زعيم سني مغلوب على أمره !
هادي جلو مرعي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
هادي جلو مرعي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
برز السيد أسامة النجيفي كزعيم سني ذي شعبية كبيرة في طائفة تعرضت الى ضربة هائلة بسقوط نظام صدام حسين الذي كان جزءا من منظومة سياسية وعقائدية وقومية في المنطقة العربية وخسرت الكثير من الإمتيازات التي كانت حققتها على مدى قرون من الزمن عدة.
ومع فوز التحالف الذي يقوده في الموصل كبرى مدن الشمال في الإنتخابات المحلية التي سبقت إنتخابات البرلمان الوطني, فقد تحول النجيفي الى واحد من أبرز الزعماء السنة العرب,وكان التحالف الذي مثله فيه شقيقه أثيل النجيفي قد أعاد العرب السنة الى واجهة السلطة في المدينة المتنازع عليها ,ما أضعف القوى الكردية التي مكنها الفراغ السياسي والفتاوى الدينية وتنظيم القاعدة ,والصدمة التي أحدثها التغيير عام 2003 ,وغياب القيادات المنافسة من السيطرة على مجلس المحافظة طوال السنوات التي أعقبت الإحتلال الأمريكي للعراق.
كان للنصر الذي حققته القائمة العراقية بزعامة إياد علاوي في إنتخابات 2010وتفوقها على قائمة رئيس الوزراء نوري المالكي,أثر كبير في بروز قيادات سنية قوية غيبت بنفوذها وحراكها السيد علاوي من أن يكون الزعيم المتفرد خاصة وإنه من جذور شيعية غير خافية ولايمكنه أن يحقق توازنا طائفيا يراد للعراق أن يكون خاضعا له خلال الفترة المقبلة.
والسيد النجيفي هو أحد أبرز الوجوه التي غشاها ضوء الإعلام المحلي والدولي,إذ دفعت به القائمة العراقية ليكون ممثلها في رئاسة مجلس النواب ,ثم بدأ فترته الرئاسية بتصريحات نارية ألهبت مشاعر كثيرين من سياسيين ومواطنين ونخبويين كانوا معترضين على الطريقة التي تدار فيها أمور البلاد خلال المدة التي سبقت عمل البرلمان الحالي,وكان لشعاراته في محاربة الفساد وكشف المفسدين والمتسترين عليه وقع كبير في النفوس,لكن تطور الأحداث وتصاعدها والمنافسة السياسية وروح الطائفة والقومية أعادت النجيفي الى مكانه الطبيعي كسياسي منتم لطائفة بعينها,بعد أن ظن البعض إن البرلمان سيأخذ في عهده دوره كاملا,وربما سينجح في تحديد الأولويات والعمل على إصدار تشريعات من شأنها الحد من مظاهر الفساد والترهل في الأداء .
بمرور الوقت ظهر البرلمان العراقي في صورة مماثلة للذي سبق,وبدا النجيفي كحال بقية الزعماء الذين يعج بهم المسرح السياسي المترهل,منشدا لطائفته مثله مثل أي سياسي سني أو شيعي,وبقيت المطالب ذاتها ووالرغبات والأولويات متصلة بالطائفة ,بعيدة عن الوطن,ولم تعد التصريحات والكلمات المعسولة تجدي مع شعب متطلع الى التغيير بعد عقود من كبت وحرمان طبع الحياة العراقية الرتيبة والمملة.
جربت الحديث الى الأمريكيين الذين يحسنون الإنصات ويسيئون التقدير,وجرب غيري,وأفهم لماذا صرح السيد النجيفي بمظلومية الطائفة السنية ( المهمشة) وغياب التمثيل العادل في مؤسسات الدولة,وتحول أبناء الطائفة الى مواطنين من الدرجة الثانية؟ وهناك فرق بين الفهم والمشاركة في الرأي..فالنجيفي في زيارته الأخيرة الى العاصمة الأمريكية الجميلة واشنطن,حمل الهم السني الى دوائر القرار في الخارجية ذات الطراز المعماري المتفرد,والى الكونغرس بمكاتبه الأنيقة وممراته الواسعة,وحاول إستنهاض همم رجالات الكونغرس ,وحصد المزيد من الإبتسامات التي قدمتها السيدة هيلاري كلنتون,مخاطبا الوجدان الأمريكي لوقف المد الشيعي وتصاعده الذي سيأخذ شكلا أكثر حدة بعد الإنسحاب المرتقب للقوات القتالية من العراق ,وسينقل المزيد من السلطة والثروة الى الشيعة ,وهما العنصران اللذان يمكنان أي طائفة تستحوذ عليهما من بسط نفوذها الى ماشاء الله من زمن.
