صفحة الكاتب : تيسير سعد

مقال ( فشل انقلاب عسكري للشيعة في العراق ) للكاتب عمار العامري .. نجاح بتوجيه الإساءة للحسين (ع) !؟.
تيسير سعد

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

  تبقى واقعة الطف , أسيرة لمنحيين لكل دارس أو باحث أو كاتب . الأول : هو أن واقعة الطف يتم تناولها وفق فهمنا نحن لها , وللآن لا أحد يدّعي أنه أصاب أو كشف عن أبعاد ودلالات الواقعة كما هي , فضلا ً عن معرفة مفردات الواقعة التاريخية . والروايات عن أئمّة أهل البيت ( ع ) تؤكد بأن هناك ساعة حُجبت عن الناس تخصّ مقتل سيد الشهداء (ع) , والله هو العالم ما تحوي من مشاهد مأساويّة مروّعة , لم تستطع النفس البشريّة تحملها . 

الثاني : هو أن الواقعة لم تسلم من موروث الدارس أو الباحث أو الكاتب حين تناوله الواقعة, فيتم تناوله لها بإسقاطات فكريّة وحزبيّة وعشائريّة وأيديولوجيّة وغيرها عليها . 
وفي كلا المنحيين يقف الباحث عاجزا عن ادراك كنه الواقعة , وهذا سرّ من أسرارها , ربما لوجود الجذبة الإلهيّة للواقعة , ولبطلها الإمام المعصوم ( الحسين بن عليّ عليه السلام ) . كما لم يفلح أحد بأن يحيط ولو على نحو الإجمال بالواقعة , ولنفس السبب المذكور . أو ربما إن لم نكن نمتلك الأدوات الرصينة والمنهج الأكاديمي القويم المحايد , لدراسة واقعة الطف , نكون قد نسيء لها ولرموزها من حيث ندري أو لا ندري , ونضفي على الواقعة من إسقاطاتنا الذهنيّة الضيّقة والمشوشة , كما اسلفت بمفاهيم نظنها حداثوية عصريّة .
وهذا ما فعله الكاتب عمار العامري , بمقاله الذي بعنوان (فشل انقلاب عسكري للشيعة في العراق ) . الذي تناول الواقعة بطرح يشبه الى حدّ بعيد , تناول الخبر عبر وسائل الأعلام الحديثة , وهي طريقة ربما تستهوي قرّاء الأخبار , وهذا شيء جيد بحد ذاته , في إلفات نظر الكثيرين اليه . ألا أنه لم يفلح بتقديم شيء جديد , بل لم يستطع أن يحافظ على القدر الذي تعوّدنا أن نسمعه أو نقرأه حول الواقعة على أقل تقدير . بسبب إسقاطاته الذهنيّة الحزبيّة والعشائريّة , خلال تناوله بعض مفردات الواقعة . وهذا النكوص الفكري والتاريخي والديني , لا ينبغي أن يكون عند كاتب يعيش في القرن الواحد والعشرين , لأنه وبكل بساطة يعتبر المقال محاولة لتحجيم وتصغير وتحقير وإساءة لواقعة الطف لرموزها ومفرداتها العظيمة .
ـ يسوق الكاتب في مستهل مقاله الجملة التالية ( ... بعدما قاد الزعيم الإسلامي لفرقة الرافضة, الحسين بن علي الهاشمي ... ) ؟.
وهل كان الحسين (ع) مجرد زعيمً اسلامي كباقي الزعماء على الساحة الاسلامية آنذاك , ؟؟. وهل كان الحسين (ع)  زعيما ً للرافضة فقط  ؟. هل الحسين (ع) رجل سياسي كغيره , الى درجة أن قاد حراكا ً سياسيا ً ( ضد حكومة يزيد ابن معاوية في دمشق ) ؟؟. حتى تفيد مصادر الكاتب الخبريّة وتشير , الى ان سبب هذا الحراك الحسيني , هو خلاف سياسي دفع بالزعيم السياسي الحسين الى رفض بيعة يزيد حاكم بلاد المسلمين ؟.
