صفحة الكاتب : حيدر الحد راوي

تأملات في القران الكريم ح343 سورة الزمر الشريفة
حيدر الحد راوي
 بسم الله الرحمن الرحيم
 
قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَّهُ دِينِي{14}
تستمر الآية الكريمة (  قُلِ ) , لهم يا محمد , (  اللَّهَ أَعْبُدُ ) , وحده لا اشرك به شيئا , (   مُخْلِصاً لَّهُ دِينِي ) , مخلصا له الدين والعبادة كما امرني .  
 
فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُم مِّن دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ{15} 
تستمر الآية الكريمة (  فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُم مِّن دُونِهِ ) , تضمن النص المبارك تهديدا لهم , (  قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) , يقرر النص المبارك ان الخاسر من خسر اغلى ما يملك وخسر اعز الناس اليه , ذلك هو الخاسر الحقيقي , (  أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ) , لا خسارة تضاهي تلك الخسارة .    
 
لَهُم مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ النَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ{16} 
تستمر الآية الكريمة مضيفة (  لَهُم مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ النَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ) , اطباقا "طبقات" من النار فوقهم وطبقات اخرى تحتهم , (  ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ ) , يخوفهم الباري عز وجل بهذا العذاب , كي يتجنبوا ما يوقعهم فيه , (  يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ ) , خافوني , احذروا عذابي , قووا انفسكم من كل ما يرميكم فيه .     
 
وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ{17}
تنتقل الآية الكريمة لتسلط الضوء على الطرف الاخر , طرف المؤمنين (  وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا ) , الذين اجتنبوا عبادة الاوثان , او طاعة السادة والامراء من ذوي الطغيان , (  وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ ) , واقبلوا على الله تعالى بالتوحيد والعبادة والطاعة , (  لَهُمُ الْبُشْرَى ) , بالجنة والثواب الجزيل , (  فَبَشِّرْ عِبَادِ ) , بشرهم يا محمد بما ينتظرهم من الثواب والمقامات الرفيعة في الجنة .  
 
الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ{18} 
تستمر الآية الكريمة في موضوع سابقتها (  الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ) , لهم القدرة على ان يفصلوا الحق عن الباطل , فيتبعوه , (  أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ ) , وفقهم للهداية حين طلبوها وبحثوا عنها في مصادرها , (  وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ ) , هم اصحاب العقول الراجحة , السليمة الخالية من منازعة الوهم والهوى والظنون .     
 
أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنتَ تُنقِذُ مَن فِي النَّارِ{19} 
تضيف الآية الكريمة (  أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ ) , وهي قوله جل من قائل { إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ }هود119 ,  (  أَفَأَنتَ تُنقِذُ مَن فِي النَّارِ ) , انكارا واستبعادا لإنقاذ من هو وارد النار بدعوته الى اتباع الحق والايمان .     
 
لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ{20} 
تنتقل الآية الكريمة مضيفة (  لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ ) , وحدوه واطاعوه وتركوا كل ما يسخطه جل وعلا , (  لَهُمْ غُرَفٌ مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ ) , غرف على شكل طبقات , مبنية بناء كالمنازل , (  تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ) , تحت جميع الغرف , لبيان وفرة الماء , وايضا لإضفاء شيئا من جمالية المنظر وما يبعث الراحة في النفوس , والا فأن لا عطش في الجنة .     
 
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَاماً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُوْلِي الْأَلْبَابِ{21}
الآية الكريمة تخاطب الرسول الكريم محمد "ص واله" (  أَلَمْ تَرَ ) , تعلم , تلاحظ , تتدبر , تفكر , (  أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً ) , المطر , (  فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ) , عيون وينابيع وواحات , (  ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ ) , مختلف الاجناس والطعم والرائحة وايضا مختلف في الحجم والشكل ... الخ , (  ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ) , ييبس فيكتسي بالصفرة , (  ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَاماً ) , فتاتا , (  إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُوْلِي الْأَلْبَابِ ) , ان في ذلك تذكيرا ودلالة على وحدة الخالق المدبر ودقة صنعه . لا يتعظ من ذلك ولا يتدبره الا اصحاب العقول السليمة . 
وحدة الكون تثبت وحدانية الخالق الموجد المبدع , كل شيء يستهل دوره حياته صغيرا , يكبر وينضج , حتى اذا ما بلغ أوج نشاطه بدأ يفقد طاقاته ويتلاشى بين طيات الزمن.   
 
أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ{22} 
تضيف الآية الكريمة (  أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ ) , فاهتدى , طرقت سبل الرشاد ابواب قلبه , (  فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ ) , تحولت الهداية الى ملكة من ملكاته , فطبعت على قلبه وختمت عليه , (  فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ ) , تهديد لقساة القلوب , الذين يعرضون عن ذكره جل وعلا , فالقلب القاسي عن ذكر الله تعالى لا خير في صاحبه ولا يرتجى منه خيرا , وأن توهم خلاف ذلك , (  أُوْلَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ) , اصحاب القلوب القاسية في تيه وبعد عن الحق .   
( عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قرء هذه الآية فقال إن النور إذا وقع في القلب انفسخ له وانشرح قالوا يا رسول الله فهل لذلك علامة يعرف بها قال التجافي عن دار الغرور والإنابة إلى دار الخلود والاستعداد  للموت قبل نزوله ) . "تفسير الصافي ج4 للفيض الكاشاني" . 
 
اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ{23} 
تضيف الآية الكريمة (  اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ ) , القرآن الكريم , فهو الافضل  والاحسن , (  كِتَاباً مُّتَشَابِهاً ) , يشبه بعضه بعضا , دلالة ومعنى , نظما واعجازا ...الخ , (  مَّثَانِيَ ) , لها معاني كثيرة تقدم بعضها , ومنها ان القرآن الكريم ثنّى بين الوعد والوعيد وكذلك بين الجنة والنار ... الخ , (  تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ) , المؤمنون به تقشعر ترتعد وتنقبض جلودهم مما فيه من الوعيد , (  ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ) , ثم تسكن وتطمئن قلوبهم الى الله تعالى لرحمته وسعة مغفرته , (  ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ ) , القرآن , (  يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ ) , يهدي به جل وعلا من طلب الهداية في مواردها , (  وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ) , اما من طلبها في غير مواردها فليس له الا الضلالة , لا يوفقه الله تعالى اليها , لذا فأنه لا يجد من يرشده ويدله عليها ابدا , ولا تزيده سرعة المشي في الطريق المعاكس الا بعدا عن الحق .    
( عن النبي صلى الله عليه وآله قال إذا اقشعر جلد العبد من خشية الله تتحات عنه ذنوبه كما يتحات عن الشجرة اليابسة ورقها ) . "تفسير الصافي ج4 للفيض الكاشاني" .
 
أَفَمَن يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ{24}
تستمر الآية الكريمة مضيفة (  أَفَمَن يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ ) , الضالون تكون ايديهم مغلولة الى اعناقهم , فلا يتقون العذاب الا بوجوههم , وهو اقسى انواع العذاب واشدها اذلالا , (  يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) , مورده ذلك اليوم كمن آمن بالله تعالى , (  وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ ) , ثم يأتيهم الخطاب من ملائكة العذاب "ذوقوا وبال ما كسبتم في الدنيا , فإنما هي اعمالكم ترد اليكم" .   
 
كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَأَتَاهُمْ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ{25} 
تستمر الآية الكريمة مضيفة (  كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ) , الامم السابقة , فقد كذبوا رسلهم وانبياءهم "ع" , (  فَأَتَاهُمْ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ ) , فنزل بهم العذاب من الجهة التي لم تخطر في بالهم او لم يتوقعوا مجيء الخطر منها .    
 
فَأَذَاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ{26}
تستمر الآية الكريمة مضيفة (  فَأَذَاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) , اذاقهم الله تعالى انواع الخزي في الدنيا , كالمسخ والخسف والجلاء والقتل والاسر , (  وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ ) , اما العذاب المعدّ لهم في الاخرة اشد واكثر ايلاما واكثر دواما , (  لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ) ,  لو كانوا يعلمون ذلك لاعتبروا واتعظوا .     

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حيدر الحد راوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2017/03/23



كتابة تعليق لموضوع : تأملات في القران الكريم ح343 سورة الزمر الشريفة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net