واقعا النجيفي على حق ,فالشيعة يشكلون أغلبية ,وبيدهم السلطة والمال,ومن المستحيل في الظروف الدولية الحالية إعادة الأمور الى ماكانت عليه خاصة مع إنتهاء صلاحية الممارسات التقليدية في الإستيلاء على السلطة...الشيعة يحكمون سيطرتهم على مفاصل الدولة ,حتى مع الخلاف الذي يطبع العلاقة بين القوى الشيعية التقليدية والتيارات الصاعدة والمتحفزة بمرور الوقت.
في ذات السياق يبرز السؤال الأهم: ماشكل الضمانات التي يمكن للزعماء الشيعة أن يقدموها لنظرائهم السنة لبث الطمأنينة في نفوسهم ,خاصة بعد الإنسحاب الأمريكي المزمع نهاية العام الجاري؟وكيف ستبدد تلك الضمانات مخاوف العرب السنة من سيطرة شيعية محتملة بعد الفراغ الذي ستتركه القوات المنسحبة؟
السيد النجيفي حمل تلك المخاوف الى الأمريكيين, لكن ليس واضحا شكل الدعم الذي يريده منهم, وقد بدا زعيما سنيا مغلوبا على أمره, واجهه زملاؤه من قادة العرب السنة بهجوم ونقد لاذعين ورفض لتصريحاته من أعضاء في تجمعه ومنهم من قرر الإنسحاب من ذلك التجمع.
بينما الأمريكيون يقاتلون على جبهات متعددة وليس لديهم النية في تغيير خارطة سياسية شرق أوسطية تتشكل للتو,ويبدو إن الدول العربية السنية لاتملك خيارات خارج السرب الأمريكي,وترى أن إهمال الملف العراقي في هذه المرحلة يمثل هروبا دافئا,وتفضل التركيز على المعركة السياسية والإعلامية والعقائدية مع الجار الإيراني العنيد والمتحفز.
هل تتوفر قيادات سنية قادرة على توحيد خطاب الطائفة في مواجهة الإستحقاقات القادمة,وإقناع الطرف الشيعي بإستحقاقات السنة الموضوعية كشركاء في الوطن,يمتلكون فيه أسهما تحتفظ بنوعية مميزة بغض النظر عن عددها متصلة قيمتها بتاريخ وجغرافيا ,وأرث إنساني خلاق,وقرون من الحكم لم تنقطع الى اليوم الذي دخلت فيه القوات الأمريكية بلاد الرافدين,ولتقلب الطاولة وتغير المعادلة ,وتساهم في ظهور عراق إختلفت فيه الموازين,وترسم خارطة سياسية جديدة ,لايتاح للجميع لعب دور مؤثر فيها مالم يمتلك الأهلية والقدرة على صناعة الوجود الذي يفرض على الآخر أن يقبل بمبدأ الشراكة في الوطن وبنائه؟.
أمر محزن أن يظهر السيد النجيفي زعيما مغلوبا على أمره,وأين؟ في واشنطن التي تنتظر مثل هذه اللحظة لتؤسس عليها ممارسات وقرارات في وقت لاحق. حال النجيفي يفوق في مأ ساويته الحال الذي ظهر عليه الدكتور عدنان الدليمي حين خطب في أستنبول مناديا بإنقاذ العرب السنة من الهجمة الفارسية الهوجاء على بغداد!!ومن العاصمة العثمانية التاريخية المسلمة,وطالب بتوفير كل اشكال الدعم للعرب السنة المعرضين لخطر التهميش وربما الإبادة,بعد أن وجد في تلك العاصمة رمزا عقائديا وسياسيا مؤثرا,لكن النجيفي توجه الى واشنطن حيث وجد فيها زعيمة العالم وصاحبة القرار الأول فيه.واشنطن لاتحمل الرمزية الدينية ولكنها تملك النفوذ والسطوة وإرادة القهر.وليس مهما ماالذي ستفعله لتلبية إستغاثة السيد النجيفي ؟المهم هو رد فعل بغداد وقواها السياسية والعواصم المحيطة,وكيف سيتفاعل الشيعة مع الوضع الجديد؟
إن الحلول الناجعة هي التي يخرج بها العراقيون أنفسهم,لأن العواصم الإقليمية والدولية تتصرف وفق مصالح بعيدة عن الضرورات الإنسانية والقيمية ,بينما الهم العراقي لايدركه سوى أبناء الوطن ,وعليهم أن يتداركوا المشكلة لكي لانعود الى العنف والصراع الذي سيكون الكل خاسرين فيه.
hadeejalu@yahoo.com
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat