صفحة الكاتب : علي البدر

عرض تحليلي نقدي لقصة "امرأة في مهمة خاصة" عادل المعموري
علي البدر
1) القصة
امرأة في مهمة خاصة قصة قصيرة _
"""""""""""""""""""""
ألقى نظرة حزينة على زوجته المريضة ،هزّ رأسه بأسى ملتفتاً صوب ابنته قائلا :
_اتفقتُ مع مكتب التشغيل لجلب خادمة تقضي حوائجنا ..كي تتفرغين للدراسة والتعليم 
_فكرة جيدة يا أبي :
.قالتها واقتربت من من حافة سرير المريضة واردفت :
_لا تنسى يا أبي ان تتفق مع المدرسة لاعطائي دروسا خصوصية ..عدّل من نظارته ونهض واقفا وهو يقول :
_نعم وجدتُ لك مدرّسة خبيرة لغة إنجليزية وخبيرة اقتصاد رائعة ..ستأتي اليوم إن شاء الله ..انحنى على زوجته وهمس لها بحنو :
_سأذهب الآن هل تحتاجين شيئا أجلبه لك من الخارج ؟..أغمضت عينيها الذابلتين ثم فتحتهما وهي تزدرد ريقها بصعوبة ..وهمست بصوت خفيض:
_لا أحتاج شيئا ..اذهب.. رافقتكَ السلامة .. خرج الرجل وأغلق الباب دونه ..نظرت إليه الفتاة من خلال النافذة المطلة على سيارة والدها وهي تخرج من الباب الرئيسي ..عادت إلى أمها وأمسكت بيدها وهي تنظر لها بحزن عميق فيما كانت المرأة تغمض عينيها وعلى وجهها شبح ألم خفي ..
ساعة جدار الصالة تشير إلى الساعة الرابعة مساء ..انتبهت الفتاة لصوت الجرس وهو يرن .. نهضت واتجهت مسرعة صوب غرفتها ..نظرت الى وجهها في المرآة ..ثم اتجهت صوب الباب الرئيس لتفتحه ..طالعها وجه امرأة اربيعينة أنيقة تعلو وجهها علائم صرامة وقسوة ..فتحت لها الباب وأشارت لها قائلة بترحاب :
_أهلا بكِ سيدتي ..تفضلي على الرحب والسعة ..دخلت المرأة دون ان تنبس بكلمة واكتفت بابتسامة باهتة ودلفت عبر الرواق الى الصالة ..حقيبتها اليدويةالكبيرة معلقة بكتفها الأيسر ..جلست على الأريكة وانتزعت الحقيبة من كتفها ووضعتها قريبا منها ..أسرعت البنت تجري نحو المطبخ وعادت بعد قليل حاملة بيديها " صينية" صغيرة وفيها قدح عصير وشطيرة كيك في صحن زجاجي فاخر ..وضعته امامها وقالت مبتسمة: 
_أهلا وسهلا ..سوف لن اتعبكِ معي ..في الأسبوع مرتين فقط لحين الانتهاء من الامتحانات ..وضعت المرأة رجلا فوق رجل ...ومدت يدها بهدوء وشرعت تقضم قطعة الكيك ..وانشغلت تأكل وتحتسي من العصير تاركة القصبة جانبا ..انهت الصحن وأفرغت الكأس بأقل من دقيقة ..نظرت إليها البنت باستغراب والابتسامة لم تفارقها منذ دخول السيدة عليها ..قبل أن تنهي أخر رشفة من الكوب ..قالت لها :
_سأجلب لكِ شطيرة أخرى وعصير آخر ..لحظات فقط ..عن إذنك ..لم تفه المرأة بكلمة ..الفتاة اختفت بداخل المطبخ المقابل لباب الصالة ..أبدلت المرأة ساقيها والتفتت تنظر الى الجدران المزينة بالصور واللوحات الثمينة .. نهضت صوب لوحة معلقة قرب النافذة وأخذت تنظر إليها بامعان ..
