صفحة الكاتب : عبد الخالق الفلاح

الوطن جريح ...متى يسترد عافيته
عبد الخالق الفلاح

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
 العراق الحالي هو امتداد للحضارة السومرية ،أولى الحضارات الإنسانية على الارض  وتلتها حضارات أخرى متتالية ، وسميت باسم بلاد الرافدين لانها تحوي نهرين عظيمين هما دجلة والفرات وتمتاز أرضها بخصوبة لامثيل لها ( ارض السواد ) وغناها بالموارد الطبيعية التي يفتقر لها الكثير من بلدان الدنيا ولتربعها في قلب العالم، مما جعل  ان تهفو اليها نفوس الطامعين والغزاة ، وبقدر ما عان أهلها من تلك الغزوات ترسخت فيها جذور حضارات العالم، ويغفوا في ترابها المئات من الانبياء والرسل لهذا فأن ارضها مقدسة حاضنة للاديان ومازال شعبها كريم النفس شامخاً باقيا محتفظاً بقيمه  ، محافظاً على حضارته وعراقته رغم المحن التي مرت عليه ، واقساها الفترة الزمنية التي  قادها صدام حسين وحزب البعث قرابة خمسة و ثلاثين عاما، وبدد خيراته وثرواته رغم كونه كان من أغنى دول الشرق الأوسط ، جعل منه أفقرها اثر زجه  بحروب عبثية لا يأتي بها العاقلون ، و هو اليوم جريح يصيح من الألم ، يستجير بالقاصي والداني لإسعافه وتضميد جراحه، وجراح العراقيين مازالت تنزف دما يوميا.
 
وزاد فيما دمر الاحتلال بنيته التحتية بعد عام 2003، و في زهق ارواح الآلاف من ابنائه ، وأهلك زرعه وضرعه ، أن أمريكا وبعض الدول الاقليمية  وراء الكثير مما يجرى ، و المستفيدين من تدمير العراق، وإشعال نار الفتنة الطائفية به ، وهذا فيه جزء كبير من الحقيقة ، لكن الجزء الآخر والمهم أن المسؤولية تقع على عاتق الأطراف الداخلية التى تحكمت بمسار العملية السياسية فى الفترة الماضية.
 
فبات العراق يحتاج الى سنوات ليستعيد عافيته و توازنه ويكون كما هو اهل له كدولة عزيزة مستقلة ثرية بشعبها وخيراتها وتلتحق بالعالم .الأزمات المزمنة تتكاثر في العراق وهي حتمية نتيجة الاخطاء السياسية التي ادت الى تمزيق وتزلزل وحدته  ، بفعل بعض العقول السياسية المسيطرة التي تفتقر إلى النزاهة والقدرة ،  وتعتاش على جراحه وعندما تكون العقول هكذا، تبدأ الأزمات تنمو في الظلام ، تكبر خلف الكواليس، تتضخم بعيدا عن الفضاء الظاهر، بعدها تخرج ، لتظهر على شكل عواصف مدمرة، و مرعبة، وهذا ما حصل، فمن كيل التهم والتهميش إلى سرقة المال العام، ومن العجز في تقديم الخدمات إلى تفشي الرشوة التي انقلبت إلى سلوك عام متداول ، إلى سقوط المدن بيد داعش والمجاميع التكفيرية، وما رافقها من ضياع الأرواح والأموال، وحالات تهجير وتشريد، إلى الاستجداء من دول العالم وهبات يسرقها كبار الموظفين والمسؤولين، إلى هزيمة المنظومة الأخلاقية، وغياب الشعور بالوطنية، إلى سلطة العشائر وغياب القانون، إلى المحسوبية والمنسوبية في التعامل وفق معايير القبيلة، إلى تصدع وانهيار الاقتصاد العراقي، إلى الانحطاط في نمط التفكير العام، ودفعه إلى صياغة المناهج الظلامية  المتخلفة، وتحولت الى فجيعة و هجرة العراقيين وهم يحتشدون على أبواب سفارات الدول للخروج من بلدهم، إلى غيرها من الانتكاسات التي طالت الحياة .
 
