صفحة الكاتب : نزار حيدر

لموقع (كتابات في الميزان) الاليكتروني؛ (٧) ثَوابِتُ المنْهَجِ عِنْدَ المَرْجِعِ الأَعْلْى!
نزار حيدر
   السّؤال العاشر؛ ما هو أُسلوب المرجع الأعلى في التّعامل مع النّاس في الشَّأْن العام؟.
 
   الجواب؛ من خلال متابعتي الدّقيقة لمنهجيّة المرجع الاعلى بهذا الشأن منذ سقوط نظام الطّاغية الذّليل صدّام حسين ولحدّ الآن، يمكنني ان أُحدّد الثّوابت التّالية في منهجيّتهِ بالشّأن العام:
 
   الثّابت الاوّل؛ الإيمان برأي الشعب وارادته واعتمادهِ كميزانٍ في الاختيار، فما تتّفق عليه الأغلبيّة يُعتبر مشروعاً والا فهو فاقد الشّرعية.
 
   انّهُ يحترم ارادة الشّعب حتى اذا كان خيارهُ غير صائب، فهذه المنهجيّة لا تستبدل الخاصّ بالعام، ولا تتحمّل المسؤولية بالنيابة عن الشّارع، فالاصل هو خيار الأغلبية الا ما خرج بدليل، وهو يحاول دائماً ان يعبّر عن هذا الخَيار وهذه الإرادة اذا تصدّت لها الأقليّة او الإرادات الخارجيّة.
 
   ولقد تجلّى هذا الثّابت في اكثر من مرحلة من المراحل السّياسية التي مرّ بها العراق منذ التغيير ولحدّ الآن.
 
   فكلّنا نتذكّر كيف انّ المرجع الاعلى أصرّ على ان يكتب العراقيّون دستورهم بأنفسهِم معتبراً ان ايّ نصٍّ دستوريٍّ لا يكتبهُ الشعب هو نصٌّ فاقدٌ للشّرعيّة.
 
   انّهُ يؤمن بالدينقراطيّة وأدواتها، ولذلك اصرّ مثلاً على اجراء الانتخابات في موعدها المُقَرِّر على الرّغم من كلّ الضغوط الدّولية والإقليميّة التي مارسها كثيرون لثنيه عن رأيه.
 
   كما انّهُ عارض البند (ج) الذي رأى فيه إلغاء لارادة الأغلبيّة وعرقلة الديمقراطيّة بسبب انّهُ يُشرعن المحاصصة والفيتو والتوافق التعسّفي.
 
   ولو نتذكّر، فانّ المرجع الاعلى رفض رفضاً قاطعاً ان يرِد ايّ نصٍّ يُشيد بقانون ادارة الدّولة المؤقت في اي قرار يصدر عن مجلس الامن، لانّه اعتبر ذلك بمثابة السّقف للمشرّع العراقي عندما يكتب الدّستور. 
 
   انّهُ يعتبر الشّعب هو مصدر الشّرعية، وهي نظرية تستمدّ أساسها من مدرسة أهل البيت عليهم السلام من خلال الكثير من النّماذج التاريخية خاصةً في فترة خلافة الامام امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام الذي يُعتبر عهدهُ الى مالك الأشتر عندما ولّاه مصر اعظم دُستور للحكم والذي شرعن هذا الثّابت بقوله {وَلْيَكُنْ أَحَبَّ الاُْمُورِ إِلَيْكَ أَوْسَطُهَا فِي الْحَقِّ، وَأَعَمُّهَا فِي الْعَدْلِ، وَأَجْمَعُهَا لِرِضَى الرَّعِيَّةِ، فَإِنَّ سُخْطَ الْعَامَّةِ يُجْحِفُ بِرِضَى الْخَاصَّةِ، وَإِنَّ سُخْطَ الْخَاصَّةِ يُغْتَفَرُ مَعَ رِضَى الْعَامَّةِ}. 
 
   انّها شرعنت لسلطة الأغلبّية مع حفظ وصيانة حقوق الأقليّة.
 
   الثّابت الثّاني؛ إعتماد المواطنة كمعيارٍ في بناء الدّولة، متجاوزاً بذلك كلّ الأُطر الاخرى التي لا يمكن ان تكون خيمةً جامعةً شاملةً لشعبٍ متنوّع ومتعدّد في كلّ شيء كالشعب العراقي.
 
   انّهُ تجاوز الأُطر الضيّقة يَوْمَ ان تهالكَ الجميع على السّلطة، وذلك هو الموقف السّديد.
 
   انّهُ ثابتٌ اعتمد كذلك على منهج مدرسة أهل البيت عليهم السلام الذي لخصهُ الامام أمير المؤمنين (ع) في عهدهِ الآنف الذكر بقوله {وَأَشْعِرْ قَلْبَكَ الرَّحْمَةَ لِلرَّعِيَّةِ، وَالْـمَحَبَّةَ لَهُمْ، وَاللُّطْفَ بِهِمْ، وَلاَ تَكُونَنَّ عَلَيْهِمْ سَبُعاً ضَارِياً تَغْتَنِمُ أَكْلَهُمْ، فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ: إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ، وَإمّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْقِ}.
 
   ولقد ورد هذا الثّابت في عدة آراء واستفتاءات، فضلاً عن خطاب الجمعة الذي يؤكّد دائماً على ضرورة استحضار الحسّ الوطني والتسلّح به بدلاً عن التخندق بالدّين والمذهب والإثنية والحزبيّة والمناطقيّة والعشائريّة وغير ذلك.
 
   كما يقدّم الواجب الوطني على الواجب الشّرعي، لانّ الاوّل اشمل وأوسع من الثّاني. 
 
   الثّابت الثّالث؛ اعتماد مبدأ النّصح والإرشاد لترشيد السّلطة وتمكينها من دون التدخّل المباشر في شؤونها لدرجة انّهُ منع العمامة المحسوبة عليه بشكلٍ مباشر من الانخراط في مؤسّسات الدّولة التنفيذيّة، وربّما لو كان الامرُ بيدهِ لمنعَ ايّة عمامة من الانخراط بالعمل التنفيذي وبشكلٍ عام في العمل السّياسي لإيمانه الكبير بانّ ذلك يشلّ من دورها الحقيقي ويحدّ منه في المجتمع والمتمثّل بالتقويم والتّرشيد الذي يعتمد العدل والانصاف وعدم التحزّب او التعصّب لأيّة جهةٍ من الجهات السّياسية الحاكمة او المنخرطة في العمليّة السّياسية.
 
   ولقد اثبتت التّجربة اليوم دقّة هذا التّشخيص، فعندما انخرطت العمامة انغمست في الفساد، وعندما انغمست في الفساد لم يعُد بامكانها ابداً عن تنصح او تقود الإصلاح، وهو واجبها الذي ينبغي ان تتصدّى له، لماذا؟ لانّ فاقد الشيء لا يعطيه، فكيف يمكن للعمامة الفاسدة او تقود ثورة الاصلاح؟!.
 
   انّ واحدةً من أهمّ نقاط قوّة المرجع الاعلى التي مكّنتهُ من ان يكون راعياً اعلى لكلّ العمليّة السّياسية يلوذ به الجميع كلّما وصلوا الى طريقٍ مسدود، فينا يرى فيه الشّعب ملاذهُ الآمن، كونهُ ليس جزءاً منها ولذلك لا يتحزّب لجهةٍ دون أُخرى او لمكوّن دون آخر، ولهذا السّبب تراه عندما يدافع عن شيء انّما يُدافع عن مصالح الجميع، يُدافع عن العراق، بلا تمييز ومن دون إِستثناء، ولهذا السّبب كذلك يرى الجميع فيه انّهُ صمّام الأمان الحقيقي لمصالحه في البلاد، السّياسية منها والتاريخيّة والثّقافية وغيرها.
 
   لذلك يعود اليه الجميع، ولا يجرؤ احدٌ على تجاوز رأيهِ، حتى اذا كان ذلك الامر شكلياً، فالمرجع الاعلى، كما نعرف لا يمتلك لا السوط ولا العصا السّحرية، وانّما يمتلك القوّة المعنويّة التي اكتسبها بقوة الرّأي وسداد القرار وحكمة الموقف.
 
   انّهُ يحترم رأي الأغلبية من دون ان يعني ذلك عدم إبداء الرّأي الواضح والصريح في المنعطفات الخطيرة التي مرّت بها العمليّة السّياسية، وفي نفس الوقت من دون استخدام العنف او القوّة لفرض هذا الرّاي الذي يأتي أحياناً مخالفاً لهوى القوى السّياسية الحاكمة، او بعضها على الأقلّ.
 
   ولذلك كان لهُ موقفاً حازماً وحاسماً في عدّة قضايا منها تغيير رئيس الحكومة السابق الذي فشل فشلاً ذريعاً في قيادة البلد وانتشر الفساد المالي والاداري في عهدَيه (٨) سنوات ما تسبّب بتمدّد فقاعة الارهابيّين لتستوطن في نصف العراق.
 
   كذلك في الحرب على الارهاب بفتوى الجهاد الكفائي التي تصدّت للانهيار المادّي والمعنوي الذي أصاب العراق بسبب إنشغال السياسيّين في الصراع على السّلطة وتقاسم المنافع والامتيازات، خاصة الموما اليه الذي رفع شعار (بعد ما ننطيها) تعبيراً عن تشبّثهِ بالسّلطة حتى اذا كان ثمنها دماءٌ وأشلاء حاله حال ايّ حاكمٍ آخر يصل الى السّلطة فتلتصق مؤخّرته بالكُرسي رافضاً ان يتزحزح عَنْهُ.
 
   وأخيراً إعلانه الحرب على الارهاب بعد ان لمسَ المرجع الاعلى عجز السياسيّين عن إصلاح الامور وتصحيح المسار، واذا كان الخطاب المرجعي الاسبوعي يكتفي الآن بالإشارات فقط، فانا على يقينٍ من انّ المرجع الاعلى يهيّئ لما سيُفاجئ الدّولة بموقفٍ اصلاحيٍّ قويٍّ، من منطلق مسؤوليته الوطنيّة والشّرعيّة كونهُ الرّاعي الاوّل لمصالح البلاد والعباد، اذ ليس من منهجيّتهِ اللاأُباليّة وهو يرى البلاد تسيرُ اليوم الى المجهول بعد ان عجزَ السياسيّون عن إيجاد مخرجٍ آمن للوضع، فيما يتخبّط آخرون بقراراتهم العشوائيّة والارتجاليّة حدّ التناقض، فيما تعيش البلاد اعظم تحدٍّ يتمثّل بالارهاب.
 
   يتبع

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


نزار حيدر
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/03/08



كتابة تعليق لموضوع : لموقع (كتابات في الميزان) الاليكتروني؛ (٧) ثَوابِتُ المنْهَجِ عِنْدَ المَرْجِعِ الأَعْلْى!
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net