صفحة الكاتب : د . عبير يحيي

ملامح المدرسة الرمزية في نصوص الأديبة السورية إيمان السيد
د . عبير يحيي
 ملامح المدرسة الرمزية في نصوص الأديبة السورية إيمان السيد 

وإضاءة على أدواتها الاحترافية من بلاغة وتناص 

مقدّمة :
 
عندما قرأت النص للمرة الأولى ، قرأته قراءة صامتة ، حاولت فيها أن أتنشّق الحرف، واستجلب المعاني، حاولت التشبّع بالكلمات، ثم تركته وعدت إليه بعد فترة بعد أن أخذت استعدادات كثيرة ، لا أريد أن يقاطعني أحد ، ولن أسمح لأفكاري أن تشتتني بعيداً عن النص، أعدت قراءة النص جهراً ، مستحضرة حال الكاتبة المبدعة إيمان السيد وهي تكتب النص ، الغريب أنني وجدت نفسي أقرأ النص برتم هادئ ! وكأنني أُحدِّث من كُتب النصُ فيه !
 
طاغية يقف أمامي متعالياً ومفاخراً بجرائمه ، وأنا أكلمه مستعرضة كل مظالمه دون أن أخشاه، بالمختصر ..الحال .. أحاكمه ..!
 
أما كيف جرت المحاكمة ، فهذا ما سنراه آتياً ..
 
وأما الجزاء ، فخير بخير ، وشر بشر ، في حياة برزخية !
 
الأديبة إيمان السيد سورية تميزت كتاباتها ونصوصها بالأعمدة الرمزية والعمق الأدبي والبلاغة اللافتة ، حيث أن المتابع لأعمالها عندما تنشر نصاً يتحضّر لوجبة دسمة من الألفاظ الجزلة والمعاني الغائرة في أخاديد الرمزية ..
 
إغناء :
 
في مستهل عصر النهضة قام كثير من الشعراء إلى الاتيان بالمواضيع الجديدة دون أي إبداع في القالب الشعري فسُمّوا بالمجددين في التقليد. ثم ظهر جيل آخر جعلوا للخيال والعواطف الفردية أو المشتركة مع عواطف المجتمع، المكانة الأولي في إنتاجاتهم الأدبية. فأطلق عليهم بالرومانسيين. ثم غلب آخرون علي الجو الشعري ووجدوا الرومانسية تغفل عما تجري في المجتمع العربي من واقع الحياة فلوٌنوا أشعارهم بالألوان الواقعية واشتهروا بالواقعين وتابعهم آخرون احتلٌ الرمز المكانة الاولي في اشعارهم عرفوا بالرمزيين
 
الرمزية
 
الرمزية اتجاه فني يغلب عليه سيطرة الخيال علي كل ماعداه سيطرة تجعل الرمز دلالة أولية علي ألوان المعاني العقلية والمشاعر العاطفية.
 
وطغيان عنصر الخيال من شأنه أن لايسمح للعقل والعاطفة إلا أن يعملا في خدمة الرمز وبواسطته، إذ عوضاً أن يعبر الشاعر عن غرضه بالفكرة المباشرة، فإنه يبحث عن الصورة الرامزة التي تشير في النهاية إلى الفكرة أوالعاطفة 
 
المصدر : ديوان العرب
 
 اعتمدت الكاتبة البلاغة كأداة تتقن استعمالها ببراعة ، تصنع الصور المحلقة في فضاءات الخيال ، القارئ لأعمالها يحاول أن يلم بكل جوانب المشهد الذي ترسمه لوحةً سريالية  الألوان ، يُحار أمامها أمهر الرسامين منبهرًا من جودة ودقة وإتقان وإبداع من رسم ..
 
إن انتقلنا إلى النص لنرى الميزات الجمالية  واللون الأدبي المستخدم فيه لوجدناه قصة قصيرة يتبع المدرسة الرمزية بطابع ثوري واجتماعي، منطوٍ تحت نظرية الفن للمجتمع حيث أن النص رصد صراعات بين الشر والخير ، كما حفل  بصور بيانية نُظمت نظماً نثرياً غنياً جداً. 
 
أخضعت النص لميزات النص الأدبي السبعة وجدتها جميعها فيها والتناص بكثرة ..
 
لذلك يخضع  للنقد .
 
يتناص النص مع آي الذكر الحكيم في مواطن عديدة ،حياة البرزخ كما أخبر عنها القرآن الكريم ، قصة النبي موسى في مواجهة فرعون 
 
إغناء:
 
حياة البرزخ على حسب حياة الإنسان في الدنيا:
 
فالمؤمن ينعم في البرزخ وروحه في الجنة وجسده يناله بعض النعيم.
 
والكافر روحه تعرض على النار، ويناله نصيب من العذاب, وينال جسده نصيب من العذاب.
 
