صفحة الكاتب : نجاح بيعي

آكِـيـتـوُ ــ عِـيـدٌ .. حَـظَـرَهُ الإمَـام عَـلـيّ ( ع ) !؟.
نجاح بيعي
أعياد رأس السنة , من الأعياد التي كانت تقام في العصور التاريخية القديمة , لدى سكان بلاد الرافدين . وهي محل تقديس منقطع النظير , حيث تقام أنواع العبادات والطقوس والشعائر الدينية المختلفة , في فصل الربيع وتحديدا ًاليوم الأول من شهر نيسان , تأكيداً لأهمية الخصب في الطبيعة ومحاكاة لزيادة الإنماء و وفرة المحصول وهطول الأمطار على حدّ زعمهم . فكانت هذه الأعياد تدعى بالبابلية ( آكيتو ) أو عيد الربيع البابلي , ويُعد عندهم ــ الحدث الأكبر ــ  و بالسومرية   ( زكموك ) وفي الأكادية ( ريش شاتي ).
ولأنّ الوثنيّة هي الديانة السائدة آنذاك , لذا لم يُذكر في أدبيات هذه الأعياد , أيّ تضمين يشير الى ـ التوحيد ـ أو نفي الأضداد , بل كانت هذه الأعياد ( آكيتو ) تجسيد لتعدد الآلهة , وتكريس للوثنيّة , وبنفس الوقت تعزيز لسلطة الملك أو ـ الكاهن الأعظم ـ الذي يستمد قوته وسلطته من الإله ( الآلهة ) نفسها . وكان الانحراف الجنسي والمسمّى ( البِغاء المقدس ) , السّمة البارزة لهذا الاحتفال , والعلامة الفارقة له عن باقي الاحتفالات الدينية المعروفة آنذاك . إذ يقوم الملك والكاهن الأعظم , بتقمّص شخصية الإله تمّوز , بينما تقوم الكاهنة العظمى ( المحرّمة عليها الزواج أصلا ً ما دامت تشغل منصب الكاهنة ) بدور الزوجة بتقمّص الإلهة (عشتار) . إذ يتمّ  الاحتفال في ( المعبد ) .
في بابل ..عَظُم شأن هذا العيد , وأخذ منحىً آخر . حيث أصبح ( آكيتو ) احتفالا ً لتمجيد الإله الغامض ( مردوخ ) تحديدا ً, وغدا من الشعائر الدينية المهمة . مردوخ : الإله ذي الهيئة البشرية ويحمل مجرفة ويلبس القرون الكبيرة , معناه ـ سيد الكون ـ أو ملك الآلهة . ويعتبرالإله الوطني لبلاد بابل بأجمعها . وقد عُبِد هذا الإله , حسب ما جاء  بنصوص ( قصة الخليقة البابلية ) الأسطوريّة , منذ عصر فجر السلالات ، في أواسط الألف الثالث قبل الميلاد . حيث كانت تجتمع آلهة بابل , وبورسبا ( برس نرود ) , وإله المدينة ( نابو ) أبن الإله مردوخ , ليمرّ هذا الجمع من الآلهة على شكل موكب فخم بشارع الموكب المشهور , إلى معبد الإله مردوخ ( آيساكيلا ) لتحيي الإله وتعظمه , لكونه الإله الذي يقدر المصائر والأقدار للسنة الجديدة . 
ويرجّح أن يكون معبد ( آيساكيلا ) : هو أول معبد شُيّد , بأول أرضٍ عُبِد بها وثن , وهي أرض بابل . يذكر د . طه باقر في كتاب ( مقدمة في ادب العراق القديم ) ص ـ 86 ـ وبعد أن يوجز أسطورة الخليقة المطولة " .. كانت الأرض اليابسة بحرا . ثم شيدت ـ أريدوـ وأقيم معبد( أي ـ ساكلا ) ( أي ساكلا : معبد الإله مردوخ في بابل ) " . 
أمّا كيف إنّ الإمام علي (ع) حظر هذا العيد الوثني الفخم ( آكيتو ) أو ماذا فعل ليحول دون إحياء مثل هكذا عيد ؟. هنا تتجلى عبقرية الأمام ( ع ) , وتظهر للعيان درايته وحكمته العاليتين , رغم تقادم الأيام والسنين . فحينما فرغ الإمام ( ع )من قتال الخوارج بمعركة النهروان , مرّ بجيشه عام ( 38 هـ ) وهو في طريق رجوعه على أرض بابل . وقال قولته الشهيرة " .. إنّ هذه أرض ملعونة , قد عُذّبت في الدهر مرّتين وهي تتوقّع الثالثة , وهي إحدى المؤتفكات , وهي أوّل أرض عُبِدَ فيها وثن ، وإنّه لا يحلّ لنبيّ ولا لوصيّ نبيّ أن يصلّي فيها .. ". و كان قد حضرت احد أبنائه الوفاة هناك , متأثراً بجراحه التي أصيب بها بحرب النهروان , وهو ( عمران بن علي ـ ع ـ ) ودفنه على مشارف أرض بابل بالموقع الحالي الموجود بمدينة الحلة . 
