صفحة الكاتب : كريم الانصاري

ملحمةٌ علويّةٌ جبرئيليّة
كريم الانصاري

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
 هل يمكن الجمع بين قول أمير المؤمنين (ع) : " فزتُ وربّ الكعبة " إبّان ضربة الشقيّ ابن ملجم ، ليلة التاسع عشر من شهر رمضان سنة ٤٠ هـ ، أثناء صلاة الصبح في مسجد الكوفة ، تلك الضربة التي استُشهِد على إثرها (ع) بعد يومين فقط .. وبين ماتلاها من نداء الملَك جبرئيل (ع) : " تهدّمت والله أركان الهدى " ؟
 
للوهلة الأُولى يستفاد من ظاهر قول الأمير (ع) : الربح ، ومن ظاهر قول جبرئيل (ع) : الخسارة .. فعندنا إذن ربحٌ وخسارة على الظاهر ، يعني : لدينا تباينٌ وتناقضٌ ظاهريّان ، فكيف يجتمعان ؟ 
 
لاخلاف في أنّ المولى (ع) قد نال المراد وحصّل على ما بشّر به رسول الله (ص) إيّاه ، فحلّت اللحظة التي كان ينتظرها (ع) بفارغ الصبر والاشتياق ، وهو القائل : " والله إنّ ابن أبي طالب لآنس بالموت من الطفل بثدي أُمّه " .. وفي ذلك ربحٌ عميقٌ لايخفى على ذوي الألباب النيّرة والعقول المتدبّرة .
 
كذلك ، فلاريب أنّ استشهاده (ع) خسارةٌ فادحةٌ لاتعوّض أبدا ، وهو الذي لايعرف سرّه ومنزلته العظمى سوى الله تبارك وتعالى ونبيّ الهدى .. وأوضح مايمكننا معرفته عنه (ع) : أنّه الامتداد الحقيقي للرسالة والرسول ، بمعنى آخر : هو الوليّ الدينيّ والوصيّ الإلهيّ لخاتم الأنبياء والمرسلين ؛ بدليل تواتر النصوص ، بل بشهادة دراية غدير خمّ المتحقّقة بحضورٍ تاريخيٍّ ناهز المائة ألف مسلم آنذاك ، وبعد الانتهاء من حجّة الوداع الشهيرة ..  إلى ذلك : فحديثُ الثقلين - المتواتر تواتراً ذهبيّاً - متلألىءٌ شامخٌ في كتب الفريقين كما لايخفى .
 
فرحيله (ع) خسارةٌ بكلّ ما للكلمة من معنى ومفهوم ..
 
نعم ، ربما يمكن تأويل هذه الخسارة ومفهوم الانهدام الوارد في قول الملَك جبرئيل (ع) بمايلي : إنّ المراد من الانهدام المذكور هو " الانهدام المادّي الظاهري " لا المعنوي ، الانهدام العيني الظاهري لا الروحي ، الانهدام الحضوري الظاهري لا الغيبي .. بعبارةٍ أدقّ : إنّ عليّ بن أبي طالب (ع) إنّما غاب عنّا بدناً ولم يغب قيَماً ومبادئاً وولايةً ، فالإسلام الأصيل ، المحمّديّ الحدوث العلويّ البقاء ، لازال يرقى ويسمو على الدوام ، وأدلّ دليلٍ على الشيء وجوده ، ولاسيّما بهذا النوع من الحضور الميدانيّ الفاعل خلال مديد القرون  ، فهذا الإسلام الأصيل ، الإسلام العلويّ ، الزاحف رغم تلك الفترات - كفترة الصمت العلويّ الحكيم في ربع القرن الشهير ، مروراً بسنيّ الخلافة الأربع وماتخلّلتها من أحداث ومآسي وخيانات وعداءات القاسطين والمارقين والناكثين ، وماتلاها من الآلام  والمعاناة التي تحمّلها أهل البيت (ع) وأتباعهم طيلة الحقب و الأعوام الماضية حتى ظرفنا الحالي - نجده قد اخترق العقول والقلوب بأسرع مايكون ؛ لإثباته أنّ النهج العلميّ السلميّ السليم هو أنجع سبيل لتحقيق أهداف وغايات الدين السماويّ العظيم .
إنّ ظلامة أمير المؤمنين (ع) التي انسحبت  إلى ما بعد استشهاده (ع) عبر أدوات السبّ والشتم والتضليل  والحذف والترويع ... قد رشحت مردوداً عكسيّاً، إيجابيّاً للمآلف وسلبيّاً للمناوىء ، وذلك بفضل الإسناد الغيبي وبفضل النهج المعرفي الذي نحاه قادة ورموز ونخب التشيع ، المستلهم من رؤى وتعاليم مدرسة آل البيت (ع).
 
إذن قد ربح عليٌّ (ع)  وحصّل على ماأراد .. كما ربح الدين والتشيّع والمفاهيم الحقّة رغم غيابه (ع) بدناً لا فكراً وولايةً وهويّة .. فالانهدام المادّي الظاهري المذكور سهلٌ إزاء الربح القيَميّ العظيم ، بل قد ساهم هذا الانهدام البدني الظاهري مساهمةً فاعلة في ترسيخ أُسس الإسلام العلويّ الأصيل .. 
وفي الانهدام البدني كلامٌ عقَديٌّ واسع ، فنحن نرى أنّ بدن المعصوم (ع) بعد الاستشهاد يُرفَع إلى السماء ، إنّما الخلاف في أنّه هل يعاد إلى الأرض أم لا ، وعلى فرض القول الأول فإنّ ما في الأرض لايطعم من لحمه أبدا ، لذا فبدن المعصوم (ع) لايُبلى ولايُفنى بعد الممات ويبقى على حاله الأُولى بلاتغييرٍ ولاتبديل ..
لكنّ الملَك جبرئيل ربما خاطب الناس على قدر عقولهم .. فأهل المعنى الذين لهم نظرٌ آخر في مسألة حجّية الظاهر يقولون - والله العالِم - : إنّه تبارك وتعالى يخاطب الناس على قدر فهمهم وإدراكهم ، فيصف الدار الآخرة - مثلاً - بأوصافٍ إقناعية تناغِمُ مستوى العقل الإنساني لاأكثر ، مثلما نحاول نحن إقناع الطفل بما يدركه ويفهمه حتى نروّضه ونسكته .. وإلّا فإنّ أمر الآخرة أعظم ممّا ورد في النصوص السماوية بكثير ، فتأمّل .
 
وعليه ، فما حصل في ملحمة استشهاد الأمير (ع) هو ربحٌ ثمينٌ على كلا الحالين ، فلا تناقض ولاتهافت ولاتباين في البين .
 
السلام عليك سيّدي ومولاي يا أمير المؤمنين يا عليّ بن أبي طالب ورحمة الله وبركاته يومَ وُلِدتَ ويومَ استُشهِدتَ ويومَ تُبعَث حيّا .

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


كريم الانصاري
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/06/26



كتابة تعليق لموضوع : ملحمةٌ علويّةٌ جبرئيليّة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net