صفحة الكاتب : محمد تقي الذاكري

الحوزات العلمية بين الاستقلال والعبودية
محمد تقي الذاكري

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

اشتهرت الحوزات العلمية في العراق وسوريا باستقلاليتها في اتخاذ القرار، بينما الحوزات في ايران ولبنان اتخذت اسلوباً آخر في التعاطي مع القضايا السياسية مما جعلت بعضها في خدمة السياسة والبعض الآخر، إما اتخذ قرار الانزواء النسبي او تماشى باستحياء مع موضوع الاستقلال.

فحوزة النجف وكربلاء ودمشق، وقريب منها نوعاً ما حوزة مشهد، حافظت على استقلاليتها ولم تتعاطى السياسة، ولم تسمح للجانب السياسي ان يتدخل في امور الحوزة العلمية، مع بعض الفروقات:

١- في حوزتي دمشق وكربلاء تم اظافة درس السياسة والاقتصاد الى الدروس الحوزوية بشكل علمي يتعلم الطالب علم السياسة، على ضوء كتابي السياسة والاقتصاد (من الموسوعة الفقهية الكبرى)  للمرجع الديني الراحل الامام السيد محمد الشيرازي رحمه الله، ثم اعتمدوا في الآونة الاخيرة كتاب السياسة من واقع الاسلام للمرجع الديني الكبير المحقق السيد صادق الشيرازي بما أن الكتاب فريد في اسلوبه لطرح سياسة الاسلام ودولتي رسول الله وأمير المؤمنين عليهما أفضل الصلاة والسلام، وذلك ليكون الطالب على بينة من أمره، فان العالم بزمانه لاتم عليه اللوابس. كما في الحديث الشريف.

وفي حوزة مشهد أخذ جانب العقائد، ومن ثم العرفان يطغي على بقية العلوم الحوزوية، إلا أنها ايضاً ابتعدت عن الفلسفة واعتبرتها مضرة على الاسلام والمذهب.

الا أن حوزة النجف بقيت محافظة على الاسلوب الحوزوي مع التأكيد على ترك الفلسفة والعرفان و التعاطي العملي مع السياسة. بل وافتى بعض الفقهاء في النجف الأشرف على عدم جواز أخذ راتب الحوزة للطالب الذي يعمل كموظف في الدوائر الحكومية.

 

و كل هذه الحوزات التي ابتعدت عن السياسة، ابتعدت لتحافظ على استقلاليتها، نظراً لأهمية الاستقلالية في الفتوى، وتلاعب الحكومات بشكل عام واستهتارها في التصرف بأموال الناس، وثروات البلاد. مما هو مشهود بشكل غير قابل للإنكار.

إلا أن بعض حوزات ايران، كقم وشيراز وطهران (إلا نادراً) لم تتمكن من الحفاظ على استقلاليتها نظراً لحاجة الدولة الى رجال دين يتخذون من الدولة مسنداً، وحاجة الطلاب الى الكثير من مستلزمات الحياة كالضمان الصحي وازدياد الراتب النجومي المؤدي الى ابتياع السيارات الفخمة والقصور التي لاتليق برجال الدين، و... مما أدى الى ذوبان رجال الدين في الدولة وتحكيم ونشر قوانين الدولة في المجتمع، على أساس ان الدين والسياسة وجهان لعملة واحدة، متناسين ان الدنيا والآخرة متباعدان الى أبعد الحدود، وكل ما تقرّب المرء الى الدنيا ابتعد عن الآخرة. كما في النصوص الدينية الشريفة.

وبعد حوالي ٣٥ سنة، أحست الحوزات العلمية هذه، بأن عملها ادى الى عدم القدرة على انتاج فقهاء ومجتهدين، أضف الى ذلك: أن التعاون مع الحكومات بشكل عام يؤدي الى عدم استقلالية الفقيه في فتاواه، وهذا ماتريده الحكومات بشكل عام.

هذا وإن لم يقصدوا تحريف مسار الحوزات، بل أرادوا لها (وللدلة) كل الخير، إلا أن طبيعة العمل في الدوائر الحكومية يؤدي الى دمج الدين والدنيا، وهذا مالايريده الاسلام على الإطلاق، ولذلك تجد انتشار فايروس الفساد المالي من خلال ازدياد الرشاوي، أدى الى عمالة رجال الدين الى السلطات، الواحدة تلو الاخرى.

ولذلك تجد ان بعض كبار رجال الدين (الدولة) في ايران صرحوا بأن الرئيس أحمدي نجات، مرسل ومؤيد من قبل الإمام الحجة و هو رجل المرحة لانقاذ الاسلام و... مما يجد الباحث تفاصيل ذلك في الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي.

وبعد انقضاء تاريخ الرئيس السابق ومجيء الشيخ روحاني، تراهم يصرحون (وإن كان باستحياء) غير ذلك. ايضاً تجد التصاريح الكثيرة في نفس المصادر.

علماً ان جميع الفقهاء يؤكدون على استقلالية الفقيه وحريته و... في كتبهم العلمية والرسائل العملية.

لكنك تجد الاستفتاءات التي صدرت من مكاتب المرجعيات المستقلة كالسيد صادق الشيرازي نزيل قم والسيد علي السيستاني نزيل النجف وفي مناسبات مختلفة حول عمل رجال الدين في الدوائر الحكومية، أو توزيع راتب من قبل الوقف الشيعي في العراق الى رجال الدين، تراه مختلف تماماً مع المنتشر في أغلب حوزات ايران.

وعليه، فإن الدول أخذت تتلاعب باستقلالية الحوزات العلمية من خلال توزيع الأموال والسيارات و..، حيث ابتدأت ايران في العراق ثم وصل الأمر الى الدولة العراقية التي تبحث ومنذ زمن طويل (حتى في العهد البائد) عن مرجع عراقي (!) وأخيراً تفضلت دول خليجية ببسط وجودها في الحوزات العلمية من خلال دعم وتمويل أشخاص بعيدون كل البعد عن الجانب العلمي الحوزوي لتصنع منهم فقهاء لستقبل التشيّع. واذا هذا الكلام صحيحاً فعلى الاسلام السلام.

٢٥/٢/٢٠١٧


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد تقي الذاكري
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2017/02/26



كتابة تعليق لموضوع : الحوزات العلمية بين الاستقلال والعبودية
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net