صفحة الكاتب : باقر جميل

لغة التعميم المفهوم والمصداق الأحزاب السياسية إنموذجا .
باقر جميل

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 لم يكن اعتباطا أن تكون المعجزة الأخيرة للخالق عز وجل ، والباقية ليوم القيامة هي عبارة عن كلمات ، لذلك ما زال التحدي باقيا في القران الكريم ليوم القيامة بأن يأُتى بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا .

الكلمات والمصطلحات العربية بالتحديد فيها تفرعات كثيرة وعديدة ، تعطيك نبذة صغيرة عن قوة اللغة العربية ، فمن أراد عن يعرف هذا الأمر بشكل أوسع فعليه بكتب اللغة كتاج العروس أو كتاب لسان العرب لبن منظور وغيرها .
من هذه المصطلحات هو (العموم)، ويقابله الخصوص، ولفظة العام في اللغة تعني (الشامل، من عمّ يعم عموماً وعاماً)، وأما في الاصطلاح فيعني (هو ما عمّ شيئين فصاعداً). والعموم لفظ يستخدم غالبا من قبل الفقهاء في أصول الفقه والكتب الفقهية ، مقابلة للخصوص كما ذكرنا ، فلكل واحد منهما عمله الخاص الذي يختلف عن الاخر بكثير من الأمور ، ولذلك يقسم العلماء العموم إلى عدة أقسام منها ما يكون العموم للعامة قطعا وبدون أي شك في تخصيصه ، ومثال ذلك قوله تعالى (وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا)، فهي عامة شاملة لكل من في الأرض لم تستثني شيء على الإطلاق ، ومنها ما يراد منه الخصوص بشكل قطعي كما في قوله تعالى (ولله عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ) فكلمة الناس يراد منها العموم ، ولكن الأمر منوط بالمسلمين فقط ، لا كل الناس بتعدد دياناتهم باعتبار ان تكليف الحج يخص المسلمين حصرا ، وكذلك قوله تعالى )مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ اللّهِ)، ويقينا أن الكبير في السن الغير قادر على الحركة غير مشمول في الآية الكريمة ، كما ان غير المسلمين غير مشمولين أيضا ، ولا الصبية أيضا ، ولا الكبار في السن الذين لا يقدرون على السير ، فلماذا صار كلام الله تعالى شاملا هكذا ؟ لان هذا الكلام المراد منه العموم بوجه التخصيص ، كما أن علماء اللغة شرحوا بالتفصيل انواع ألفاظ العموم وقالوا أنها لم تقتصر على لفظة واحدة . 
نأتي الان الى استعمالاته في المجتمع ، فقد حصل خلط عند كثير من الناس في سوء فهمه تارة ، وفي وقوعه على مصداقه تارة أخرى ، البعض يقول لا يمكن أن نطلق كلمة العموم على ألأحزاب مثلا بأنهم فاسدون ومخربون ، ولا يجوز شرعا أن نشمل الجميع بخطأ الأكثرية ، وهذا الكلام صحيح ومصدره القران الكريم أيضا ، كما في قوله تعالى (وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ ) وهذه الآية تتحدث عن أن اليهود كانوا لا يقيمون لأمانات الذين يخالفونهم في الدين أي قيمة واحترام ، وان أمانات مخالفيهم في الدين حلال لهم لأنهم شعب الله المختار ، فجاءت هذه الأية تقطع بأن هذا التصرف لم يصدر من جميع اليهود ، انما هناك فئة أو مجموعة تكون أمينة على الأمانة التي تودع عندهم .
والقسم الأخر من يحاول أن يجعل كلامه شاملا ولا يدع مساحة للتبعيض ، وهذا أمر مرفوض طبعا ، وغير صحيح ، ولكن بشرط إذا كان المقصود من كلامه هو ان هذا الشمول يعني جميع الأفراد والأشخاص بدون استثناء ، هذا الاستثناء سواء علم بحاله أم لا ، كما حصل في الآيات التي تذكر العموم ولا يراد منها التخصيص ، فان كان قصده كذلك فهذا غير صحيح ، ولكن ان كان يقصد العام المنوط بالخصوص ، فكلامه صحيح ولا غبار عليه .
في الجهة المقابلة لابد أن ينتبه الطرف الذي يُنكر على الذين يعمِمِون الفساد على جميع الأحزاب ، بأن مقصود كلام عامة المعمِمِين هو العموم غير المخصوص ،فكثرة من يقول بالعموم الغير مخصوص لا يعني أن الكل يقصد هذا المراد أيضا ، بل بالتأكيد هناك أمر عام يراد منه الخصوص ، فإن لم ينتبهوا فقد وقعوا في المحذور الذي ينذرون منه وأصبحوا يعمِمِون بدون تخصيص وهم لا يشعرون ، فالقضية تحتاج إلى حذر من الطرفين للابتعاد عن المحذور .
