صفحة الكاتب : السيد ابراهيم سرور العاملي

مبعث النبي الخاتم (ص)
السيد ابراهيم سرور العاملي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
 بسم الله الرحمن الرحيم
🔴ذكرى المبعث النبوي الشريف حيث بدأ نزول القرآن الكريم على الرسول الأعظم محمد (صلى الله عليه وآله) هي أهم المفاصل التاريخية في مسيرة الإنسان لأنها ذكرى آخر اتصال - بواسطة الوحي - بين الإنسان وخالقه ولأن هذا الوحي الأخير المتمثل بالقرآن الكريم كان احتواء واكمالاً لكل الرسالات السماوية التي أرسلها الله تعالى إلى البشرية بواسطة أنبيائه ورسله. بما يعني أن المبعث النبوي الشريف هو بداية الإعلان الإلهي لبلوغ الإنسان مرحلة الرشد والنضوج التي تؤهله لمتابعة المسيرة بدون واسطة مباشرة أي بدون رسل وأنبياء يقومون بمهمة القيادة لهذه المسيرة البشرية. وهذا لا يعني أن انقطاع النبوة يعني انقطاع الرعاية الإلهية للبشر والحياة والكون. ولكن يعني أن الدرجة المطلوبة ليغدو الإنسان قادراً على التصرف بما يحقق الغاية من خلقه قد تحققت كما أشار القرآن الكريم: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً...).إنها - إذن ذكرى إعلان الرشد الإنساني واكتمال عناصر الوظيفة التي خلق من أجلها الإنسان وهي القيام بدور الخلافة على هذه الأرض. لذلك اختار الله تعالى أكمل خلقه للقيام بهذا الإعلان من خلال قيامه بإبلاغ البشر آخر رسالات ربهم إليهم والرسول الأعظم كان لابدَّ أن يكون أكمل البشر ليقوم بأعباء هذه المسؤولية الكبرى فهو إذ يؤدي إلى الناس أكمل رسالات ربه لابدَّ له أن يكون النموذج البشري الكامل من حيث تمثله الكامل لهذه الرسالة والتجسيد التام لها ليكون بعد ذلك نموذجاً وقدوة للناس من جهة وحجة عليهم من جهة أخرى. وإذن فإن المبعث النبوي الشريف هو تذكير لنا بحقيتين تقترن إحداهما بالآخرى وتكملها:1 ـ الحقيقة الأولى: هي أن الإنسان منذ المبعث النبوي الشريف أصبح يمتلك عناصر الوعي والرشد والمعرفة التي تؤهله لتحمل مسؤولياته الكاملة في الكون والحياة والمجتمع وبموجب هذه المسؤولية تم تكريسه بوصفه كائناً حراً يتمتع بهذه الحرية ويتحمل مسؤولياته الناجمة عن اختياراته. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى الموجه إلى النبي (صلى الله عليه وآله) (فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر) وقوله تعالى: (ومن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر).2 ـ والحقيقة الثانية: هي أن المبعث النبوي الشريف هو الأيذان ببدء نزول الرسالة الإلهية الشاملة الجامعة لما سبق من الرسالة وألمكملة لها. بحيث أصبح للإنسان مرجعية شاملة تتمثل بالإسلام عقيدة وشريعة وكتاب هداية شاملا هو القرآن الكريم، ورسولاً بشراً كاملاً هو محمد (صلى الله عليه وآله) وهذه الرسالة بعناصرها التي ذكرنا باتت مرجعاً للبشر وحجة عليهم. على قاعدة هاتين الحقيقتين نرى أن العالم الإسلامي يجب أن ينطلق في تجديد ذاته وحضارته تمهيداً لاستعادة دوره.إن التمسك بهاتين الحقيقتين سوف يعيد لكل من العقل والوحي اعتبارهما ويضع كلاً منهما في نصابه الطبيعي فلا يلغي أحدهما الآخر لأن أحدهما لا ينوب عن الآخر ولا يختزله وهما معاً - متكاملين - يشكلان الأساس لحضارة العدل والتوازن التي هي رسالة الإسلام للإنسانية بأجمعها.من هنا فإن ذكرى المبعث النبوي الشريف سوف تظل الذكرى المتجددة التي لا تنتهي حاجتنا منها إلى التأمل والاعتبار.. ويجب أن تتحول هذه الذكرى في حياة المسلمين إلى محطة سنوية فيها لصاحب الذكرى نبينا الأعظم (صلى الله عليه وآله) كشف حساب عن انجازاتنا في سبيل قيام الأمة التي أرسى قواعدها.. أمة الوحدة والعدل والأمة الوسط وفقاً لقوله تعالى: (وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً).