_العصير والشطائر سيدتي ..انتبهت إلى الفتاة وهي تضع لها الشطائر وكوب العصير ..كان كوب العصير أكبر حجما من سابقه بمرتين ..تركت الفتاة "الصينية: فوق الطاولة الصغيرة واقتربت من المرأة وهي تقول لها :
_لوحة سريالية ثمينة ..تلك اللوحة لسلفادور دالي ..أبي معجب بالمدرسة السوريالية ..هزت المرأة رأسة بإيجاب وعادت لتجلس في مكانها ..أكملت احتساء كوب العصير والشطيرة بدقيقتين ثم انتزعت قطع" الكلينكس: من العلبه وهي تمسح فمها وأطراف أصابعها ..قالت المرأة وهي تلعق شفتيها بتلذذ :
_متى أبدأ العمل ؟
_على راحتك سبدتي ...أنا جاهزة 
_وأنا أيضا جاهزة ..
_لحظات ..عن إذنك ..قالتها واندفعت صوب غرفتها المقابلة لغرفة أمها ..عادت حاملة بيدها كتب مدرسية وبعض الأقلام ..وضعتها قرب "الصينية" الخاوية والكأس النظيف ..ثم سحبت طاولة كبيرة ووضعتها وسط الصالة ..جلبت كرسيين وضعتهما الواحد قبالة الثاني ثم حملت الكتب والأوراق ووضعتهم فوق الطاولة الكبيرة .
_ماذا سندرس اليوم .. في درس الاقتصاد ؟قالت الفتاة متسائلة :
_أنتِ على راحتك ..أريد أن أشاهد المطبخ ومحتوياته ..ألقت الفتاة بالاقلام جانبا فوق الطاولة ..وسارت معها وهي تزم على شفتيها تنظر إلى المرأة باستغراب دون ان تلحظ ذلك تلك السيدة ..وقفت وسط المطبخ وأخذت تتفحص مجتوياته قطعة قطعة ..رفعت رأسها نحو الفتاة وهي تسألها :
_حدّدي لي مواعيد تناولكم الوجبات الثلاث ..كي يتسنى لي تدبير أمري على أكمل وجه ..نظرت إليها الفتاة وابتسامة غريبة ترتسم فوق وجهها ثم قالت ضاحكة 
_هل هذا ضمن درس الاقتصاد ياسيدتي ..دمكِ عسل تحبين المزاح ..تفضلي معي لنتهيأ للدرس ..سحبت المرأة يدها من قبضة الفتاة وتمتمت :
_لا أحتاج إلى درس أنا أفهم طبيعة عملي ..لي خبرة طويلة في هذا المضمار ..لمْ تخبريني أين غرفة نومي ؟..فغرت البنت فاها..وتراجعت خطوة إلى الخلف مصطدمة بحافة الطاولة الكبيرة وقالت :
_لم أفهم ... هل اتفقتِ مع أبي على المنام في بيتنا ؟
_طبعا ..من حقي أن تكون لي غرفة انام فيها ..
_أليس لكِ
أولاد وبيت وزوج ؟أبي قال لي أنكِ مرتبطة بدوام يومي في كلية الاقتصاد ..
_أي كلية اقتصاد ؟
_ألستِ المدرّسة التي اتفقَ معها أبي للدروس الخصوصية ؟..ابتسمتْ المرأة وربتّت على كتف الفتاة قائلة :
_أنا لستُ مدّرسة ولا معلّمة .
_من أِنتِ إذاً........... أوه..يا لغبائي ؟!