اكتشف حديثاً وظهر أن المرقد الشريف لـ ( عمران بن علي ـ ع ـ ) وبعد تنقيب المنطقة الأثرية من قبل علماء الآثار بالأرض المحيطة بالمرقد , أنه يجثم فوق معبد ( آي سيكيلا ) البابلي تماماً , وأن هذا المعبد مدفون أسفل المرقد الشريف , ممّا لا سبيل الى إظهاره للعيان !؟. وبهذا يكون الإمام علي ( ع ) ليس فقط  قد حَظَرَ أعياد الـ ( أكيتو ) فقط , بل كان قد حَجَرَ على المعبد الوثني الأول بالتاريخ نهائياً , والتي كانت تجري به احتفالات اعياد ( آكيتو ) . من خلال اختياره لمكان دفن ولده الشهيد عمران ( ع ), ويودعه أرض بابل , كأنه يوكل لولده مهمة الدفاع عن ( التوحيد ) أمام الوثنية حتى بعد مماته . فعمران بن علي ( ع ) كان و لا يزال مرابطا ً , كجندي محارب على دين التوحيد , أمام إحياء هذه البقعة الوثنية ( معبد آيس يكيلا ) ذات الصيت الكبير باعتباره أول معبد وثني بأرض بابل في التاريخ .
فما بين جبهة مريدي إحياء هذا المعبد الوثني الغامض , تحت مسمّى أحياء التراث الحضاري لبابل الموغل بالقدم . وبين جبهة مريدي الحفاظ على التراث التوحيدي الإسلامي , المتمثل بالمرقد الشريف . هناك أخذ ٌ وردّ , تشتدّ حينا ً وتفتر احيانا ً اخرى . 
ويبدو أن الأمر قد أشتدّ بين الجبهتين اليوم , واخذ طابعا ً جديّا ً , حينما وضعت تصاميم اعادة بناء مرقد عمران بن علي (ع ) الآيل للسقوط تماما ً , نتيجة تقادم البناء القديم , واجتياح المياه الجوفية لأسسه , حتى طفحت للسطح جهات رسمية وغير رسميّة ممانعة ومعرقلة لجهود إعادة البناء وصيانته . وقد بررت دائرة آثار بابل ( وهي من الجهات الممانعة للإعادة تأهيل المرقد ) من ان جهود إعادة بناء المرقد يؤثر سلباً على معالم المعبد المدفون تحته ويطمسها . الأمر الذي ينسف جهود تثبيت مدينة بابل الاثرية , في سجل أو لائحة التراث العالمي والانساني , ويسبب حرج كبير أمام منظمة اليونسكو لأنه يتعارض مع متطلباتها . وبالمقابل قد توقفت جهود التنقيب الاثاري , لأنه يمس بأسس المرقد الشريف .
وبهذا يكون المرقد , هو الوحيد الذي لم يطاله تأهيل او صيانه لبنائه منذ خمسينات القرن الماضي , وهو اليوم مغلق بوجه الزائرين , خوفا ً على سلامتهم لئلا تهدم عليهم قبابه , المتآكلة أسسها من الداخل . وربما ديوان الوقف الشيعي , ولعدم حراكه وجديّته بالموضوع , يتحمّل المسؤولية التاريخية والشرعية والقانونية الكاملة , فيما لو سقط المرقد الشريف وتهدم , ولات حين  مندم !. وبهذا يكون أقطاب الجبهتين المتضادتين ( المتصارعتين ) كالآتي : 
1 ــ الجبهة الأولى : دائرة آثار بابل + وزارة السياحة والاثار + منظمة الامم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة ( اليونسكو ) .
2 ــ والجبهة الثانية : الأمانة العامة لمزار عمران بن علي ( ع ) + دائرة العتبات المقدسة والمزارات الشيعية الشريفة + ديوان الوقف الشيعي .

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


نجاح بيعي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/04/01



كتابة تعليق لموضوع : آكِـيـتـوُ ــ عِـيـدٌ .. حَـظَـرَهُ الإمَـام عَـلـيّ ( ع ) !؟.
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net