هذه حال البرزخ، المؤمن في سعادة ونعيم، وأخبر النبي محمد أن روح المؤمن في الجنة تسرح في الجنة حيث شاءت, إن نعيم البرزخ و عذابه مذكور في القرآن في أكثر من موضع: فمنها قوله تعالى: {ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت و الملائكة باسطو أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق و كنتم عن آياته تستكبرون} و هذا خطاب لهم عند الموت و قد أخبرت الملائكة وهم الصادقون أنهم حينئذ يجزون عذاب الهون ولو تأخر عنهم ذلك إلى انقضاء الدنيا لما صح أن يقال لهم اليوم تجزون. و منها قوله تعالى فبما أخبر عن آل فرعون،{النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} (غافر:46) ، فالكفار أرواحهم معذبة وأجسادهم ينالها نصيبها من العذاب حتى يبعث الله الجميع ثم تسير أرواح المؤمنين إلى الجنة وأرواح الكفار إلى النار، هؤلاء مخلدون في الجنة وهؤلاء مخلدون في النار.
 
المصدر ويكيبيديا - الموسوعة الحرة.
 
كما يتناص مع الحال العربي الاجتماعي ( الظلم ، القهر ، الطغيان )
 
ورغبة الشعوب العربية قاطبة بمحاسبة طواغيتها ، ورؤيتها تأخذ الجزاء العادل .
 
نبدأ بالعنوان ( ضوء ) لفظ مفرد نكرة تعني بالتعريف طاقة مشعة مرئيّة للعين ، 
 
يمكننا أن نعتبر العنوان سباق يأتي تفسيره في السياق الذي سيفصح عنه النص 
 
لننتقل إلى الحبكة :
 
مشهد يجول فيه الحزن والموت .. مكان خواء لا يُرى فيه إلا خيال من يحدّثه الراوي 
 
نافذة كاشفة لعلها الحياة  ، ترى العين منها كل ما يختبئ وراء زهر البنفسج الحزين .. خيال طاغية يغطي أرجاء وطن عتيق .
 
المكانية ( وطن إن كان الإسقاط كبيراً ، قرية ، بيت على نطاق أضيق)
 
القمر يشاكس النجمات في العلن  ... الزمانية ( ليل = زمن ظلم وبغي)
 
لننظر إلى الصور العديدة التي جاءت بها الكاتب القديرة 
 
هناك قمر حقيقي يلاعب النجمات،  وينحرالقطبية منها في مدار من مداراته ، مخلوق يتلاعب بأناثي
 
وهناك قمر يعتلي المآذن ينحسر ظله وقت المغيب، ويمتد وارفاً وقت الصلاة في الكنائس نهاراً
 
ويتكسّر ظله على حائط المبكى ( ديانات: إسلام ، مسيحية ،يهودية)= وطننا العربي مهد الأديان 
 
ثم تعود الكاتبة وتلتفت إلى صاحب الظل المقيت الذي نسج الظلام ملامحه التي لا تخفى على كل ذي بصيرة وفراسة
 
لتصف لنا تلك الملامح ، بدأت بأساسه ، البذرة التي ينبع منها ظلمه، مخلوق قاسي  القلب ( كالحجارة أو أشد قسوة كان ذلك القلب ) تناص قرآني.
 
اجتمعت فيه ذئاب العالم وثعالبه وجمالات الصحارى وندى العذارى = البطش والمكر والحقد والفتك والاعتداء ، آفات الشر بألوانها
 
يجيد الرسم على الرمل وتشكيل الألوان وتلوين الأحلام وزركشة الكلام وموسقة  الألغام =  الحمق والغباء والكذب والنفاق والتنميق والمراوغة  و... قيادة أوركسترا الحرب والموت .
 
يبرع في نسج خيوط العنكبوت ظناً بأنه يبني بيتاً ويوقع فريسة ( أوهن البيوت بيت العنكبوت ) تناص قرآني .= يبني بيتاً واهياً.
 
كان يتقن تحويل الصفيح إلى ياقوت =  لا أدري إن كانت الكاتبة تعني ذلك حقاً أم أنها تتهكم ،تلميع الرخيص، أو الشطارة في التجارة المادية ، ورفعه قاع الرعية ليصبحوا من علية القوم. 
 
انتهت الراوية من ذكر ملامح غريمها لتنقلنا إلى مكنوناتها هي، متألقة هي تألق نجمة ، وكانت تلك جريمتها ، هو لا يحب الألفا ، وكان ذنبها أنها سقطت دون أن يتبعها بشهاب ، يريدها شيطاناً يُصعق بشهاب واصب.
 
لا تحب العبث مع الأخيلة  التي تتساقط على حجارة المقبرة ، منبئة إياها بموت آتٍ ، فالكل في مملكة الحياة  مشروع ميت ، لكن البطلة مصرة على تقصي  ومعرفة ماهية من يرقدون في القبور . 
 
ورقات الروزنامة التي تنزعها بولادة كل يوم جديد و تقرّبها من الأجل.. لم تكن ورقات ، وإنما خفقات والتاريخ فيها لا ميلادي ولا هجري بل ( نحري) تقويم غريب لكنه عادي في زمن دموي .
 
ثم تتصاعد المكنونات لتصل إلى قرار ( العقدة )..العقيدة السليمة تقول أن الحرب مع الشيطان واجبة ، و هوى النفس شيطان كبير وعدو يجب محاربته ..
 
