صفحة الكاتب : د . صادق السامرائي

مجتمعات وجامعات!!
د . صادق السامرائي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

العلاقة ما بين الجامعات والمجتمعات حيوية ومتبادلة وذات قيمة حضارية تطورية إرتقائية وتنويرية على جميع المستويات , والتقدم العلمي والمعاصرة تتناسب طرديا مع عدد الجامعات ومستويات التعليم فيها , وذلك يكون في المجتمعات التي تقدمت , لأنها أدركت أهمية وضرورة وحتمية إستقلال الجامعات , لكي تمنح الحرية للأفكار وإنطلاق ما في العقول من الطاقات والقدرات الإبداعية.

أما في المجتمعات التي تأخرت فأن الجامعات لا تتمتع بالإستقلالية , وإنما تتدخل في أدق تفاصيلها الأهواء السياسية والحزبية والفئوية , مما حولها إلى مؤسسات عديمة الفائدة والدور , وفاقدة لقدرات بناء المجتمعات المنورة بالمعارف والعلوم وحرية التفكير وقيمة العقل في الحياة , أي أنها فشلت في بناء المجتمعات التي تستخدم عقلها في التفاعلات والتقيمات والتقديرات , وإنما أسهمت في تعزيز الأهواء والإنفعالات وحجبت العقل عن الحياة.

وكان من رواد الدعوة لإستقلال الجامعات في الوطن العربي , عميد الأدب العربي المرحوم طه حسين , الذي جاهد بقوة وإصرار على أن تكون الجامعة مؤسسة مستقلة تماما , وأن يكون التعليم كالماء والهواء , ولم يتواصل أحد من بعده بهذه الدعوة الجوهرية اللازمة للتقدم والرقاء , ولهذا بقيت الجامعات في مجتمعاتنا كافة أسيرة أنظمة الحكم والكراسي , التي تريدها أن تكون وفقا لما يسوّغ سلوكيات الكراسي وقرارات الحكام , أي أن الجامعات تحولت إلى منابر لوعاظ الكراسي والحكام أو , للترغيب بما يقومون به ويقررونه.

وذات مرة وبعد غزو العراق ببضعة أسابيع حضرت محاضرة لأستاذ جامعي تحدث فيها عن كتاب له وسط جمع غفير من المستمعين , وقد نسف بحديثه ما جرى للعراق وأثبت بأنه سلوك خطير , وأن كل ما نسمعه من تبريرات أكاذيب , وأن الهدف الأول والأخير هو وضع اليد على منابع النفط , وراح يفسر الأحداث التي حصلت في العراق منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى اليوم على أنها بسبب النفط , كتغيير الأنظمة والحروب والمشاكل الداخلية وغيرها الكثير من التطورات , وأجزم بأن الذي يحصل لا علاقة له بأي شيئ آخر سوى النفط وهدف آخر , وكانت المحاضرة ذات جرأة وتفنيد صريح وقوي للحرب التي وقعت على العراق.

وبعد المحاضرة سألنا رئيس القسم  لماذا لا تكون هذه المحاصرة في وسائل الإعلام , فأجاب , بأنها الجامعة وهي مؤسسة مستقلة , وما نقوله في الجامعة لا يمكن قوله في وسائل الإعلام , فللجامعة حرمتها المعرفية وقدسيتها الفكرية والعلمية , لكن المحاضر قد ألقى محاضرته على ما يقرب من نصف ألف مستمع , وهذا يعني أنه قد تفاعل مع عقول في المجتمع وعليها أن تتواصل وتتفاعل في التوعية والتنوير.

وفي جامعاتنا لا يمكننا قول الحقيقة وفقا لمنطق معرفي علمي , ومهارات إقناعية جدلية ذات قيمة تحفيزية وتثقيفية , وإنما الخوف هو الذي يحكم ويتحكم بحالة الصيرورة القائمة , حتى لتحولت الجامعات في بعض الدول إلى مواطن لنشر الأفكار البهتانية والتضليلية , وللدجل والدعوات الفئوية وكأنها ميادين لتنظيمات سياسية وتحزبية ونشاطات خارجة عن القانون والقيم والأخلاق , فلا حرمة للجامعة ولا للأستاذ الجامعي , ولا معنى للجامعة إلا بمدى تواطئها مع النظام الحاكم وتعبيرها عن وجهات نظره , بل وأن تكون مناهجها متوافقة مع ما يريده ويهدف إليه.

وبهذا فأن كثرة الجامعات في هذه المجتمعات لا يساهم في التقدم والتحضر , وإنما في زيادة مساحة التجهيل وإلغاء دور العقل والتطبيل للتبعية والإذعانية , فما قيمة العقل في مجتمعات تدين بالتبعية لهذا وذاك من ذوي الرؤوس العفنة والنفوس السيئة والسلوكيات المنحرفة , ووفقا لذلك فأن أخلاقيات هذه المجتمعات تتردى , وقدرتها على التواصل المعاصر تضعف وتنعدم , وتتحول إلى مطية للآخرين أيا كانوا ومن اين جاؤوا.

ولن تقوم قائمة لمجتمعات لا تؤمن بالعقل وتمنع أو تحرم إستقلال الجامعات , وتحسبها سوحا للصراعات السياسية والفئوية والتحزبية الضارة بالحياة.

فهل ستكوّن الجامعات مجتمعات؟!!


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . صادق السامرائي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/09/30



كتابة تعليق لموضوع : مجتمعات وجامعات!!
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net