صفحة الكاتب : مصطفى الهادي

من صمم التوراة والإنجيل بشكلهما الحالي ( 2 )
مصطفى الهادي
 توطئة: طيلة قرون ، لاحقت السلطات كل من يمتلك أو يقرأ في الكتاب المقدس. وحتى رجال الدين طاردوا من يفعل ذلك تحت جريمة (الهرطقة والانشقاق عن الكنيسة) (1) وكانت طباعة هذا الكتاب ممنوعة ولا يحق لأي أحد لمس الكتاب او القراءة فيه سوى رجال الدين، والسبب هو أن السلطات في البداية رأت فيه كتابا خطيرا يحث على الكراهية ويؤسس للحروب ويزرع روح الشر فيمن يقرأه (2) ويبث روح التفرقة بين الناس فيما هم احوج إلى الهدوء للسيطرة على الامبراطورية المترامية الأطراف ، ولكن فيما بعد استفاد القياصرة من هذه النصوص باعتبارها مقدسة لحث الناس على الحرب.
 
آباء الكنيسة تكتموا على ما فيه خشية من نفور الناس منه لبشاعة نصوصه ولذلك منعوا تداوله. ولكن الكنائس بسبب هذا الكتاب اصبحت فيما بعد ثكنات عسكرية هدفها تجييش الجيوش من أجل زيادة نفوذ القياصرة ونشر الديانة الباطلة بين الناس وحثهم على الاستسلام لهؤلاء القياصرة وعدم الاعتراض عليهم مثل اعطاء الجزية والضرائب : (اعطوا ما لقيصر لقيصر. لا تقاوموا الشر من لطمك على خدك الإيمن فأدر له الأيسر ومن أخذ قميصك اعطه ردائك). فهذه نصوص سلب ونهب وليست نصوص سلام كما يُشيع بعض الاباء المنتفعين ،لأننا رأينا دموية المسيحية وعنفها التي لا تستقيم مع ما يزعمه آباء الكنيسة من أن المسيحية ديانة سلام.
 
بيّنا في الجزء الأول عدم وجود توراة أو إنجيل وأن الموجود بين أيدينا ماهو إلا قصص وخرافات واقتباسات من اساطير الأمم وأغلبه منامات ــ أحلام ــ رآها بعض الصالحين فتم اعتبارها وحيا وأن نسبة عالية من هذين الكتابين يحتويان على قصائد شعرية وآراء فلسفية وأخرى جغرافية تدل دلالة واضحة على أنهما من عمل بشري ناهيك عن اعتراف من دوّن هذه الكتب بأنها ليست كتب مقدسة وأنها مجرد قصص أو رسائل كتبوها بعضهم لبعض وانهم لم يدونوا كل ما رأوه او سمعوه من أنبياء هذين الكتابين ، وأن اصولهما ضاعت (3) فلا دليل تاريخي على صحة ما جاء فيها وإنما الذي بين أيدينا ترجمات عن ترجمات عن ترجمات لا يعلم أحد من ترجمها وعن أي لغة خصوصا إذا عرفنا أن هناك لغات متعددة في زمن موسى وعيسى وهذا ما نراه واضحا عند صلب السيد المسيح ــ حسب زعم الإنجيل ــ حيث كتب الرومان لافتة فوق رأسه بثلاث لغات (بالعبرانية واليونانية واللاتينية).
 
في هذا البحث ما نريد أن نقوله هو : أن التوراة والإنجيل وعلى مر التاريخ كانت تُقرأ على شكل (دُرج) واحد ملفوف ليس فيه فصول ولا اصحاحات ولا أسفار ولا ترقيم صفحات ولا أحد يعرف رأس الآية من ذيلها وأين نزلت وعلى من نزلت ولماذا نزلت . وعلى رأس كل بضع سنين يضعون سفرا جديدا حتى اكتمل الكتاب المقدس بشكله الحالي . (4)
 
فأغلب الناس لا يعرفون أن الكتاب المقدس لم ينزل دفعة واحدة ــ باعتراف علماء المسيحية ـــ بل ان الكتاب المقدس تم تدوينه طوال (1600) سنة وتناوب على تأليفه (40) كاتبا نُسبت هذه الكتب لهم واعتبروا فيما بعد أنبياء يوحى لهم وعند اكتماله على مدار (1600) سنة قطّعوه إلى (66) سفر وذلك قبل اكثر من (200) سنة.
 
