صفحة الكاتب : علاء الخطيب

عبد الكريم قاسم وعقدة الوطنية العراقية
علاء الخطيب

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
 هل كان عبد الكريم قاسم وطنياً ؟                                                                      
سؤال ربما تكون الإجابة عليه من البديهيات , فلا يختلف إثنان في العراق على وصف الزعيم العسكري عبد الكريم قاسم بالوطنية , والاخلاص للعراق , ولكي لا  نبخس الرجل حقه فأنه كان كذلك , ولكن محبوه تناسوا أخطاء الرجل وتعلقوا بوطنيته فقط, وسلطوا الضوء على أمانته وترابيته في العيش, ولربما أوصلوه الى درجة القديسيين  وراحوا ينسجون الاساطير حوله, فحينما يحدثك معاصروه وحتى منْ سمع َ من  معاصرية يخيل لك أنك أمام شخصية  خيالية لا تتكرر. والسؤال الذي يقفز في الذهن هو ما الذي يدعو العراقيين الى إنزال الرجل هذه المنزلة فهل كان مختلفاً عن غيره من القادة وهل تعامل مع النظام الذي استبدله بطريقة مختلفة عمن سبقوه؟                                                                
ان الرجل لا يختلف عن الآخرين في سلوكه وتعامله فقد ارتكب هو ورفاقه مجزرة بحق العائلة المالكة, والغى مؤسسات الدولة العراقية والدستور والحياة البرلمانية والمحاكم المستندة الى القانون. إذن ما هي الأسباب في جعل عبد الكريم قاسم والوطنية وجهان لعملة واحدة؟                                                                                                        
لوفتشنا عن الاسباب ورجعنا الى هذا السلوك  النفسي الجمعي لدى العراقيين لوجدناهم محقين ولهم مبرراتهم  .                                                                                   
 ولهذا السلوك  أسباب إجتماعية وتراكمات تاريخية إنعكست على المجتمع العراقي ككل وأصبح الزعيم العسكري عبد الكريم قاسم هو المثال  والنموذج الذي رسخ في خيالهم عن الوطنية والنزاهة وبساطة العيش للقائد الذي لم يتعودوا أن يشاهدوه إلا جزاراً ومستبداُ أو دكتاتوراً قاتلاً يخشاه الجميع .                                                                            
 وبالرجوع الى التاريخ العراقي منذ الحجاج الى سقوط الدولة العثمانية لرأينا تأثير تلك الحقبة على سايكلوجية الفرد العراقي , وكم حمل اللاشعور لهذا الفرد( العراقي)  من تراكمات القهر والسحق والإضطهاد, ولربما حمل أيضاً عقدة أجنبية الحاكم.                    
فقد كان عبد الكريم قاسم أول حاكم عراقي يحكم العراق منذ سقوط بابل سنة 612 ق.م حتى العام 1958م , لقد تعاقب على حكم العراق مند سقوط بغداد سنة 1258م -656هـ  وحتى مجيء عبد الكريم قاسم 66 حاكم ووالي وملك كلهم كانوا من الاجانب , وقد تركوا ندوباً كبيرة في جسد هذا الوطن,بالاخص تلك التي خلفتها حقبة حكم الفرس و الأتراك والمماليك,فقد كانت تفرض عليهم الحروب التي لم يكن لهم فيها لا ناقة ولا جمل وتفرض عليهم الضرائب الثقيلة التي كانت تبني أوطانا ً أخرى , كما هو حال عوائد النفط في العهد السابق , ناهيك عن الظلم والقهر الذي يمارسه الحاكم بحقهم من إستلاب للأموال والحقوق وإجبار أولادهم على الخدمة العسكرية في جيش لا يحميهم ولا يوفر لهم الأمان لأنهم كانوا دائماً عرضة لصراع الغرباء على أرضهم . بالأضافة الى ممارسات