تسليم في تقيّة.. جابر الجعفي أنموذجاً
السيد اسعد القاضي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
السيد اسعد القاضي

ظروف قاهرة.. أدوار مظلمة.. سنون عجاف.. يمرّ بها الأئمة (عليهم السلام) وشيعتهم.. يكون سلوك سبيل التقية هو الحلّ الوحيد من أجل المحافظة على ارواحهم.. يجاملون حكام الجور.. يُظهرون خلاف ما تنطوي عليه سرائرهم.. يتظاهرون بما ليس فيهم..
ولم يكن "ويسلّموا تسليماً" إلا صفة بارزة
في الفرد المؤمن الذي يتّسم بالانقياد المطلق للشريعة.. تلك الصفة التي يدور مدارها الإيمان الكامل.. الصفة التي يقلّ الموصوفون بها..
جابر بن يزيد الجعفي نموذج حقيقي للتقية والتسليم لإمام زمانه (عليه السلام)..
ودع جابر سيَّده الامام الباقر(عليه السلام).. خرج من المدينة متوجهاً نحو الكوفة برفقة شخص يُدعى النعمان بن بشير.. وصل الى موضع في طريقه.. نزل ليصلي صلاة الظهر.. التقى به رجل.. سلّمه كتاباً.. كتاب كُتب وأُرسل على عجل، ليصل إلى جابر الجعفي قبل أن يفوت أوانه.. تناول جابر ذلك الكتاب.. علم جابر أن الكتاب من سيّده أبي جعفر الباقر (عليه السلام).. قبّله ووضعه على عينيه.. استفهم جابر من ذلك الرجل حامل الرسالة..
ــ متى عهدك بسيّدي؟.
ــ الساعة.
ــ قبل الصلاة أو بعد الصلاة؟.
ــ بعد الصلاة.
فتح جابر كتابه.. جعل ينظر فيه.. عرف محتوى الكتاب.. تغيّر وجهه..
يحدّثنا النعمان بن بشير بما حصل لجابر عندما قرأ الكتاب، بأنه ما رآه ضاحكاً ولا مسروراً حتى وصل الكوفة.
وصل جابر ورفيقه إلى الكوفة ليلاً.. انصرف كلّ منهما إلى منزله.. حلّ الصباح.. ذهب النعمان بن بشير لزيارة جابر تعظيماً له.. خرج جابر من منزله ليستقبل رفيق السفر على هيئةٍ لم يكن يتوقعها النعمان بن بشير ولا غيره..
ها هو النعمان بن بشير ملؤه استغراب مما عليه جابر الفقيه المقرّب من المعصوم (عليه السلام).. ما هي الهيئة التي كان جابر عليها؟ إنه خرج وفي عنقه كعاب قد علّقها، وقد ركب ساق شجرة، كهيئة الصبيان، وهو يقول: "أجد منصور بن جمهور أميراً غير مأمور" وأبياتاً شبيهة من هذا..
نظر جابر في وجه رفيق سفره.. نظر الرفيق في وجه جابر.. التقت عيناهما.. لكن لم يتكلما بشيء.. فالنظرات هنا تُغني عن الكلمات.. بكى النعمان مما رآه من حالة جابر.. اجتمع الصبيان والناس على جابر، حيث لم يكونوا يتوقعون ذلك منه.. دخل جابر الرحبة والناس من حوله يقولون: جُنّ جابر بن يزيد جُنّ..
تمضي حفنة من الأيام وجابر لا يزال مجنوناً في نظر من يقابله في الطرقات.. ورد كتاب من هشام بن عبد الملك يأمر يضرب عنق رجل يقال له: جابر بن يزيد الجعفي ويبعث برأسه إليه.. يلتفت الوالي إلى جلسائه..
ــ من جابر بن يزيد الجعفي؟.
ــ أصلحك الله، كان رجلاً له علم وفضل و حديث، وحجّ فجُنّ، وهو ذا في الرحبة مع الصبيان على القصب يلعب معهم.
بدا واضحاً سبب تظاهر جابر بالجنون.. تظاهر بالجنون كي ينجو من سيف الطاغية.. كذلك تبيّن محتوى الرسالة وما يريده الامام الباقر (عليه السلام) من جابر الجعفي..
لم يكتفِ الوالي بإخبار جلسائه بجنون جابر..
فأشرف عليه من أعلى قصره فإذا بجابر مع الصبيان يلعب على القصب.. قال: الحمد لله الذي عافاني من قتله..
هنا حدثنا الراوي بأنه ما ذهبت الأيام حتى دخل منصور بن جمهورالكوفة، وصنع ما كان يقول جابر.
المصدر: الكافي ج١ ص٣٩٦.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat