صفحة الكاتب : عامر ناصر

البداء
عامر ناصر

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
إنّ من المسائل الفكريّة التي أُثير حولها الجدل والحوار بين الفكر الإسلامي الأصيل، والفكر اليهودي المحرّف هي مسألة إمكانية حدوث النسخ في الشرائع الإلهية، سواء باستبدال شريعة مكان شريعة اُخرى، أو باستبدال حكم مكان حكم آخر في الشريعة ذاتها.
وكما وقع الخلاف في مسألة النسخ والتبديل في التشريع والأحكام، وقع الجدال أيضاً في قدرة الله تعالى على التغيير والتبديل في عالم التكوين والخلائق.
فهاتان مسألتان عقيديتان، مسألة النسخ التشريعي والنسخ التكويني (البَداء)، قد دار الحوار والجدل فيهما بين الفكر اليهودي المحرّف، وبين ما جاء به القرآن ونطق به الرسول الأمين (صلى الله عليه وآله) من أن النسخ في الشرائع هو سنّة إلهية، وأنّ التغيير والتبديل في الأحكام ظاهرة طبيعية في الشرائع، كما أنّ التغيير والتبديل كائن في عالم الخلق والتكوين الذي سمي ب (البَداء).
إستُعمل مصطلح (البَداء) في مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) للدفاع عن الفهم الإسلامي مقابل الفهم اليهودي، والفكر الفلسفي المتأثر بالفلسفة اليونانية وبعض المدارس الكلامية كمدرسة المعتزلة.
أثار هذا المصطلح شبهة فكرية عقيدية لدى البعض من الكتّاب، وأصحاب الآراء والمذاهب العقيدية في الصف الإسلامي، ولم تقف حدود هذه الشبهة عند الاستفهام والمناقشة والرد العلمي، بل أُسيء فهم المصطلح، واُضيفت إلى إساءة الفهم تصورات ناشئة عن روح الخلاف والمواجهة القَبْلية بين هذه المدرسة وبين مدارس فكريّة اُخرى.
ففُهِم القول بالبداء بأنه قول بتغيّر علم الله لخفاء المصالح عليه، وبالتالي نسبة الجهل إليه سبحانه وتعالى عن ذلك علوّاً كبيراً.
وهكذا تدخّل النزاع والخلاف في تشويه الحقيقة، وتحويل الموقف من خلاف بين الفكر الإسلامي الذي قاده أئمة أهل البيت (عليهم السلام) وبين الفهم اليهودي المحرّف وبعض الاتجاهات الفلسفية والكلامية المنحرفة إلى تهمة فكريّة تلصق بأتباع مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) وفهمها لهذه المسألة.
ولإيضاح هذه المفردة العقيدية، وبيان الفهم التوحيدي في مدرسة أهل البيت (عليهم السلام). نعرّف، ولو بإيجاز، بمعنى البَداء ونشأته كمصطلح ونتتبّع نسبته الى الله في مصادر الفكر الإسلامي ودراسات العلماء الإسلاميين.
* البَداء في اللغة:
بدا الشيء بَدْواً: أي ظهر ظهوراً، قال الله تعالى: {... وَبَدا لَهم مِّنَ اللهِ مَا لَم يَكُونُواْ يَحتسِبُونَ} .
«البَداء: ظهور الرأي بعد أن لم يكن، واستصواب شيء عُلِمَ بعد أن لم يعلم. ويقال بَدا لي في هذا الأمر بَداء، أي ظَهر لي فيه رأي آخر» 
 
فهو بمعنى الظهور.مأخوذ من: بدا يبْدو بدواً و بُدُوّاً و بداءةً وبداءً و بدوءً، فيقال: 
1- فلان بدا له في الرأي، أي ظهر له ما كان مخفيّاً عنه، 
2- فلان برز فبدا له من الشجاعة ما كان مخفيّأً عن الناس .
فمعنى بدا في المثالين واحد، ولكنّ الاختلاف فيهما جاء من ناحية اللام و ربطها للظهور. فالبداء المنسوب إلى الله جلّ شأنه
إنما هو بمعنى المثال الثاني.أي: ظهر لله من المشيئة ما هو مخفي على الناس، و على خلاف ما يحسبون.
 
