صفحة الكاتب : افنان المهدي

أَ هو غريب؟!*
افنان المهدي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
هي، هي!! 
 
لم تتبدّل ولم تتغيّر، لا باختلاف الليل والنهار، ولا باختلاف المكان! 
 
من لدن آدم، مروراً بمن دعا قومه ليلا ونهاراً، سرّا وجهارا، وبمن ذهب مغاضباً، ونادى في الظلمات: 
*( أن لا إله أنت سبحانك إني كنت من الظالمين)*
وحتى زمن خاتمهم، الذي دشّنها عريضة -كما هو مأثور عنه- فقال: 
*(بدأ الإسلام غريباً وسيعود كما بدأ)*.
وأورثها الحفيد الثائر، حسين علي! 
 
هكذا، هي المبادئ والقيم الربّانية، والمنهج الإلهي، والعقيدة القويمة، -وكأنه- من طبائعها، ويا للأسف؛ *الغربة*!
 
الغربة، وما أدرانا ما الغربة! هذه المفردة المرّة في مفهومها ومصداقها، المؤلمة في تشخصاتها!
 
*الغربة*، كما يعرفها علماء اللغة بأنها: 
غرَب، غربت الشمس تغرب غروباً: بعُدت وتوارت في مغيبها، وغرُب الشخص بالضم غرابة: بعُد عن وطنه، فهو غريب، أغرب: جاء بشيء بعيد من الفهم. 
 
سؤال قد يُطرح في البين، ولطالما كان موضع الاهتمام من بعض المهتمين لشؤون الدين،
*هل العقيدة تشكو الاغتراب؟*
 
قبل الإجابة عن هذا التساؤل المشروع، لا بد من تفكيك مفردات السؤال وإيضاحها، لنصل في نهاية المطاف، لإجابة وافية موضوعية، وقد تناولنا جانباً من تعريف إحدى المفردات الواردة في السؤال وهي الغربة. 
 وبخصوص مفردة العقيدة، فقبل تعريفها، لا بدّ من تعريف الدين، لأنها قسم رئيس من أقسامه! 
 
*الدين اصطلاحاً*: الإيمان بخالق الكون والإنسان، وبالتعاليم والوظائف العملية الملائمة لهذا الإيمان. 
*إذاً*:
الدين يتألف من العقيدة، وهي التي تمثّل الأساس والقاعدة له، وهو ما يسمى عند علماء الكلام بأصول الدين. 
والتعاليم والأحكام العملية، الملائمة لذلك الأساس، والمنبثقة في واقعها من تلك الأسس وهي ما تسمى بفروع الأحكام، والعبادات والمعاملات التي تكون موضع اهتمام علم الفقه. 
 
إجمالاً، نستطيع القول، إن الأيديولوجية أو العقيدة هي: 
مجموعة من المعتقدات والنظرات الكونية المتناسقة حول الكون والإنسان، بل حول الوجود بصورة عامة. 
ومظاهر تلك العقيدة تتمثل بالإيمان بالله ووجوب معرفة صفاته (التوحيد والعدل)، ومعرفة أنبيائه ورسله والإيمان بنبوة الخاتم "ص" وإمامة وصيّه والأئمة من بعده - وهذا موضع اختلاف بين المسلمين - وبالحساب والعقاب. وما يتفرع من ذلك الإيمان وما يلازمه من صلاة وصوم وحج وغيرها من التمظهرات. 
 
العقيدة من طبائعها التعالي والقداسة، وجوهر تلك القداسة هو الارتباط والعلاقة مع المعصوم، الذي يمثّل الرمز الديني والمثل الأعلى الممثّل للعقيدة. 
وأساس نجاح العلاقة مع الرمز الديني يعتمد على ثلاث ركائز متتالية، بحسب وجهة نظر الباحث الإسلامي الشيخ "حسين خشن"، وهي: 
 
*الركيزة الأولى*: 
الركيزة المعرفية، أي معرفة شخصه، صفاته الذاتية، مشروعه، طموحاته، أهدافه. 
*الركيزة الثانية*: 
الركيزة العاطفية والشعورية، فالمعرفة يتبعها علاقة عاطفية تشعر القلب بدفء المحبة، كما يشعر العقل بقوّة الحجة، ومن اللافت أن النبي محمداً "ص" أوضح هذه الركيزة بلا غبش، وأراد تثبيتها في الأمة، حيث إنه الوحيد من الأنبياء جميعاً الذي طالب بأجر على نبوته وتبليغه الرسالة *(قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى)* [الشورى:  ٢٣].
*الركيزة الثالثة*: 
الركيزة السلوكية، أي ترجمان لذلك الأجر الذي طلبه "ص" وهو المودة في القربى، وثمة فارق بين المحبة والمودة! 
 