ما هذا ؟. ماذا أبقى الكاتب  للأغيار من الإسلاميين وغير الإسلاميين , الذين ينظرون الى ثورة الحسين على أنها مجرد صراع على السلطة !. ألم يكن الحسين (ع) بنظر الكاتب إماما ً معصوما , مفترض الطاعة , ألم يقرأ الكاتب ما قاله الحسين (ع) : " إني لم أخرج أشراً، ولا بطراً ولا مفسداً، ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي .. " ؟!. وأن لفظة ( زعيم وهاشمي ولفرقة الرافضة  ..) تدخل ضمن وصفه عليه السلام بالأشر والبطر والإفساد والظلم ؟. وخروج الحسين (ع) لطلب الإصلاح .. خروجه مِن مَن ؟. وماذا أصاب الأمة حينذاك حتى يخرج عليه السلام طالبا للإصلاح !. وأيّ إصلاح ؟. ما نوعه وطبيعته ؟. حتى يرجع به الأمة الى صوابها والى صراطها المستقيم !. والأمة أمّة مَنْ ؟. أليست أمّة جدّه عليه السلام ؟. وجدّه الم يكن خاتم الرسل ( محمد ص وآله ) ؟. 
بمعنى أن الحسين (ع) مهمته الإصلاحية مهمة جدّه النبي الأكرم . لأن الأمة وصلت بحالة الإنقلاب الى الدرك الأسفل , حتى بات الحق لا يعمل به , وأن الباطل لا يتناهى عنه !. فالقضية أكبر من زعامة وحزب هاشمي ورفض بيعة !.
ــ ويصر الكاتب بمنهجه الحداثوي الخاطئ , حين يصف الحسين (ع) بـ ( الخليفة الهاشمي ) !. نعم أن الحسين أهل بيته وأبيه وأخيه وأمه وجده عليهم السلام من بني هاشم , وهذا لا غبار عليه , ولكن الخلاف باستخدام المصطلح الذي يشير الى ( الحزبيّة والقبلية .. ). وأن ما حدث بالكوفة ( من الموالين للإمام الحسين ) مجرد حركة تمرد ضد الحكم الجديد في الشام بقيادة يزيد !.
ــ مع التحفظ بقبول الرأي التاريخي , الذي يقول بجعجعة الحر بن يزيد الرياحي بالحسين (ع), ألا أن الكاتب أخطأ وأساء للإمام المعصوم (ع) حين أضاف من عندياته ’ بأن الحر هو من ( أجبر ) الحسين (ع) بالنزول في المنطقة الصحراويّة التي يطلق عليها الطف ( ما جعل الحسين يتخذها مقر له) !. وهل يؤمن الكاتب فعلا ً بأن هناك من يستطيع أن يجبر الإمام المعصوم على أمر ما ؟. لماذا تسيئون هكذا وبكل بساطة لإمامكم ؟. وإذا لم نكن على قدر المسؤولية , بكتابة مقال , لماذا نقحم أنفسنا بهكذا مواضيع أصلا ً ؟.   
وأدعوا الكاتب لأن يطلع على كتب التاريخ ,إن لم يكن بمقدوره سماع ذلك من المحاضرات المنبريّة اليوميّة , التي لا تكاد تنقطع يوما وعلى مدار السنة , من أن الحسين (ع) , وبعد أن جعجع به الحر , أخذ يتيامن بأخذه الطريق , وهو يسأل عن أسماء القرى التي تصادفه , حتى تعوّذ من إسم ( العُقر ) حينما ذكر له !. حتى سأل عن أرض كان قد وصل اليها , فقيل له أنها كربلاء ,  فقال (ع) فقال قولته الشهيرة ( أرض كرب وبلاء  ها هنا محط ركابنا وسفك دمائنا ومحل قبورنا ) !. 
يذكر القندوزي : فساروا جميعا إلى أن انتهوا إلى أرض كربلاء ، إذ وقف جواد الحسين ، وكلما حثه على المسير لم ينبعث من تحته خطوة واحدة ، فقال الإمام ( ما يقال لهذه الأرض ) ؟ قالوا : تسمى كربلا . فقال (ع): ( هذه والله أرض كرب وبلا ، هاهنا تقتل الرجال وترمل النساء ، وهاهنا محل قبورنا ومحشرنا ، وبهذا أخبرني جدي صلى الله عليه وآله ) .
بمعنى .. لم يكن للحر دخل باختيار المكان , وبنفس الوقت لم يُجبَر الحسين (ع) من قبل الحر في ذلك !.
ــ ويبدو أن الكاتب قد شمل بالإساءة اصحاب الحسين (ع) أيضا ً , حينما قال ( إن تخاذلاً أصاب مريديه ( ويعني الحسين (ع) ) أدى لمقتل موفده (ويقصد مسلم بن عقيل (ع) ) !.