وفي عملية حسابية بسيطة نقوم فيها بتقسيم عدد السنين على عدد الأسفار تكون النتيجة ما يلي : 1600÷ 66= 24 .وهذا يعني أن كل اربع وعشرون سنة يُنزل الله كتابا على هذه الأمة (5) ومن هنا فإن الروايات الإسلامية التي تقول بأن هذه الامم كانت تقتل كل يوم نبيا هو كلام في غاية الدقة اعتمادا على ما وضعوه من أرقام وهذا يؤيده ما جاء في الكتاب المقدس نفسه من أن الأنبياء كانوا يخشون اممهم فهارون شكى لأخيه موسى خوفه من بني إسرائيل ، وموسى شكى إلى ربه خوفه من بطش اليهود وانهم على وشك أن يقتلوه رجما بالحجارة . (6) 
تقسيم الكتاب المقدس إلى (أسفار) قبل بضع سنين أدى إلى فوضى عارمة تسببت في انشقاقات في الكنيسة وعدم اعتراف الكثير من هذه الكنائس بهذا التقسيم العشوائي الذي أدى إلى زيادة الاخطاء والغموض في نصوص الكتاب المقدس لأنه تقسيم عشوائي يقتطع النص من وسطه او ربعه فيجعل النص مشوشا ولعل اصدق ما كتبه العلماء عن هذا التقسيم قولهم : (أن هذا التقسيم ليس من وحي إلهي وهو يجتزيء النص في أماكن غريبة ). (7)
 
وليس فقط الاعتراف بأن هذه التقسيمات فيها الكثير من الاخطاء وهي ليست من الوحي، بل هناك اعتراف بأن هذه الكتب تحتوي على أشياء ليس لها علاقة بالوحي اطلاقا مثل ( النثر والشعر، وتاريخ وقصص، وحكم وأدب وتعليم وإنذار، وفلسفة وأمثال). ثم يقولون : (ومع أن هذه التقسيمات مهمة جدًا للمراجعة فقد وقع فيها كثير من الأخطاء التي جعلتها لا تتناسب تمامًا مع المعنى الموجود فيها).(8)
 
الفوضى التي احدثها هذا التقسيم جعل الكنائس تختلف فيما بينها وأصبح الكتاب المقدس تختلف اسفاره من كنيسة لاخرى فكنيسة تؤمن ب66) ) سفر وكنيسة تؤمن (73) سفر وكنيسة تؤمن 83 سفر واخري 87 سفر فامعنوا في الكتاب المقدس حذفا وتبديلا ولكن بالرجوع إلى الحقيقة الأولى فإن كتاب موسى كان يتألف من خمس اسفار فقط وليس 66 او 73 سفر. وهي: (سفر التكوين وسفر الخروج وسفر لاويين والعدد و التتثنية). وبعده قبل زمن نبي الله داود كان الكتاب يتألف فقط من 7 اسفار بزيادة سفرين.
 
واما الانجيل. فقد كان على عهد السيد المسيح يتألف من بشارة واحدة نزلت على السيد المسيح ولذلك اطلق عليه الإنجيل أو البشارة.ثم اضيفت له لاحقا رؤيا يوحنا ورسائل بولص واسفار أخرى ومنامات فأصبح على شكله الحالي.وهذه الاضافات ليست من الوحي ابدا بل من فعل البابوات.
 
فالكنيسة البروتستانتية تعترف بـ (66) سفر. والكنيسة الارثوزكسية والكاثوليكية تعترف بـ (73) سفر والترجمة السبعينية تعترف بـ (78) سفر وهي الاسفار التقليدية واما الكنيسة الحبشية فتعترف بـ (78) سفر.
 
ومثال على بعض ما جاء من اسفار في الكتاب المقدس خذ مثلا سفر المكابيين الرابع فهو باعتراف الجميع كتاب فلسفي يتكلم عن (شرائع الطعام لليهود وما يُناسب الروح ويقسم العواطف مثل تقسيم ارسطو للمتعة والألم ويرتبط بهما الرغبه والفرح والخوف. وبعض الافكار البيئية وبعض الصلوات اليهودية) لذلك فهو مرفوض كوحي ولكن يدرس تاريخيا لمن يهتم بالتاريخ اليهودي.والسبب الذي رُفض من أجله ان يكون سفر المكابيين وحيا هو مجهولية كاتبه فلم يتفق علماء المسيحية على اسم كاتب هذا السفر هل هو يهوذا المكابي نفسه أو يشوع بن سيراخ أو فليون السكندري أو يوسيفوس. (ولكن المرجّح أن الكاتب هو أحد أبناء أو أحفاد هركانوس، والذي أراد أن يجعل لعائلته اسمًا).(9)
 
يعني لم نر في أي تاريخ ديني كان أو سياسي أو اجتماعي اعترافا يقول بأن كاتب هذا السفر ليس نبيا وليس وحيا بل أن الكاتب اراد ان يجعل لعائلته اسما يُذكر فكتب هذا السفر. ومع ذلك فإن القوم ادرجوا هذا السفر في الكتاب المقدس واعتبروه جزءا من الوحي وهكذا قس على بقية الأسفار.
(فويلٌ للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويلٌ لهم مما كتبت أيديهم وويلٌ لهم مما يكسبون). (10)
 
المصادر: 
1- أنظر مقدمة على الكتاب المقدس في القرون الوسطى الكاتب: فرانز فان ليري كالفين ، كلية، ميشيغان. 2014.
 
2- بيّنا ذلك في بحث : (أخطر كتاب على وجه الأرض). البحث الذي أزعج اتباع هذين الكتابين كثيرا فلم يستطيعوا الرد عليه لما فيه من أدلة ومن نفس الكتابين.
 
3- عدم وجود النصوص الاصلية للكتاب المقدس دفعهم إلى الاعتراف بأن الكتاب المقدس ليس له اصول فقد ضاعت اصوله حيث يقولون : (أوحى الله بكلمته إلى أنبياء ورسل إلا أنه لم يصل إلينا شيء من النسخ الأصلية وكل ما وصل إلينا هو نسخ مأخوذة عن ذلك الأصل. ومع أن النساخ قد اعتنوا بهذه النسخ فقد كان لا بد من تسرب بعض السهوات الإملائية). أنظر قاموس الكتاب المقدس دائرة المعارف الكتابية المسيحية شرح كلمة الكتاب المقدس.
 
4- يقول موقع تكلا هوم ، سنوات مع إيميلات الناس : (فلم تكن أسفار الكتاب المقدس مقسمة إلى أصحاحات ولا أعداد بل كان كل سفر منها متصلًا من أوله إلى آخره، ولم يكن في كل هذه الأسفار علامات فاصلة بين الجمل كالنقطة بل كانت الكلمات ملتصقة ببعضها حتى كان السطر منها ككلمة واحدة).
 
5- طبعا الذي يُكذب هذه المزاعم أن اليهود بقوا بلا كتاب سنين كثيرة كما جاء في سفر أخبار الأيام الثاني 15: 3 (ولإسرائيل أيام كثيرة بلا إله حق وبلا كاهن معلم وبلا شريعة ).فمن أين جاءت هذه الكتب الـ (66)؟
 
6- سفر الخروج 17: 4 (فصرخ موسى إلى الرب قائلا: ماذا أفعل بهذا الشعب؟ بعد قليل يرجمونني).
7- المدخل لدراسة التوراة والعهد القديم. محمد علي البار، دار القلم دمشق الطبعة الأولى 1990.
8- قاموس الكتاب المقدس | دائرة المعارف الكتابية المسيحية شرح كلمة الكتاب المقدس.
9- مدخل إلى سفريّ المكابيين - الأنبا مكاريوس الأسقف العام. كاتب سفر المكابيين الثاني.
10- سورة البقرة آية : 79.
  

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


مصطفى الهادي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/05/06



كتابة تعليق لموضوع : من صمم التوراة والإنجيل بشكلهما الحالي ( 2 )
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 

أحدث التعليقات إضافة (عدد : 2)


• (1) - كتب : مصطفى الهادي ، في 2016/06/25 .

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
حضور المبجل محمد مصطفى كيال حياكم الله , بالنسبة للجزء الأول فهو منشور على نفس الموقع بعنوان حقائق عن التوراة والإنجيل الجزء الأول . وتجده على هذا الرابط
http://www.kitabat.info/subject.php?id=78042
شاكرا لكم حسن متابعتكم اسأل الله أن يكتبها في صحائفكم من أعمال الخير لأن الخير كل الخير في طلب العلم .
تحياتي

• (2) - كتب : محمد مصطفى كيال ، في 2016/06/21 .

ارجو من حضراتكم ارفاق رابط للجزء الاول للموضوع
شكرا لكم




حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net