صفحة الكاتب : ليث العبدويس

وحشٌ طليقٌ في الشام
ليث العبدويس

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

يُجانِبُ الصوابَ منْ يَظُنُّ أنَّ الستالينيّة ولّتْ وماتتْ، كلّا فقد بُعِثتْ من جديد، ويُخطِئُ من يَعتَقِدُ بِرَحيلِ النازيّة ومعسكراتِ الاعتقال وَحُقول الإعدام، فَهي لا تَزالُ حيّةً قائِمةً، أنْ تنهارَ نُظُمُ القتلْ الجماعي وتنكفئ في مكبات النفاية التاريخية لا يعني بالضرورة انتهاء التجربة او زوال النموذج، فهناكَ على الدوام وعلى مَرّ الأزمان ثمة إقبالُ غامِضٌ لاستلهام الفكرة الجهنميّة واستيحاء طرائِق الشيطان.
تتبلورُ في شَرقِنا الأوسط مَعالِمُ \"بورما\" جديدة، بِنِظامٍ عسكريٍ شَرِسٍ يتولّى كِبَرَهُ \"بول بوت\" او\"سابور\" ذي الأكتاف، وبِئسَ المثابة والسَلَف، \"نيرونٌ\" جديدٌ يُحرِق اخضرار دِمشق وَيَأدُ فَتياتِ حماة، من خَلفِ جدارهِ الفولاذي السميك، يُجري نِقاشاً مُتحضراً مع شَعبِهِ عَبرَ فوهاتِ البنادِق، ولآنَّ رَقبتَهُ طويلةٌ ناشِزةٌ في طولها، يرى أن اعواد المشانِقِ كفيلةٌ ان تُطيل اعناق شعبِه، فيستترُ عيبُ القائِد، وَيُكبَتُ الجاحِدْ، ويتماهى المواطِنُ مع النِظام، ببالِغِ الوَدّ والهيام.
الرَجُلُ ابنُ أبيه، عاصرَ أجواءَ القَرَف الثوري والتملمُلات العمياء، وشَهِدَ العسكَرَ القوميين يَركبونَ موجةَ التغيير ويختَطِفونَ السُلطة باسم الإنقاذ والحُريّة، وابصَرَ البلدِ يتحولُ رويداً رويداً الى سِجنٍ هائِلٍ قُمِعَ في قُضبانِهِ كل صوتٍ مُعارض، فأعجبتهُ منذُ الصِغَر اُحجيةُ الاستبداد، وانكبَّ عليها تفكيكاً وتَحليلاً، واستهوتهُ منها تحديداً نظريةُ المؤامرة ولُعبةُ الدسيسة، فأتقنها أيما إتقان، وزادَ عليها بِما تفتقَ عنهُ ذِهنُ الطبيب المُنحَرِف، تحويلُ الوطنِ بِرمَتِهِ الى ظاهِرة المُنظمة الأمنيّة وخلايا المُخابرات، وزرعِ عينٍ للنِظام بين مواطِنٍ وآخر، فالأبُ لا يأمنُ وَلَده، والزوجُ يخشى زوجته، والكلُّ مرعوبون حتى نُخاعِهمُ من شُعَب التحقيق وفُروعِهِ الشهيرة، مُحولاً الدولة البوليسية الى شيءٍ أسوأ، الى سِردابٍ ومجاريرَ وثُكنة وجوقة قُرودٍ مُتقافِزةً ومُستودَعَ خياناتٍ سريّة وحانة رَقصٍ بالنار مع فتائِل البارود وصواعِق التفجير، عابِثاً بالمستقبل الغائِم والحاضِرِ الطافِحِ بالسواد، وانتهى طالِبُ جِراحة العُيونَ الى نتيجة كُل الطُغاة الغابرين، أن خيرَ طُرُق الطُغيان هي تلك التي عبّدها الأولون، فالمضمونُ ما جُرّب، ولا خيرَ في التجديد، فَلمْ يَحُد عن سِكة الوالد قيد شَعرة، وهو الذي وَرَثَ عنْهُ زنزانةً ومِطرَقة، فأما الزنزانةُ فَكانَ من الطبيعيِ انْ يَنظُرَ للناسِ أنهم مُجرّدَ \"مُنشَقّين\" وحُثالات لا تستَحِقُ الحياة، ينبغي رَميَهُم في ما وراءِ حُدود المجموعةِ الشمسيّة إذا ما خَبا هِتافَهم