صفحة الكاتب : الشيخ مصطفى مصري العاملي

قبحا لك يا مفرقة الاحبة...
الشيخ مصطفى مصري العاملي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
               عصر امس الجمعة في الأسبوع الثالث من شهر رمضان المبارك، وبينما كنت منشغلا بكتابة ومتابعة بعض المواضيع عبر جهاز الكومبيوتر...
 
وصلتني عبر الهاتف رسالة في الساعة [١٧:٤٢، ٢٠١٦/٦/٢٤] 
 
 من عمي ابي علي كتب فيها...
 
 انا لله وانا اليه راجعون، انتقل الى رحمة ربه تعالى
 
 الحاج عباس ابراهيم معلم
 
 الفاتحة لروحه الطاهرة ولكم الاجر والثواب.
 
خبر مفاجئ لم اكن اتوقعه .. ومتى كنا نتوقع في حياتنا اخبار الرحيل ..
 
نهضت عن الكرسي واقفا ... ورحت استعرض شريطا من الذكريات...
 
                                ***
 
عمي احمد وعباس عاشا معا اكثر مما يعيش الاخوان مع بعضهما..
 
فعدا عن رابط القرابة... هما متقاربان في العمر .. عاشا اليتم معا .. لم يلعبا كثيرا في أزقة الضيعة القديمة بل كان عليهما ان ينتقلا الى بيروت ليتحملا مسؤولية الحياة في سن مبكرة ... وليكونا من أوائل الكوادر الفاعلة في تلك الأيام ..
 
ربما يكون عباس قد سبق احمد الى بيروت لأن عمي امضى فترة في المدرسة مع اخوالي ولم يحصل عليها عباس...
 
ولكن سرعان ما التقيا في بيروت ولا شك بأن عباس قد كسب خبرة قبل ان يلتحق به احمد.. فعاشا معا ، وكثيرا ما اشتركا في غرفة واحدة..
 
مهن كثيرة جرباها.. ولكن عباس استقر على واحدة منها وهي مهنة العمل في المطاعم.. الى أن أسس مطعما حمل اسمه ، فمن لا يعرف مطعم المعلم، في الشياح، بصحنه الصباحي من الفول..
 
 اما احمد فتنقل في عمله من مهنة الى أخرى...
 
دار هذا الشريط من الصور في مخيلتي وانا امشي في المكتبة ذهابا وإيابا ..
 
                                ***
 
وترتسم في مخيلتي صورة لعمي عندما تعرض لعملية ذبح في رقبته بواسطة موس حلاقة من احد الأشخاص في ذاك الزمن، ولينقله عباس سريعا الى المستشفى فينقذ حياته..
 
استذكر صوت عباس وهو يحكي لي ظروف تلك الحادثة وبعض تفاصيلها التي تركت في عنق عمي اثرا لجرح امتد من الوريد  الى الوريد لا يزال يظهر على رقبته حتى الان ...  ولكن الإرادة الإلهية منحته فرصة وبقي على قيد الحياة...
 
علمت من ابني ان عمي في هذه الساعة في بيروت ..
 
 فقد نقلوا عباس الى المغتسل، ليغسلوه في هذه الليلة ..
 
الليلة التي تهدمت فيها اركان الهدى  عندما ضرب عند غروبها علي المرتضى...
 
في هذا الوقت هم يغسلون جسد عباس المعلم، قبل نقل جثمانه الى انصار...
 
امسكت بالهاتف وطلبت رقم هاتف منزلهم في بيروت...
 
وما ان فتح الخط حتى سمعت صوت القرآن الكريم يتلى ... فتيقنت من أن صالون الاستقبال في منزل عباس قد تحول الى مجلس عزاء على رحيل رب الدار..
 
                                ***
 
تسارعت الصور في مخيلتي وانا اسأل عن ام إبراهيم..
 
ربما المرة الأولى التي استعمل الكنية في الحديث عن مشعل فأسأل عن ام ابراهيم.. فاسمها يغلب الكنية..
 
 تذكرت الأيام الأولى التي خطب بها عباس مشعل.. وعندما ذهبنا الى مزرعتهم الجبلية في البقاع ، الذكوة.. وبتنا ليلة هناك او اكثر، وخرجنا في اليوم التالي الى الصيد ..
 
كنت قد رافقت عمي وعباس واسعد في تلك الرحلة.. وكانت رحلة الصيد الأولى في حياتي بعد عودتي يافعا من العراق مع بداية الحرب الاهلية في لبنان..
 
أعارني عباس بندقية الصيد التي كانت له ذات السبطانتين ( جفت ) ..
 
فرحت عندما اصبت عصفورا.. ولكني سمعت مع بعضهم انه عصفور صغير فهم كانوا يفكرون بصيد يصلح للطعام، وانا افكر بأن اتقن فن الرماية.
 
 فلست ممن يأكل لحم الطيور.. فكم كنت اصطاد في النجف الاشرف بالقفص من عصافير وزرازير ولكني لم اكن لأذوق منها شيئا..
 