هذه الركائز إذا اجتمعت نجحت العلاقة مع الرمز الديني والمقدّس، وإذا تقدّمت إحداها على الأخرى نتج عنه تشويش وتخبّط، يقول الإمام علي "ع": *(هلك فيّ رجلان، محب غال، ومبغض قال)*.
فما أشار إليه أمير المؤمنين في قيلته، حينما تتقدّم الركيزة العاطفية على الركيزة المعرفية تنتج هلاكاً!
 
*لذا*، نجد هذا الأمر واضحاً، لمن يقرأ ويبحث في السيرة التاريخية لسيد الشهداء الإمام الحسين "ع" وما يخص قضية كربلاء، فمن وقف في وجهه معارضاً ذهابه للعراق لأسباب شتى- وليس هنا موضع بحثها - سواء في المدينة أو مكة، أو في الطريق لكربلاء، إنما يعود ذلك لسبب تقدّم في إحدى الركائز مما نتج عنه خلل ووقوف في وجه المقدّس والممثّل للعقيدة! 
فبعض الكوفيين كان لديه خلل في الركيزة المعرفية كالشمر بن ذي الجوشن، فعندما خطب الإمام الحسين "ع" في صبيحة يوم العاشر بخطبته التي قال فيها: 
*(يا أهل العراق، أيها الناس، إسمعوا قولي، ولا تعجلوا، حتى أعظكم بما يحق لكم عليّ، وحتى أُعذر إليكم… ..)*
قال له الشمر: *هو يعبد الله على حرف إن كان يدري مايقول!* 
فردّ عليه حبيب بن مظاهر: *والله إني لأراك تعبد الله على سبعين حرفاً!*
*وأنا أشهد أنك صادق، ما تدري ما يقول، قد طبع الله على قلبك*! 
 
وبعضهم كانت الركيزة السلوكية هي موضع الخلل، كما في حديث الفرزدق حين التقى الإمام الحسين "ع"، في إحدى الطرقات ليسأله عمّن خلّفهم فيجيبه: 
*قلوب الناس معك، وسيوفهم عليك*! 
وهذا أحد مظاهر الغربة التي قد عاشها الإمام الحسين "ع"، والأنكى من ذلك، حينما تلقّى في منطقة زرود، نبأ استشهاد سفيره مسلم بن عقيل مع هانئ بن عروة رئيس قبيلة مذحج بالكوفة، وقد قال ثلاثاً لم يقلها لأحد من قبل ولا من بعد، طيلة أيام وصوله كربلاء وما جرى عليه من الدواهي! 
*(إنا لله وإنا إليه راجعون، رحمة الله عليهما)*.
 
يقول الإمام علي "ع": *(فقد الأحبة غربة)*، من وجهة نظر نفسية، الشخصية تتحسس بالاغتراب الحقيقي، عندما يكون الفقيد منتسباً بدوره إلى السماء، وعندها يظل الاغتراب مرتبطاً بالسماء وليس بالفقيد، باعتبار أن الفقيد يجسّد الصلة بالسماء التي تتحسس الحاجة إليها فحسب، فالنبي نوح "ع" مع ابنه، ومع وجود العاطفة الطبيعية إلا أنه لم يشعر باغترابه عنه حين فقده! 
بينما كلمة الإمام "ع" في حقّ مسلم وهانئ، تشي بالكثير من شعوره "ع" بالغربة وبالذات بعد انفضاض البراغماتيين والانتهازيين بعد سُماع خبر مقتل البطلين. 
 
هذه بعض مظاهر الغربة التي كان سيد الشهداء "ع" وهو الرمز الديني والمقدّس يشعر بها، والسؤال الأخير الذي أترك مجاله مفتوحاً لكلّ من يقرأ هذه السطور، ليجيب عنه بما يراه، هو: 
*هل ما زال ذلك الرمز الديني المتعالي والمقدّس الممثّل بالإمام الحسين "ع" يعيش الغربة؟!*
*وما هي مظاهرها إن كانت ثمة؟!*

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


افنان المهدي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/10/06



كتابة تعليق لموضوع : أَ هو غريب؟!*
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net