صفحة الكاتب : د . خالد حسين المرزوك

حكاية ابو شامل والكويتيين
د . خالد حسين المرزوك

  ذات يوم وصل الى قريتنا رجل غريب عرف فيما بعد بأنه يكنى بـ (ابي شامل) وهو يسأل  عن زوجته التي هربت منه بصحبة عشيقها الذي لايَعرِف أسمه ولا عنوانه ، ولا يًعرف أحد هل إن شاملا هذا حقيقي أم هو كنية لاأكثر ، وعندما لم يجد جوابا في القرية عما يسأل بل لم يلق الاهتمام بسؤاله الساذج والذي يثير السخرية والامتعاض طلب من اهل القرية ان يجدوا له عملاً يرتزق منه لأنه لم يعد له أهل او عائلة يعود اليها ، وكان اهل القرية قد إعتادوا الخروج عصرا الى ساحة واسعة تتوسط قريهم وتطل عليها اغلب البيوت ليجلسوا فيها انتظاراً للمساء الذين يعود كل منهم الى داره لا يغادرها الا عن الصباح للتوجه الى حقلة الذي يعمل فيه ، سوى بعض الايام التي يطلب فيها كبير القرية ان يوافوه في المضيف بعد العشاء واحياناً بعد صلاة العشاء ليتناولوا عشاءهم عنده ويكملوا سهرتهم التي لا تتجاوز العاشرة ليلاً الا ماندر ، وكانت جلساتهم في الساحة تلك او في المضيف عبارة عن مهرجان يعرض فيه كل منهم أخباره ومشاكله وأمراضه وأحلامه وبطولاته وأنتكاساته .
       وكان ابي شامل هذا قد عمل فلاحا بقوت يومه عند احد الفلاحين الذي سمح له ان يبني كوخأ صغيرة بجانب داره المتواضعة لينام ويسكن فيها ، وكان يتردد على الساحة يشارك الفلاحين أحاديثم دون ان يتحدث عن نفسه وأصله وكذا فان اهل القرية لم يتطفل احد منهم بسؤاله عن ذلك ، الا ان احدهم وجده يوما يبكي بحرقة في ساعة متاخرة في الساحة ولما ساله عن ذلك لم يجد عنده جواباً فألح عليه بالسؤال فقال له بانه قد تذكّر زوجته التي هربت منه وهو يبكي على فراقها ، فوبخه وقال له بأنها لا تستحق هذا الاشتياق والحب وعليه نسيانها ، الا ان الامر قد تكرر مرة اخرى في الحقل الذي يعمل فيه وثالثة عند النهر وهو يجلب الماء منه ، فقرر اهل القرية ان يستوضحوا الامر منه حقيقة ، وبينما كان الجميع جالساً في الساحة انبرى كبيرهم بتوجيه السؤال المرّ الى ابي شامل عن سرّ هذه النوبات البكائية المتكررة والتي يبدو ان سببها الذي يذكره غير مقنع لهم ، فاكّد ابو شامل نفس السبب وانه يحبّها ولا يصبر على فراقها واقسم اليمين على ذلك فثارت ثائرة الرجل وصاح به (الا تستحي من نفسك ؟ اتبكي على امرأة ؟ واي امرأة هي؟ الم تهرب برفقة عشيقها منك فهل تستحقّ منك كل هذا الحبّ ؟ وكان ابو شامل يزداد بكاءه عند كل سؤال ، حتى فقد الرجل صوابه وامسكه من تلابيبه وقال له : ما أنت ؟ هل أنت تَرَس(*) ؟ فصاح به ابو شامل وهو يدفع بيد الرجل ، نعم ، اتركني ، نعم انا ترس) وهنا اطبق الوجوم على الجميع واراد البعض ان يضحك ولكن نظرات الرجل اليه منعته من ذلك ، وبعد لحظات تفرق الجميع من الساحة كل الى دارة وهم يتهامسون  ويبتسمون .
     ومن الطبيعي ان ينقل كل رجل اغلب مايدور في الساحة او في المضيف الى اهله واولاده ، وحكاية ابي شامل من تلك الحكايات التي انتقلت بسرعة البرق الى جميع البيوت وسمعت بها النساء والشباب والاطفال ، حتى اذا اصبح الصباح وعندما كان ابو شامل يتوجه الى حقله فوجئ بعدد من الاطفال يصيحون خلفه (ها ترس!) وكانت هذه الصيحة كأنها رصاصة اصابته بالصميم ، واخذ يركض وراءهم ويرميهم بالحجارة ويسمعم اقذع الشتائم ، الا انه قد واجه نفس الموقف عند عودته ومن مجموعة اخرى ، وفي اليوم الثاني صاح به احد شباب القرية ، وفي الرابعة صاح به احد الفلاحين بل ان مجموعة من النسوة قد صحن به عن حافة النهر ، وكان في كل مرة يزبد ويرعد ويتوعد ويكيل السباب والشتائم و يرمي بالحجارة ، ومرت أشهر عديدة على هذه الحال حتى كأنه قد اصابه مسّ من الجنون ، فقد شوهد مرات عديدة وهو يكلّم نفسه بصوت مسموع مصحوبا بإشارات من يديه ، فرق له اهل القرية وتشاوروا بينهم على الامتناع عن تلك الممارسة التي قد تودي بعقل ابي شامل ويتحملون هم إثم ذلك ، فأوصوا ابناءهم واطفالهم بل ونساءهم بالامتناع عند توجيه الكلمة البذيئة الى ابي شامل من باب حُسن الجيرة والضيافة  ، ولا يجوز لهم اهانة الضيف او توجيه الاذي للجار.
