صفحة الكاتب : علي جابر الفتلاوي

معرفة القرآن الكريم
علي جابر الفتلاوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
 القرآن كتاب الله المنزل على نبيه محمد(ص)،نزل منجماً على مدى ثلاث وعشرين سنةً ، هذا الكتاب السماوي تكفل نبي الاسلام  بأيصاله  سالماً  كاملاً  الى  المسلمين خاصة والى الناس عامة ، ولم يكن دور النبي التسلم والتسليم فحسب ، بل تجسدت معاني القرآن واهدافه واغراضه في حياة النبي ، بحيث  كان  النبي محمد  (ص) ، النموذج الحي والمتحرك في الحياة لتطبيق مفاهيم القرآن وتحقيق اغراضه واهدافه بصورة عملية وواقعية ، وبما يتناسب والعصر الذي يعيشه الرسول الاكرم ، بحيث استطاع محمد (ص) بحركته القرآنية الواقعية ، ان يخلق امة تسير على هدي القرآن وتتمثل معانيه الانسانية السامية ، القرآن هو النص الالهي الى الناس ، اما فهمه وتمثل معانيه فأمر متروك الى مستوى ادراك وثقافة كل انسان ، والى ظروف الزمان والمكان ، القرآن كتاب هداية للانسان ، يرسم معالم الطريق من دون ان يكبل الانسان بقيود تجميد العقل او الفكر ، بل ترك للانسان حرية تفهم القرآن والعمل بهديه ، ليصل الانسان بوسائله المتاحة وفق قدراته من عقلية وفكرية وثقافية الى غير ذلك من الوسائل ، ليصل الغاية الرئيسية وهي ان يهتدي أي ان يحيا قلبه بنور الايمان ، لان مصدر ومنبع الايمان هو القلب ، العقل والفكر والثقافة والبيئة وغيرها ادوات لبناء ايمان القلوب ، انتعاش القلب بنور الايمان هو الذي يجلب الاطمئنان والسكينة والحب والخير ، من القلب يبدأ الايمان ، وليس من العقل او الفكر ، انهما وسائل لخدمة القلب كي يشع بنور الايمان ، لا يستقر ضمير الانسان  بالعقل بل يستقر الضمير باستقرار القلب بنور الايمان ، ولادة بذرة الايمان في القلب ، تنمو وتكبر كما ينمو الطفل الرضيع ، من القلب تبدأ الدوافع الانسانية التي يدعو لها الدين ،لا يستطيع من لا يحمل قبضة من نور الايمان القلبي ان يكون انسانيا ، لا انسانية من دون قلوب خاشعة منورة بحب الله ، الحب يبدأ من القلب ، وبه يحيا الانسان ، ومن القلب تبدأ مسيرة الدين ، قال تعالى: ((أفلم يسيروا في الارض فتكون لهم قلوب يعقلون بها او آذان يسمعون بها فأنها لا تعمى الابصارولكن تعمى القلوب التي في الصدور )) 46 الحج ، نعم موطن الايمان هو القلب ، والقرآن الكريم  يؤكد على سلامة النية ، لان النية في القلب لا في العقول او الافكار ، العقل والفكر لخدمة القلب ، يبدأ الانسان رحلته الانسانية من القلب ،  معرفة  هذا  الكتاب  السماوي الذي  يريد هداية الانسان ، واحياء انسانيته وقلبه ، اصبح  ضرورة  وواجب على  كل  مسلم ومسلمة ، سواء كان هذا المسلم او المسلمة عالما او غير عالم ، لا بد وان يعرف من القرآن بمقدار قدراته وطاقته ومستواه العلمي والثقافي  ،  القرآن  هو  قرين  الحياة بالنسبة للمسلمين ، بمختلف طبقاتهم ومستوياتهم ، ومن المسلمين من يتخصص بدراسة القرآن او دراسة جانب من جوانبه المعرفية المتعددة ، التي هي منهج حياة وسلوك حي بالنسبة للمسلمين خاصة ، وللناس عامة ، لأن القرآن الكريم في كثير من آياته يكون خطابه عاما لجميع الناس ، والقرآن له دور كبير في حياة المسلم وكذلك المجتمع الاسلامي ، ولابد للباحث الاسلامي او الاجتماعي او التأريخي او أي باحث في المجالات الانسانية الاخرى ، لابد له من الرجوع الى القرآن ، لتعلق ملايين المسلمين بهذا الكتاب السماوي المقدس ، ليس تعلقا عاطفيا فحسب ، بل منهجي حياتي وروحي ، حتى الباحث غير المسلم لابد له من الرجوع الى القرآن اذا كان بحثه له علاقة بالمجتمعات العربية والاسلامية ،فالقرآن يعد مصدرا لكل باحث في المجتمع او الانسان او الوجود وحتى علوم الطبيعة ، لا ندعي ان القرآن هو كتاب علمي او اجتماعي .. الخ ، بل هو كتاب هداية