هنا أقف قليلاً محتارة ! لِمَ اعتبرت الكاتبة أن النفس هي العدو الذي يجب محاربته وفي ساحتها عدو واضح حوى كل الشياطين بظلمه ؟
 
جهاد النفس هو الجهاد الأكبر لكن بعد الانتهاء من الجهاد الأصغر وهو محاربة الظلم  والظلّام .أم أنها بحال من الأحوال تتكلم عما يجب أن يفكر به غريمها ؟! أم أنها هي أصلاً مُقرَّة أنها من الخطّائين كونها بالنهاية بشر غير معصوم عن الخطيئة ؟!
 
كلها أسئلة أوجهها إلى الكاتبة وأظنها ستجيب بكل إدراك وثقة .
 
وبعدها تبدأ العقدة بالانفراج ..
 
تداعيات إلى الماضي  ( خطف خلفاً ) ، تستعرض تاريخ هذا الظالم الذي كان في البداية حانياً يعبث بخصلات شعرها، يرسل رسائل حبه على جناح عصفور يتحمل عبث يديها بأجنحته ، لكنه سرعان ما ينقض على قلبها يرتشف منه قطرة دم !يجرحها بصميم قلبها .
 
وهل تستذئب العصافير ؟ سؤال في عرف الطبيعة الحيوانية  جوابه لا ، لكن في عرف البشر  .. نعم 
 
عندما يمتد ظل الرجل  ليتشعّب في كل الأماكن منتشراً بلا انتماء لن يكون شاطئ أمان لمن تهواه ، بل غريباً تخشاه ..
 
وبخطفة أخرى تفاجئنا الكاتبة أن الراوية ماتت في معركة الحياة  ، وأن من يروي الأحداث السابقة هي جثتها !
 
هذه الجثة رأت كل من حضر غسلها ودفنها، كلهم بكوا لموتها إلا هو ! كان يضحك متخفياً لا يراه أحد سواها ، يراقب أنفاسها التي غادرتها بشماتة وحقد .
 
تنقلنا إلى جوّانيه لتؤكد لنا أنه كان سعيداً بجريمته، يبارك لشيطانه وفاءه له بالعهد، ويقهقه
 
كلما سمع أحدهم ينتحب عليها ، ويتضاءل في عينها  ويذوي كما تذوب الشمعة .
 
هل تنقلنا الكاتبة إلى ظالم شخصي ؟ أعني شريك غادر ؟ ربما فالنص مفتوح على رؤىً عديدة .
 
وفي بَرْزَخها ملائكة اليمين تحفها ، وتكتبها من أهل اليمين  ، أما هو فتكتبه ملائكة الشمال من أهل الشمال.
 
البرزخ حياة يجتمع فيها كل البشر ، وهو بشر ، لكن هيهات أن يكون برزخهما واحداً !
 
برزخها كان حياة نعيم ، وبرزخه كان موت جحيم ، كانت تشهق الحياة ، وكان يزفر الموت .
 
الغبي المغرور الذي ظن أنها تركت السماء لتسكن في قلبه، وهو من كان قاصراً عن النظر إلى السماء حتى.
 
ولا يقبع في ذاته إلا شياطين غروره وجبروته. 
 
الله ! منولوج داخلي جسّد تعزيزاً نفسياً بمنتهى الروعة !
 
وبتسليم كامل ، وبأتم الرضى تعلنها : لا إله إلا أنت لا شريك لك .
 
( فذانك برهانان من ربك إلى فرعون وملائه) تناص قرآني.
 
طهارة في البرزخ من كل شائبة خالطت الإيمان، محاسبة نفس، وعذاب مطهّر يجلد الشر وشياطين النفس ، لينتصب الإيمان نقياً طاهراً . 
 
الخيبات التي ذرفت عليها الدموع مدرارة،  جاءت ياسميناً عطّر النواقيس التي دقت تعلن انتهاء مشهد القتل عن سابق غرام وتيتّم !!
 
الله ! يا للبلاغة ! مشهد القتل عن سابق غرام وتيّتم !!
 
قتلها من أحبته !
 
مغرور غبي ظالم أحمق ، وسبقها صبرها ليعطّر مقامها .
 
الماء الذي ساقته سحابة، هطل فوق تربتها طهراً فغدت ذهباً ، إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ، أما الظالم ، فينتظره عبور آخر، وسقوط عن الصراط المستقيم بما قدّم في الحياة الدنيا ، وما الحياة الدنيا ولا حياة البرزخ إلا نقاط عبور .
 
تعلن البطلة قفلة قصتها ب : وهأنذا ... عبرت.
 
قفلة واضحة لأنها من المسلّمات ( إنما يُوَفَّى الصابرون أجرهم بغير حساب)
 
السرد : 
 
عن لسان الراوي وهو هنا الكاتبة نفسها ، توجه الدفة بما يتفق مع أفكارها ومعتقداتها ، 
 
اعتمدت فيه الكاتبة المحاكاة الداخلية مع عودة لوميض الماضي 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . عبير يحيي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/09/03



كتابة تعليق لموضوع : ملامح المدرسة الرمزية في نصوص الأديبة السورية إيمان السيد
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net