ومثل هذه المصطلحات متداولة ومعروفة كثيرة في المجتمع كما قلنا ، والمطالع قليلا لسيرة أهل البيت عليهم السلام يجد إطلاق العموميات في كلامهم عليهم السلام بشكل كبير في ظاهر الأمر ، ولكن يراد منها الخصوص بطبيعة الحال ، وأول ما يخطر في بالنا هو قول السيدة زينب عليها السلام عندما قالت (يا أهل الكوفة ، يا أهل الغدر والختل والغدر والمكر)، فقد شملت السيدة زينب عليها السلام كل أهل الكوفة ، ولو قال أحد انها تقصد من كان في الكوفة و لا يشمل كلامها من كان مع الحسين من الكوفيين ، فأقول أن الكثير من الشيعة لم يخرجوا للإمام ولم يلتحقوا به وبقوا في الكوفة ، بسبب أنهم في الإقامة الجبرية أو في السجون ، فهل يعني أنهم مشمولون في كلامها عليها السلام ؟ بالتأكيد لا ، فهي تقصد بطيعة الحال و وبداهة الأمر من شارك في حربه على الحسين ولو بكلمة .
كما نشاهد الأمر أكثر تعقيدا في حياة الإمام الكاظم عليه السلام في زمن هارون ، وكلنا يعلم ما هي حكومة هارون ومدى طغيانها ضد أهل البيت ، وكلنا يقول بضرس قاطع ، ان حكومة هارون ظالمة ومستبيحة للدماء ، ولكن هل يشمل هذا الكلام علي بن يقطين ، الذي شهد له المعصوم بقبول حجته ونفس الإمام و ناقته ؟ بالطبع لا . هل يشمل الأمر أكثر من خمس شخصيات بارزة تسلمت المناصب في مفاصل دولة هارون وكانوا من فقهاء الشيعة الإمامية والذين يعملون للإمام الكاظم بالخفاء ، كعلي بن يقطين الذي يعمل وزيرا لهارون ، وعبد الله بن سنان بن طريف يعمل خازن المال لدى هارون ، أو محمد بن سليمان الذي كان يعمل كاتبا لدى هارون ، أو حفص بن فياض الكوفي الذي كان قاضيا لبغداد في زمن هارون، مشمولون بقولنا أن حكومته ظالمة ومعادية وسفاكة للدماء ؟
الأمر واضح وبديهي ، ان الأمر لا يشملهم ، ومن يشملهم فهو جاهل ومأثوم ، وهذا أمر لا يحتاج الى تأمل وتدقيق فهو واضح كوضوح الشمس ، كذلك الحال في الأحزاب السياسية اليوم ، فالحكومة اليوم كانت وما زالت ظالمة للشعب بحرمانه أبسط حقوقه ، والأسباب متعددة وكثيرة ، خصوصا وان الحكومة لم تكن بيد شخص واحد كهارون ، بل هي مجتمع في مجموعة من ألأحزاب ، فيندرج الأمر على الحزب أيضا ، بان القول فيه فاشل وظالم ، فهذا يعني كمنظومة الحزب وعمله بشكل عام القابل للخصوص، أي ان الحزب غالبيته فاسدة ، خلال ما شاهدناه عند تسلمهم للمناصب ، ولا نقصد الفاسد المالي بل الإداري أيضا ، ولا يمكن أن نعلم عكس ذلك إلا بالدليل على نزاهة أحد أعضائه ، لان الصبغة التي أثبتوا عليها بأنفسهم ، هي أن أغلبية أعضاء هذا الحزب وذاك من النوع السيئ ،لذلك يطلق على أن جميع الأحزاب فاسدة بالمفهوم الصحيح المخصوص . ولكن التساوي في فساد جميع الأعضاء هو المختلف عليه ، لذلك فمن كان في الحزب شخص فاسد واحد ، يعلمون به ويقدرون على طرده ولم يفعلوا ، فهم قد شاركوه فساده، ولا يقل أحد أن علي بن أبي طالب قد أقر شريح القاضي على قضاء الكوفة ، فذاك معصوم لا يسأل عما يفعل بنحو الاعتراض وبفشل إبقائه ، على عكس غيره ، فلا نفع فيما يدعيه الحزب بأنه أقل فسادا من غيره أو أكثر ، لان العبرة تكون في عدم الفساد قدر الإمكان ، لا أن يكون قليلا أو كثيرا .
الخلاصة أن التعميم في الأمور غير التشريعية ( لان التشريعية كلامها للفقهاء) السياسية مثلا أو العشائرية ،سواء كان هذا التعميم اتهام بفساد أو أي شيء سيء ، أو التوجيه الصحيح ، والتعميم الصالح مشروط ومحكوم بضوابط ، لا يمكن تجاوزها وضرورة التنبه لها ، كما أن التعميم موجود في القران والسنة وله تفاصيله في كتب أصول الفقه لمن أراد التعمق وكتب التفسير .


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


باقر جميل
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2017/06/02



كتابة تعليق لموضوع : لغة التعميم المفهوم والمصداق الأحزاب السياسية إنموذجا .
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net