، فانّ المسلمين كأُمّةٍ كانت عزيزة ومنيعة يوم ان كانت تستوعب علي بن ابي طالب القرشيّ وصُهيب الرّومي وبِلال الحبشي وسلمان الفارسي، وفي اللحظة التي بدأت فيها السّلطة تُمارس التّمييز العنصري والطائفي إنهارت هذه الامّة التي يقول عنها رب الْعِزَّة {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} إنهارت أولاً من الدّاخل لتترى عليها الانهيارات من الخارج حتى أصبحت اليوم اذلّ أمةٍ في العالم يقتل بعضها البعض الآخر ويدمّر بعضها البعض الآخر ويذبح بعضها البعض الآخر!.

   في أوربا والولايات المتحدة الأميركية كذلك ما كانت لتنهض وتنمو وتتسيّد العالم لولا انّها اعتمدت المشروع الإنساني [الوطني] كمعيارٍ للانتماء للبلد، بغضّ النّظر عن الخلفيّة والاصل، ولذلك ترى التنوّع في المجتمع وعلى مختلف الاصعدة.

   حتّى في الهند التي فيها من التنوّع الديني والعِرقي والمذهبي ما لا يوجد مثله في كلّ العالم، ما كان بامكان الهنود ان يحفظوا أُمّتهم لولا اعتماد المواطنة كمعيارٍ وحيدٍ في الانتماء والهويّة والحقوق والواجبات.

   وفي العراق اذا أردنا ان نتجاوز مشاكلنا فينبغي إلغاء كلّ المعايير الضيّقة التي ثبُت بالدّليل العقلي والنّقلي وبالتجربة العمليّة انّها فشلت في استيعاب التنوّع والتّعدّد في المجتمع، من جانبٍ، والتي ثبُت بالتّجربة كذلك، انّها تضيق يوماً بعد آخر وبمرور الزّمن، من جانبٍ آخر، فاذا كنّا في يومٍ من الأيام نتحدّث عن عربٍ وكُردٍ، فاليوم نتحدّث عن كُردٍ سورانييّن وكُردٍ بهدنانييّن، وفي المقابل نتحدث عن عرب شيعة وعرب سنّة، وإذا كنّا نتحدّث عن جنوبٍ وغربٍ، فقد بتنا اليوم نتحدّث عن سنّة الرّمادي وسنّة الموصل، وإذا كنّا نتحدّث عن شيعةٍ وسنّةٍ فقد بتنا اليوم نقسّم الشّيعة على أساس التّقليد والمنطقة والخلفيّة الحزبيّة والانتماء العشائري، وهكذا!.

   انّ التنوّع في المجتمع العراقي ليس بالشّيء الجديد، كما ان التّمييز الطّائفي والعنصري هو الاخر ليس بالشيء الجديد، وإذا كان نظام الطّاغية الذليل قد نجح في التستّر على ذلك وضبط الصّراعات بالعنف والارهاب والحروب العبثيّة وبالشعارات البرّاقة وسياسة تكميم الأفواه، فانهُ لم يُلغيها او ينهيها ابداً، فهو أخفاها ولكنّهُ لم يُلغيها، ولذلك فإنها تطفو على السّطح دائما وتظهر للعيان كلّما وجدت فرصةً لذلك، ولقد كان سقوط الطّاغية في عام ٢٠٠٣ فرصة لتطفو على السّطح، ولذلك يخطئ من يظنّ انّ سقوط الصّنم في بغداد خلق المشاكل الطّائفية والعنصريّة، ابداً، وانّما هو أماط اللّثام عنها مرّةً أُخرى، فالتغيير لم يخلقها وانّما كشفَ الغطاءُ عنها.

   وكلّ ذلك سببه انّنا لا نحاول إيجاد الحلّ الحقيقي لها بالمشروع الوطني، وانّما نتغافل عنها أحياناً ونكابر بإنكارها أصلاً أحياناً أُخرى، ونرقّعها بالشّعارات والقصائد والمجاملات النفاقيّة أحياناً ثالثة!.

   وكان بالإمكان السّيطرة عليها وتقليل آثارها السلبيّة لو ان الخَلف لنظام الطّاغية الذليل كان قد تعامل بحكمةٍ اكبر وبعقليّة الدّولة وترك عقليّة الماضي والمعارضة مع ما تحمل من عُقَدٍ نفسيّة وسياسيّة وحزبيّة وتراكمات الصراع بمختلف اشكالهِ.

   ما يُؤسفُ لهُ حقاً هو انّهم، وبدلاً من ذلك، اذا بِهم جزءٌ لا يتجزّء من المشكلة، بل انّهم هُمُ المشكلة.

   واليوم اذا أردنا ان نتجاوز التّحدّي الخطير الذي يمرّ بهِ العراق ينبغي ان نتخلّص من كلّ المعايير الضيّقة لنعتمد معيار المواطنة فقط، في الحقوق والواجبات، وفي تكافؤ الفرص، وفي بناء مؤسسات الدّولة، فمتى كانت الوزارات تقسّم كحِصصٍ للطوائف والأحزاب والكتل والعوائل والأُسر والمناطق؟ في ايّة دولة في العالم تجري مثل هذه المحاصصة البغيضة والمقيتة؟!.

   يتبع

   ١٥ شباط ٢٠١٦ 

                       للتواصل؛

E-mail: nhaidar@hotmail. com


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


نزار حيدر
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/02/15



كتابة تعليق لموضوع : الحَلُّ..في المشْروعِ الوَطَني (٣)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net