                                ****
 
وينتقل بي شريط الذكريات سريعا .. واستذكر تلك الليلة من شهر رمضان المبارك قبل 37 سنة بل 38 سنة هجرية حيث امضيت ذاك الشهر في بيروت للمشاركة في الدورة الخاصة الثانية للجنة التعليم الديني الإسلامي والتي شاركت فيها وصرت بعدها مدرسا للتربية الدينية في عدد من المدارس في الجنوب .. وكان رقم ملفي .. تسع وثلاثون.
 
عندما ذهبت لزيارة المعلم وعائلته في تلك الليلة برفقة من اخترتها لتكون ام اولادي فكانت مشعل اول من يتعرف عليها..
 
                        ***
 
شريط الذكريات مر سريعا في مخيلتي وهو ينقلني من صورة الى صورة وانا انتظر جواب ام إبراهيم بعد ان نادتها ابنتها لتجيبني على الهاتف ..
 
سلمت عليها معزيا ومواسيا ومستفسرا...
 
فقد كان الجميع يتصور قبل بضع سنوات ان مشعل لن تعيش طويلا بعد أن خضعت للعلاج الكيميائي..  ولكن القدر لا يخضع لتصورات البشر...
 
طبعا في هذه الاثناء تذكرت قبل سنوات عندما اصابت عباس نوبة قلبية وسرعان ما نقل الى مستشفى الحياة القريبة من منزله ليصاب بنوبة أخرى في مدخل المستشفى فتجرى له الإسعافات اللازمة ،
 
ويقول لي يومها انه قرر ترك التدخين..
 
بعد ان تعافى وعندما كنت التقيه كانت مشعل تقول لي لقد عاد الى السيكارة..
 
لم تؤثر به كل الحكايا  والمواعظ ثم  كان يقول وماذا ستفعل بي السيكارة..
 
سألتها بالامس ما الذي جرى .. 
 
قالت كان طبيعيا حتى يوم الاثنين الماضي.. 
 
وكان قد خضع لعلاج كيميائي لمعالجة الرئة وقد تحسن بعد العلاج...
 
فهمت حينها ان ادمانه على السيكارة قد اوقعه ليكون من ضحاياها..
 
                        ***
 
تذكرت خاله .. جارنا أبا فهد.. زوج الشهيدة ابنة عمتنا ام فهد التي سقطت مضرجة بدماءها فوق اطفالها يوم 31 أيلول من عام 1976 م،
 
في ذاك اليوم الذي اطلقت فيه النار على الوالد فأصيب ثوبه الأبيض بثمان رصاصات دون يصاب هو بأذى .
 
ذاك الثوب الذي اخذه الشهيد مصطفى شمران الذي صادفت ذكرى شهادته قبل خمسة أيام، ودون تلك الحادثة في كتابه باللغة الفارسية ( لبنان ) ..
 
أبو فهد الذي تربى مع ابي وعمي في منزل جدي الذي بعثه ليتعلم القرآن مع ابي عند المرحوم الشيخ زين عاصي، واخذ قيد نفوس عائلتنا عندما جرى تسجيل القيد في ذاك الزمن مع انه من عائلة أخرى..
 
كنت أقول له يا أبا فهد دع عنك السيكارة..
 
فكان يقول لي متحديا.. هل تشابك؟ ويمد يده مظهرا عضلاته ، مبينا قوته..
 
اتذكره عندما زرته في مستشفى الجنوب في صيدا قبيل سفري في احدى السنين بعدما سألته عن حاله.. فقال لي ..
 
سعال أصابه وقد نزفت الرئة دما على أمل ان يشفى خلال يومين او ثلاثة..
 
ولكن بعد هذا التوقيت يصلني خبره انه انتقل الى رحمة الله تعالى ...
 
تذكرت أبا فهد وانا اسمع من مشعل حكاية الأيام الأخيرة من حياة عباس ..
 
 أبي إبراهيم.. فقلت في نفسي ..
 
قبحا لك يا مفرقة الاحبة...ايتها السيكارة الخبيثة الماكرة...
 
لسان حالك ان تقولي .. لا تلوموني ولوموا أنفسكم...
 
ومع ذلك فليس لي الا ان أقول ..
 
قبحا لك أيتها السيكارة...
 
                قبحا لك.... يا مفرقة الاحبة...معذبة الاحبة.. مبعدة الاحبة..
 
                                ***
 
قبل ساعات قليلة عاد جسد عباس لينام في قبر والده في انصار ...
 
لن يبيت في منزله الذي كان يأنس به في عاليه أيام الصيف..
 
ولن ألبي دعوة الى هناك الحيتَ بها عليّ...
 
قبل عام تماما دعوتني الى الإفطار عندك والمبيت مع عمي...فاعتذرت منك..
 
واليوم انتقلت الى دار أخرى.. سبقتنا الى مكان لا نستطيع الا ان نلبي الدعوة اليه.. فهو دعوة لا مفر منها ..
 
ولكن يا عباس.. يا معلم ..  و وهو ما كان يحلو لك ان ينادوك به..  وصف و لقب.. سألبي الليلة لك دعوة من نوع آخر ..
 
سأصلي لك صلاة الهدية ..بل وسأطلب من الأعزاء اهداءها لك
 
والى روحك الفاتحة..

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


الشيخ مصطفى مصري العاملي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/06/26



كتابة تعليق لموضوع : قبحا لك يا مفرقة الاحبة...
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net