صفحة الكاتب : محمد زكي ابراهيم

قرصنة
محمد زكي ابراهيم

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
في تقارير شركة الهند الشرقية البريطانية التي نشرها لوريمر قبل مئة عام عن حوض الخليج العربي، وردت إشارات كثيرة إلى موضوع القرصنة البحرية. كانت هناك في العقدين الأوليين من القرن التاسع عشر حركة محمومة لجماعات خليجية مسلحة للتعدي على السفن التجارية القادمة للخليج، أو الخارجة منه. وقد سجلت حالات عديدة جرى فيها إعدام البحارة ومصادرة السفن والاستيلاء على الحمولة. وأصيبت شركات أوربية كبرى، ومنها شركة الهند الشرقية الآنفة الذكر بخسائر فادحة. ولم تجد بريطانيا بداً من تجريد حملة عسكرية لإعادة الأمور إلى نصابها الصحيح. فقامت سفن الشركة المزودة بالمدافع بمهاجمة ميناء رأس الخيمة الذي يديره القواسم وبعض الثغور الأخرى على ساحل الخليج الجنوبي، ودمرت جميع القوارب الراسية فيها، وفرضت عقوبات صارمة على الأهلين. وأجبرت حكام الساحل على توقيع معاهدة عام 1820 لقطع دابر هذه التعديات. وقد نجحت هذه الجهود في حماية السفن التجارية وكبح جماح متطرفي قبيلة القواسم وعودة الهدوء إلى المنطقة.
ومع ذلك فإن الكتاب العروبيين الذين تناولوا هذا الموضوع في ما بعد أثنوا على القواسم وأسبغوا عليهم صفة الثوار. ووصفوا ما قاموا به من تعديات بالمقاومة المسلحة للوجود الأجنبي. ولم ينسوا وصم البريطانيين بالمحتلين. ولم يكترثوا للتهديد الذي كانت تمثله هذه المجموعة لحركة التجارة الدولية. وكأن المنطقة كانت مكتفية بذاتها، ولم تكن بحاجة لتصدير منتجاتها الزراعية والحيوانية للخارج. أو شراء حاجياتها اليومية من الخارج.
ولم تكن السفن الأوربية الوحيدة المستهدفة في هذه الجرائم. فقد سجلت بعض التعديات على سفن محلية أيضاً، وأصيب مالكون عديدون بالإفلاس، وفقد بعض الملاحين العرب حياتهم بسبب ذلك. ولكن كل هذا لم يقنع القوميين المتشددين الذين أصابتهم حمى الثورة في القرن العشرين، بأن طرق التجارة يجب أن تظل آمنة حتى مع وجود تفاوت حضاري في المنطقة. وأن تعريضها للخطر إن هو إلا خرق للقانون، وإشاعة للفوضى.
وقد غاب عن هؤلاء أن القواسم الذين يقال أنهم عراقيو الأصل، هم من أوائل من تبنى الفكرة الوهابية في أطراف الجزيرة العربية، واستخدموا ذات الوسائل التي استخدمها رفاقهم في نجد ضد المدن المجاورة. وماتزال بعض البلاد الإسلامية تشهد أعمال قرصنة مماثلة من معتنقي نفس الفكرة على طرق الملاحة الدولية.
إن العودة إلى أدبيات النصف الثاني من القرن العشرين تكشف عن الكثير من المفارقات، وأهمها غياب الموضوعية في التعامل مع الملفات التاريخية، وتوظيفها لخدمة أفكار سياسية قائمة على مبادئ الإقصاء والقتل والتطرف. ولاشك أن إعادة النظر في هذه الملفات سيجعل العرب أكثر عقلانية وتحضراً. وسيضعهم في صف القوى الفاعلة في المجتمع الدولي، بعد أن وقفوا قروناً طويلة على الهامش.

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد زكي ابراهيم
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2017/02/02



كتابة تعليق لموضوع : قرصنة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net