فيه اشارات الى ايات الله الكثيرة في الوجود او الاجتماع او الانسان او مجالات المعرفة الاخرى ، اضافة الى ان من يمتلك فهما صحيحا ومتطورا عن المجتمع والانسان والوجود والطبيعة ، يستطيع ان يتعامل مع القرآن ، فيفهم  امورا اكثر من الاخر الجامد الذي لا يمتلك علوم العصر المتطورة ،فالعلوم الاخرى وسائل وآليات تساعد في فهم القرآن وفهم رسالة القرآن الانسانية ، فالقرآن فيه من الحقائق التي لا يكمن لاي عالم او باحث الاستغناء عنها ، لكن فهمها يحتاج الى آليات علمية متطورة ايضا ، يقول الشهيد مطهري :   
(( القرآن ليس مثل بعض الكتب الدينية التي تعرض مجموعة من المسائل الغامضة حول الله والخلقة والكون او مجموعة من النصائح الخلقية العادية ولا غير ،  حتى يضطر المؤمنون الى اخذ افكارهم ومعتقداتهم ومفاهيم حياتهم من منابع اخرى )) وانا اتفق مع الشهيد مطهري ، لكن اقول ان العلوم الاخرى فهمها والتعامل مع سلم تطورها يساعد على فهم حقائق القرآن واشاراته العلمية والاجتماعية والانسانية والوجودية والى الاشارات المعرفية الاخرى ، اضافة الى المنظومة القيمية ، لانه لا يمكن ان يدخل عالم القرآن غير المتسلح بهذه العلوم ، وفي مجالات المعرفة المختلفة وهذا الكلام يخص الباحثين والعلماء والمفكرين ، اما نحن الطبقة التي تستعين بغيرها في فهم القرآن ، فنفهم من القرآن بمقدار قاعدتنا الفهمية من ثقافة  ولغة  ومعارف اخرى ، لان القرآن كتاب هداية للجميع من دون قيد الشخصية او قيد الزمان والمكان الكل يستطيع ان يفهم من القرآن بمقدار تسلحه العلمي ، وحسب التأهيل والقدرة وبالصورة التي تولد الاطمئنان في القلب والاستقرار في النفس والروح ، اما المسلم المجتهد الذي يعتمد عليه الاخرون في فهم تكاليفهم الدينية ، فلا يمكن له الاستغناء عن القرآن ، فهو اساس استنباط الاحكام ، وهو مقدم على المصادر الاخرى ،بل تحديد صحة وسلامة المصادر الاخرى انما يكون من خلال القرآن ، فهو النبع الصافي وهو المعيار لصحة المصادر الاخرى .
القرآن هو المصدر الوحيد الذي يطمئن اليه المسلمون من ناحية صدقيته ، اما المصدر الاخر الذي يأتي بعد القرآن وهو الحديث النبوي ، فقد بدأ الكذب فيه من عهد النبي محمد (ص) ، حيث حذر الرسول الاكرم من الكذب عليه من عهد مبكر ، لدرجة انه شعر بخطر هذا الكذب فقال : (( من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار )) ، وهذا دليل على ان الكذب في الحديث بدأ في حياة الرسول ، فكيف صار الامر بعد وفاته ؟ اذ كثر الكذابون ووضاع الحديث ، خاصة في زمن معاوية اذ كان يدفع بهذا الاتجاه ، لدوافع سياسية ، بل خصص اموالاً كبيرة للكذابين ووضاع الحديث ،والائمة (ع) اشاروا الى ظاهرة الكذب هذه اذ كذبوا عليهم ايضا ، حتى انهم طلبوا من المسلمين بعرض احاديثهم على القرآن ، فمن خالف القرآن في معناه ، طلبوا بان يضرب به عرض الحائط ، هذه كلها مؤشرات على ان القرآن الكريم هو المصدر الوحيد الموثوق والذي لا يعتريه الباطل من بين يديه ، باتفاق جميع المذاهب الاسلامية ، كما انه لا مجال للشك او القول بوجود نقص او زيادة في القرآن الكريم ، او وجود تحريف او تغيير في حرف او كلمة ، فالله تعالى متكفل بحفظ القرآن الكريم ، فلا توجد نسخ من القرآن الكريم يختلف بعضها عن البعض الاخر كما هو موجود في التوراة والانجيل ، بل القرآن نسخة واحدة كما نزلت على الرسول الاكرم وباقرار جميع المسلمين ، ولا زالت نفس هذه النسخة هي المتداولة بين ايدي المسلمين الى يومنا هذا ، يقول الشهيد مطهري (( اليوم الاول لنزول القرآن ، تنافس المسلمون على تعلمه وحفظه وفهمه ، كما يتهالك الظمآن على شرب الماء وخصوصا فان المجتمع الاسلامي وقتئذ كان مجتمعا بسيطا ، ولم يكن هناك كتاب اخر لابد للمسلمين من حفظه وفهمه الى جنب القرآن )) .
