صفحة الكاتب : جسام محمد السعيدي

ما سر تركيز المرجعية الدينية العليا على المفاهيم الوطنية والولاء للعراق في خطابها للعراقيين؟ مؤتمر ومعرض المخترعين العراقيين.. انموذجاً.
جسام محمد السعيدي
بداية الحكاية..
ـــــــــــــــــــــــ
 
" سنبقى ندافع عن عراقيّتنا ووطنيّتنا وعن معدننا وقدراتنا، سنبقى ندافع الى آخر المطاف، فنحن لا نريد شيئاً وإنّما نريد أن نضع الأمور في مواضعها".
 
"أن الدولة لا تملك رؤية واضحة في إدارة موارد العراق بالشكل الصحيح" مشيراً إلى أنه "اذا لم يتم الالتفات إلى العقول الوطنية لن يتم إيجاد حل لمشكلات البلاد".
 
بهذه العبارات التي تحمل الكثير من الآلام، والتحذيرات أيضاً، وتـُشير إلى العديد من مكامن الخلل في واقعنا العراقي، يضع وكيل المرجعية الدينية العليا العلّامة السيد أحمد الصافي النقاط على الحروف، ويُلجم المتخرصين ممن يُدلِسون أفكارهم  بعبارات القومية أو الانسانية أو إدعاء تطبيق الاسلام العظيم، لتحقيق أهدافهم في السيطرة والاستحواذ على البلاد والعباد.
 
قالها في افتتاح (المؤتمر والمعرض الأوّل للاختراعات) برعاية العتبة العبّاسية المقدّسة لمخترعين عراقيين من كل العراق، بلا تمييز عرقي او ديني أو طائفي، وبالتعاون مع منتدى المخترعين العراقيّين، الذي انطلقت فعاليّاته بعد ظهر الأربعاء (7رجب 1438هـ) الموافق لـ(5نيسان 2017م) ولـ (3)أيام.
 
 حيث وصلت فيه عدد براءات الاختراع المتقدمة للمشاركة (570) براءة اختراع  قُبِل منها (108) حسب المعايير الفنيّة التي وضعتها اللّجنة المشرفة، وبالقطّاعات (الطبّية - الهندسيّة - العلميّة - الزراعيّة - العسكريّة)، علماً أن براءات الاختراع العراقية هو أكثر من (4700) براءة اختراع عراقية مُسجلة في الجهاز المركزي للتقييس والسيطرة النوعية.
 
تساؤلات مشروعة.. وقراءة لما بين سطور كلام المرجعية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 
يتساءل المراقبون عن سبب تركيز المرجعية الدينية العليا، على الولاء للوطن، واستخدام العبارات والكلمات الوطنية، أكثر من الكلمات الدينية، في مخاطباتها للعراقيين، سواء بكلامها المباشر من خلال بياناتها الخطية، أو من خلال منبر جمعة كربلاء المقدسة، أو بخطابها غير المباشر من خلال وكلائها أو ممثليها، في مناسبات متعددة، كالمناسبة أعلاه.
ولو تتبعنا بياناتها الخطية وخطبها، بخصوص الشأن العراقي، منذ سقوط الطاغية في 9/4/2003م وحتى الآن، لوجدنا كلمات أمثال:
 
المواطنون، العراقيون، العراق، القوات الأمنية، حضارتنا، تأريخنا، استقلالنا، تراثنا، هويتنا، وأمثالها..
 
أكثر من استخدامها كلمات:
 
المؤمنون، المسلمون، الأمة الاسلامية، الاسلام لا تحده الحدود، وأمثال ذلك..
 
رغم أن المرجعية تعلم علم اليقين، أن الدين الاسلامي منهج حياةٍ متكامل، فيه الحل لكل المشكلات، وفي كل المجالات، وفي العالم أجمع..
 
لكنها تعلم أيضاً أن هذا المنهج بصيغته الدينية المتكاملة، لا يؤتي اُكله إلا في ظل قيادة معصومة..
 
لذا فهي انتهجت في زمن الغيبة مبدأ إقامة الدولة المدنية التي لا تخالف الدين، لا الدولة العلمانية المنفلتة، ولا الدولة الدينية.
 
ولعل خطبتها في 21 جمادي الاول 1436 هـ الموافق 13/03/2015 م  كانت أكثر الخطب الحافلة بكلمات تأسيس الانتماء الوطني ودولة المواطنة، وعبارات الوطن والحضارة العراقية والوطنية والاعتزاز بالسيادة والهوية الثقافية والتراثية العراقية، وأمثال ذلك، فلنستذكرها:
 
" إنّ الجيش العراقي والإخوة المتطوّعين إنّما يدافعون عن بلدهم العزيز..
 
 هذا البلد الحضاريّ بل الذي تجذّرت فيه مجموعةُ حضارات..
 
هذا البلد الذي سيكون كما كان منيعاً عن أيّ محاولة لتغيير هويّته وتبديل تراثه وتزييف تاريخه..
 
