صفحة الكاتب : د . مصطفى يوسف اللداوي

نصرةً للجبهة الشعبية في وجه سلطانٍ جائر
د . مصطفى يوسف اللداوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
 إنه لأمرٌ مهين وسياسةٌ مشينةٌ، وسلوكٌ مريضٌ وممارسةٌ ممقوتةٌ، وعادةٌ مكروهة وتقليدٌ ظالم، فيه من الضعف أكثر مما فيه من القوة، وفيه من التبعية أكثر ما فيه من الاستقلالية، وفيه الكثير من الدونية والوضاعة، بما لا يبقي لصاحبها شيئاً من العزة الكرامة، أو بقية من الإباء والاستعلاء.
 
وهو منهج الضعفاء وسجية السفهاء، وفعل الأذلاء، لا يقوم به الكبار، ولا يسلكه العظماء، ولا يأتي بمثله القادة ولا الزعماء، ولا يقبل القيام به العظماء ولا يرتضيه لنفوسهم الأجلاء، ولا يلجأ إليه الرجال أهل الندى والكرم، ولا ذوو الكرامة والنخوة والشهامة، وأصحاب الهمة والرفعة والسمو والنبل.
 
إنما هو سلوك العبيد، وممارسة الغلمان، وتصرف فقراء النفوس ومرضى القلوب، الجياع بطبعهم، والجشعين بنهمهم، والعطشى بأرواحهم، الذين يحملون بيدٍ عصا مأجورة، ورثوها بذلٍ، وأمسكوا بها بإخلاصٍ، وحافظوا عليها بتفريطٍ وخيانةٍ، أو سرقوها بخسةٍ ونذالةٍ، وانتهازية ووصولية، لغاباتٍ غير شريفةٍ، وأهدافٍ غير نبيلةٍ، يستخدمونها بأمر أسيادهم وموافقة أولياء نعمتهم، الحافظين لوجودهم، والضامنين لبقائهم.
 
وهم الذين يحملون باليد الأخرى كيساً أو جراباً لا فرق، يملأونه لهم مالاً قذراً بقدرٍ معلومٍ، وفي أوقاتٍ معدودةٍ، بعد سؤالٍ واستجداء، وانتظارٍ وصبرٍ، فلا يمتلئ حتى يفرغ، ولا يتجدد حتى يسكب المتسولون وهم أئمتهم ماء وجوههم وكرامة نفوسهم، إذ ينتظرون على البوابات، ويطرقون الأبواب، ويرفعون الأصوات تتلو جرائمهم، وتعدد مخازيهم، وتبين فضائحهم، بأنهم يقومون بما يطلب منهم، وينفذون دون حياءٍ ما يؤمرون به، وأنهم على استعدادٍ لتنفيذ المزيد، والقيام بكل ما أسوأ وأفظع، وأبشع وأنكر.
 
ذاك هو حال من يتحكم في أرزاق العباد وأقوات الناس، ويسعى لإذلالهم والإساءة إليهم، مستغلاً سلطاته، ومتسلطاً بخزائنه، أياً كانت صفته ومركزه، ومنصبه وموقعه، وصلاحياته وقدراته، وهو قد لا يكون رئيساً فقط، بل قد يكون مثله وأسوأ منه بكثيرٍ، ممن هم دونه أو يلونه، ومن أتباعه وخصومه، من صغار النفوس وشرار القلوب، وإن بدو أنهم غير ذلك أو أفضل حالاً، وأنهم أهل العدل والإنصاف، وأصحاب الحق وحملة الميزان، ولكنهم بأفعالهم وإياه سواء، يجتمعون معه وإن افترقوا، ويلحقون به وإن تأخروا، فهم معاً يبسطون الظلم، وينشرون الجور، ويرفعون العدل، ويأتون على كل قيم الإخاء والمساواة، وهم الذين يؤخرون النصر ويحبسون الخير، ويمنعون نسائم الحق ولو كانت من عند غيرهم أن تهب على شعبهم.
 
قرار رئيس السلطة الفلسطينية، الذي هو رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، القاضي بحرمان جبهةٍ عظيمةٍ، ذات تاريخٍ عريقٍ ضاربٍ في عمق زمن المقاومة، وذات انتشارٍ وامتداد، وأصولٍ وجذورٍ، ولها أذرعها العسكرية المقاتلة، ولجانها الثورية المناضلة، وعندها مئات المعتقلين في السجون والمعتقلات، وأضعافهم من الشهداء والجرحى والمصابين، وعندها رصيدٌ كبير من العمليات النوعية، وسجلٌ مشرف من الصفحات الثورية، ومواقفٌ وطنية صادقة، وغيرةٌ حقيقية ومسؤوليةٌ حكيمة، وإحساسٌ واعي وعقلٌ مدركٌ.
 
ومن قبل استشهد أمينها العام الثاني في أرض الوطن، وأعتقل الثالث وما زال في سجون العدو يعذب ويضطهد، فغدا بمواقفه رمزاً وبثباته علماً، وغاب الأول وهو الحكيم حزيناً مكلوماً على واقع شعبه وحاجة أهله، ومعاناة جبهته وكوادر تنظيمه، وهو الذي زرع في جبهته بذور الصمود، وغرس أشجار الثبات والبقاء، وصمد أمام الحرمان الأول وتجميد الحقوق ومنع صرفها، ليغير وجبهته من مواقفه، ويعدل من سياسته، ولكنه رحل ودموع الرجال تملأ مآقيه، ولكن عزاءه كان أنه رحل كما بدأ، على ذات الموقف وأصل الهدف.
 
كيف يمكننا أن نفسر قرار المنع والحرمان، أو أن نقبل به ونرضى عنه، أو أن نسكت عنه ولا نعارض من أصدره، أو ألا ندافع عن أصحابه ونساندهم في مطلبهم، ونحن نعلم أن القرار بالمنع أو الحبس، وبالحرمان والحجز، يعني حرمان آلاف الأسر التي تنتظر نهاية كل شهر راتبها البسيط، الذي لا يكاد يكفي أو يقيل، كما يعني حرمان الأسير من حصته الشهرية، وزيادة معاناة أسرته الفقيرة المعدمة، وأسر الشهداء المعنيين الحزنى، فضلاً عن محاولة الضغط والتأثير على الكوادر والقواعد، وكل من له علاقة بالجبهة وتنظيمها، بغية عقاب قادتهم، وتأديب مرجعيتهم، أو أن يبدلوا مواقفهم، ويتراجعوا عن سياستهم، وأن يكونوا ضمن جوقة الجلاد ودهماء صاحب السوط والجراب.
 
لعل رئيس السلطة الفلسطينية وغيره ممن يملكون السلطة ويتحكمون في القرارات المالية، يعلمون يقيناً أن ما بين أيديهم من مالٍ إنما هو لشعبهم، ومن أجل قضيتهم، وأنه لا يقدم إليهم أو يجمع لهم بالدرهم والفلس، والقرش والمليم، ليستمتعوا به هم وأولادهم وأتباعهم، ويعذبوا به شعبهم ومن عارضهم، أو ليستخدموه في غير صالح الشعب ونفعه، فهذا مالٌ هو باسم الشعب ومن أجل الشعب، فلا ينبغي حبسه عن أحد، أو معاقبة طرفٍ به، ولعله يجوز إن لم يكن واجباً، الخروج على صاحب القرار والثورة عليه، لثنيه ومنعه، ومحاسبته ومعاقبته، وهذا أمرٌ في الدنيا لازمٌ واجبٌ، وهو يوم القيامة محتومٌ ومكتوبٌ، إذ لن يجتازوا الصراط إلا إذا حوسبوا، ولن ينجو بأنفسهم إلا إذا عدلوا وأنصفوا، أما الصمت والقبول، فهو دعوةٌ للمزيد، وتشجيعٌ لقراراتٍ أخرى ومصائر مشابهة، يؤكل فيها ضحاياها يوم أكل الثور الأبيض.
 
أيتها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، قيادةً وكوادر، في الوطن والشتات، حاضراً بأحمد سعدات في سجنه، وتاريخاً بالحكيم وأبي علي مصطفى في شهادتهما، وفي الوطن حيث كوادركم الصامدة وكتائبكم المقاتلة، وفي الشتات حيث مواقفكم الرائدة، اعلموا أنكم الأعز وإن حرمتم، وأنكم الأغنى وإن حبس مالكم، والأقدر وإن حجبت حقوقكم، والأسبق وإن تأخر ركبكم، فالمال لا يصنع المواقف ولا يخلق الرجال ولا يبني صروح الحق ولا يعلي راياته، ولكن الرجال يصنعون المواقف، ويثبتون على الحق، ويأتون بالأموال ويراكمون الأمجاد، ويبنون لأمتهم بأصالتهم عزاً منيعاً وصرحاً عالياً رفيعاً.

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . مصطفى يوسف اللداوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/04/12



كتابة تعليق لموضوع : نصرةً للجبهة الشعبية في وجه سلطانٍ جائر
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net