-------------------------------------------------------------------------------
 
2) عرض تحليلي نقدي للقصة 
وهكذا يعودنا القاص عادل المعموري في التسابق مع كلماته لفك رموز ثيمة القصة theme أو عقدة أو جوهر القصة Topic. وبالنسبة الى هكذا كاتب، فانني أعتقد أن كل زاوية من هذا المجتمع تثيره وتقوده لزخم لانهائي لن أقول مغلقا بل متعدد المسالك المفتوحة على فضائيات تعطيه نهايات متنوعة، تسهل عليه اقتناص أعماقها. وهنا تكمن الجرأة والحسم عندما يختارأكثرها أثارة واستغرابا ومفاجأة لدى المتلقي.. لقد وضعنا الكاتب في زاوية نتوقع منها نموجين . المرأة التي تساعد زوجته المريضة ونموذج المدرسة التي ستدرس ابنته لغة انكليزية واقتصاد. وسأحاول الولوج الى خياراته باختيار شخوصه. 
1) جعل الكاتب الزوجة مريضة لأن المرض يعطي مبررا لدخول المرأة التي تساعدها. 
2) ونفس الحالة بالنسبة للمدرسة حيث ضعف ابنته ببعض المواد مسوغا لدخولها..
ولنتساءل. ما هو السبب الذي أفقد البنت قدرتها على التمييز ان كانت المرأة مدرسة أم معينة تساعد الزوجة؟ لقد تدرج الكاتب في ذلك وأعطى تمهيدا لكي يكون مبررا عقلانيا منطقيا Logical justification لهذا الأرتباك والألتباس.
" انتبهت البنت لصوت الجرس وهو يرن .. نهضت واتجهت مسرعة صوب غرفتها ..نظرت الى وجهها في المرآة ..ثم اتجهت صوب الباب الرئيس لتفتحه ..طالعها وجه امرأة اربيعينة أنيقة تعلو وجهها علائم صرامة وقسوة ..فتحت لها الباب وأشارت لها قائلة بترحاب " وفي العادة يكون المدرس في أعلى هيبة ووقار عندما يدخل على طلابه خاصة لأول مرة. كما ان اناقة المرأة كان فخا اخر ذكيا وانسيابا اوقعنا الكاتب فيه . ورغم وجود دلالات على ان القادمة تصرفت بطريقة ربما تجعل البنت تغير من نظرتها وتوقن انها ليست بالمدرسة التي وعدها الأب بها، لكن هذه البنت استمرت بالتعامل على ان المرأة مدرسة لأن الهالة التي طبعت في ذهنها اتجاه المدرس أو المدرسة مشوبة بالأحترام والتوجس، جعلتها تلجم أو تكبت أو تبتلع شكوكها فأقنعت أو حاولت اقناع نفسها بأنها فعلا المدرسة. ولكي يحسم الأمر فان الكاتب جعل المرأة توغل بتصرفاتها التي تنحاز لكونها معينة في البيت مما اضطر البنت أن تصف نفسها بأنها غبية. وأعتقد انها ليست كذلك ولكن الزخم الهائل الذي تربت عليه من وسطها الثقافي في احترام الاخرين ومنهم من حمل رسالة التدريس هو الذي جعلها لا تحسم بسرعة ماهية المرأة. ولم يقصد الكاتب اهانة أو استهجان من يقوم بخدمة الاخرين حسب ما لاحظنا من التصرفات كطريقة الأكل أو عدم استعمال القصبة، وانما لعدم ارتباط هذه الطبقة بالأتكيت في الأكل وغيرها لكنها قد تمنح عاطفة وأمانا غير محدود بصورة انسيابية عفوية..
يحاول الكاتب دائما مشاكسة قراءه بجعلهم وسط توقعات غير محسومة لديهم، لكنه يحسمها ضمن حبكة plot هادءة ورغم ذلك اصفها بالمفاجئة. عادل المعموري.. لحظات حلوة مرت متسارعة وأنا متفائل بالخير لأنك تعيش بيننا. اسمح لي أن أشكرك.. تحياتي.. 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


علي البدر
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/07/10



كتابة تعليق لموضوع : عرض تحليلي نقدي لقصة "امرأة في مهمة خاصة" عادل المعموري
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net