 إنّ أبناءه البررة على طول التاريخ تحمّلوا ما تحمّلوا من أجل أن يبقى عزيزاً شامخاً مستقلّاً سيّدَ نفسه..
 
 لقد أُريقت ولا تزال على هذه الأرض الطاهرة دماءٌ زكيةٌ وغاليةٌ علينا جميعاً،..
 
 دفاعاً عن كرامتنا وعزّتنا ومقدّساتنا وهويّتنا الثقافية التي نعتزّ بها ولا نرضى بها بدلاً..
 إنّ أبناءنا الأبطال في جبهات القتال -سدّدهم الله تعالى- يخوضون اليوم معركةً مصيريةً وغايةً في الأهمية في الدفاع عن العراق في حاضره ومستقبله..
 
 ويسطّرون تاريخ حقبةٍ مهمةٍ بدمائهم الطاهرة وهي أعزّ وأعظم ما لديهم لبذله في سبيل هذا الوطن..
 
 إنّنا نعتزّ بوطننا وبهويّتنا وباستقلالنا وسيادتنا..
 
وإذا كنّا نرحّب بأيّ مساعدةٍ تقدّم لنا اليوم من إخواننا وأصدقائنا في محاربة الإرهابيّين ونشكرهم عليها..
 
 فإنّ ذلك لا يعني في حالٍ من الأحوال بأنّه يمكن أن نغضّ الطرف عن هويّتنا واستقلالنا..
 ولا يمكن أن نكون جزءً من أيّ تصوّراتٍ خاطئة في أذهان بعض المسؤولين هنا أو هناك..
 
 إنّنا نكتب تاريخنا بدماء شهدائنا وجرحانا في المعارك التي نخوضها اليوم ضدّ الإرهابيّين وقد امتزجت دماءُ مكوّنات الشعب العراقي بجميع طوائفهم وقوميّاتهم..
 
 وأودّ أن أؤكّد مرةً أخرى على ضرورة حفظ هذا التاريخ الناصع من خلال التوثيق لكلّ جزئيات الأحداث خوفاً من التضييع أو التبديل..
 
 إذ من حقّ الأجيال القادمة أن تطّلع على تاريخنا وأن تقرأه واضحاً وصادقاً كما قرأنا نحن تاريخ أسلافنا".
 
https://www.alkafeel.net/inspiredfriday/index.php?id=203&ser=2&lang=ar
 
انتهى كلام سماحته..
 
قراءات في كلام المرجعية الوطني
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 
هذا الاهتمام بعبارات الوطنية التي تزعج البعض، ممن تتهدم مخططاتهم بها، لا يعني بأي حالٍ من الأحوال أن المرجعية لا تهتم بالأمة الإسلامية وهمومها.
 
 بل هي أكثر الجهات في العالم مهتمة بتلك الهموم والمشاكل، باعتبارها الممثل الرسمي للمعصومين عليهم السلام في غيبة حجة الله.
 
فهي تستقرأ الواقع لكل بلدان المسلمين، وحتى مهاجرهم، وتضع الحلول لمشاكلهم، وتقدم العون لهم، لكن دون إثارةٍ للآخرين، كما هو منهج أهل البيت عليهم السلام، وبكلمة أخرى:
 
 هي تقوم بتكليفها الشرعي والانساني دون عنتريات!!!
 
 إن ذلك التركيز على الكلمات والعبارات الوطنية، حين تتكلم في الشأن العراق يكشف عن الأمور التالية:
 
1.ان المرجعية قد استقرأت ودرست الواقع العراقي بدقة متناهية، فهي إبنة العراق وبيئته الاجتماعية، مذ تأسست في قبل 12 قرناً، وبالتالي، ولكي تؤثر في هذه البيئة، عليها أن تكون فاهمةً بدقة لما يجري فيها، ومن جملة ما تعلمه المرجعية:
 
 أن المرض الأكبر للمجتمع العراقي، على الأقل في العقود الماضية، ليس قلة الدين أو ضعفه، بل هو ضعف الانتماء الوطني لأغلب العراقيين، حُكاماً – إذ أن أغلبهم وكلاء لمصالح دولٍ أخرى- ومحكومين، وقوة الانتماءات (المناطقية الضيقة، أو التجهيلية المنتمية زوراً للدين، أو القومية، أو المزيفة باسم الانسانية والشيوعية وغيرها) على الانتماء الوطني.
 
 وبالتالي الولاء لدول أو كيانات أو مسميات، خلف الحدود ترفع راية تلك الانتماءات، مما ينتج قلة أو انعدام الولاء للعراق وخرابه!!!.
 
2.إن المرجعية حين تتكلم عن الواقع العراقي بهذه اللغة، إنما تتكلم لإيقاضه من رقدته، ولِبث الصحوة فيه مما علق به من رُكام المحتلين، والحكام الظالمين، والعملاء التابعين لرايات القومية باختلاف مسمياتها، أو رايات الدين المُسيس لا الدين الحقيقي، أو رايات المذهبية التي تذرف دموع التماسيح على المضهدين، من الطرف الآخر. 
 
