صفحة الكاتب : وليد كريم الناصري

طفولةُ ضائعة تحت إشارات المرور
وليد كريم الناصري

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

فاطمة ... أما فيكم علي ..؟

• ماذا تنتظرين؟ الرصيف حارق، والشمس لا تكاد ترحم جلدك الرقيق.

• نظرت بوجهي مُكفَهِرَة شاحبة! حركت شفتيها لتتكلم، لكنها تراجعت فسكتت.

• أعتقد أنها لم تفهم معنى سؤالي، سأبسط لها ما أعني.

• أتنتظرين أباك يأتي بسيارته يأخذك معه؟ ملابسك الرثة وسَمْرَةُ وجهكِ الشاحبْ، لا يدللان أن أباك يملك سيارة بالمرة.

• أتنتظرين والدتك بعد أن ترجع من السوق حاملة معها طعام لكِ؟ لا أعتقد ذلك أيضاً، أتنتظرين أخوتك؟ ما هذه المناديل وقطع الأقمشة التي تملأ ذراعيك؟

• وكأن أسئلتي بركان أو ضجيج يحطم زجاج مسامعها! ثارت بوجهي لتُسْكِتَنِي، بعد أن وضعت كفيها على أذنيها صارخة ( أنْتَظِرُ عَلِيْ - أنْتَظِرُ عَلِيْ - أنْتَظِرُ عَلِيْ) 

• هَدَأَتْ بعد أن أشربتها شيء من الماء؛ أَطْرَقت برأسها، وكأنها ندمت، لأنني أُخْرِسْت بسبب صراخها، وشعرت بذنب تجاهها، إعتذرتُ بعد أن أنّبَها ضميرُها لفعلتها! ثم جلست على الرصيف اللاّهب، ومسكت يدي لتجلسني جنبها، والعرق يتصبب من وجهها كغزارة دموعها!

• قالت (سَمعت أن عليٌ كان ولا زال أبٌ للأيتام، ولم يَجوع يَتيم أو شقي في زمنهِ) وسمعت أيضا(أن حكومة اليوم؛ فيها الكثير ممن إعْتَّمَ وتجمل بملابس علي وعمامته)!

• فَهَلا فيكم علي؟

لم تكن قصة من نسج الخيال، واقع يعيشه مئات الأطفال، ممن يملؤون الأسواق, وتقاطعات الشوارع, ترجمَتْهُ لنا الطفلة "فاطمة"ذو الستة أعوام! يتيمة أب! قطعت جسدهُ الطاهر رصاصات داعش في الجهاد الكفائي! بعد إن بُترَتْ يدهُ اليُمنى بالإصابة الأولى! لم تُصْرَفْ حقوقه وهو مصاب! ولم تصرف وهو شهيد! ضيق حال "فاطمة"حَتَّم خروجها للعمل، لتنهش جسدها الرقيق، ولون وجهها الأبيض، أنياب الحرارة, وشدة الشمس اللاهبة, وهجير الصيف العاصف ظهراً في المحيط، مقابل بضع نقود، تسد رمق إخوتها بها.

حكايةُ "فاطمة" وهي جالسة تنتظر"علي" تحت حرارة الشمس! ليُشبع بطنها وإخوتها خبز، ويوفر عليها الشقاء في الطرقات المزدحمة، هي رسالة للدولة بكل مفاصلها العامة، والسؤال الذي تحتاج "فاطمة" للإجابة عليه ممن قصدتهم (إذا ما أمنتم حياتكم ومستقبل أبنائكم، وبصفتكم ممن تقودون الأمة على غرار شريعة "علي"! فهل فكرتم بمستقبلي أنا أيضا؟ وما هو مصيري ومستقبلي بعد إن فقدت والدي؟ وتركت المدرسة للعمل بائعة مناديل، تُهان وتُضرب في كل لحظة وبسبب وجوكم بالسلطة!

