صفحة الكاتب : طارق الغانمي

حشدُنا.. الذي سرق راء الحرب
طارق الغانمي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

بعد انطلاق عملية تحرير الفلوجة في الخامس عشر من شعبان الذي كان بقرار عراقي بحت، أحسنت فيه القيادة العراقية صنعاً بإدارة المعركة، حيث ظهر التوافق والانسجام التام بين الدولة وكافة تشكيلات الدفاع المقدس المبارك، على ضرورة إكمال المعركة وتحرير مدينة الفلوجة بالكامل من براثن الارهاب والعناصر التكفيرية والبعثية المتواجدة فيها.

 ومن أهم ما كشفت عنه المعركة حتى الآن، وجود تحوّل في قناعات الشارع الذي اكتشف تلاعب ساسة المناطق المنكوبة بـ(داعش)، بمصير مواطنيهم.. حتى الحاضنة الشعبية تغير موقفها بعد تجربة العيش المرير تحت حكم هذه الزمرة المرتزقة، لما لاقوه من أحكام تعسفية ومرارة وشظف عيش واستبداد.. وفي المقابل أحسنت قيادات الميدان المتمثلة بأبناء الدفاع المقدس بالتواصل مع السكان، والمحافظة على أرواحهم، وبعث رسائل طمأنينة، مع إشراك الأهالي في الدفاع المقدس؛ لاسترجاع مناطقهم من سيطرة التنظيم الدموي.

كما أفرزت هذه المعركة عدة صور إنسانية لأبناء العراق الغيارى في كيفية التعامل مع النازحين، بثتها وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة منذ انطلاق عملية التحرير إلى الآن، وشاهدنا بأمّ أعيننا كيف تم إنقاذ العوائل النازحة من وسط وأطراف الفلوجة، ونسوا أو تناسوا الحيف والضيم الذي لاقوه من أهالي هذه المدينة التي تعتبر مصدر الإرهاب في عراقنا الحبيب.

هذا المبدأ الإنساني الذي قاموا به هؤلاء الأبطال منطلق بالإساس من مبدأ الإمام الحسين (عليه السلام) والتعامل مع أعدائه الذين جاؤوا لقتاله، حين سقاهم الماء هم وخيولهم، في وقت كانوا عطاشى متعبين في يوم قائظ شديد الحر.

وإن العفو أمر ضروري لا يمكن أن نتصور مجتمعاً متطوراً ومنظماً من دون أن يعتمد على هذا الأساس في التعامل، فالتسامح مقوّم أساسي لكل مجتمع إنساني ناهض.

نحن لا ننكر وجود أخطاء من جميع الأطراف، ولكن في النهاية لابد من التسامح، والمحبة والمودة بين الجميع. نحتاج إلى تلطيف الجو، وأن ندعو إلى عدم المواجهة، ونبذ العنف والثارات، وأن يكون المنهج الذي نعمل به، ولغة التسامح هي ألطف شيء في الحياة، لازدهار الوطن والمواطن.

فكل السجايا الأخلاقية لها انعكاسات إيجابية طيبة على الفرد والمجتمع، وإن شيوع هذه الثقافة في الحرب يؤدي إلى شيوع الأمن في المجتمع؛ لأنّه يساهم بشكل كبير في تقليل العنف، أو عدم اللجوء إلى العنف كحل للمشكلة وكمخرج مؤقت للموقف، ولعل هذا الأمن هو أهم احتياجات الفرد سواء في السلم أو الحرب. 

فلغة التسامح من صفات المؤمنين، فقد أوصانا الله (عز وجل) ورسوله الكريم (ص) وأهل البيت (عليهم السلام) بالتسامح، ويجب علينا التحلي به، وأن ننسى الأذى لكي نبدأ حياة جديدة خالية من أي حقد؛ لأن البشر خطاؤون، ويحتاجون كثيراً إلى من يصفح عنهم، ليصنع بذلك معروفاً يدينون له به أبداً.

 قال تعالى: (وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) (البقرة/ 137)، وهذا ما قام به حشدُنا المقدس من حُسن المعاملة في الحرب، ولين الجانب مع الأعداء، والرحمة بالنساء والأطفال والشيوخ، والتسامح مع المغلوبين، لا تستطيع كل أُمة أن تفعله، ولا يستطيع كل قائد حربي أن يتصِف به، وهنا يضع التاريخ إكليل الخلود على أبناء هذا المكون الشريف؛ إذ انفردوا من بين عظماء الحضارات كلها بالإنسانية الرحيمة العادلة في أشد المعارك احتدامًا، وفي أحلك الأوقات التي تحمل على الانتقام والثأر وسفك الدماء، وأُقسِم لولا أن التاريخ يتحدث عن هذه المعجزة الفريدة في تاريخ الأخلاق الحربية بصدق لا مجال للشكِ فيه لقلت إنها خرافة من الخرافات وأسطورة لا ظل لها على الأرض.

وهذه من محاسن الأخلاق؛ يُشفِقون على ظالمهم، ويصفحون لمن جهل عليهم؛ يطلبون بذلك ثواب الله تعالى وعفوه، فشكراً لكم يا أبطال على هذه الأخلاق الطيبة.. تلك التي لا تُلغي الشرف في الخصومة، أو العدل في المعاملة، ولا الإنسانية في القتال أو ما بعد القتال.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


طارق الغانمي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/06/13



كتابة تعليق لموضوع : حشدُنا.. الذي سرق راء الحرب
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net