حول آلمنهج ألأمّ لتفسير ألقُرآن ألكريم:
مقدمة: بما أننا مسلمون .. فكتابنا هو آلقرآن و هو آلثقل ألأكبر, و آلوحي ألألهيّ ألمنزل على آلرسول ألأمين مُحمّد بن عبد الله(ص) لفظاً و معنىً و إسلوباً و هو آلمكتوب و الموجود في المصاحف المنتشرة في كلّ بقاع الأرض.
و لأن المسلمين و غيرهم لم يتفهموا ذلك آلكتاب و لم يعملوا به كما كان مُؤمّلاً لعدم إمتلاكهم إلى المنهج ألقويم؛ لذلك نقدم هذه الدراسة ألهامة لتكون من أهمّ أسس ألمنتدى ألفكري و دليلاً و مرشداً أميناً لأبلاغ ألحقّ لتحقيقِ ألتكامل ألأنساني.
و آلقسم ألثالث يضمّ "ألمنهج ألأم" في فهم و تفسير ألقرآن ألكريم, و قد سبق أنْ كتبنا؛ ألقسم ألأول و آلثاني لأسس و مبادئ ألمنتدى الفكري كساحة مفتوحة للحوار ألأيجابي ألبناء .. ليكون ألمنهج ألأم - منهجاً لتيارٍ ألمثقفين ألمتطلعين إلى الحريّة و آلمساواة و آلعدالة في كلّ ألعالم لتحقيق ألسّعادة في كلّ ألمعمورة.
لماذا فشلت ألمناهج ألقرآنية ألسابقة!؟
جميع ألمناهج ألتي كانت سائدة لحين إنتصار الثورة الأسلامية – لم تكن مناهج علمية متخصصة شاملة تتلائم مع روح آلقرآن و غايته؛ لذلك لم تُحقّق آلغاية من رسالة ألقرآن في آلناس و في المسلمين بآلذات على آلرغم من أن أكثر من مليار مسلم في آلأرض قرؤه مراراً و تكراراً و يختمونه كلّ عام في شهر رمضان على آلأقلّ.
كما إنّ دورات ألتفسير ألعديدة منذ أوّل تفسيرٍ و إلى آلآن لم تستطيع أن تُبيّن بوضوح و شفافيّة؛ ألغاية آلأساسية و آلمقصد من ذلك آلكتاب ألألهي ألشريف حتى بطريق ألأجمال(1) سوى آلأشارة له من قبل ألفيلسوف محمد حسين الطباطبائي في مبحث الحكومة الأسلامية .. إشارةً لا تفصيلاً كما ورد في تفسير ألميزان, لهذا بقيتْ أحكامه – أي أحكام ألقرآن - غير فاعلة في واقع آلبشرية بما فيهم ألمسلمون حتى يومنا هذا فتسلّط عليهم المستكبرون و الأنتهازيون بآلمقابل عبر آلمنظمة ألأقتصادية ألعالمية ألتي تُسيطر أليوم على إدارة جميع حكومات آلأرض بإستثناء ألجمهورية الأسلامية في إيران, و رغم محاولة ألفيلسوف محمد باقر الصدر(قدس) و آلأمام ألخميني(قدس) عبر تنظيرهم ألصائب و بيانهم ألأستثنائي لحقيقة منهج ألقرآن و أصل آلأصول فيه .. بجانب جهادهم ألمتواصل لأكثر من نصف قرن من أجل إنتصار ألثورة ألاسلامية و بآلتالي تحقيق ألحكومة ألأسلامية؛ إلّا أنّ مبادئ هذا آلكتاب ألعظيم خصوصاً "أصل آلأصول" ما زالت غير مُطبّقة على أرض آلواقع و في شخصية المسلم كما خططوا له, من هنا رأينا من آلواجب بيان ألهدف ألأساسي من نزول ألقرآن ألكريم كأهمّ أصلٍ في "آلمنهج ألأم" في آلمعارف ألمطروحة في آلمنتدى ألفكريّ لنُحَقق من خلاله بعون آلله؛ ذلك آلأصل و ألهدف من رسالة الأسلام عمليّاً, إنّه آلهدف ألمركزي ألذي لم تستطع بيانها ثمّ تحقيقها جميع آلمناهج ألّتي كانتْ سائدة لحدّ ألآن للأسف(2) ممّا سبّب تخلف المسلمين و دورانهم في فلك الحكام المجرمين قرناً بعد قرن.
ألمنهج ألأمّ في فهم و تفسير ألقرآن ألكريم؛
ألقرآن معجزة ألمعاجز ألخالدة و سند ألمظلومين و آلمقهورين في آلأرض, و هو آلدستور ألجامع لكافّة مبادئ ألحياة ألأنسانية ألّتي تتجاوب و تنسجم مع آلفطرة و تطور الفكر و حركة ألزّمن
إستمرّ آلعلماء طيلة ألقرون ألماضية بإلقاء ألضوء على مفاهيم ألقرآن ألكريم و تفسيره لهداية ألبشرية و توجيهم إلى آلطريق ألمستقيم لتحقيق ألحياة ألحرّة ألكريمة لنيل ألسعادة و آلكمال ألأنساني(3), لكنها لم تفلح كثيراً بسبب فقدانها لأهمّ أصلٍ في مناهجها .. إلّا أنّ بحوث ألأمام ألخميني(قدس) و آلدكتور على شريعتي و العلامة المطهري و السيد محمد حسين الطباطبائي و آلشهيد محمد باقر الصدر(قدس) و جمعٌ من معاصريهم و تلامذتهم خلال ألنصف ألثاني من ألقرن ألماضي(1950م) - كانت لها دوراً كبيراً في إحياء مبادئ ذلك آلمنهج ألعظيم .. لتتكللّ جهودهم و جهود طلابهم و مقلديهم؛ ببزوغ شمس ألثورة ألأسلامية في إيران كنظامٍ إسلاميّ عصريّ في مُقابل كلّ قوى آلشر في آلعالم لتكون منطلقاً جديداً نحو آلخير في مسار آلبشرية ألتي عانتْ و ما زالت من مآسي حروب و تسلط ألمستكبرين على مدى آلقرون و آلأزمان بسبب ألأنظمة ألوضعية ألتي لا تُلاحظ إلّا مصالحها و إدامة تسلطها على آلناس بآلكذب و آلدّجل و آلنفاق مُقابل تعبيد ألأنسان ألمستضعف و سرقة حقوقه و إهدار كرامته و حرّيته!
