صفحة الكاتب : السيد مصطفى الجابري

الدين ... وعقلية القطيع ( حلقة 6 )
السيد مصطفى الجابري

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 

لا يمكن لمنصف ان يتوهم ان البعض من ايات القران الكريم يمكن ان تشكل قرينة صارفة لتعيين نوع القراءة المامور بها في القران هي القراءة التلقينية العمياء، فان قوله تعالى " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ * قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ [المائدة:101-102] لا ينهي عن السؤال و الاستفسار مطلقا و في كل الاحوال، بل الاية تحدد نهي السؤال عن امور في ظروف محددة، حيث ان السؤال الفضولي المتكرر و الالحاحي عن بعض المسائل التي ليس من مصلحة السائل الاطلاع عليها، و هذه الحالة معروفة و مشهورة بين بني البشر في الكثير من المواقف، كما يخفي الطبيب بعض التفاصيل المؤلمة او المزعجة عن المريض، او كما يخفي القائد الحكيم و المحنك بعض تفاصيل خططه لكي لا يطلع عليها العدو من خلال عيونه و جواسيسه و الكثير الكثير من الامور التي يتكرر العمل بها في مختلف المجالات و المجتمعات.
بل على العكس من هذا التصور المغلوط فان هناك ايات عامة و مطلقة تحث على السؤال و المعرفة و التعلم منها قوله تعالى: فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ {النحل/43} بل هناك خمسة عشر اية و موضع في القران الكريم اجاب بها القران عن تساؤلات المسلمين و بين لهم ما سالوا عنه، كما في : يسالونك : ماذا ينفقون ، عن الاهلة ، عن الروح ، الشهر الحرام ، الخمر ، اليتامى ، المحيض ... الخ ، فكيف لاحد ان يجعل اية واحده مقيدة و معللة بحالة خاصة و بنوع واحد من الاسئلة دليل و قرينة لتحديد منهج الدين و القران في المعرفة، و يترك كل هذا الكم الكبير من الايات التي تحث على التساؤل و المعرفة، بالاضافة الى ما تقدم في الحلقة السابقة من ايات التفكر و التامل و التدبر و التعقل .. و هلم جرا،.
فالاسلام و القران الكريم لا يؤمن بتكميم الافواه و العقول، ولا ينهى عن الاسئلة المنطقية التربوية و البناءة ،بل نهى عن الاسئلة التي لا لزوم لها، و التي قد تكون معرفتها او التعمق فيها من الامور التي تضر و تسيء الى الشخص بصورة خاصة او المجتمع بصورة عامة.
و اما من يتمسك بقوله تعالى: لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ {الأنبياء/23} في نفي مشروعية السؤال في المنهج المعرفي الاسلامي، فانه يقع في مغالطة الاختلاف المبنائي، بمعنى ان مباني الدين الاسلامي و اسسه و اصوله العقائدية و الفكرية تسمح بل توجب مثل هذا التفاوت في المرتبة بين الخالق و المخلوق، حيث يحق للحاكم العادل و العالم و الحكيم المطلق ان يسال المحكوم الظلوم الجاهل المحدود عما يفعل و لا يحق لهذا الاخير مسائلته واستنكار فعله، فان الله سبحانه و تعالى بما ثبت له من صفات كمال مطلقة بالعقل و النقل و المشاهدة منزه عن العبث و الشطط و الغلط، و مع كل هذا لايمكن ان يحكم على الدين بان منهجه و اسلوبه في المعرفة و التعلم يكون من النوع التلقيني و التحفيظي الاعمى، لكون المسائلة تختلف عن السؤال الاستفهامي و الاستيضاحي،  لتضمنها معنى الاستنكار و التخطئة،
فهنا يمكن توضيح و بيان المطلوب بنقطتين:
1- ان الاعتراض على عدم مشروعية مسائلة الله جل و علا ناشئ من اختلاف مباني الفكر الالهي و الديني عن الفكرالوضعي و المادي، فالاول يثبت له سبحانه و تعالى من صفات الكمال و الجلال المطلقة ما تجعله في منأى عن المسائلة و التخطئة و المحاسبة، بينما الفكر الوضعي و المادي لايؤمن بمثل هذه الصفات – كما و لا يستطيع نفيها عنه – فيكون الاعتراض صالح اذا صلحت المباني الوضعية - و هي ليست كذلك - ، و غير صالح اذا صلحت المباني الالهية و الدينية - وهي كذلك -.
2- ان السؤال يمكن ان يكون على نوعين: اما سؤال استفهام و استيضاح و تعلم، او سؤال استنكار و تخطئة و محاسبة، فانت عندما تسال صاحب اختصاص معين اعلم منك او اكثر خبرة سؤال في اختصاصه فما هو المقصود من سؤالك؟ بالتاكيد سيكون للاستيضاح و الاستفهام و التعلم، اما لو سئلته يصيغة المحاسبة والمسائلة والتخطئة، فان العرف والعقل سوف يستهجن مسائلتك اياه على هذا النحو و بهذا الغرض، و يعلم من ذلك ان عدم مشروعية سؤالنا له سبحانه و تعالى الواردة في الاية الكريمة لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ {الأنبياء/23} هي من النوع الثاني لا النوع الاول، فيبقى النوع الاول من السؤال و التساؤل على اطلاقه و مشروعيته و محبوبيته في الشريعة الاسلامية، و لا تقيد مناهج المعرفة في الدين بعدم مشروعية السؤال الاستفهامي و الاستيضاحي ... يتبع

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


السيد مصطفى الجابري
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/04/17



كتابة تعليق لموضوع : الدين ... وعقلية القطيع ( حلقة 6 )
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net