صفحة الكاتب : رياض البغدادي

الوجود الامريكي ضرورة وطنية
رياض البغدادي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
 الواقع الأمني في العراق مشكلة مستعصية ويستفحل أمرها يوما بعد يوم ولا يمكن للإنسان الواعي أن يتجاهل الانفلات الأمني الذي يعاني منه العراق منذ سقوط نظام البعث في ربيع عام 2003 إلى يومنا هذا , ولا يغرنا ما أمكن إنجازه على الأرض من هدوء نسبة إلى ما كان يعاني منه الشارع العراقي  قبل عام 2008 لان الأمر لا يمكن حسابه بالمقارنات التي يلجأ إليها السياسيون لتحقيق مكاسب إعلامية ليس لها أي قيمة فعلية على ارض الواقع ....
الواقع الحقيقي في العراق يشير وبكل أسف إلى تدهور امني لا يمكن السيطرة عليه إلا بوضع سياسات وتدابير لا تبدأ بالتسليح والتدريب ولا تنتهي بالإصلاحات الاجتماعية والقضاء على البطالة .... الأمر اكبر مما يمكن أن يتصوره إنسان بسيط لا يهمه من الدنيا غير طعام وشراب يؤمنه لعياله ليعيشوا يومهم .
العراق دولة مهمة ليس بمخزونه النفطي وثرواته التي يسيل لها لعاب القريب والبعيد من بلدان العالم حسب بل إن المعادلة السياسية فيه وكذلك الاجتماعية والاقتصادية تهم كل البلدان ألمحيطة به ولا يمكن لتلك البلدان إلا التدخل لتحقيق مصالحها التي كثيرا ما تتعارض مع مصالح الشعب العراقي ...
- العراق فيه الزعامة الدينية لأكثر من مئة وخمسين مليون شيعي وهي ورقة مهمة احتفظ بها العراق لأكثر من ستة قرون خلت وقد أثبتت الأحداث الأخيرة التي مرت بها المنطقة بأنها ورقة مهمة لا يمكن التفريط بها بحسب تقديرات السياسيين, ورقة ثمينة لمن له مصلحة في توجيه منطقة الشرق الأوسط ووضع سياساتها وآليات العمل فيها ربما لمائة سنة قادمة ، لهذا فالصراع قائم لنقل هذا الموقع الديني المهم إلى دول أخرى ترى من مصلحتها أن تستحوذ عليه لتأمين مصالحها ... قطعا الأمر ليس كذلك بالنسبة للمرجعيات الدينية الحقيقية التي يفرزها الواقع الديني والأخلاقي وكذلك العلمي التي ترى إن التسديد الإلهي هو الذي يتدخل لإظهار العلماء الحقيقيين وفضح المزيفين أو أولئك المفروضين بأرادات سياسية .... لكن وبكل أسف فالعراق اليوم غير قادر على حماية موقع المرجعية وتأمين مصالحها فيما لو شاع الهرج والمرج الذي سيخلفه الانسحاب الأمريكي وصورة الحصار الذي ضربته عصابات الشر حول بيت المرجع السيستاني في الأيام الأولى من سقوط النظام غير غائبة عنا .
- العراق فيه مركز ثقل قومي للكرد المنتشرين في أربعة من دول الجوار لا يمكن لم شتاتهم أو تحقيق حلمهم في الدولة المستقلة إلا بالكرد العراقيين الذين شاءت الأقدار أن يكونوا قطبهم الذي يدورون حوله وهذا أيضا ثروة مهمة ، فمن يقدر على سحق التجربة الكردية في شمال العراق يضمن تأخير المشروع الكردي في البقاع التي ينتشرون فيها والعراق اليوم لا يملك ما يضمن الحفاظ على منجزات الكرد التي تحققت منذ عام 1998 والتهديدات التركية التي تتكرر في كل مناسبة لا يمكن تجاهلها هذا مع وجود اكبر قوة عسكرية في العالم فما بالك بعد انسحابها ؟!
- العراق يتربع على ارض فيها لمسات روحية تجتذب مئات الملايين من البشر ففيه مجموعة كبيرة من المزارات الدينية بدءاً من الموقع الذي ولد فيه أبو الأنبياء إبراهيم الخليل في جنوب العراق إلى مزارات اليهود والصابئة والايزيديين إضافة إلى المزارات السنية والشيعية المنتشرة في بقاع مختلفة من الأرض العراقية وهي أيضا ثروة كبيرة لها مردودات اقتصادية ربما لا تقل أهمية عن مردودات النفط والغاز التي تزخر بهما الأرض العراقية ، والعراق اليوم غير قادر على تأمينها من التخريب والعبث والتفجير ولا يمكننا أن نتجاهل العمليات الإرهابية التي تتعرض لها هذه المواقع بين فترة وأخرى والتي من أهمها تفجير مرقدي الإمامين العسكريين في سامراء ومراقد ومزارات شيعية وسنية كثيرة في محافظة ديالى وغيرها بينما كان آخرها أحداث كنيسة سيدة النجاة في قلب بغداد .