ألهدف قبل ألمنهج ألأم؛
قبل بيان تفاصيل ألمنهج الأم في فهم و تفسير و وعيّ آلقرآن؛ لا بُدّ من معرفة ألمقدمة ألأهمّ و هي؛ ألسبب ألأساسي من نزول ألقرآن الكريم – أيّ ألهدف:
كما يعلم أهل العلم بأنّ كلّ آية من آيات القرآن آلكريم له علّةً و سبباً تمّ على أساسه آلنزول .. و آلحال أن القرآن آلكريم كلّه لا بُدّ و أن يكون له سبباً أساسياً و جامعاً تلتقي فيه جميع الغايات التي إكتنفتها الآيات القرآنية و حتىّ مفردات القرآن الكريم, و بدون معرفة و لو ملامح ذلك آلهدف فأن قراءة القرآن أو تفسيره أو حتى التبحر في معانيه تُعدّ عبثاً لا طائل من وراءه!
فآلدراسات الحديثة .. و منها الستراتيجية بشكل خاص تؤكد؛ بأنّ كلّ برنامج و قضيّةٍ و حركةٍ لا بُدّ لها أولاً و قبل كلّ شيئ؛ تشخيص و معرفة ألغاية و آلهدف ألمراد تحقيقه قبل آلبدء بآلتفاصيل, و كلّما كان الهدف واضحاً و كبيراً كان آلسعي لتحقيقه أسهل و أفضل و بأقل آلخسائر و آلجهود, و بما أن القرآن ألكريم ألذي أقّرّه آلباري دستوراً للحياة .. لا بُدّ أن يكون من وراءه هدفٌ عظيم لا يرتقي إليه أي هدف آخر خصوصاً في المجال الأجتماعي!
لذلك لا بُدّ لنا أوّلاً من تشخيص ذلك ألهدف ألستراتيجي ألذي أقرّه الباري لإحياء ألأنسانية!
و آلهدف في آلفكر – أيّ فكرٍ – صغيراً أو كبيراً كآلقائد في الأمة .. و كآلرأس من آلجسـد!
و قد يستغرب ألبعض لو قلتُ - و أنا مُتأكّدٌ ممّا أقول: بأنّ آلهدف من آلرّسالة ألأسلامية لم يكن مُشخّصاً للأمّة و لعموم آلناس و حتى (للعلماء) أنفسهم .. إلى حين إنتصار ألثورة آلأسلامية عام 1979م, و ما زال أكثر من مليار مسلم في آلأرض مع مرجعياتهم – بآلأخص ألبعيدين عن خط أهل البيت(ع) يجهلون آلهدف آلرئيس من آلقرآن و آلرّسالة ألأسلامية, بسبب سوء و ضعف و جهل "ألمثقفين" و آلمتصدين في قيادات المراكز و آلحوزات و آلحركات ألأسلامية بأساس ألمنهج ألقرآني و رسالة الأسلام ألعظيمة رغم مرور 1400عام عليها, و بروز حركات و احزاب إسلامية إدّعت تبنيها لمنهج آلدعوة ألأسلامية لتطبيق أحكام ألقرآن الكريم كآلأخوان المسلمين و حزب التحرير بآلنسبة للمسلمين السنة و حزب الدعوة و حركة فدائي خلق و غيرهم بآلنسبة للمسلمين ألشيعة, و أستطيع الجزم بأن جميع نتاج ألكيانات المذكورة لم تتعدى تكرار محاور الفكر السلفي و النصوص بعيداً عن التجديد الفكري ألذي يتطابق مع محور الآيات "ألعقلية" أو "ألفكرية" ألتي وردتْ في القرآن .. لتُصاب الحركة الثقافية الأسلامية – أي ألفكر الاسلامي ألمعاصر – بحالة من الجمود و التقوقع بسبب ذلك التراكم و الدمج العشوائي و التطبيق آلخاطي و السلوك العملي المنحرف للمتصدين.
إنّ أهميّة معرفة الهدف من الفكر الأسلامي لا يتوقف عند هذا الحدّ, بل و يؤثر في فهم روح آلقرآن و آلرسالة .. و الذي يتزامن مع فهمنا لحقيقة الأنسان نفسه, لأنّ من عرف نفسه فقد عرف ربّه!
أو كما يقول أحد الفلاسفة؛ [ إذا عرفتَ إنساناً واحداً عرفتً كلّ البشرية].
كما أنّ آلتشخيص ألصحيح للهدف يُشخص بدوره .. و يُمهد لتنفيذ ألخطوات ألتفصلية للمنهج بشكل سليم .. و آلذي من خلاله نُحقق ذلك الهدف ألستراتيجي ألكبير من وراء الرسالة الاسلامية ككل, و آلمنهج آلأم هنا يُلقي بشكل طبيعيّ بضلاله على آلمعنى آلأساسي للقرآن و آلعلة ألغائية من تقريره من قبل الله تعالى حتّى لا تتفرّق بنا آلسبل و آلمناهج و آلتيارات لنبتعد بآلتالي عن أصل ألموضوع و غايتهُ كقرين و علامة كبرى لا تنفصل عن الأهداف ألفرعية و الخطط ألتفصيلية و السلوك الفردي للداعية و حتى العبادات الشخصية التي تصبّ و تدعم و تتجه نحو الهدف النهائي المنشود في ثنايا جميع ألنصوص و الآيات و حتى معاني الكلمات ألمفردة في المنظومة الأسلامية لتحقيق مغزى الأمانة التي أشار لها الله سبحانه و تعالى بقوله: [إنّا عرضنا آلأمانة على السموات و الأرض و آلجبال فأبين أنْ يحملناها و أشفقنّ منها و حملها الأنسان إنّه كان ظلوماً جهولاً](3)!
ألقُرآن يضمّ آلهدف مع آلوسيلة؛
لا خير ليس فقط في كتاب الله – حاشاه – بل في كلّ كتاب؛ إن لم يكن يضّمّ هدفاً مع منهجاً تحقيقياً مُتطوراً لفهم حقيقته و غايته ثم تطبيقهُ في واقع ألأنسان, فآلمنهج و آلغاية هما ألمحوران ألّلذان يُحدّدان أهميّة و شكل و إتّجاه و قوّة ألمعرفة و فاعليته و تناسبه مع فطرة آلأنسان لتحقيق آماله و سعادته و تكامله ألفردي و آلأجتماعي في ظلّ منظومة عادلة عزيزة كريمة حاكمة(4).
