صفحة الكاتب : ريم نوفل

أُمُّ أبيها .. الثائرة و الشهيدة
ريم نوفل

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
" فاطمة بضعة مني من أغضبها أغضبني " رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم
 
للصدّيقة الزهراء عليها السلام مكانةً رفيعةً لا نقاش فيها عند سائر المسلمين فهي بنت النبي و سيدة نساء العالمين و إحدى أربع من سيدات أهل الجنة و من يماري في مكانتها إنما مدخول في عقله أو أعمى بصيرته الضلال و الجنون ..
 
من يقرأ سيرة الزهراء عليها السلام بعيداً عن مطبات التاريخ و تحريفاته سيجد نفسه عالقاً في فيض من المشاعر المتلاطمة فتارة يرتشف من كأس ألمها و أخرى تنتابه نشوة الفخر و الأنفة بسيدة كان لها مواقف الرجال في الورع و الحكمة و البطولة و التضحية لذا من يكتب عنها عليه ألا يبخسها حقها كما أوصتنا هي و كما سنرى في معرض ما سيأتي من حديثها ..
 
منذ استشهاد الرسول الأعظم (ص) نَحَتْ الأُمّة الإسلامية منحىً خطيراً جداً و أخذ حُبُّ الدنيا مأخذه من الجميع إلا الثُّلة القليلة التي آثرت رضى الله و الجنة على مغريات الدنيا و موبقاتها و للأسف كانت هذه الفترة هي أخطر مراحل إنحدار الدِّين الإسلامي و تحوُّله من دين الله إلى دين الحاكم بأمر الله فكان يُحرَّف و يُعدَّل مع كل جالس جديد على كرسي الخلافة و طبعاً بقاء الأمر دون مقاومة يعني فشل الرسالة و التشكيك في قدرة الله سبحانه و تعالى و هذا ما لن يحدث بالطبع فقد كان ذلك أول إختبار لثبات الأمة و لن يفلح في تخطّيه إلا المؤمنون كما قال سبحانه و تعالى:
"وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ ۚ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ ۚ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا ۗ وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ" (144)/آل عمران
 
و مولاتنا عليها السلام كانت قائدة هذه الثُّلة المؤمنة إن صحَّ التعبير فسلكت طريق والدها (ص) في الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و المحاججة بالتي هي أحسن و المطالبة بحقّها و إرثها المغتصب بجسارة و رغم تعرُّضها للأذى و التنكيل حافظت على صفات أهل النبوّة فلم يأخذها الغضب حدّ تكفير خصمها كما هو السائد الآن عند كل إمام مسجد أو جماعة نصَّب نفسه رسولاً مكان رسول الله و محاججاً لذات الله جل جلاله مُطلِقاً أحكامه التكفيرية على كل من خالفه ..
مع علمها أن غضبها يعني غضب الله و رسوله و من يُغضِب الله بطبيعة الحال ليس على طريق الحقّ كما قال رسول الله (ص) لفاطمة (ع) بحديث صحيح: إن الله يغضب لغضبك و يرضى لرضاك
و قال سبحانه و تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا (57)/الأحزاب
 
فضلاً عن مقاومتها العقائدية و السياسية كان لها حقّ شخصي لم تغفل عن المطالبة به و هو أرض فدك التي أورثها والدها إياها إرث الأب لإبنته و التي صُودِرت من قِبَل الخليفة إدّعاءاً منه أنّ الأنبياء لا يُورِثون فكان الرَّدُّ بليغاً صادماً بتَرَ كلّ شكّ من الصدّيقة الطّاهرة في خطبتها الفدكية أمام الخليفة جاء فيما جاء فيها:
"سبحان الله ما كان أبي رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم عن كتاب الله صادفاً ولا لأحكامه مُخالفاً بل كان يتَّبع أثَره و يقفو سوره أفتجمعون إلى الغدر إعتلالاً عليه بالزُّور"
مُستشهِدةً بقصص القرآن الكريم ..
أفلم يرث سلميان داوود ..؟!
طبعاً إصرارها و إستماتتها لإستعادة ميراثها لم يكن نابعاً من رغبةٍ منها في مال ولا في جنّة الدُنيا فلها جنّة الآخرة هي فيها سيدةُ نسائها دون مِنّة من أحد
و إنّما لترسيخ مبدأ المطالبة بالحقوق و رفض الظُّلم و الخنوع كونها قُدوة للأُمّة حتى لا تُسنّ قاعدة إنتصار الظُّلم بعدها في أيّ زمان أو مكان .
 
مولاتنا الشهيدة لم تُوقِف مقاومتها عند حدود عمرها الزمني
بل آثرت الثورة حتى بعد استشهادها إلى قيامة يوم الدِّين و يبدو ذلك جليَّاً في وصيَّتها لأمير المؤمنين (ع):
"أُوصيك إذا قضيت نحبي ؛ فغسِّلني ، ولا تكشف عنِّي ، فإنّي طاهرة مُطهّرة ، و حنّطني بفاضل حنوط أبي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، و صلِّ عليَّ ، و ليصلِّ معك الأدنى فالأدنى من أهل بيتي ، و ادفنّي ليلاً لا نهاراً إذا هدأت العيون و نامت الأبصار ، و سِرّاً لا جهاراً ، و عفِّ موضع قبري ، ولا تُشهِد جنازتي أحداً ممّن ظلمني"
فهي بذلك تُعلِن استشهادها ثابتة على موقفها مُجاهدة صابرة مطالبة من أَحبّها بالثّبات و النُصرة إلى أن يدركنا الفرج و ذلك أيضاً من إختبارات الله سبحانه و تعالى لهذه الأُمّة .
 
باستشهاد الزهراء عليها السلام أُسدِل السِّتار عن آخر الفصل الأول من فصول الإختبارات الجسام التي سقطت فيها الأُمّة الإسلامية و لم تُفلِح إلا القِلّة المُصطفاة بإجتيازها بنجاح و الفوز بجزيلِ جزاء ربِّ العالمين فختم أكثرهم حياته بالشّهادة و الجهاد في سبيل الله .
بعد أن ذاقوا جزءاً بسيطاً من عذابات فاطمة التي ذهبت للقاء ربها مُثخنة بالجِراح الجسديّة و الرُوحية مُشتاقة للقاء أبيها و ربِّها شاكيةً ظُلم من عاثَ بدِين مُحمَّدٍ فساداً .
فسلامٌ عليها يوم وُلدَتْ و يوم استُشهِدتْ و يوم تُبعَثُ راضية مرضيّة .

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


ريم نوفل
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2017/03/02



كتابة تعليق لموضوع : أُمُّ أبيها .. الثائرة و الشهيدة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 

أحدث التعليقات إضافة (عدد : 2)


• (1) - كتب : ريم نوفل ، في 2017/03/09 .

شكراً لك صديقي @مرتضى المياحي
أمنا الزهراء تستحق الكثير و ما من مخلوق أرضي يستطيع إيفاءها حقها
رزقنا الله و إياكم شفاعتها يوم الورود

• (2) - كتب : مرتضى المياحي ، في 2017/03/04 .

بوركت هذه الانامل التي خطت هذه الكلمات، امنا الزهراء عليها السلام تستحق ان نكتب لها بهكذا اسلوب راقي.. احسنتِ ست ريم




حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net