يا حبذا أن يذكر الكاتب لنا المصدر ( المحقق ) , مِن أنّ هناك تخاذل من مريديه !. هل كان يقصد الكاتب بالشمر مثلا من مريدي الحسين (ع) ؟. أم شبث بن ربعي ؟. أم الأشعث بن قيس ؟. من اللذين كتبوا كتبهم للحسين (ع) . 
ما هذا ؟.
ألم يقرأ الكاتب بأن هذه الكتب منهم أصلا , كانت استدراج ( ظاهري ــ تاريخي ) لقدوم الحسين (ع) الى الكوفة ليتم تصفيته وقتله ؟. بعد فشل محاولات قتله في المدينة ومكة ؟. وألم يمّر بقول الحسين (ع) وهو يصف مَن اصطف لقتاله بيوم العاشر من المحرم بقوله (ويلكم يا شيعة آل أبي سفيان..) ) !.ألم يقرأ الكاتب بأن الموالين من المؤمنين ومن مريديه , قد ضجّت بهم السجون والإقامة الجبريّة , والتسفير والتهجير واتباع الأساليب الإرهابية , لمنعهم الإلحاق بمعسكر الحسين (ع) .
ــ وهل يعلم كاتبنا بأنه وبفقرته ( وأشارت مصادر مطلعة , وصلت من داخل مكة, أن الخليفة الهاشمي ابن علي, أعلن قبل خروجه عن أهدافه؛ موعزاً ذلك لطلب الإصلاح في أمة جده, متهماً حكومة دمشق بالانحراف والتطرف وممارسة الإرهاب ضد مناوئيها , ..  وذلك لم يشفع له, إمام الإغراءات التي قدمها والي الكوفة الجديد لأبناء القبائل, وسياسة الترغيب والترهيب, التي مورست ضد المعارضين السياسيين الكوفيين ).
قد أضفى الشرعيّة على حكم يزيد بن معاوية بذكر ( ..ممارسة الإرهاب ضد مناوئيها .. ) وكأن هناك حكم مستتب وهناك مناوئين , ( وكأن الأمر لعبة ديمقراطية ) أضطرت حكومة يزيد أن تستخدم سياسة الترغيب والترهيب ضد ( المعارضين السياسيين الكوفيين ) !؟.
وبالتالي يذكر الكاتب فشل حركة الحسين التمرديّة المعارضة في الكوفة ,  ضد حكومة يزيد الجائرة في دمشق , وقمعت الحركة بالقوة ( حسب ما أوردته وكالة حميد بن مسلم ) وقتل الحسين هو وجميع ( أفراد حكومته ) , وابرزهم أخيه العباس .!.
ــ وهكذا .. وكأن الأمر بنظر كاتبنا , أن الحسين (ع) طالب حكم وحكومة بانقلاب عسكري وفشل حتى قتل !؟. ولا يسعني هنا إلا ّ أن أنصح الأخ عمار بقراءة التاريخ وخصوصا ً واقعة الطف , بدون نظارات حزبيّة أو قبلية أو سياسية أو غيرها !. ولا بأس بعرض ما يكتب على ذوي الاختصاص , لإحراز الضبط التاريخي والديني والشرعي , لئلا يقع بالمحذور !. ولا يسعني هنا إلا أن أسوق لعمار العامري ولغيره , قول أمير المؤمنين علي (ع) الوارد في الخطبة رقم ( 41 ) من نهج البلاغة : 
" ............. لَقَدْ أَصْبَحْنَا فِي زَمَانٍ قَدِ اِتَّخَذَ أَكْثَرُ أَهْلِهِ اَلْغَدْرَ كَيْساً وَ نَسَبَهُمْ أَهْلُ اَلْجَهْلِ فِيهِ إِلَى حُسْنِ اَلْحِيلَةِ مَا لَهُمْ قَاتَلَهُمُ اَللَّهُ قَدْ يَرَى اَلْحُوَّلُ اَلْقُلَّبُ وَجْهَ اَلْحِيلَةِ وَ دُونَهَا مَانِعٌ مِنْ أَمْرِ اَللَّهِ وَ نَهْيِهِ فَيَدَعُهَا رَأْيَ عَيْنٍ بَعْدَ اَلْقُدْرَةِ عَلَيْهَا وَ يَنْتَهِزُ فُرْصَتَهَا مَنْ لاَ حَرِيجَةَ لَهُ فِي اَلدِّينِ ".
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


تيسير سعد
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/10/14



كتابة تعليق لموضوع : مقال ( فشل انقلاب عسكري للشيعة في العراق ) للكاتب عمار العامري .. نجاح بتوجيه الإساءة للحسين (ع) !؟.
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net