فآلقرآن ألكريم عندما يُشير .. أوّل ما يُشير إلى أنّ؛ ذلك آلكتاب – ذلك إشارة للتعظيم – لا ريب فيه هدىً للمتّقين(5), و تبياناً لكلّ شيئ و هدىً و رحمةً و بشرىً للمسلمين(6)؛ يمكن أنْ تُعطينا فهماً شاملاً و كاملاً للهدف ألرئيس للقرآن الكريم و الذي ترتبط به جميع الفروع و الأحكام و الأشارات و آلقصص ألتي وردت في ذلك الكتاب العظيم - ذلك الهدف العظيم ألذي لا يتحقق إلّا من خلال ألتوحيد .. ألذي به يتحقّق حرّية ألأنسان و سعادته و كماله على آلمستوى الفردي و آلأجتماعي.
و آلتوحيد لا يتحقّق إلّا من خلال حكومة الأسلام ألذي يتصدى لقيادته ألأعلم بأسرار ألدين من آلفقهاء في زمن الغيبة الكبرى للتمهيد إلى الدولة العالمية ألعادلة بقيادة الأمام المهدي(عج)(7).
إنّ معرفة ألعلّة ألغائية من آلقرآن ألكريم تُساهم في تفسير جميع آلظواهر آلطبيعيّة و غيرها بإتجاه ألهدف ألحقيقيّ من وراء خلق ألوجود و آلأنسان بآلذّاتْ طبقاً لما أراده الله تعالى, و بذلك نتجنّب تفسير أيّة ظاهرة أو حركة أو إصدار حكم مجرّداً عن معنى و حقيقة ألهدف ألذي حدّده آلقرآن!
أنّ آلتعاطي ألخاطئ أو التجزيئي مع آيات الوجود و عظمة الخلق أو في تكرار بعض ألقصص ألذي حاول كل المفسرين تفسيره على أساس آلبعد آلجمالي أو البلاغي أو ألعرفاني أو التأريخي لوحده .. أو على أساس علاقة ودّ فرديّة كما في قصّة يوسف .. أو مجرّد واقعة تأريخية كأصحاب ألأخدود أو آلرّقيم أو سنّة تأريخية عابرة كقصّة الأقوام و آلأمم ألتي أوردها آلقرآن ألكريم .. هذا التوجّه و هذا الفهم و آلتعاطي مع آلمبادئ ألاسلامية كان تنظيراً قاصراً و أحاديّ ألجانب, و سببه هو؛
عدم وضوح الهدف لدى المفسّرين و بآلتالي آلأنفصال عن أصل ألهدف, لهذا فأنّ تشخيص ألهدف آلأساسي من آلقرآن ألكريم له أثرٌ كبير في فهم و إستيعاب ألرسالة ألأسلامية أولاً ثمّ تفعيل آلأحكام ألألهية في واقع ألحياة ألأنسانية عمليّاً لتحقيق ألدّولة ألكريمة ألعادلة بدل آلأنظمة و آلمناهج ألظالمة ألأخرى, إن ما نريد بيانه هو؛ أن الأهتمام الرئيسي يجب أن يكون على مستوى آلأهتمام بآلمضمون ألقرآني و آلغاية منه و فلسفة آلأحكام الأسلامية, و لا يتحقّق ذلك إلّا بآلمطالعة و آلمتابعة و آلفهم ألواعي من خلال هذا المنهج ألذي يعتبر بمثابة أمّ آلمناهج ألمعرفيّة!
أما آلأستدلالات ألعلميّة و آلفلسفية و آلمنطقية ألأصولية ألتي إحتواها القرآن الكريم فهي ركائز و دعامات ثابثة مع تغيّر ألزّمن بإتّجاه ألهدف ألذي أشرنا له.
أمّا آلعامل ألرّوحي و آلأخلاقي و العبادي فهو المحرك و آلدافع ألذي يسوق آلأنسان نحو آلأخلاص في أداء ألأمانة بإتجاه تحقيق ألهدف أيضاً.
فقلب ألأنسان هو آلمركز و آلدليل ألذي يؤشر نحو نقاط القوة و الضعف و الخير و الشر أثناء سعيّ آلأنسان بإتجاه تحقيق ما يؤمن به.
لماذا فشل ألأسلاميّون في تحقيق هدف ألقرآن بعد 1400عام!؟
لم يُطبق الأسلام في آلحياة ألبشريّة سوى خمس سنوات فقط من خلال حكومة الأمام عليّ(ع) في الكوفة, ثم سقطت تلك آلتجربة ألعادلة بسبب مُخلّفاتٍ قاهرة و رواسب سلبيّة تجذّرتْ في نفوس أكثر المسلمين بسبب مؤآمرة "سقيفة بني ساعدة" ألتي خلّفت ألمآسي ليس فقط بين المسلمين بل في عموم البشريّة – فلو كان "الغدير"(8) واقعاً لما إختلف سيفان في آلأسلام, حيث حالت تلك المؤآمرة من وصول ولي الله علي(ع) إلى سدّة الخلافة من بعد وفاة الرسول(ص) ممّا عرّض فلسفة الحكم آلأسلامي إلى نكسة كبيرة غيّرت مسار التوحيد و الهداية بيد أسوء خلق الله من آل معاوية و آل مروان و آل زياد و آل عباس و آل عثمان حتى تغيّرت مضامين ومفهوم الأسلام لدى أكثرية المسلمين بعد ما تركوا سفينة النجاة المتمثلة بخط أهل بيت رسول الله(ص) و نظريتهم في الحكم(9).
في آلحقيقة ألعلّة كانت في مناهج آلمُفسرين و نهج آلدّعاة حين إتّخذوا مناهج مختلفة ناقصة بعد تفسير "ألعياشي" كأوّل مُحاولة من آلأمام العسكري(ع)(10) و إلى آخر تفسير للعالم مكارم الشيرازي(11) في نهاية القرن ألماضي, فجميع تلك آلتفاسير كانت تفتقر إلى تشخيص ألهدف ألرئيس من آلرّسالة ألأسلاميّة(12), لإتّخاذه محوراً أساسياً للغوص في أعماق ألعلوم و آلفنون و آلمعارف ألتي إحتواها ذلك الكتاب ألأعجازي العظيم .. لتقديم ما أمكن من الخدمات ألعملية في مسار ألحضارة ألأنسانية, و قبل الأشارة إلى حيثية ألأختلاف ألمنهجي و تلك آلحلقة آلمفقودة في آلتفاسير ألقرآنية(13) .. و ألّتي أفقدتْ بسببها ألتفاسير قوّتها و عمقها و فاعليتها في آلبشرية .. قبل هذا نشير إلى أهمّ و أبرز الأتجاهات التي كانتْ سائدة بين المفسرين لحد آلآن و هي:
أولاً: مناهج ألأسلاميين؛
1 – منهج الطبري و إبن الأثير؛ يُعتبر منهجاً تقليدياً بالياً إعتمدا على السرد و آلحشو ألغير ألعلمي و أحياناً ألغير واقعي, لأظهار ألجانب التأريخي و آلروائي إعتماداً على مذهب و إتجاه واحد, و لذلك لم يرتقيا إلى مستوى المناهج و آلبحوث العلمية التي يُمكن إعتمادها في آلنقل ألنظري ناهيك عن التطبيق العملي.
1 – ألتفسير العرفاني؛ و يُنسب إلى آلشيخ مُحي الدين بن عربي(560 – 634هـ), من كبار عرفاء آلقرن السابع, و من ألقابه؛ إبن عربي, و مُحي الدين, و آلشيخ الأكبر, من أشهر كُتبه؛ "تفسير القرآن" , " ألفتوحات ألمكية", حيث طغى على تفسيره ألجانب العرفاني ألغيبي لبيان مدى رحمة الله و عطفه على خلقه, و قد نهج الشيخ ألخواجة عبد الله ألأنصاري(قدس) نفس المنهج تقريباً في تفسيره المعروف بآلتفسير ألأدبي ألعرفاني للقرآن المجيد .. حيث لم يُشيرا للأساس الذي يوصل البشرية لمعرفة القرآن أو تطبيقه, لأنهما أساساً لم يُفكرا بذلك بسبب بعدهما عن تشخيص الهدف الأساسي من الرسالة.
2 – منهج عبد الرّزاق بن جمال الكاشاني, ألمعروف بـ (جمال الدين إسحاق الكاشاني ألسمرقندي) و الملقب بـ (كمال الدين) حيث إنتهج الجانب العرفاني ألفلسفي على تفسيره, و هو من مشاهير العرفاء في القرن الثامن ألهجري, و ممن كتبوا شرحاً لفصوص الحكم, و قد عرف تفسيرهُ بـ (تأويل ألآيات أو تأويلات القرآن).
3 – منهج ألسلطان علي شاه؛ و هو السلطان محمد بن حيدر ألجنابذي ألخراساني, ألمشهور بـ (ألسلطان علي شاه), و إمتاز تفسيره أيضاً بآلجانب الفلسفيّ ألصوفي و عاش في القرن الرابع الهجري, و عرف تفسيره بـ (بيان السعادة في مقامات العبادة), و قد طُبع عام 1965م في اربع مجلدات من قبل جامعة طهران.
4 – تفسير ألفخر الرازي؛ طغى عليه ألجانب الفلسفي, و إستخدم آلتفسير ألتجزيئي لشرح الآيات.
5 – تفسير القرطبي؛ طغى عليه الجانب ألروائي – ألمأثور من الروايات بحسب المذاهب السنية.
6 – تفسير ألزمخشري؛ طغى عليه الجانب الأدبي و اللغوي و البياني لتعزيز مذهب المعتزلة ألتي قالتْ بخلق ألقرآن.
7 – تفسير مجمع البيان للطبرسي؛ و هو آلشيخ أبو علي ألفضل بن آلحسن ألطبرسي(472 – 522هـ.ق), و قد طغى علي تفسيره ألجانب الأدبي و ألتأريخي و آللغوي و إعراب محتملات ألألفاظ و آلقرآت ألقرآنية و أقوال المفسّرين.
8 – تفسير الشاه آبادي؛ طغى عليه الجانب ألعقائدي ألأمامي.
9 – تفسير ألطنطاوي؛ و هو من علماء مصر(1287 – 1358هـ .ق) و أستاذ دار العلوم بآلقاهرة, و تفسير معروف بـ (ألجواهر في تفسير ألقرآن ألكريم), و قد ركزّ فيه على الجانب ألأخلاقي و آلمباحث العلمية, حيث طبّق 750 آية مع العلوم ألطبيعية.
10 – ألسيد إبن قطب بن إبراهيم؛ مفكر مصري من القرن الرابع عشر ألهجري, عضو تنظيم الأخوان المسلمين, إعتقل و عذّب حتى إستشهد من قبل حكومة عبد الناصر, و عرف تفسيره بآلتصوير ألفني للقرآن ألكريم و كذلك في ظلال القرآن, و ركّز في منهجه على الجانب ألأجتماعي, و رغم إنه أشار إلى مسألة الحكومة و تطبيق الاسلام إلا أن نظرية الحكم في الأسلام لم تكن واضحة لديه بسبب إنتمائه للمذهب السني ألذي يعتبر مبتوراً من ناحية الأتصال بحبل الولاية(ولاية الرسول و أهل بيته ألطاهرين بآلتسلسل) و بآلتالي بآلله كونياً.
11 – تفسير الميزان؛ تفسير معتدل من دون الشمول و آلأحاطة الكاملة.
12 – ألتفسير ألأمثل لمكارم الشيرازي؛ و هو تفسيرٌ لم يرتقى للعنوان كاملاً, حيث إنه كشف حجاباً من حجب القرآن الكريم.
و الحقيقة إن القرآن ألكريم و كما يقول ألأمام ألخميني(قدس)؛ [ليس ذلك آلكتاب ألذي نستطيع نحن أو غيرنا تأليف تفسير جامع له يحوي كافة علومه كما هي, لأنه يحوي علوماً فوق ما نفهم نحن, إننا نفهم ظاهراً منه, و وجهاً منه, و الباقي يحتاج إلى تفسير أهل العصمة, لأنهم ألمعلَّمون بتعليمات رسول آلله(ص).
ثانياً: مناهج ألمُتغرّبين؛
بتفسير ألقرآن بعد ما إعتبروا اللغة العربية كأقوى و أكمل لغة في العالم من قبل منظمة الأمم ألمُتّحدة, حيث طغى على مجمل التفاسير ألجانب ألتأريخي ألصرف في آلعرض, لهذا لا يُمكن إعتمادها كنظام, و أهمّها؛ إهتمّ بعض آلمُتغربينSimilogyبعد تطور علم ألّلغات
1 – رؤى و تفسير محمد عابد الجابري لأهمّ ألأصول و آلآيات ألقرآنية.
2 – رؤى و تفسير محمد أركون لأهمّ ألمحاور ألقرآنية.
3 – رؤى و تفسير حامد أبو زيد.
4 – تفاسير غربيّة أخرى.