سنلخص بعضا من آراء الشهيد مطهري فيما يخص قوله هذا ، هناك عوامل موضوعية ساعدت المسلم على حفظ القرآن والمحافظة عليه ، منها خلو الذهن وفراغ الفكر وقوة الذاكرة وعدم الالمام بالقراءة والكتابة ، كلها كانت الدافع الى ان تركز المعلومات السمعية والبصرية لدى الانسان المسلم وفي ذاكرته تركيزاً قوياً ، ولاجل ذلك فأن موافقة بيان القرآن مع عواطفهم واحاسيسهم ادى الى تركيزه في قلوبهم كما يرتكز الرسم المحفور في الصخر .
كما ان في حركة الرسول الاكرم (ص) في انتخاب عدد من  خواص الكتّاب عرفوا باسم ( كتاب الوحي ) ، ساعد ايضا في المحافظة على القران ، وحسبت  هذه ميزة للقران ،اذ ان الكتب القديمة لم تكن كذلك ، كتابة كلام الله من البداية تعتبر عاملا قطعيا لحفظ القران وصونه من التحريف ، اضافة  الى ان الناحية الادبية والفنية القوية للقران ، ابهرت العرب واذهلتهم ووقفوا مشدوهين امام بلاغته وفصاحته سيما وانهم  اهل البيان ، جاذبية القران القوية هذه كانت تدعو الناس بالتوجه اليه ، ولابد ان يكون القران بهذه المواصفات لانه كتاب هداية ، فلابد ان يشد الناس اليه حتى يهتدوا ، فكتاب الله هو لجميع الناس ومن مختلف الطبقات ، وهذه ميزة للقران حيث ينهل منه جميع الناس كل حسب طاقته واستعداده ، لانه كتاب هداية للجميع ، بيان القران الواضح القريب ، وفي نفس الوقت الصعب المستعصي ، هذه المواصفات جعلت من الصعب تقليده او الاتيان بمثله ، وقد تحدى القران العرب وهم اهل الفصاحة والبيان بان يأتوا بسورة من مثله او اية من مثله ، لكنهم عجزوا عن ذلك ، هذه الميزة للقران جعلته صعب بل مستحيل التقليد ، وهذا خلاف للكتب الاخرى التي يتصرف فيها المختصون ليكملوها حسب اجتهادهم وتصورهم ، اما القران فلا يجيز احد من المسلمين لنفسه التصرف فيه ،كما لا يجرؤ احد الكذب عليه ، انهم كذبوا على الرسول ، لكن لا احد يتجاوز ويستطيع الكذب على الله فيحرف او ينقص او يضيف للقران الكريم ، وقد توعد الله تعالى من يقوم بهذا الفعل بعذاب شديد ، قال تعالى : )) ولو تقول علينا  بعض  الاقاويل ، لاخذنا  منه  باليمين ،  ثم  لقطعنا  منه الوتين )) 44 ،46 سورة الحاقة
كما لا يمكن ان نتصور ان يحصل التحريف في البلدان الاسلامية البعيدة عن المدينة المنورة التي كانت مركز للصحابة وحفاظ القرآن ، وذلك بسبب تنبه المسلمين الى ذلك ، فالمسلمون منذ اواسط القرن الاول للهجرة احتملوا هذا الخطر ، لذلك استفادوا من وجود الصحابة وحفاظ القرآن ، ولتجنب أي خطأ او اشتباه ، عمداً كان او سهواً في المناطق البعيدة ، فأنهم استنسخوا نسخا مصدقة من قبل الصحابة الكبار وحفاظ القران ، ووزعت هذه النسخ من المدينة المنورة الى الاطراف البعيدة ، لذلك قطعوا الطريق الى الابد من ظهور مثل هذه الاستنتاجات او الانحرافات ، وخصوصا من قبل اليهود الذين يعتبرون ابطال التحريف .
واذ نعرض رأي الشهيد مطهري وقناعته والذي هو امتداد لرأي اتباع اهل البيت ، في نفي أي شبهة عن القران الكريم ، انما هذا تاكيد للرأي بسلامة القران من أي تحريف ونفي لاي ادعاء بالزيادة  او النقصان ، ودحض لافتراء وكذب التكفيريين والحاقدين على مذهب اهل البيت ، حيث ينسبون اليهم اموراً بعيدة عن الحقيقة ، وبعيدة عما يؤمن به شيعة اهل البيت من ادعاء بوجود نقص او زيادة في كتاب الله العزيز ، او الادعاء ان للشيعة قرآن غير هذا القرآن ، يسمى ( قرآن فاطمة ) ، هذه التقولات باطلة وتنسب الى مذهب اهل البيت بالباطل ، وتحرف عن مقاصدها وغاياتها ، رأي الشيعة لا يختلف عن رأي بقية المسلمين في ان القران كتاب الله المنزل من الله تعالى على نبيه محمد (ص) ، وهوالقران المتداول من عهد الرسول حتى يومنا هذا ، وهو منزه عن كل زيادة او نقيصة ، ومن يدعي غير ذلك فهو محض افتراء وكذب على الله تعالى .
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


علي جابر الفتلاوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/09/05



كتابة تعليق لموضوع : معرفة القرآن الكريم
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net