3.ما يؤكد النقطتين أعلاه هو قول المرجع الديني الأعلى السيد علي الحسيني السيستاني في 18كانون الأوّل 2015م ما نصه:
 
 "إنّ خلاص العراق وتجاوزه لأوضاعه الصعبة الراهنة لا يكون إلّا على أيدي العراقيّين أنفسهم إذا ما اهتمّوا بالمصالح العُليا لبلدهم وقدّموها على كلّ المصالح الشخصية والفئوية والمناطقية ونحوها".
 
https://alkafeel.net/inspiredfriday/index.php?id=243&ser=2&lang=ar
 
فهذه العبارة تكشف أموراً غاية في الأهمية والخطورة في ذات الوقت، منها:
 
أ‌." إنّ خلاص العراق وتجاوزه لأوضاعه الصعبة الراهنة " حصرته المرجعية في أمرٍ واحد، وهو حصرٌ لا مفر من خيارٍ غيره، مستخدمة أداة الاستثناء "إلا" بعد أداة النفي "لا" فقالت:
 
"لا يكون إلّا على".
 
وقد كان باستطاعتها أن تقول بدلها:
 
"يكون على" لتؤدي نفس المعنى.
 
لكنها استخدمت الاسلوب الأول لتبعد الذهن عن أي حلٍ آخر يصوره الآخرون على أنه حل!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
 
ب‌. " أيدي العراقيّين أنفسهم" هذا هو الحل...
ومن الواضح ان المرجع الاعلى لا يقصد عراقيوا الجنسية، وإلا هم كإسلاميي الجنسية!!
هو يقصد العراقيين الموالين للعراق، بقرينة العبارة التي ستليها والتي سنشاهدها في النقطتين (ج، د).
 
الحل بـ " أيدي العراقيّين أنفسهم" وليس الحل في:
 
أيدي متبني الشعارات القومية والوحدة الافتراضية بين الدول العربية أو الأقاليم الكردية!!
أو أيدي متبني الشعارات السياسية المبطنة بالدين،  وشعار الوحدة الاسلامية والمذهبية!!
 
ج. إن الحل أعلاه لا ينجح إلا إذا وفر العراقيون شرطين اثنين:
 
• "إذا ما اهتمّوا بالمصالح العُليا لبلدهم" 
• "وقدّموها (المصالح العليا لبلدهم) على كلّ المصالح الشخصية والفئوية والمناطقية ونحوها".
 
حسب نص كلام سماحته، وهنا يبرز تساؤل هام:
 
عرفنا ان المصالح التي تتقاطع مع مصالح العراقيين العليا بحسب ألفاظ المرجعية هي:
 
• الشخصية: وهي واضحة .
• الفئوية: ويُقصد بها الانتماءات القومية والحزبية.
• المناطقية: ويُقصد بها الانتماءات الضيقة لمحافظة أو مدينة أو منطقة أوعشيرة.
 
فما الذي تقصده المرجعية بكلمة "ونحوها"  بعدما استنفذت كل المعاني التي تخطر على بال العاقل مما يتقاطع مع مصالح العراقيين؟!!!
 
أكيد هي لا تقصد الانتماءات الدينية والمذهبية الحقة، لأنها تدعو للولاء للوطن.
 بل هي تقصد تلك الانتماءات التي تدلس الحق بالباطل، وتستخدم العبارات الفضفاضة حمالة الوجوه، المدغدغة لمشاعر المؤمنين، لتستحوذ على العقول البسيطة باسم الدين والمذهب لصالح دولٍ أخرى!!!
 
ولم تستثنِ المرجعية أي دين وأي مذهب تنتمي له دولة ما، تستخدم ذلك الدين لتمرير مخططاتها ومصالحها، والدليل على ذلك، قول المرجعية في نفس الخطبة:
 
" وأمّا الأطراف الأخرى سواءً الإقليمية أو الدولية فمن المؤكّد أنّها تلاحظ في الأساس منافعها ومصالحها وهي لا تتطابق بالضرورة مع المصلحة العراقية، فليكن هذا في حسبان الجميع".
 
وقد أوضحنا في تحليلنا لتلك الخطبة، ومن خلال الحوارات مع المعترضين، وبالدليل المنطقي العقلي، أن جميع دول ما يسمى الشرق الأوسط، ومنها كل دول الجوار، فضلاً عن كل دول العالم، ومنها دول الاستكبار، مشمولة بعبارة المرجعية الدينية العليا تلك، وهذا رابط التحليل:
 
 
 
 
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


جسام محمد السعيدي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2017/04/07



كتابة تعليق لموضوع : ما سر تركيز المرجعية الدينية العليا على المفاهيم الوطنية والولاء للعراق في خطابها للعراقيين؟ مؤتمر ومعرض المخترعين العراقيين.. انموذجاً.
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net