و أنا أختلفُ منهجياً مع جميع آلمُفسّرين ألّذين فسّروا آلقرآن على أساس إعتقادهم بأنّ للقرآن أهدافاً أحاديةّ متجزئه و متنوعة ألمسالك و آلمشارب كما هو حال ألمتغرّبين منهم بآلخصوص .. أو إنّه يتضمّن أهدافاً مزدوجة و مُتعدّدة و مُختلفة لا ترتبط ببعضها كما هو حال ألأسلاميين منهم بوجه أخصّ .. بما فيهم أستاذنا ألسّيد ألشهيد ألفيلسوف محمد باقر ألصدر (قدس) و آلسيد محمد باقر الحكيم(قدس)(14) .. بعيداً عن حلقة آلوصل آلأساسية التي أشرنا لها, و إختلافي على ذلك معهم يعود للأسباب ألتالية؛
ألأوّل؛ هو إنّ تعدّد ألأهداف و عدم وضوحها – في أية رسالة و ليس بآلضرورة في الأسلام - يؤدي إلى آلتيه و آلضّياع و فقدان ألركيزة ألأساسية ألتي على أساسها تنتظم ألحركة و السعي و الجهاد لتطبيق المبادئ ألتي تُختزل عادة بآلهدف ألأكبر ألستراتيجي و آلبارز سواءاً في المنظومة آلأسلامية أو غيرها .. و بآلتالي ألتأثير سلباً على آلقدرات و آلأمكانات لتحقيق ذلك ألهدف الأساسي ألذي أشرنا له و هو ألتكامل ألذي لا يتحقّق إلّا من خلال تطبيق مبادئ ألمنظومة آلأسلامية ككل و بشكل عمليّ في حياة الفرد و المجتمع على حدّ سواء في ظلّ حكومةٍ إسلاميّة عادلة بقيادة فقيه ورع شجاع.
ألثاني؛ تعدّد ألأهداف يعني ضعف منطق ألقرآن و غائيته و حتىّ منهجيّته, و هذا لا يُناسب حكمة الله تعالى و صفاته و خُلقه و علمه ألذي لا حدّ و لا حدود لهُ!
ألثالث؛ فقدان ألهدف ألأساسي من آلرسالة .. خصوصاً من آلآيات ألقرآنية ألمُحكمة و هو آلتركيز على آلتوحيد عن طريق منهج أهل ألبيت(ع) دون آلمناهج ألأخرى – يعني فقدان الحكمة و العقلانية و آلأمن من الرسالة الاسلامية, و بآلتالي ألدوران في حلقات شبه مفرغة بعيداً عن تحقيق الهدف أو حتى مُجرّد معرفة الهدف من خلق الأنسان و الوجود.
إنّ جميع الآيات ألتي حثّتْ على آلعمل ألصالح أو أنذرتْ من عمل ألسوء, و جميع ألدروس و آلعبر ألتي وردتْ في آلقرآن؛ كلّها تؤشر إلى هدفٍ واحدٍ لا غير و هو توحيد ألله تعالى ألذي لا يتحقّق إلّا بآلتكامل ألذي يقترن عادةً بآلأستغناء عن آلظالمين, بل و مُحاربتهم و ذلك بآلتعاون مع الخيّرين ألموحدين .. طبقاً للتفاصيل و آلمناهج التي وردتْ في نفس القرآن و آلسنة النبوية بإعتباره ألثّقل ألآخر في آلرسالة الأسلامية.
ألمنهج ألأم في تفسير ألقرآن:
إشتهر في آلأوساط ألعلمية – خصوصاً ألحوزات العلمية – منهجان للتفسير هما؛ ألتفسير آلتجزيئي(ألترتيبي) و آلتفسير ألموضوعي(ألجامع) لكن بعيداً عن الهدف الأساسي .. منذ ما يقرب من النصف قرن, فآلبعض يفضل التجزيئي(ألترتيبي) و هو أقدم منهج يمتد منذ آلقرن الثالث عشر و إلى يومنا هذا, و البعض يفضل ألموضوعي؛ و لكلّ فريقٍ أدلّته على ذلك.
بيد أن الشهيد مُحمد باقر ألصدر(قدس) إعتبر آلتفسير ألموضوعي هو آلأمثل و آلأضمن لبيان معاني ألقرآن الكريم, و لعل هذه الأشارة رغم إنهُ يتقدم على التفسير التجزيئي ألترتيبي درجة؛ إلّا أنه في حقيقة الأمر لا يضمن هو آلآخر تقديم ألصورة ألواضحة لأساس آلقرآن من أجل تحقيقه عمليّاً في واقع البشرية المُعذبة بسبب تسلط أصحاب آلمال و الشركات عليها!
إن أيّه مُحاولة تفسيرية لمعاني القرآن الكريم مع فرضنا بقدرة المفسر الكلامية و البلاغية و العلمية و التأريخية و الأصولية .. تبقى ناقصة و مبتورة ما لم يُخضع تفسيره للمنهج آلأم ألّذي أكّدنا فيه على ضرورة التمسك بأصل آلهدف ألذي لا تكاد آية أو كلمة واحدة من كلمات الله لا ترمز له إشارةً أو كناية أو تصريحاً أو ترميزاً, فلا آلتفسير الموضوعي و لا التجزييئ و لا الترتيبي بإمكانها بلوغ ألغاية في إعطاء ألمعنى الأشمل ألصحيح و آلرؤية آلأوسع لغاية و هدف ألسورة أو آلآية أو حتى آلكلمة ألقرآنية ألواحدة .. ما لم تتحرّك ضمن إطار ألمنهج ألأم ألذي يضمن ألأطارالحقيقي وآلهدف من القرآن و آلرسالة الأسلامية, ذلك الهدف ألذي لخّصناه بآلتوحيد كأصل يتحقق في آلواقع من خلال ألمودّة لذوى ألقربى(15).
و يمكننا عرض ألمعادلة ألتاليّة لتلخيص ألمنهج آلأم في التفسير بآلشكل التالي؛
ألتفسير ألتجزيئي – ألتفسير ألترتيبي – ألتفسير ألموضوعي – (ألمُمَنهج) طبقاً للمنهج ألأم.
و تحقيق ألمنهج الأم يتطلب ألأحاطة الكاملة بعلوم اللغة و آلبيان و آلتأريخ و آلفلسفة مع إلمام بآلعلوم ألطبيعية, و بغير ذلك فلا يتحقق الهدف المطلوب من الرسالة الاسلامية, و سيكون آلتفسير ناقصاً و مبتوراً و لا يُجدي نفعاُ كما كان واقع ألحال مع المفسرين السابقين كما أسلفنا .. بل ربّما يُؤدي إلى تكريس ألأنحراف و آلمحن في آلأمّة ألأسلاميّة .. لذلك ينبغي على آلحوزة ألعلمية في قم المُقدسة لكونها آلرائدة اليوم في مجال التنظير في التخصصات و العلوم ألأسلامية أنْ تتبنى هذا المنهج لعرض تفسير شامل جامع للتخصصات العلمية ألمختلفة خصوصاً في المجال الأجتماعي و آلأقتصادي و آلأداري, طبقاً لمبادئ المنهج الأم.
