صفحة الكاتب : علي بدوان

فلسطينيو 1948 والحراكات الجارية داخل "اسرائيل"
علي بدوان

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

مما لاشك فيه أن الدور الحيوي لما تبقى من الشعب العربي الفلسطيني داخل الأرض المحتلة عام 1948، بات محورياً وأساسياً في ظل التحولات والحراكات الجارية الآن داخل الدولة العبرية الصهيونية، وان كانت تدور تلك الحراكات تحت سقف المطالب الاجتماعية والاقتصادية وتحت سقف شعارات المساواة والعدالة بين عموم سكان «الكيان العبري».
فالحراكات الجارية داخل «إسرائيل»، وان بدت بطيئة نسبياً، إلا أنها تخفي وراءها ما تخفيه من سيل التناقضات الكامنة داخل قاع هذا الكيان الذي قام على أنقاض الكيان الوطني والقومي للشعب العربي الفلسطيني.
فبنية «إسرائيل» السكانية والتعدد الاثني والقومي بين سكانها من حيث المنابت والأصول، وسيادة روح التمييز حتى بين اليهود أنفسهم، بين يهود الغرب (الاشكناز) ويهود الشرق، وبين يهود الفلاشمورا الذين تصفهم أحزاب اليسار الصهيوني بـ (حثالة البروليتاريا اليهودية) ويهود جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق ... الخ ، يجعل من أمر التحولات والحراكات داخل الكيان الصهيوني مسألة طبيعية ولابد من وقوعها نهاية المطاف في دولة قامت أساساً على استيراد البشر والسكان.
في هذا المقام، إن مايهمنا في أمر تلك التحولات والحراكات هو دور أبناء الشعب الفلسطيني داخل كيان الدولة العبرية والذين باتوا يمثلون قرابة (22% إلى 25%) من سكان «إسرائيل» (1,137,500 نسمة تحديدًا، باستثناء سكّان القدس والجولان المحتلّين)، حيث يتعاظم حضورهم السياسي والاجتماعي كل يوم، ويتعاظم معه دورهم المستقبلي بالنسبة للقضايا والمسارات السياسية.
لقد عاش أبناء فلسطين ممن تبقوا داخل حدود فلسطين المحتلة عام 1948 حياة صعبة طوال السنوات التي تلت النكبة، حيث عانوا بشكل كبير، من سياسات الاضطهاد والتمييز القومي والطبقي، ومازالت تلك السياسة وشواهدها بادية بشكل صارخ مع استمرار تلك السياسيات التمييزية بينهم وبين عموم اليهود من سكان الدولة العبرية.
إن تلك السياسات التمييزية، واستمرار الاضطهاد القومي والطبقي تجاههم، تجعل من دورهم في ميدان العمل اليومي في «إسرائيل» أمراً محتوماً، فهم في نهاية المطاف داخل بوتقة تلك التفاعلات الجارية، لذلك كانوا في مقدمة المظاهرات وخيم الاعتصامات التي ملأت مدن الدولة العبرية في تل أبيب والخضيرة وبتاح تكفا والقدس الغربية وحيفا (في حي وادي النسناس المعروف)... الخ من أجل المطالبة بالعدالة الاجتماعية. ومن مشاركي «حملة الكوتيج» التي انطلقت على صفحات الفيسبوك التي اتسعت لتشمل مجالات معيشية جديدة وعديدة وفي مقدمتها: السكن والوقود والطب والتعليم.
لقد عاش فلسطينيو الداخل المحتل عام 1948 ظروفاً قاسية وصعبة في العشرية التي تلت النكبة، تحت الحكم العسكري وأنظمة طوارئ ، من عام (1949 وحتى 1966) في الوقت الذي كانت دولة «إسرائيل» تضع يدها على معظم أراضيهم من خلال قوانين سنتها المؤسسة التشريعية الصهيونية وأنظمة الطوارئ المعمول بها أبان الاحتلال البريطاني.
فعقب قيام دولة «إسرائيل»، بالدم والنار، على أرض فلسطين، توزع ما تبقى من أبناء فلسطين على ثلاث مناطق رئيسية هي : منطقة الجليــل شمال فلسطين والتي تضم قرابة (52,8%) منهم، ومنطقة المثلث وسط فلسطين، ومنطقة النقب جنوب فلسطين التي يعيش فيها قرابة (190) ألف مواطن فلسطيني يقطن أكثر من نصفهم في قرى غير معترف بها. وبذلك فان المواطنين الفلسطينيين يعيشون متخذين من تسعين قرية وبلدة موئلاً لهم، إضافة لوجودهم في بعض المدن التي باتت مختلطة كمدن : حيفا، ويافا، وعكا، واللد، والرملة.... ومعهم نحو (250) ألفاً من أبناء فلسطين، هم لاجئون فوق أرضهم .
