صفحة الكاتب : رضي فاهم الكندي

منهجية الخلافِ والاختلاف بين الوجود والعدم
رضي فاهم الكندي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 التنوع والاختلاف طبيعةٌ تقتضيها الخِلقة الإنسانية ، فمهما اتفق أثنان في آرائهما أو طريقة تفكيرهما يبقى الاختلاف بينهما أمرًا واردًا يعكس طبيعة الشخصية الإنسانية ويبرز هويتها  ، بيد أن مايُعكِّرُ صفوَ هذه الطبيعة حينما يُوظَّفُ أو يُفهمُ ما هو من طبيعة الإنسان ليُصبحَ فاصلاً وفجوةً تؤسس لثقافة التقاطع والتناحر والإقصاء فيغدو ما هو غير طبيعي وكأنه مما تستدعيه الغريزة والسجيَّة ، ولم تقف منهجيةُ الفهم للاختلاف على هذا الأساس فحسب بل تجاوزت في ذلك لتجعله ذريعةً لألغاء الآخر و رفضه من عالم الوجود .

في حين أن المنهجية القرآنية في التعاطي مع الآخر المُختلِف معها وجوداً أو  سلوكاً وضع النقاطَ على الحروف ، حيث انطلق أولاً من مبدئية إعطاء كلِّ ذي حقٍ حقه في دائرة التقييم وفقاً لمقولة ( و لاتبخسوا الناسَ أشياءَهم ) ، وعدم إغماط فضائل الآخر بالإشارة أو التعريف بها إن وجدت ولو على نحو الإجمال ، وهي بهذه المنهجية تؤسس لتقليص الفوارق وعدم تكبير الهوة بين المتخاصمين ؛ تأكيدًا لبقاء خطوط التواصل مفتوحة بينهما وإن اتسعت دائرة الاختلاف أو تعددت خطوط التقاطع ، ومن ذلك قوله تعالى : ((قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ  )) [ آل عمران : 64 ] فالمنهجية القرآنية تبدأ من المشتركات وهي موجودة وإن اختلفت العقيدةُ أو السلوك  .
  وتتضح معالم هذه المنهجية حينما تُطرح كعلاجٍ للظواهر الاجتماعية المنحرفة كما في مسألة شرب الخمر ؛ قال تعالى (( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا )) [البقرة : 219 ] فهي لم تبدأ بإصدار حكم التحريم لمخالفة الظاهرة المنحرفة لعقلانية الإسلام و تشريعاته الحكيمة ، ولم يحملها الاختلافُ معها - بحكم كون تعاطيها يمثل سلوكا منحرفًا - أن تغمطَ حق الظاهرة المنحرفة ، وإنما إثبتت النفع فيها كخطوةٍ مرحلية ، حتى إذا حصل جاءت الخطوى الأخرى لذكر المساويء  والمضار تمهيدًا لصدور الحكم بحرمة تبنيها ليكون ذلك أكثر إطمئنانًا واندفاعاً في تبني الآراء وامتثال السلوك ، فيأتي قوله سبحانه (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ))[ المائدة:90 ] ، فالثقافة القرآنية لم تجعل الرفض الكلي للآخر المباين منطلقًا لها ولم تؤسس لذلك ، وإنما تدرجت في ذلك وهي نظرةٌ مستقيمة تنتهج سبيل الاعتدال لتحقيق التوازن بين المختلفين .

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


رضي فاهم الكندي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/04/18



كتابة تعليق لموضوع : منهجية الخلافِ والاختلاف بين الوجود والعدم
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net