* البَداء في الاصطلاح:
 
1- في القرآن :
* لقد تحدث القرآن عن البَداء كمعنى ومفهوم دون أن يستعمل لفظه في موارد كثيرة من آيه وبياناته، كقوله تعالى: 
أ- {...لِكُلِّ أجَلٍ كِتابٌ * يَمحُواْ اللهُ مَا يَشَاءُ ويُثبِتُ وَعِندَهُ اُمُّ الكِتَابِ} .
ب-{ما نَنسَخْ مِنْ ءَايَةٍ أو نُنسِهَا نأتِ بخَيرٍ مِّنَهآ أو مِثلِهَا ألَم تَعلمْ أنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ} .
ج- {يَسْئَلُهُ مَنْ في السَّمواتِ وَالأرضِ كُلَّ يَومٍ هُوَ في شَأنٍ} .
د-{وَقَالتِ اليهُودُ يَدُ اللهِ مغلُولةٌ غُلّتْ أيديهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَل يَداهُ مَبسُوطتَانِ يُنْفِقُ كيفَ يَشَآءُ...} .
ه-{هُوَ الّذي خَلَقَكُم مِّن طِينٍ ثُمّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُّسَمَّى عِنْدَهُ ثمَّ أنتُمْ تَمترُونَ} .
ز-{ فَلَمَّا بَلَغَ معهُ السَّعيَ قَالَ يابُنَيَّ إنِّي أرَى في المنَامِ أنّي أذبَحُكَ فَانظُرْ مَاذا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ أفعَلْ ما تُؤمَرُ سَتَجِدُني إنْ شَآءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرينَ * فَلَمّا أسْلَما وَتَلَّهُ لِلجَبينِ * وَنَادينَاهُ أنْ يَا إبراهيمُ * قَدْ صَدَّقتَ الرُّءْيَآ إنّا كَذلِكَ نَجزِي المُحسِنينَ* إنَّ هَذا لهُوَ البَلاءُ المُبِينُ* وفديناهُ بِذِبحٍ عَظِيم} .
ح-{...إنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَومٍ حَتَّى يُغَيِّرواْ مَا بأنفُسِهمْ...}
ط-{... للهِ الأمرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ...} .
ي-{وَأيُّوبَ إذ نَادَى رَبَّهُ أنّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأنتَ أرحَمُ الرَّاحمينَ* فاستَجَبنَا لَهُ فكشَفنَا مَا بَهِ مِن ضُرٍّ وَءَآتَينَاهُ أهلَهُ وَمِثْلَهُمْ معهم رحمةً من عِنْدِنَا وَذِكْرى لِلعابِدينَ} .
ك-{وَزكريَّا إذ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لاَ تَذَرْني فرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الوارِثينَ* فَاستَجَبنَا لَهُ وَوَهَبْنا لَهُ يَحْيَى وَأصلَحنَا لهُ زَوجَهُ إنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ في الخَيراتِ وَيَدْعُونَنَا رَغباً وَرَهَبَاً وكَانُوا لَنَا خَاشَعينَ} .
ل-{أَمَّنْ يُجيبُ المُضْطَرَّ إذا دَعَاهُ وَيَكشِفُ السُّوءَ...}
 
2- البَداء في الحديث النبوي الشريف :
 
الرسول الكريم محمداً (صل الله عليه وآله) هو أول من نسب (البَداء) إلى الله سبحانه، في الحديث الآتي الوارد في البخاري:
«عن أبي هُرَيْرَة رضَي اللهُ عَنْهُ: أَنَّهُ سَمِعَ رسُول اللهِ (صلى الله عليه وآله) يَقُولُ: إِنَّ ثَلاَثَةً في بَني إِسْرَائِيلَ: أَبْرَصَ وَأَقْرَعَ وَأَعْمى، بَدَا للهِ أَنْ يَبْتَلِيَهُمْ، فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ مَلَكاً،........)
وفي مسند أحمد : وروي عن أبي موسى الأشعري أنّ النبي (صلى الله عليه وآله) قال: «يجمع الله (عزّ وجلّ) الاُمم في صعيد يوم القيامة، فإذا بدا لله (عزّ وجلّ) أن يصدع بين خلقه، مثّل لكل قوم ما كانوا يعبدون...»
 
