صفحة الكاتب : اسعد عبدالله عبدعلي

البصقة البريئة
اسعد عبدالله عبدعلي
إحدى الليالي التموزية الساحرة في بغداد, كان  خلف الموظف الجديد في تشريفات القصر, وحده في جناح مكتب الرئيس, فالساعة الحادية عشر ليلا, غادر اغلب الموظفين المكان بعد عشاء دسم, كانت اعز أمنياته تلك الليلة أن يرى كرسي الرئيس, استغل مغادرة الكل فدخل غرفة مكتب الرئيس وأغلق الباب, كان مكتب الرئيس جميلاً, جلس خلف على كرسي الرئيس, تداخلت أحاسيسه بين الفرح والخوف, أحس انه جلس على جبل عال, أو حصان بري هائج, تخيل نفسه انه الرئيس, حاول أن يقلد نبرة صوته وحركاته, فوقف كأنه يخطب وصاح: ( أيها الشعب, سوف أجوعكم واسرق أحلامكم, وأبدد أموالكم, بل سأضحك عليكم كثيرا, وستنتخبونني مرة أخرى, هاهاهاها ), هكذا دوما هم رؤساء العراق, يتقنون بيع الوهم لشعب يصدق كل ما يقال.
اخرج موبايله من جيبه والتقط صورة "سيلفي" وهو جالس على كرسي الرئاسة, ثم بدا يتصفح موبايله, شغل أغنية  كي يرقص على أنغامها, فهو يحس بالنشوة, وجد أغنية عمرو دياب " هو الحب أيه" الراقصة,  بدأ يتمايل مع انسياب كلماتها وموسيقاها الصاخبة, وقال بعلو صوته (أنا الرئيس, الرئيس يرقص هاهاهاها), امسك بتفاحة موجودة في سلة الفواكه في مكتب الرئيس, عض التفاحة لكن كان طعم التفاحة كالعلقم, فصاح خلف ( تباً للرئيس وتفاحته العفنة), فانفعل وبدا يبصق في كل مكان من المكتب, على الكرسي, على الكتب, ثم توجه للباب فامتلئ فمه بلعاب كثيف, فقرر أن يطلق بصقته الأخيرة على الباب, وأطلق بصقة كبيرة نحو الباب, ولكن, وإذا بالباب يفتح ويظهر الرئيس, وتستقر البصقة على وجه الريس.
صاح الريس:
-         أيها الأحمق ماذا فعلت, سأعدمك.
ارتد خلف للوراء وتصاغر أمام الرئيس, اهتز كل كيانه فبصقته التصقت بوجه الرئيس, أي كلمة يمكن أن تمحو عار ما حصل, طأطأ رئسه كأنه احد عبيد قصور العباسيين, محاولاً استعطاف الرئيس كي يعفو عنه, وقال:
-         سيدي, لم اقصد, كان طعم التفاحة مراً فبصقت, أرجوك اعذرني.
-         اخرج أيها الأحمق.
خرج خلف وهو يشعر بخوف شديد, جلس في الممر المؤدي الى القاعة الكبرى, يفكر فيما حصل, ( هل سيقوم بإعدامي, هل سيسجنني, بل أن فكرة انه سمع جملتي الأخيرة تخيفني, لقد تسبب بها علو صوتي, من المؤكد انه سمعني, وألان يكتب أمر سجني المؤبد, أو يكون اتصل بقائد العمليات الأمنية ليعتقلني, علي أن اطلب عفوه, يجب أن أحاول).
بعد ساعة خرج الرئيس من غرفته, فلحقه خلف يطلب العفو والصفح عن جريمته:
-         سيدي أرجوك اعف عني, 
-         لا عليك, قد نسيت القصة.
ارتاح خلف وتبدد بعض الخوف, لكن القلق بقي جاثياً على صدره, لم يغادر خلف للبيت, بل بقي في القصر يفكر في الاعتذار مرة أخرى, فالأكيد ألان أن السيد الرئيس سيعيد التفكير فيما حصل الليلة وبصقتي بوجه, حتما سيأمر بإعدامي في الغد, إذن الاعتذار مرة أخرى أمر واجب.
في صباح اليوم التالي كان الرئيس لديه ضيف مهم, قيل انه وزير جزر القمر وجاء لغرق توثيق العلاقات, وتزويد البلد بأسلحة متطورة, وتم الاتفاق,وغادر الضيف المهم, وكانت علامات الرضا واضحة على وجه الرئيس, وألان  يتناول وحده فطوره, في غرفة الطعام, خلف وزميل له كانا في باب الغرفة, تحرك خلف ودخل الغرفة والرئيس مشغول في تقطيع الدجاجة المشوية, فاقترب خلف وهمس تأدباً:
-         سيدي, أرجو أن تعفو عني عن ما حصل, لم أكن اقصد أن ابصق بوجهك, كان الأمر.
-         قلت لك نسيت, هيا اخرج أيها الأحمق.
خرج خلف مسرعا وتعثر وكاد يسقط على الأرض, لولا ذراع زميله التي تلقفته, أحس بتعب وتصاغر نفسه, مع رعب كبير, تعرق جبينه من القلق والتفكير بمصيره مقابل تلك البصقة البريئة, غرق في تساؤلات عن موقف الرئيس, ( ترى هل سيقرر إعدامي, هل سيعتبرني خائن لأني تجاوزت على مقام الرئاسة, لماذا رفض توسلاتي, يا لحظي العاثر سأموت قبل إن ابلغ الثلاثين, يجب أن أحاول مرة أخرى قبول عطفه).
عند الظهيرة كان الرئيس جالسا يوقع عقود بناء مدن سكنية عملاقة للشعب, مع شركة صومالية,  وقع الرئيس وتبسم بوجه نائبه, كان خلف واقف خلف كرسي الرئيس, تصافح الرئيس مع مدير الشركة الصومالية بعد الاتفاق, وغادر المسئول الصومالي, فقرر خلف أن يستغل سعادة الرئيس ويطلب عفوه, فاقترب من الرئيس وهمس في أذنه.
-         سيدي أرجوك اصفح عني لم أكن أقصدك بالبصقة.
-         اخرج أيها الأحمق, اخرج, لم أجد اغبي منك, سأعاقب من جلبك للقصر.
خرج خلف مرتعدا خائفا يتلفت يمين وشمال, ووقع على الأرض, كان الكل ينظر له نظرت تعجب, عاد لبيته, لم يتناول شيئاً, لم يكلم أحدا من إفراد أسرته, جلس في غرفته من دون أن يبدل ملابسه, مرت ساعات وهو يفكر.
تساؤلات عديد تكاد تخنقه, ( يا ترى هل سيضعونني غدا في حوض التيزاب, أم سيرسلونني للسجن لأعذب, أم سيرمونني للكلاب لتأكلني, كانت مجرد بصقة بريئة, إنا لم اخطط لاغتيال الرئيس ببصقة, هل سيرن جرس الباب ويدخل ملثمون يقطعوني بسكانيين عسكرية).
اقترب من النافذة وهو ذابل القوى شاحب الوجه, ينظر للبنايات المقابلة ويفكر, ( يا ترى هل ستأتي طلقة من قناص يرصدني ألان, انه الموت الذي قرره لي الرئيس, لأفتح صدري للرصاص وأموت شجاعا, كانت البصقة جريمة لا تغتفر).
.
في الصباح, مات خلف.

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


اسعد عبدالله عبدعلي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/09/23



كتابة تعليق لموضوع : البصقة البريئة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net