في الوقت الحالي العراق يمر بظروف صعبة ومعقدة جداً ربما ستؤدي إلى كارثة كبيرة ( لاسامح الله ) تصيب الشعب العراقي في حالة عدم الإسراع إلى حلها عبر اتخاذ خطوات ناجعة سليمة بعيدا عن المناكفات . لابد من ايجاد خطوات اذا ما تم إتباعها وتنفيذها بدقة فإنها ستُسهم في حلحلة الأزمة وتحقيق الإنسجام بين أبنائه للخروج من المشهد الشائك الذي يمر به . والعمل على  تجاوز الأزمة السياسية الحالية من الامور المهمة خصوصا وان هناك حرب ضدّ التنظيمات الارهابية وعصابات الشر في عدة مناطق من البلاد فرغم التقدم الذي حققه الجيش العراقي على حساب هذا التنظيم الإرهابي الذي لاتزال خطورته قائمة ومهدّدة لامن واستقرار البلد .
 
وهو ما يستوجب - تظافر كافة الجهود الاقتصادية والسياسية والأمنية للنجاح في دحر هذه المجموعات وضمان الامن في منأى عن الصراعات والتجاذبات الحادة والتحديات الداخلية التي زادت من تعقيد المشهد السياسي وهي مرتبطة ارتباطا وثيقا بمشهد اقليمي معقّد تعيشه المنطقة والعالم برمته ايضاً . والتي عطلت الدولة لعدم وجود رؤيا واضحة عند الفئة الحاكمة لادارته  . واستمرار التصعيد دون حلحلة الازمة السياسية الاخيرة سيقودنا إلى خلاصة قاتمة .
 
وستتحمل الطبقة السياسية الحالية المسؤولية لان أخطاؤها ساعدت للوصول الى هذه المرحلة العصيبة ولاشك أن ذلك سيمثل الجزء المظلم في تاريخ  هذه الطبقة السياسية. العمل على المحافظة على وحدة ارضه واحترام سيادته واستقلاله  ووحدة شعبه والالتزام بمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية له وعليه وحقه في تقرير مستقبله السياسي بنفسه .
 
على نواب الشعب ان يأخذوا بحساباتهم اثمان الحرب ضد "داعش" والضغوطات الاقتصادية المرهقة والتداخلات السياسية، الداخلية والخارجية وحسابات الابعاد الاجتماعية التي لا تسمح سوى بإيجاد حلول عاجلة لهذه الازمة والتفكير جدياً وملياً للخروج منها بأسرع وقت. فمدى واحتمالات التصعيد لابد ان يتوقف، ولابد للذهاب لخيارات وقرارات الحل ولا يمكن ان تأتي الا من القوى السياسية المتواجدة في البرلمان وخارجه من جهة والحكومة بمشاركة الشارع الذي يمثل الحلقة الاقوى والقادر على مسك البلاد من جهة اخرى . وبالتسوية المؤقتة لا يعني حل مجمل المشكلة لانها تمس نمط النظام السياسي برمته بمعنى ان الديموقراطية العراقية مازالت هشّة أمام لوبيات ومافيات الفساد التي دمرت البلد إلى الحد الذي يؤكد ان استشراء الفساد سيولد ثورة مستمرة تحاسب الحكومة والنواب وحتى قادة الكتل السياسية عليه .
 
الامل في أن يتجاوز العراق هذه المرحلة الحرجة من تاريخه وأن يسترد عافيته واستقراره وأمنه حتى يتحقق لكل مواطن أمله في مستقبل أفضل لان هذا هو رجاء وأمنية الجميع .
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عبد الخالق الفلاح
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/05/08



كتابة تعليق لموضوع : الوطن جريح ...متى يسترد عافيته
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net