      ومرّت أيام ، لم يسمع فيها ابو شامل احداً يناديه (ها ترس) فتعجب من ذلك ، وتسائل مع نفسه فلم يحر جواباً ، وراح يحدّق في وجوه المارّة متسائلاً مع نفسه لكنه لم يدرك السبب ، ولكونه قد اشتاق الى سبابه وركضه وراء الاطفال ووعده ووعيده فقد !!! بدأ هو يطلق الكلمة على من يصادفه من الرجال او الاطفال ، لكي يردوا عليه ويعاود السبّ والشتم فكان اهل القرية يبتسمون او يشاركونه حركاته الجنونية فقد ادركوا بان المسّ قد استولى عليه .
     هذه الحكاية قد ذكرنتي بالكويتيين هذه الايام ، بل ان تصرفاتهم وكتاباتهم وتصريحاتهم بشأن العراق والعراقيين هي التي ذكرتني بـ (حكاية ابو شامل) ، فهم يدركون ويعلمون ومتأكدون اكثر من أي احد غيرهم بان الكويت لم تكن قبل تسعين سنة من الآن سوى مدينة على حافة الصحراء تابعة ادارياً وقانونياً وسياسياً الى ولاية البصرة آنذاك ، الا ان سياسات (فرّق تسد) التي مارسها المستعمرون قد اعطت الضوء الاخضر لآل الصباح ¬¬- الذين لم يكونوا يومها سوى قُطّاع طرق شأنهم شأن اسيادهم اليوم من آل سعود – لتكوين دويلة جنوب العراق وذلك باقتطاع الجزء الجنوبي من البصرة .
    ودارت الايام ومرت السنون واصبح الامر بالنسبة للعراقيين والكويتيين والعرب والعالم شبه مسلّم به بان الكويت دولة لها كيانها وحصلت على عضوية الامم المتحدة والجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي ، الا ان الهاجس بعائديتها الى العراق ظلّ يجثم على صدور الكويتيين أكثر من العراقيين انفسهم ، فلدى العراقيين ، لم تلح المسألة في الافق – حسب علمي- الاّ مرة في زمن الملك غازي رحمة الله عليه ، واخرى في زمن الزعيم عبد الكريم قاسم رحمة الله عليه وثالثة عندما سرقوا نفط العراق باساليب شيطانية ابّان حرب العراق وايران التي قدّموا فيها الدعم والعون لصدام حسين بشكل منقطع النظير وبمعيّة اسيادهم السعوديون ليس محبة بالعراق طبعا ولكن نكاية بايران البعبع الذي ترتعد منه فرائصهم وكذلك صبّ الزيت على النار التي تحرق شيعة العراق الذين كانوا هم وقود تلك الحرب الضروس ، فكانوا يضربون ثلاث عصافير بحجر واحد ، وهو ليس دهاء منهم وانما من اسياد اسيادهم الاميركان والبريطانيين الذين ارادوا حرق المنطقة بنيران اهلها . وبعد ان بردت نار تلك الحرب ، انقلب السحر على الساحر واذا بكتائب حرس صدام الجمهوري تكتسح ارض الكويت بلمحة بين صلاة الصبح وشروق الشمس حتى ان خيّرهم قد هرب من البلاد وهو تفوح منه رائحة ماجادت به بطنه .
    واليوم وبعد ان حصل ما حصل في العراق ، وراح النظام الذي اقضّ مضاجعهم سنين طويلة وبدأت بوادر حكم ديمقراطي جديد في العراق ، نجد ان الكويتيين هم أول من وقف بالضد من ذلك فهم الوحيدين الذين حوّلوا وحوّروا تلك المساعدات التي قدموها للشيطان على انها ديون على الشعب العراقي ان يدفعا اضافة الى كل الخسائر التي كبدهم اياها الحرس الجمهوري الصدامي وقيّموها بعشرة أمثالها ، بل أول من بكى وتباكى على الخروف المذبوح صبيحة عيد الاضحى في العراق هم الكويتيون ، وآخر قنبلتين لهم بوجه العراق هما المطالبة بترسيم جديد للحدود وميناء مبارك اللامبارك انشاء الله وطبعا هاتين القنبلتين سوف لن تكونا الأخيرتين  .
    بربكم اليسوا هم كما هو حال (ابي شامل؟) فعنما لا يجد احد يناديه بالترس كان هو الذي ينادي عليهم  تماما كالاخوة الكويتيين عندما يريد العراق ان يفتح صفحة جديدة تتلائم مع توجهاته الديمقراطية وحسن الجوار ومبادئ الشرعية الدولية واحترام القانون الدولي ، بدأوا هم بالتحرش بالعراق وباساليب متعددة ومتجددة ، وقد نسوا بان العراقيين هم نفسهم الذيت كانوا قد هزموا اعتى قوة في الارض حينها وهم الانكليز ، بالمكاوير والحدرات والتواثي والكزاوي والمعاجيل (**) .ارجو ان يتعضوا ويعودوا الى رشدهم ويحكموا عقولهم قبل فوات الأوان .
(*) الترس لغة شعبية تطلق على من يعلم بافعال زوجنه او اخته ولكنه يغض الطرف
(**) المكاوير جمع مكوار وهو العصا الغليظة والمنتهية بقطعة من القير الصلب لتكون مؤلمة اما الحدرات فنفردها حدرة وهي كالمكوار ولن بدلا من القير فانها تنتهي بصامولة حديدية كبيرةاما التواثي فمفرها توثية وهي عصا غليظة ذات رأس مدور مأخوذة من خشب التوت القوي اما الكزاوي والمعاجيل فهما جمع للكزوة والمعجا وهو المقلاع .

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . خالد حسين المرزوك
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/08/05



كتابة تعليق لموضوع : حكاية ابو شامل والكويتيين
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net