لقد كان فلسطينيو الداخل المحتل عام 1948 في مهداف العين الإسرائيلية، وعنواناً ثابتاً لمخططات الترحيل والتهجير القسريّ، والتي اتخذت مسميات عديدة، كان أشهرها خطة الصهيونيّ (يسرائيل كينغ) محافظ لواء الشمال والتي طرحها عام 1976 تحت عنوان: «تهويد النقب والجليل» وقد تبنتها حكومة حزب المعراخ في ذلك الوقت.
ومع هذا، فقد فشلتْ كل المخططات ومشاريع التهجير الصهيونيّة بسبب صمود فلسطينييّ 1948 وتشبثهم بترابهم الوطني، وتحملهم لكل صنوف التمييز والإفقار والتجويع الصهيونيّة. لكن ما زاد من خوف الصهاينة وقلقهم تجاه فلسطينيي 1948 تصاعد ظاهرة النمو الديمغرافي بهم بالقياس إلى النمو الديمغرافي المحدود لدى اليهود على أرض فلسطين، وهو تصاعد ترافق مع ارتفاع وتيرة كفاحهم الوطني وقدرتهم على التعبير عن شخصيتهم الوطنية الفلسطينيّة سياسياً وثقافياً.
وفي نهاية عام 2009 بلغ تعداد الفلسطينيين في المناطق المحتلة عام 1948 قرابة (1,25) مليون فلسطيني (مستثنى منهم أبناء المناطق الشرقية المحتلة من مدينة القدس عام 1967) ألفاً يمثلون نحو (20%) من سكان «إسرائيل»، لا يملكون سوى (3%) من الأراضي التي أقيمت عليها الدولة الإسرائيلية عام 1948 في ظروف دولية وإقليمية استثنائية بعد أن كان الفلسطينيون يمتلكون (96%) من الأرض قبيل النكبة بقليل.
ووفق مصدر آخر، فأن أعداد المواطنين الفلسطينيين في المناطق المحتلة عام 1948 بلغ (1,215) مليون نسمة، دون مواطني مدينة القدس المحتلة، وان أعــدادهم تــضاعفت بنحو (7,8) مرات منذ العام 1949م.
إن الفلسطينيين في الداخل يشكلون المجتمع الأكثر فتوة في التوزع الفلسطيني، إذ بلغت نسبة الأفراد دون الخامسة عشرة من العمر (40,6%)، وترتفع الخصوبة بينهم قياساً بالخصوبة عند المرأة اليهودية، وهو مايشكل مصدر قلق لقادة إسرائيل الذين باتوا ينادون الآن بما يسمى «يهودية الدولة»، حيث كانت مجموعهم عام النكبة لايتجاوز (151) ألف نسمة.
هذه الحقائق الديموغرافية جددت المخاوف الصهيونية القديمة تجاه الحضور الفلسطيني على أرض فلسطين المحتلة عام 1948 فنشطت مجدداً الخطط والمشاريع الصهيونية للتخلص من هذا الحضور، لكن بأساليب ومقترحات صهيونية جديدة.
مشاريع تهجير وترانسفير
ولعل من أبرز دعاة الطرد والتهجير القسري/الترانسفير للفلسطينيين الجنرال الفاشي (رحبعام زئيفي 1926ـ2001)، الذي كان يحض على استبعاد فكرة إمكانية العيش المشترك لكيانين يهوديّ وعربيّ. أما (أرييه ألداد) فقد أطلق في بداية عام 2007 مبادرة لإقامة حركة شبيبة تدعو إلى ترحيل ملايين الفلسطينيين إلى الأردن، وهو من أشد مناهضي الدولة الفلسطينية ويقترح توطين اللاجئين الفلسطينيين في البلدان العربيّة.
ويحض (أيفي أيتام) بتصريحاته على تضييق الخناق على فلسطينيي 1948، حين قال: «إن العرب في إسرائيل يشكلون قنبلة توشك أن تنفجر من تحت النظام الديمقراطي في «إسرائيل»، وأضاف « في النقب والجليل تتكون على أرض الواقع مناطق حكم ذاتي للعرب وهذا يستبطن تهديداً وجودياً لا يمكن الاستحواذ عليه فهو كمرض السرطان».