أين وزير العمل والشؤون الإجتماعية؟ للأعوام السابقة، ألم يصدع زعيم كتلته مسامعنا بالإصلاح؟! أين المنظمات المختصة بالطفولة، أين الحكومة؟ أين البكّائين على مقتل "علي"؟ والقابعين تحت ظلاله؟ قبل شهرين إستبشرتُ ببرنامج تلفزيوني، يتكلم عن الطفولة ومحاكاة نشاطاتهم! يقدمه "سفير الطفولة"ولكن للأسف بعد أن بحثت فيه الواقع، وجدت إن أغلب الأطفال المتواجدين في تلك البرامج، هم أبناء أصحاب النفوذ في الدولة! وأغلب الأطفال من الروضات والمدارس الأهلية! التي لا يدخلها، إلا ذو شأنٍ عظيم.

لماذا لم تكن فاطمة فيهم؟ هل لكونها لا تملك أب عامل بالحكومة؟ لماذا لم يكلف نفسه سفير الطفولة العراقية! أن يجوب بسيارته بعض المناطق الجنوبية، للبحث عن فاطمة والمئات معها! ليرى حال الطفولة المضحك المبكي! يقال أن هنالك يوم عالمي للطفولة! ( Universal Children's Day)،يحتفل به كل عام من نفس اليوم، أوله(20 نوفمبر 1949)، أما في العراق وبحسب تقارير المنظمات الإنسانية يقال: (الطفولة أخر شريحة يفكر السياسيون بها) معتمدين بتقريرهم على نسبة المشردين، وما يباع في سوق النخاسة!.

لم تُستثنى الطفولة من ضحايا السياسة في العراق، إذ الطفولة أشد المتضررين، أما لفقدان آبائهم أو عوائلهم جراء المعارك داخل وخارج البلد، أو من حيث إجبارهم بالتخلي عن طفولتهم ليتشردوا في الشوارع والأسواق طلباً للقوت! تشير إحصائيات وزارة التربية، إلى أن المُشردين من المدرسة خلال هذه الأعوام يشكل (60%)! وترى أن عدد الأيتام وصل الى ما يقارب (مليونين ونصف المليون) يتيم! بينما تؤكد "منظمة اليونيسيف"إن الرقم أكبر من هذا بكثير!.

”بعض البسطاء والسذج يرون مهرجانكم تَرَفٌ فكري وإجتماعي! فأنتم تقيمون مهرجاناً للطفولة، فيما الوطن يحترق وعلى حافة الهاوية، وأقول لهم:هل تكتمل صورة الوطن بغياب الطفولة؟ هل نتصور شعباً يعيش وينمو دون أطفال؟ هل هناك مستقبل بدون طفولة؟ هل هناك حاجة لحكومة وبرلمان إذا لم يكن همهم حماية الأطفال“ بهكذا إفتتاحية لمهرجان أقيم في بغداد عام 2014 برعاية السيد"عمار الحكيم" نترجم لذهن فاطمة أن "علي لازال فينا" لكنه غيب في البئر! بعدما أضَر أخوته بقربهُ من المرجعية.

وأخيراً نقول؛ إن طاعون السياسة المتخبطة، وإعلام معاوية ألمضلل! وتسلطه (10) أعوام في العراق، غًيب ملامح حكومة "علي" عن "فاطمة" ولابد من ترجمة تلك الرؤى، إلى إحداثيات تسقط على خارطة الواقع، لتلحظه الأطفال، عندها لا تخرج طفلة تستجمع قوتها بطريقة الإستجداء، بين الشتم والسب لوالدها الشهيد! ولا يغير لون وجهها الأبيض الجميل بسمرةِ العمل، ولا تُقتَل طفولتها تحت إشارات المرور، وصرخات المارة عليها بفتح الطريق، بعد إن تعلقت بسياراتهم أملٌ أن يشتري أحدهم بضاعتها.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


وليد كريم الناصري
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/08/28



كتابة تعليق لموضوع : طفولةُ ضائعة تحت إشارات المرور
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net