✨إن هذه الذكرى العطرة تدعونا للوقوف بتأمل عند محطات من سيرته(صلى الله عليه وآله وسلم) في الدعوة إلى الإسلام وتوحيد الله تعالى، لنتأسى بها في جميع مراحل حياتنا ـ خصوصاً مرحلتنا الراهنة المعبأة بالتحديات والتيارات المنحرفة ـ ونستوحي منها الكثير من الدروس والعِبَر…1ـ استذكار صمود الرسول الكريم(صلى الله عليه وآله وسلم) وصبره ورفضه لأية مساومة في سبيل تحمله المسؤولية في الدعوة الى الله تعالى وهداية الامة حتى أطلق(صلى الله عليه وآله وسلم) كلمته المدويّة عبر الأجيال لعمه أبي طالب قائلاً: «يا عمّاه، لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه، ما تركته».2ـ التضحيّة في سبيل المبدأ الحق، وتحمل المشاق من أجل إعلاء كلمة الله تعالى وتبليغ رسالته، فلقد مرّت به 8 وبعمه أبي طالب وأهل بيته وبقية بني هاشم ظروف عصيبة يصفها أمير المؤمنين(عليه السلام) بقوله: «فأراد قومنا قتل نبينا، واجتياح أصلنا، وهمّوا بنا الهموم، وفعلوا بنا الأفاعيل، ومنعونا العذب، وأحلسونا الخوف، واضطرونا إلى جبل وعر، وأوقدوا لنا نار الحرب، فعزم الله لنا على الذب عن حوزته، والرمي من وراء حومته»، إلاّ أنها لم توهن عزيمته(صلى الله عليه وآله وسلم)، ولم تثنه عما صمم عليه من المضي قُدُماً في الدعوة إلى الإسلام، وتوحيد الله تعالى.3ـ الخُلُق الرفيع الذي كان من سماته البارزة في دعوته الشريفة، وما تميزت به حياته الرسالية من الحكمة والموعظة الحسنة، حتى نال مدح القرآن الكريم في قوله تعالى: ﴿وإنّك لَعَلى خُلُقٍ عَظيم﴾، وكان هذا دأبه مع اعدائه ومناوئيه فيما يحكي عنهم القرآن الكريم بقوله: ﴿ وَمِنْهمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيِقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ﴾.وقد روي عن الإمام علي(عليه السلام) الإشارة إلى مجموعة من فضائله وصفاته بقوله: «كان أجود الناس كفاً، وأجرء الناس صدراً، وأصدق الناس لهجة، وأوفاهم ذمة، وألينهم عريكة، وأكرمهم عشرة، ومن رآه بديهة هابه، ومن خالطه فعرفه أحبه، لم أر مثله ولا قبله ولا بعده»(بحار الأنوار:16/283).4ـ تهجّده وعبادته لربه، فبالرغم مما كان يحمله من هموم الرسالة، وما اكتنفها من ظروف عصيبة، لم يكن يغفل هذا الجانب أو يتهاون فيه، فقد وقف(صلى الله عليه وآله وسلم) في محرابه للصلاة حتى تورّمت قدماه، وفي الحديث عن الإمام زين العابدين(عليه السلام): «إن جدي رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فلم يدع الاجتهاد له، وتعبّد حتى انتفخ الساق وورم القدم، وقيل له: أتفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: أفلا أكون عبداً شكوراً ؟!».5ـ من كلماته(صلى الله عليه وآله وسلم)المأثورة:* عن أبي جعفر الباقر(عليه السلام) قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): «ألا أُنبئكم بالمؤمن؟ من ائتمنه المؤمنون على أنفسهم، وأموالهم، ألا أنبئكم بالمسلم؟ من سلم المسلمون من لسانه ويده. والمهاجر من هجر السيئات، وترك ما حرم الله. والمؤمن حرام على المؤمن أن يظلمه، أو يخذله، أو يغتابه، أو يدفعه دفعة».* عن أبي عبد الله الصادق(عليه السلام) قال: قال النبي(صلى الله عليه وآله وسلم): «ألا أُخبركم بأشبهكم بي؟ قالوا بلى، يارسول الله. قال: أحسنكم خُلُقاً، وألينكم كفاً، وأبرُّكم بقرابته، وأشدكم حباً لإخوانه في دينه، وأصبركم على الحق، وأكظمكم للغيظ، وأحسنكم عفواً، وأشدكم من نفسه إنصافاً في الرضا والغضب».وفي الختام نرفع أكف الضراعة لله تعالى في أن يوفّقنا جميعاً للسير على نهج رسوله المصطفى(صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته الطاهرين(عليهم السلام)، والاقتداء بهم في مسيرة الحياة الدنيا وما يحيط بها من مصاعب ومحن. إنه سميع مجيب.
📆الجمعة 29 رجب اﻷصب 1436هجري.

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


السيد ابراهيم سرور العاملي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/05/08



كتابة تعليق لموضوع : مبعث النبي الخاتم (ص)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net