ويتزعم اليوم الوزير الصهيوني الروسي الأصل (أفيغدور ليبرمان) زعيم حزب «يسرائيل بيتينو« (إسرائيل بيتنا) الحركة الأكثر فعالية الفاعلة من أجل طرد وتهجير فلسطينيي 1948 خصوصاً في منطقة المثلث الفلسطينيّ إلى الضفة الغربية. ففي العام 2004 كشف عن خطته لحل القضية الفلسطينية القائمة على فكرة ترحيل فلسطينيي الداخل المحتل عام 1948 بتبادل الأرض وفي كتابه «هذه حقيقتي» يوضح ملامحها بتوسع، ومن أبرز القوانين التي بادر ليبرمان لطرحها على الكنيست والوزارة الإسرائيلية كان «قانون المواطنة» الذي يلزم كل مواطن «إسرائيليّ» بالوفاء المطلق للدولة ولقوانينها ورموزها والخدمة العسكرية أو الوطنية فيها، وذلك في إطار التضييق على فلسطينيي الداخل وإحكام الطوق عليهم.
في هذا السياق، وفي إطار أعمال مؤتمر «هرتسليا» وعبر دوراته المتعاقبة، طرح على مائدة النقاش في دورته السادسة عام 2006 مشروعان صهيونيان يمثلان آخر ما تفتق عنه العقل الصهيوني في موضوع طرد وتهجير السكان الفلسطينيين المتمسكين بأرضهم في الجليل والنقب. حيث تقدم «مجلس الأمن القومي الإسرائيليّ» بالمشروع الأول تحت عنوان «خطة شاملة لحل مشكلة القرى البدويّة غير المعترف بها» في منطقة النقب جنوب فلسطين. وبالطبع فإن ما يسميه المشروع الصهيونيّ بـ«مشكلة»، هو في حقيقة الأمر مشكلة صهيونيّة، قبل أن تكون مشكلة فلسطينية. فعشرات القرى الفلسطينية في النقب المحتل ترفض سلطات الاحتلال الاعتراف بها، وبالتالي فهي تمتنع عن تزويدها بالخدمات الأساسية كالمياه والكهرباء والخدمات الصحية والمدارس والطرق وغيرها.
والحل الذي يقترحه مجلس الأمن القومي الإسرائيليّ، هو تجميع فلسطينيي النقب في مدن خاصة بهم في النقب، وتقديم تعويضات رمزية لهم عن أراضيهم الشاسعة في النقب. وقد تضمن مشروع الترحيل والتجميع لسكان النقب جدولاً زمنياً من خمس سنوات، واعتمادات مالية ضخمة بقيمة عشرة مليارات شيكل لبناء المدن وتعويض الفلسطينيين عن أراضيهم المسروقة.
وقد عبر فلسطينيو النقب، فور إعلان المخطط الصهيونيّ الجديد/القديم، عن رفضهم مغادرة أراضيهم وبيوتهم في النقب وعن استعدادهم لخوض الكفاح ضد المشروع الصهيونيّ لتهويد النقب، وهو ماحصل في قرية العراقيب التي تم هدمها من قبل قوات الاحتلال وبالقوة خمس مرات متتالية، ومع هذا فمازال مواطنيها يقيمون فوق ركام القرية دون أن يغدروا أرضهم.
أما المخطط الصهيونيّ الثاني، فيتعلق بالفلسطينيين في منطقة المثلث الفلسطينيّ، حيث يتركز عدد كبير من الفلسطينيين في مدينة أم الفحم وعدد كبير من البلدات والقرى المحيطة بها، بعد أن قامت السلطات الصهيونيّة بالاستيلاء على أراضيهم على امتداد نصف القرن الماضي.
ويدعو هذا المخطط إلى تعديل الحدود في شمالي الضفة الغربيّة لضم منطقة المثلث ومنطقة أم الفحم، ذات الكثافة السكانية الفلسطينية المرتفعة إلى الضفة الغربية، في مقابل ضم الكتل الاستيطانية الصهيونية في الضفة الغربية، وخصوصاً مستوطنة «غوش عتصيون» ومنطقة موديعين والكنان إلى السيادة الصهيونية، ضمن (التصفية النهائية) الحل النهائي للقضية الفلسطينية.
وخلاصة القول، إن الدور المنتظر، المرتقب والحاسم لفلسطينيي الداخل المحتل عام 1948 مسألة مؤكدة، في ظل استمرار سياسات الاضطهاد والتمييز داخل «إسرائيل». ومن هنا فان الحراكات الجارية داخل الكيان العبري ستتواصل بأشكال مختلفة خلال الأمد القادم، لتنتقل من تحت سقف المطالب الاجتماعية إلى الشعارات والمطالب السياسية التي سيتصدر حمل لواءها فلسطينيو الداخل المحتل عام 1948م.

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


علي بدوان
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/08/17



كتابة تعليق لموضوع : فلسطينيو 1948 والحراكات الجارية داخل "اسرائيل"
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net