صفحة الكاتب : عدوية الهلالي

أرقام غير مسبوقة
عدوية الهلالي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

بعد احداث الانتفاضة الشعبانية ودخول الجيش العراقي لتنظيف المدينة من (الغوغاء) –كما اطلق على المنتفضين آنذاك – كنت بين افراد العوائل التي خرجت من محافظة كربلاء باتجاه الصحراء الواقعة مابين كربلاء والنجف هربا من القصف وتجنبا للاعتقالات التي اعقبت السيطرة على المحافظة ..كان الجو باردا ولجأنا الى المزارع الصحراوية التي لايوجد فيها الاحجرة صغيرة في كل مزرعة مخصصة لحراسها....في تلك الحجرات الصغيرة ، تكدست النساء المسنات والمرضى والاطفال الرضع ، أما الرجال والنساء والشباب فقد توجب عليهم قضاء لياليهم في العراء ...وقتذاك ، دلتنا رغبتنا بالبقاء وتحدي الطبيعة على ايجاد حلول مبتكرة فعملنا على تمزيق النايلون المخصص لتغطية الخضر المزروعة وصنع جحور تشبه جحور الارانب ، ونام البعض في سياراتهم ، أما من لم يجد مايكفيه من نايلون فقد افترش الارض والتحف السماء ...وبعد مرور كل تلك السنوات ، مازلنا نتذكر تلك الليالي التي قضيناها بعيدا عن دفء منازلنا ونحن نتفرج على مدينتنا وهي تحترق ويشلنا الخوف على مصير ابنائنا واخوتنا من مداهمة الجيش ويعضنا الجوع بانيابه التي لاترحم ، ويصرخ اطفالنا من نقص الحليب ..

واليوم ، وبعد كل هذه السنوات ، يصبح النزوح قدر العراقيين ويمتد بطريقة افعوانية من مدينة الى اخرى ، وماان تتحرر مدينة ويعود اليها اهلها بمعاناة من نوع آخر ، حتى يتأهب سكان مدينة أخرى للنزوح ، وليست معاناة العودة بأقل وطأة من معاناة النزوح وهكذا دواليك ...وبين كل نزوح وعودة ، تسجل الاحصائيات ارقاما غير مسبوقة في عدد النازحين العراقيين كان آخرها عدد نازحي الموصل الذي تجاوز مؤخرا المئتي الف نازح ، ويتفرج العالم على العراقيين وهم يصارعون البرد والجوع والمرض والخوف لدرجة أن تضع النساء اشرطة لاصقة على افواه اطفالهن أو تسقيهم شرابا منوما لضمان سكوتهم خلال النزوح والفرار من خطر داعش ...

واذا كنا في ايام الانتفاضة الشعبانية قد أمضينا اشهرا مابين معاناة الفرار من المدن واعتقال ابنائنا ودفن اغلبهم في مقابر جماعية ومعاقبة المدن المنتفضة بقطع الماء والكهرباء، فهناك سنوات تسربت من بين ايدي عراقيين آخرين مابين معاناة النزوح والهجرة وقتل الابناء وسبي النساء ..سنوات ألفوا فيها الخوف والبرد والحر والجوع حتى تحول كل منهم الى قصة انسانية يمكن ان تلهم روائيا او فنانا لكنها لاتحرك احاسيس السياسيين الذين انقسموا الى فئة اسهمت في تحول العراقيين الى لاجئين وفقراء وقتلة أو قتلى ،وفئة تواصل المساومة على آلام العراقيين والمتاجرة بها ..ومابين نزوحهم وعودتهم الى مناطقهم المحررة ، يظل الاهتمام بهم قاصرا وتعريضهم الى ابشع انواع المعاناة مألوفا حتى يكتمل تحرير مدنهم ، وبعد عودتهم تستمر معاناتهم حتى تأهيل مدنهم ، وخلال كل هذا الوقت تتسرب السنوات من بين أيدي العراقيين ومعها أبسط احلامهم ويظلون مادة ملهمة للاعلام وهم يسجلون ارقاما غير مسبوقة في عدد النازحين ونسب الفقر والأمية والفساد ...والفشل السياسي ..


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عدوية الهلالي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2017/03/08



كتابة تعليق لموضوع : أرقام غير مسبوقة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net