لا أريد الاسترسال في ذكر الأحداث المرة التي تعرض لها الشعب العراقي بوجود الجيش والقوى الأمنية التي لم تكن يوما قادرة على حمايته... فلماذا إذن المكابرة واللعب بمستقبل هذا الشعب الذي ما توقف نزيفه !... كيف يمكن لحكومتنا أن تؤمن للعراقيين حياتهم والحفاظ على منجزاتهم السياسية وهي غير قادرة على حماية أفرادها من الكواتم والعبوات وعمليات الخطف التي تتكرر كل يوم وفي وضح النهار ؟!
كيف يمكن لحكومتنا أن تحمينا من انقلابات البعثيين الذين عشعشوا في كل مفاصل الدولة بدءاً من مكتب القائد العام إلى اصغر تشكيل امني ؟!
صار قدر العراق أن تتواجد على أرضه قوات أعظم دولة عسكرية واقتصادية في العالم وشاء القدر أن تتطابق مصالحها يوما ما مع مصالح الشعب العراقي بمشيئة الأقدار أم بفعل الاشراء الأمر سيان وليس من فرق كبير على الأرض ومخيلة الشعب المسكين .
هنا يأتي دور الخبير السياسي والناصح الذي لا يخون من استشاره بأن يوجه الشعب العراقي إلى وجوب التفكير مليا بالمعادلة الواقعية التي تحقق للشعب العراقي مصالحه في تأمين مستقبل أبنائه في العيش والوجود بعيدا عن العاطفة التي ليس لها محل في المفاصل التاريخية .
لا أقول أن الأمريكي الذي جاء قاطعا البحار والقفار هو الوحيد القادر على تأمين مستقبل العراق ، بل أن مستقبل العراق يتكفل أبناؤه المخلصين بتأمينه ... لكن أين هؤلاء المخلصون ؟
وهل يمكن لهم الظهور في هذا المستنقع الآسن من جراثيم الفساد ونحن نرى انسحاب المخلصين الواحد تلو الأخر من ساحة الصراع ؟
إننا أمام مشكلة حقيقية وخيارات مُرّة وعدم التوقف عندها والتفكير بها مليا قد يعرض العراق إلى الضياع وشعبه إلى التسكع وبقايا ثرواته إلى النهب...
صراع القوى في العراق لا يمكن السيطرة عليه إلا بالوجود العسكري الأمريكي الذي حفظ التوازن بين تلك القوى ومنع الغلبة لقوة على القوى الأخرى وهذا بحد ذاته مصلحة أمريكية تحقق لهم أهدافهم وهي أيضا مصلحة عراقية في هذا الوقت على الأقل الذي يغيب فيه دور الحكومة القادرة على فرض إرادتها بسيادة القانون ... نعم انه خيار مر ولكن يبقى الفراغ الذي سيخلفه الانسحاب الأمريكي أكثر مرارة وخسارة.
من هنا أقول أن الوجود العسكري الأمريكي في العراق أصبح ضرورة وطنية مُلحة في المرحلة الراهنة التي لا يمتلك فيها العراق ما يؤمن بقاءه ووجوده والحفاظ على منجزاته السياسية بعيدا عن مزايدات السياسيين وزعيقهم الاعلامي فهم لا يهمهم من الامرغير ان يوظفوا كل قضية لخدمة مصالحهم الانتخابية لكن هذا لا يبرر أن تبقى القوات الأمريكية من دون ورقة قانونية واتفاقية تلزم تلك القوات بمبادئ تؤمّن للعراقيين مصالحهم كما هي حال القوات الامريكية المتواجدة على الاراضي الالمانية واليابانية التي استدعت مصالحهم ان يستمر الوجود الامريكي عندهم بالرغم من مرور اكثر من نصف قرن على انتهاء الحرب العالمية الثانية . 
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


رياض البغدادي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/08/10



كتابة تعليق لموضوع : الوجود الامريكي ضرورة وطنية
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 

أحدث التعليقات إضافة (عدد : 1)


• (1) - كتب : حسن الدراجي _ الحلة من : العراق ، بعنوان : وجود الامريكان نعمة من الله في 2011/08/11 .

كلام عدل يا جماعة ... والله والله لو مو الامريكان موجودين لجان الذبح اليوم بالشوارع ترة لا يروح بالكم بعيد ترة الذبح ابيناتنه مو من واحد غريب ,




حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net