بِحياة الزَعيم الأوحد، وَلنْ يُجدي حينها عُذرُ الأعياء أو السُعالُ العارض، فالزَعيقُ باسم القائِد الضَرورة فَرضُ عينٍ على مَن بَلَغُ الحُلُم والرُشدْ، هكذا كانتْ تعاليمُ الأب الراحِل، وهكذا تجري الأمورُ في الشام المنكوب المُستَباح، هكذا أهينَ الإنسانُ فلمْ يَعُد حتى لِجُثمانِهِ أدنى كرامةٍ أو اعتبار، حَقُهُ في الحياةِ مسلوب، وحَقُّ رُفاتِهِ في التكريم مُصادَر، فَجُثَثٌ في المزابِل، واخرى تُقذَفُ في الأنهار كأيِ جيفٍ نافِقة، وثالثة تعلِكُها جنازيرُ الجيش الذي نَفَذَتْ عزيمَتُهُ وخارتْ قِواه وَدَلَقَ ضُبّاطُهُ الميامينُ آخِرَ عُلبة بيرةٍ مُرّةٍ في حَفل الهزيمة الشنيعة عندَ اعتاب الجولان والاسكندرونة، أُسودٌ كقائِدِ قواتِهمُ المُسلّحة على شعبِها دونَ سِواه، وأما المِطرَقةُ فَتُحيلُ البشرَ الى محضِ مسامير، قابلةٌ للخَلعِ، للطرقِ، للتعديلِ، للنبذِ، للتهشيمِ، للتحطيمِ، عليكَ ان تبقى مُلتَصِقاً بِخَشَب السُلطة المُتعَفّن، والّا تعرض رأسُكَ للاقتِلاع، كأيِ مِسمارٍ ناتِئ.
 ومهما حاولَ الشَعبُ لَفتَ نَظر القيادة الحَكيمة الى أحوالِهِ المُرّة الأليمة، وانهُ ليس يباباً أو هباباُ او بَهيمة، جاء الرَدُّ سريعاً كَعادة ريمة القديمة: ترى الإرادة العليّة لفخامة رئيس الجمهوريّة وبالتشاوُرِ مع المُبجلينَ الكاريكاتوريين الورقيين من القيادة السياسية العليمة الفهيمة الأبية، ان وصف \"البشرية\" مع ما يترتبُ عليهِ من حصاناتٍ وامتيازاتٍ وحُقوق هو تشريفٌ حصريٌ بِمقام رئيس مجلس قيادة الثورة السَرمَديّة، وان مُجرّدَ التفكيرِ في نيلِهِ او المُطالبةَ بِهِ هو دَعوةٌ للتمرُدِ والعصيان ومُحاوَلةٌ لِهدم مؤسساتِ الدولة وبُناها التحتية، بَل يَرقى الى مُستوى التَخابُرِ مع الأجنبي والتواصُلِ المشبوهٌ مع المُتمردينَ الضالينَ القابِعينَ خلفَ الحُدود واعانةٌ للفِئة الباغية وتستُّرٌ على إرهابيينَ خَطرين، وخيانةٌ عُظمى ما بعدها خيانة، ونحوَ ذَلِكَ مما لا يَتَسِعُ المقامُ لِذكرِهِ من نُعوتِ التَطرُّفِ والأُصوليّة، والتُهم المُقولَبة الجاهزة الساخنِة، وعليهِ استقرتْ إرادةُ الحاكِمِ بأمرهِ تجريدَ حملةٍ عسكريّةٍ كُبرى لتجفيف مَنابع الحُريّة من العُقولِ الفَتيّة، وتوجيهِ ضربةٍ ساحِقة ماحِقةٍ جَسورةٍ لإعداء الشعب والوَطَن، وننتَهِزُ الفُرصةَ لِنُجددَ عهدَ البيعةِ الفاسِدة والطاعة العمياء والولاء المُباع لِقائِدنا الضَرورة، وعاشتْ أُمَتُنا العربيةُ المجيدةُ بمنأى من شرور الديمُقراطية.

 بغداد – alabedwees@yahoo.com


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


ليث العبدويس
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/08/26



كتابة تعليق لموضوع : وحشٌ طليقٌ في الشام
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net