و في الحقيقة لا ننكر مُحاولات بعض الباحثين كما أشرنا لأهمها آنفاً في بيان ألغاية آلكبرى و كيفيّة تحقيقهُا, لكنّها لم ترتقى للمستوى آلذي نُريد, لهذا عليهم ألتّأمل و آلبحث العميق و آلدّائم, و على "آلمنتديات ألفكريّة" أنْ تأخذ على عاتقها بجدّية هذا آلأمر لكونه ألمحور ألأساسي للحوار بين ألمُهتمين بآلمشكلة ألأنسانية ألأجتماعيّة ألمُعاصرة.
كما ينبغي للباحث أنْ لا يغيب عن باله؛ بأنّ مُجرّد ألأستعانة بـ "آلمُعجم" أو "كشف ألمطالب" كافياً لأستنباط ألمعنى ألمراد من آلآية أو آلسورة ككل .. بل كلّ ذلك تعتبر مقدّمات ترتيبيّة و بداية للدخول في آلتفسير ألموضوعي للتّعرف على آلمعنى ألظاهري للآية حتى يتسنّى لنا معرفة باطن ألآيات بعون الله.
كما تتطلب ألمرحلة ألتالية تجميع الآيات و آلسور ألتي تتحدث عن آلموضوع ألمطروح لتكون ألرؤية ألقرآنية هي آلرائدة في عملية آلبحث وصولاُ إلى حقيقة المفاهيم و الموضوعات ألتي تهم حركة الأنسان و كدحه في الوجود لتكون عملية آلتنمية الفكرية هذه محاولة عمليّة علميّة بإتجاه زيادة الأنتاج و آلوفرة و التعايش بسلام و وئام و مساواة و محبة و رفاه.
أما خطوات و مراحل ألتّفسير ألعلميّ ألموضوعيّ في آلمنهج ألأمّ فهي:
ألأولى:
جمع آلآيات ألمرتبطة بآلموضوع أو آلفكرة .. و ذلك بآلأستعانة بآلمعجم ألمفهرس لألفاظ القرآن الكريم أو بعض المواقع ألخاصّة في شبكة ألأنترنيتْ لأختصار ألزّمن, , حيث يتطلّب ألأحاطة آلكاملة و آلوعي ألمنفتح على مُجمل آلقرآن ألكريم خصوصاً رابطة ألهدف آلأساسي من نزوله مع بقيّة آلآيات ألقرآنية بمقدار آلوسع و آلتكليف, ثمّ جمع جميع ألآيات ذاتِ ألعلاقة ألمباشرة و غير ألمُباشرة نفياً و إثباتاً .. مع آلتأكيد على آلآيات ألّتي ترتبط لفظاً و نصّاً بشكل مُباشر بآلموضوع ألمراد بيانه من خلال وجهة نظر ألقرآن لتكون مداراً سليماً لأساس ألبحث.
ألثّانية:
ترتيب آلآيات و تبويبها بحسب آلأولوية – نفياً أو إثباتاً – أيّ تقسيمها حسب ألقواعد القرآنية في إستنباط معاني الآيات آلقرآنية بحسب ألمطلق و المُقيّد, ألعام و الخاص, ألصريح و آلمجازي, ألمجمل و المُبيّن, ألمتشابه و آلمُحكم, حتى تنتظم آلآيات في مواضعها بدّقة طبقاً للأصول و القواعد ألتفسيرية لتُبين بشكل أوضح ألنتائج ألتي سنتوصل إليها.
ألثّالثة:
جمع ألرّوايات و آلأحاديث و آلحكم و آلأفعال ألتي وردتْ عن ألرسول(ص) و أهل بيته ألأطهار لتكونَ كاشفاَ شفّافاً لما خفي عنّا من أسرار آلمعاني و آلمقاصد في القرآن آلكريم نفياً و إثباتاً.
ألرابعة:
إجراء ألفرز و عمليّة ألتناسب مع سنخ آلرّوايات ألواردة عن ألعترة الطاهرة, بآلضبط كما فعلنا مع آلآيات ألقرآنية, يعني ألمطلق مع آلمطلق؛ ألمُقيّد مع المُقيّد؛ ألعام مع آلخاص؛ ألمُحكم مع آلمُتشابه؛ ألنّاسخ مع آلمنسوخ؛ ألمُجمل مع آلمُبيّن .. و هكذا, و هذه آلعملية تشبه إلى حدّ بعيد ألمراحل ألتي نجريها في عمليّة ألأستنباط ألفقهي في آلموضوع ألمَبْحُوث فيه للوصول إلى آلنتائج ألصحيحة من وراء ذلك.
ألخامسة:
جعل ألنتائج ألتي نتوصل إليها من مجمل بحث آلآيات ألّتي تجمعتْ لدينا؛ لتكون كأصلٍ هامٍّ, و كذا بآلنسبة للرّوايات و آلحِكم ألمشهورة.
ألسادسة:
يتمّ فرز و تبويب ألآيات و آلروايات و دمجها حسب ألأولوية بعد آلتمحيص و آلتدقيق في أوجه آلخلاف و آلتقارب أو آلتطابق .. مع مقارنة ألنتائج ألفرعية ألحاصلة للوصول إلى آلنتيجة ألعامة آلتي يتمّ من خلالها إستنباط ألأحكام ألنهائية.
ألسابعة:
إخضاع و ربط ألتجارب ألعلميّة ذات ألعلاقة بمضون ألبحث أو الموضوع ألمُراد بيانه لتقرير آلآيات ألقرآنية, و مقارنة آلنتائج ألعلمية ألحاصلة مع مضمون آلآيات, بمعنى أنّ كل كشف علميّ لا بُد و أن يوافق آلأشارات التي وردتْ في القرآن بشأنها .. بآلطبع ألقرآن الكريم و لأنه ليس كتاباً يختص بعلم طبيعيّ أو تكنولوجي مُعيّن – حيث ترك الباري كشف آلعلوم آلطبيعية للأنسان ألذي جهزه بآلحواس أللازمة لذلك – لهذا لم يرد تفاصيل جميع القضايا العلمية أو التكنولوجية فيه .. سوى آلأشارة إلى مجموعة ليستْ بآلقليلة من آلمسائل العلمية كأدلة واضحة للخوض فيها؛ كإشارته تعالى إلى موضوع آلسفر إلى الفضاء أو قضية خلق العالم(ألبيك بنك), أو مراحل خلق الأنسان, أو مسألة الضغط الجوي و أثره في إستمرار الحياة و غيرها.