* وهناك آية ذُكر فيها لفظ البداء صراحة : وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ (47)الزمر
 
3- البَداء عند أئمة أهل البيت «عليهم السلام» 
:
ولبيان مفهوم البَداء عند أئمة أهل البيت (عليهم السلام) وتفسيرهم للآيات التّي تحدثت عنه فلنقرأ بعضاً مما ورد عنهم (عليهم السلام) من هذه الإيضاحات والتفاسير. منها ما جاء عن منصور بن حازم قال:
«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) هل يكون اليوم شيء لم يكن في علم الله تعالى بالأمس؟
قال : لا، من قال هذا فأخزاه الله.
قلت: أرأيت ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة أليس في علم الله؟
قال: بلى، قبل أن يخلق الخلق» .(الصدوق باب البداء)
وروي عنه قوله (عليه السلام): «من زعم أنّ الله (عزّ وجلّ) يبدو له في شيء لم يعلمه أمس فابرؤوا منه» (البحار).
وعن عبد الله بن سنان أنّ الإمام الصادق (عليه السلام) قال: «ما بدا لله في شيء إلاّ كان في علمه قبل أن يبدو له» (الكليني).
وعنه (عليه السلام) أنّه قال: «من زعم أنّ الله بدا له في شيء بداء ندامة، فهو عندنا كافر بالله العظيم» (الصدوق).
وعن ميسّر بن عبد العزيز قال:
قال لي أبو عبد الله الصادق: « يا ميسّر ادع، ولا تقل إنّ الأمر قد فرغ منه...» (الكليني).
وقال (عليه السلام): «إنّ الله (عزّ وجلّ) لَيدفع بالدعاء الأمر الّذي علمه إن يدعى له فيستجيب، ولولا ما وفّق العبد من ذلك الدعاء، لأصابه منه ما يجثّه من جديد الأرض»(الكليني) 
وهناك بياناً محدداً لمعنى البَداء فقد جاء فيه : «ما بعث الله (عزّ وجلّ) نبياً حتى أخذ عليه ثلاث خصال: الإقرار بالعبودية: وخلع الأنداد؛ وأن الله يقدّم ما يشاء ويؤخّر ما يشاء» (الصدوق).
لذلك يقول (عليه السلام): «ما عُبِدَ الله (عزّ وجلّ) بشيء مثل البَداء» (الصدوق).
وبذا يتضح أنّ البَداء مرادف للمحو والنسخ والتغيير الذي نطق به القرآن ونسبه إلى الله سبحانه، وليس معناه تغيّر علم الله سبحانه أو نسبة الجهل إليه تعالى عن ذلك علواً كبيراً. وتجد هذا الإيضاح محدّداً في قول الصادق (عليه السلام): «إنّ الله لم يبدُ له من جهل»
 
4- البداء في روايات مدرسة الخلفاء
 
روى الطيالسي وأحمد وابن سعد والترمذي واللفظ للطيالسي بايجاز، قال: قال رسول الله (ص) :
\"إنّ الله أرى آدم ذرّيّته فرأى رجلا أزهراً ساطعاً نوره.
قال: يا ربّ من هذا؟
قال: هذا ابنك داود!
قال: يا ربّ فما عُمره؟
قال: ستّون سنة!
قال: يا ربّ زِدْ في عمره!
قال: لا إلاّ أن تزيدَهُ من عمرك!
قال: وما عمري؟
قال: ألف سنة!
قال آدم: فقد وهبتُ له أربعين سنة من عمري.
... فلمّا حضره الموت وجاءته الملائكة قال: قد بقي من عمري أربعون سنة.
قالوا: إنّك قد وهبتها لداود ..\" ( الطيالسي : ومسند أحمد وطبقات ابن سعد وسنن الترمذي بتفسير سورة الأعراف.).
وجاء في تفسير الطبري والقرطبي وابن كثير في تفسير الآية يمحو الله ما يشاء ويثبت ، وقالوا ما موجزه:
إنّ عمر بن الخطاب كان يطوف بالبيت ويقول: اللّهمّ إن كنت كتبتني في أهل السعادة فأثبتني فيها، وإن كنت كتبتني في أهل الشقاوة والذنب فامحني وأثبتني في أهل السعادة والمغفرة، فإنّك تمحو ما تشاء وتثبت، وعندك أُمّ الكتاب.
وروي عن ابن مسعود أنّه كان يقول:
اللّهمّ إن كنت كتبتني في السعداء فأثبتني فيهم، وإن كنت كتبتني في الأشقياء فامحني من الأشقياء واكتبني في السعداء، فإنّك تمحو ما تشاء وتثبت، وعندك أُمّ الكتاب.
وروي عن أبي وائل أنّه كان يكثر أن يدعو: اللّهمّ إن كنت كتبتنا أشقياء فامح واكتبنا سعداء، وإن كنت كتبتنا سعداء فأثبتنا، فإنّك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أُمّ الكتاب (تفسير الطبري) واستدلّ القرطبي ـ أيضاً ـ على هذا التأويل بما روى عن صحيحي البخاري ومسلم أنّ رسول الله (ص) قال:
\"من سرَّهُ أن يُبسطَ له في رزقهِ ويُنسأَ لهُ في أثرهِ ـ أجلهِ ـ فلْيصلْ رَحِمَه\".
وفي رواية: \"مَن أحبّ أن يَمُدَّ الله في عمره ويبسطَ له رزقهُ فليتَّق الله وليصلْ رحمه\"(البخاري).
ونقل عن ابن عباس أنّه قال في جواب من سأله وقال: كيف يزاد في العمر والأجل؟
قال الله عزّوجلّ: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِين ثُمَّ قَضَى أَجَلا وَأَجَلٌ مُسَمّىً عِنْدَهُ)، فالأجل الأوّل أجل العبد من حين ولادته الى حين موته، والأجل الثاني ـ يعني المسمّى عنده ـ من حين وفاته الى يوم يلقاه في البرزخ لا يعلمه إلاّ الله، فإذا اتّقى العبد ربّه ووصل رَحِمَه، زاده الله في أجل عمره الأوّل من أجل البرزخ ما شاء، واذا عصى وقطع رحمه، نقصه الله من أجل عمره في الدنيا ما شاء، فيزيده من أجل البرزخ ... الحديث(تفسير القرطبي).
وأضاف ابن كثير على هذا الإستدلال وقال ما موجزه:
وقد يستأنس لهذا القول ما رواه أحمد والنسائي وابن ماجة عن النبي (ص) أنّه قال:
\"إنّ الرجل ليُحرَمُ الرزقَ بالذنب يُصيبه ولا يردُّ القدر إلاّ الدّعاءُ ولا يزيدُ في العمر إلاّ البرّ\"(سنن ابن ماجة).
وقال: وفي حديث آخر:
\"إنّ الدعاء والقضاء ليعتلجان بين السّماء والأرض\"(تفسير ابن كثير)
 
5- البَداء في تحليل العلماء
 
قال الشيخ الصدوق عن البَداء، الذي أوضح لنا معناه كما أوضح أنّ البداء هو رد على الفهم اليهودي المحرّف فقال (رحمه الله): «ليس البَداء كما يظنّه جهّال النّاس بأنّه بداء ندامة، تعالى الله عن ذلك، فمن أقرَّ لله (عزّ وجلّ) بأنَّ له أن يفعل ما يشاء، ويعدم ما يشاء، ويخلق مكانه ما يشاء، ويقدِّم ما يشاء، ويؤخّر ما يشاء، ويأمر بما شاء، كيف شاء فقد أقرَّ بالبداء، وما عُظِّم الله (عزّ وجلّ) بشيء أفضل من الإقرار بأنَّ له الخلق والأمر، والتقديم، والتأخير، وإثبات ما لم يكن ومحو ما قد كان.
والبداء هو ردٌّ على اليهود لأنهم قالوا: إنَّ الله قد فرغ من الأمر فقلنا: إنَّ الله كلَّ يوم هو في شأن، يحيي ويميت ويرزق ويفعل ما يشاء. فمتى ظهر لله (تعالى ذكره) من عبد صلة لرحمه زاد في عمره، ومتى ظهر له منه قطيعة لرحمه نقَّص من عمره، ومتى ظهر له من عبد إتيان الزِّنا نقَّص من رزقه وعمره، ومتى ظهر له منه التعفّف عن الزِّنا زاد في رزقه وعمره»
وتحدث السيد الداماد في نبراس الضياء، وهو من فلاسفة الشيعة وعلمائهم البارزين في القرن الحادي عشر، تحدث عن البداء فقال: «البداء منزلته في التكوين منزلة النسخ في التشريع، فما في الأمر التشريعي والأحكام التكليفية نسخ فهو في الأمر التكويني والمكوّنات الزمانية بَداء، فالنسخ كأنه بَداء تشريعي، والبداء كأنّه نسخ تكويني.
وتحدث العلاّمة المجلسي عن البداء وعن أصالة الفكر الإمامي ودفاعه عن عقيدة التوحيد بتثبيت مفهوم البداء فقال:...... وأثبتوا أنه تعالى كل يوم في شأن، من إعدام شيء، وإحداث شيء آخر، وإماتة شخص، وإحياء آخر إلى غير ذلك، لئلا يترك العباد التضرع إلى الله ومسألته وطاعته، والتقريب إليه بما يصلح اُمور دنياهم وعقباهم، وليرجوا عند التصدق على الفقراء وصلة الأرحام وبرّ الوالدين والمعروف والإحسان ما وُعدوا عليها من طول العمر وزيادة الرزق وغير ذلك» (البحار).
وتحدث المرجع الديني السيد أبو القاسم الخوئي (قدس سره) عن البداء وعن قدرة الله ومشيئته وعلمه سبحانه فقال: «لا ريب في أنّ العالم بأجمعه تحت سلطان الله وقدرته وأنّ وجود أيّ شيء من الممكنات منوط بمشيئته تعالى، فان شاء أوجده، وإن لم يشأ لم يوجده، ولا ريب أيضاً في أنّ علم الله سبحانه قد تعلق بالأشياء كلها منذ الأزل، وأنّ الأشياء بأجمعها كان لها تعيّن علمي في علم الله الأزلي، وهذا التعين يُعبّر عنه ب (تقدير الله) تارة وب (قضائه) تارة اُخرى... فمعنى تقدير الله تعالى للأشياء وقضائه بها: أن الأشياء جميعها كانت متعينة في العلم الإلهي مند الأزل على ما هي عليه من أنّ وجودها معلّق على أن تتعلق المشيئة بها، حسب اقتضاء المصالح والمفاسد التي تختلف باختلاف الظروف والتي يحيط بها العلم الإلهي» (البيان في تفسير القرآن) 
وبعد هذا العرض الموجز لمفهوم (البَداء) يتضح لدى القارئ الكريم جانب من مشاكل الفكر الإسلامي التي انعكست آثارها على فهم المسلمين بعضهم لبعض وتشخيص الحقيقة الموضوعية والتعريف بها، فقد وَضُحَ لدينا أنّ مشكلة الخلاف التي دارت وما زالت تدور حول الإيمان بالبداء هي مشكلة غياب الموضوعية في البحث العلمي، وتدخّل الخلاف السياسي. بعد أن عرفنا أنّ الخلاف حول مفهوم البداء هو خلاف في الشكل لا في المضمون، وفي المصطلح الفني لا في المعتقد.
لذا فإننا مدعوون إلى دراسة أسباب نشوء الخلاف في الفكر العقيدي ومعرفة حقيقته قبل إصدار الحكم على المؤمنين به. فإن دراسة تاريخ القضية وتطوّرها تشكل أداة مهمة من أدوات الفهم وتحديد الموقف.
وخير ما نختم به هذا البحث هو قول الله الحق:
{وَالَّذِينَ اجْتَنبُواْ الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُواْ إلىَ اللهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ* الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبعُونَ أَحْسَنَهُ اُوْلئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللهُ وَاُوْلئِكَ هُمْ اُوْلُواْ الأَلبَابِ}

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عامر ناصر
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2017/03/19



كتابة تعليق لموضوع : البداء
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net