أحسوا معها بأنهم غرباء في وطنهم أوموطنون من الدرجة الثالثة في  أحسن الاحوال  ينتابهم شعور بالسحق والدونية , ولربما نلاحظ ترسبات تلك الحقبة الزمنية في كثير من سلوكياتهم اليومية الى يومنا هذا مثل كلمة ( عمي ) التي ينادى بها الاثرياء وأصحاب النفوذ من الاغنياء والمترفين  ولعلك تجدها في المطاعم ومحلات الخدمة , وكلمة ( آغاتي ومولاي و سيدي) وكلها كلمات تدل على الدونية , أتذكر يوما ً ذهبت وكان ذلك في منتصف الثمانينات الى دائرة التجنيد  لسوقي الى العسكرية  وكنت حينها طالب متخرج , فقلت : للضابط كلمة أستاذ فنهرني وقال ( إنجب لك) قل سيدي . ولعل الكثر من قصص السحق الاجتماعي كان يتعرض له المواطن العراقي من قبل الانظمة المتعاقبة على حكمة  قد أثرت بشكل أو بآخر في تكوين عقدة وطنية إتجاه الحاكم والسلطة , لذا أحتل عبد الكريم مكانة متميزة في وجدان الإنسان العراقي, ولربما الذين جاؤوا بعد الزعيم هم من ْ ساعدوا على تكريس مكانة عبد الكريم قاسم في نفوس الشعب.                                                                                           
ففي الفترة التي أعقب حكم عبد الكريم أو قبلها  كان هناك فصل كبير بين الشعب وبين الدولة وكان الناس يشعرون على الدوام أن الحكومة لا تمثلهم , ولعل الكثير منا يتذكر كيف كان الأطفال يخرجون الى الطرقات ويقومون بتخريب إنارة الشوارع أو تمزيق مقاعد الباصات التابعة للدولة وغير ذلك من الاعمال,بلا شك ان هذه الترسبات قد خلقت عقدة وطنية عند أؤلئك المسحوقين فهم مطعونون بولائهم ووطنيتهم , لذا وجدوا في الزعيم عبد الكريم ضآلتهم المنشودة , فلأول مرة شاهدوا قائداًوحاكماً يحترمهم ويمد لهم يد العون فأحسوا أنه واحداً منهم , لذا إندفعوا يقدسونه وكأنه معجزة غريبة الوقوع في مجتمع أدمن على السحق والدونية.                                                                                                     
لقد شكلت عقد الانتماء والوطنية عقدة مزمنة لدى غالبية العراقيين المسحوقين , فلم يعرف هؤلاء معنى المواطنة أو الهوية الوطنية لذا كانوا على الدوام يرفعون أصواتهم بالوطنية ويضحون من أجلها ,ويتركون الوطن وخيراته ليستمتع به غيرهم, لذا كان عبد الكريم مثالاً للوطنية لدى المسحوقين ومواطني الدرجة الثانية , ولعلنا نشاهد ذلك بوضوح في العراق فالذين بكوا الزعيم هم الغالبية المسحوقة لآنها كانت  تتطلع للمساوات وللشعور بالمواطنة , والذين فرحوا بموته هم أؤلئك الذين يعتبرونه قد ساوى بينهم وبين عبيدهم . فقد نقل لنا التاريخ الحديث أن يوم مقتل الزعيم قسَّم العراقيين بين حزين وسعيد .ولكن للإنصاف أقول أن الزعيم قاسم لم يحض بموضوعية التقيم لحد الآن , فلم يكن الرجل قديساً ولم يكن خائناً ولكن بالتأكيد كان خطائاً ساهم بشكل أو بآخر بوصول الدكتاتورية وساهم يتدمير مؤسسات الدولة العراقية ,وساعد على تأخير عجلة المدنية وتقهقرها.                                        
 
علاء الخطيب -17-07-2011
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


علاء الخطيب
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/07/21



كتابة تعليق لموضوع : عبد الكريم قاسم وعقدة الوطنية العراقية
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net