إنّ آلقرآن ألكريم كان و سيبقى دليلنا لخوض غمار و أسرار ألمجالات ألعلمية ألتكنولوجية أو الطبيّة ألمختلفة, و آلأهمّ من هذا هو ؛ كون مجمل ألقرآن كتابٌ يهتمّ بآلجانب ألرّوحي و آلنّفسي و آلآجتماعي للأنسان أكثر من أيّ مجال آخر, حيث أكّد الباري تعالى كثيراً على هذا الجانب لأهميته لهداية آلأنسان نحو آلخير و آلسلام و آلأمن و آلمحبة.
لهذا فأنّ أمهات الأكتشافات العلمية قد ورد ذكرها في القرآن من باب حثّ الناس للخوض فيها كي تكون في خدمتة و وسيلة لراحته و سعادته, لكننا نرى للأسف إن آلأستكبار العالمي و بسبب إنحراف النظام الاجتماعي ألذي يتحكم به السياسيون المُسيّرون من قبل ألمنظمة الأقتصادية العالمية قد إستخدم جانباً كبيراً من العلوم آلذرية كوسيلة لقهر و إستضعاف الشعوب و تهديدها بقوّة السلاح ألنووي ألذي بدأ يُهدّد بجدّ مستقبل ألحياة البشرية للأسف!
ألثامنة:
عدم ألخروج من مدار ألهدف ألذي شخّصناه في مُقدمة ألبحث – أيّ ألهدف من رسالة الأسلام – و آلذي أجملناه بآلتوحيد طبقاً لمنهج و خط أهل آلبيت(ع), فآلخروج من هذا آلمدار يعني ضياع أصل ألأصول في محتوى كتاب الله .. بحسب ما ورد في فاتحة ألكتاب ليكون أمّ ألكتاب .. و آلمنهج آلأم ألذي بدونه لا فائدة من آلرّسالة آلأسلاميّة كلّها.
فآلآيات المُحكمة ألتي إحتوتها سورة الفاتحة(أم الكتاب) و آلتي تُؤشر فقط لتوحيد آلله في كلّ شيئ إبتداءاً من الذرة و إنتهاءاً بأكبر مجرّة؛ هي الدليل و الهدف آلأستراتيجي ألذي بتحقيقه في وجود الأنسان يتحررّ من كلّ آلعبوديات و آلوثنيات ألقائمة في آلأرض, و ألتي تحاول عبر حكومات وضعية من إستغلال الأنسان و إستحماره من أجل تسلّطها و أهوائها.
فحتى البسلمة(بسم الله آلرحمن ألرحيم), أُعتبرتْ في فاتحة الكتاب آية من آيات آلله بعكس "ألبسملات" في آلسّور ألأخرى .. حيث يُلاحظ ألباحث ألمُحترم إعطائها ألرّقم (1) للدلالة على كونها آية منفصلة لها مغزاها و أسرارها آلتي أشار لها إمام المُتقين عليّ(ع) في إحدى روائعه, تلك آلآية وحدها يمكن أن تكون ألدلالة ألكبرى على عظمة آلقرآن و فلسفة آلخلق ألتي تبدأ بإسم الله و تنتهي بإسم آلناس ألّذين أحاطتهم ألرّحمة آلألهيّة .. لأنّه من سليمان و إنّه بسم الله ألرّحمن ألرّحيم.
أمّا دور آلعقل و آلأجماع في عملية ألأستنباط ألتفسيري للقرآن ألكريم كأصلين مُتلازمين بعد آلكتاب و آلسنة؛ فأنّهما عاملان يتداخلان ضمن آلمراحل ألثّمانية ألّتي حدّدناها في آلمنهج ألأمّ لتفسير ألقرآن ألكريم(16).
و خلاصة مباني و أسس ألمنهج ألأمّ في آلتفسير هي:
ألقرآن .. حيث يفسر ألقرآن بعضه بعضاً.
ألعترة .. كطريق واضح لا شكّ فيهم.
ألعرفان .. كإشراق إلهيّ في قلب ألمُفسر.
ألبرهان .. كدليل يُناسب ألحواس ألأنسانية, و هو من باب ألشهود و آلكشف لمداليل آيات آلله في آلآفاق و آلأنفس.
و لا حول و لا قوّة إلّا بآلله ألعليّ ألعظيم.
عزيز الخزرجي
(1) يعتبر ألإمام عليّ(ع) ألذي هو آلقرآن ألناطق؛ أوّل مُفسرٍ للقرآن ألكريم حيث بيّن و وضّح أهمّ محاور هذا آلكتاب ألعظيم من خلال عملين؛
ألأول؛ حين إعتزل آلمشاركة في آلحكومة بسبب أحداث ألسّقيفة, فَعَمَدَ إلى بيان و توضيح أسباب نزول آلقران و دلائل آلآيات, لكن آلخلفاء للأسف لم يسمحوا بنشر ذلك لأسباب معروفة, أهمّها؛ للحيلولة دون إطلاع الناس على حقيقة أكثر من 320 آية نزلت بحقّ آلأمام عليّ(ع) و أهل البيت في القرآن, مما يُثير بيان تلك آلآيات إستغراب آلمسلمين في عدم تصدّيه لرئاسة ألدّولة و هو بهذا الموقع الكوني ألالهي!؟
ألثاني؛ جاء في أقواله و بياناته ألتي جُمعتْ في كتاب نهج البلاغة, خصوصاً في خطبته المعروفة بـ "آلشقشقيّة", حيث عدّه المسلمون – أي نهج البلاغة - ألكتاب ألثاني بعد آلقرآن ألكريم.
(2) من آلطبيعي أنّ آلقرآن ألكريم قد أوضح في ثناياه حقيقة ذلك آلهدف, و إلّا فلا يُمكن أن يكون هذا آلكتاب حكيماً أو لا ريب فيه, فقد بيّنه بآيات مُحكمة و صريحة, و كذلك نهج البلاغة(ألقرآن ألناطق) , و لمعرفة حقيقة ذلك نوصي بمراجعة مؤلفات الأمام الشهيد ألفيلسوف محمد باقر الصدر و تلامذته كالفيلسوف الفقيه محمود ألهاشمي, و السيد ألفقية كاظم الحائري , هذا بجانب كتب الأمام الخميني و نائبه آلأمام الخامنئي.
(3) ألأحزاب / 72.
(3) كان آلناس على عهد النبيّ(ص) يسمعون آلقرآن و يفهمونه بذوقهم ألعربيّ ضمن مستوىً مُعيّن من آلوعي و آلفهم – لم يكن ذلك الفهم هو كل الحقيقة و الأبعاد التي تطرحها السورة أو آلآية – و كانوا يرجعون إلى النبيّ(ص) في توضيح ما يشكل عليهم فهمه, مع بعض التوضيح و التوسع و الأشارات المطلوبة و التي كانت تتناسب مع عقولهم أنذلك, و كانتْ علوم ألقرآن تتداول بآلتلقين و آلمشافهة, و بعد وفاة ألنبيّ(ص) و إنتشار ألأسلام, بدتْ بوادر خوف ألمسلمين على تحريف ألقرآن, و الشعور بعدم كفاية و ضمان ألتلقين و آلمشافهة .. خصوصاً بعد إختلاط العرب بآلأعاجم ألتي كانتْ لها لغتها و ثقافتها في الحياة و آلتفكيير, فبدأت حركةً واعيةً لضبط علوم ألقرآن لوضع و تثبيتْ سورها و آياتها و قراءتها, و قد سبق آلأمام عليّ(ع) غيره بإتخاذ تلك آلضماناتْ ليباشر إلى جمع القرآن و كتابته, فقد ذكر إبن ألنديم في آلفهرستْ؛ [أنّ عليّاً(ع) حين رآى من الناس ما رآى بعد وفاة النبيّ(ص) أقسمَ أنّه لا يضعَ على عاتقه رداءَهُ حتىّ يجمع آلقرآن, فجلس في بيتهِ أيّاماً, حتى جمع القرآن كلّه].
(4) دليلنا على هذا الأستقراء, هو؛ قصص التأريخ ألتي وردتْ في القرآن الكريم؛ كقصة الملك "تُراجان" و "دقيانوس" مع شعبهم, و عدم تمكن ألفتية ألسبعة التي آمنت بآلله و وحدته من إقامة شعائر الله حتى على المستوى الفردي, لذلك إختاروا ألأنفصال عن المجتمع لتبدأ قصة جديدة معروفة, و كانت أسمائهم؛
ـ ماكس منيانوس
ـ امليخوس
ـ موتيانوس
ـ دانيوس
- يانيوس
ـ اكسا كدثو نيانوس
ـ انتونيوس
و كذلك واقع الحال الذي حدث في العراق في عصرنا هذا؛ حيث سبّب آلنظام ألبعثي؛ مسخ آلشعب العراقي برمته بسبب النظام القومي الفاسد الذي حكّمه في نهجه, ليصل الأمر إلى ما وصل اليه اليوم من فساد و قتل و ظلم و نفاق قلّ مثيله في التأريخ ألبشري ناهيك عن الأنساني.
(5) ألبقرة / 2.
(6) ألنحل / 89.
(7) قال تعالى: [و من لم يحكم بما أنزل الله فاؤلئك .. هم آلكافرون .. هم آلفاسقون .. هم آلظالمون](ألمائدة / 44 و 45 و 47).
(8) و هي أشهر واقعة في التأريخ الأسلامي إتفق على وقوعها جميع ألمؤرّخين و آلمذاهب؛ حيث أوصى من خلالها آلرسول ألأمين بآلخلافة من بعده لوصيّه علي بن أبي طالب(ع).
(9) لمعرفة تفاصيل هذه آلمحنة التي تُعتبر من أكبر و أقسى محنة تعرّضتْ لها الرسالة الأسلامية .. يُمكنكم مراجعة ألمصادر ألموثوقة ألتالية؛ ألقرآن ألكريم نفسه(ألآيات ألمتعلقة بأهل البيت عليهم السلام), كتاب نهج البلاغة للأمام عليّ(ع), كتاب آلغدير للعلامة الأميني, كتاب ألأحتجاج للطبرسي, كتاب ألأستبصار, كتاب ألسقيفة لمحمد رضا المظفر, و كتابنا ألموسوم بـ "مُستقبلنا بين الدين و آلديمقراطية".
(10) يعتبر تفسيراً مقتضباً و ناقصاً .. لم يصلنا منه سوى جزء واحد, حيث فُقد الجزء الثاني من التفسير حسب ما عرفنا للأسف.
(11) يعتبر ألتفسير ألأمثل آخر تفسير للقرآن ألكريم .. إنتهى من تفسيره العالم الكبير آية الله مكارم الشيرازي قبل عشرة أعوام تقريباً.
(12) نستثني بحثاً واحداً حول تفسير القرآن الكريم بعنوان "ألقرآن هو آلثقل ألأكبر" لروح الله ألموسوي ألخميني(قدس), حيث كاد أنْ يُشير فيه إلى هدف القرآن ألاساسي, لكنه بيّن الموضوع بشكل أوضح في كتابه ألحكومة الأسلامية أو "ولاية الفقيه", نوصي بقراءة الكتابين.
(13) ألحلقة ألمفقودة كما أشرنا في آلمتن هي حلقة التوحيد ألتي لا يمكن أن يدخلها أحداً ما لم يُحبّ ويُوالي أهل البيت ألمعصومين(ع), بمعنى تنفيذ أوامرهم عبر آلتحلّي بأخلاقهم.
(14) باقر الحكيم, محمد (1425هـ.ق). علوم القرآن, مركز الطباعة و آلنشر للمجمع ألعالمي لأهل البيت(ع)- مطبعة ليلي, قم – إيران, ط4.
(15) قال تعالى؛ [قل لا أسألكم عليه أجراً إلّا المودة في القربى](ألشورى / 23), و أسباب نزول هذه الآية معروفة بحسب الروايات المتواترة, حيث نزلت حين رأي الصحابة ألحزن و الهم على رسول الله في آخر أيامه, فظنوا بأنّ آلرسول قد تعب كثيراَ بسبب أدائه و تبليغه للرسالة الاسلامية و قد شاب رأسه و إنّه ينتظر ألأجر من الناس على ما قدّمه لهم, لذلك هرع المسلمون و الصحابة في وقتها و جلبوا له ما أمكنهم من المتاع, عندها نظر آلرسول ألكريم إليهم ثم بكى و قال بعد ما أخبره الوحي؛ [ ... لا أسألكم عليه أجراً إلّا المودة في القربى], و قد تكرر هذا الموقف و نزلت آيات مشابهة لذلك, و كما لا يُخفى عليكم بأن مودّة أهل البيت(ع) يكون من خلال محبتهم عن طريق تطبيق أقوالهم و أعمالهم, و ليس فقط زيارة قبورهم و اللطم عليهم, فذلك لا يكفي لتحقيق المودة!
(16) إستنباط معاني السور و آلآيات ألقرآنية من المعاجم و التفاسير و الروايات و علوم اللغة يعني تفعيل دور العقل بقوّة في بيان التفسير آلأمثل, و كذا الأجماع بشرطها و شروطها في تقرير معاني الآيات.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat