صفحة الكاتب : فلاح العيساوي

الأمير فخر الزمان والساحر طارق الهند
فلاح العيساوي
في سالف العصور، حكم ملك عادل، إحدى الممالك الكبيرة والعامرة بالبساتين والأشجار والخضرة والأنهار الجارية المنبثقة من الجبال الشاهقة عبر السهول الخضراء، وامتاز بروحه المحبة وحنانه الواسع، وكان يحب النساء كثيرا حتى امتلأ قصره العامر والكبير بالحرائر الجميلات، والجواري الملاح، ولم تشأ الأقدار أن يكون له ولد أو بنت، ولم يعبأ بهذا الأمر إطلاقا، فكان عمره تحت الأربعين سنة، وفي نظره أن الأوان لم يفته في الإنجاب، وكان الملك (الباهر) يحب التنكر والخروج إلى أسواق مدينته وشوارعها الجميلة، والاحتكاك بشعبه وأهل مملكته، وكانوا أناسًا غاية بالمرح والروح الشفافة، وهذا من أسباب العدل والرخاء، ومناخ مدينتهم المعتدل والجميل، فربيعهم شبه دائم، ولا وجود للحر الشديد، والبرد القارص!..
في أحد الأيام خرج الملك متنكرا إلى شوارع مملكته، وصار يتجول فيها كالمتسكع، وشاهد ثلاث فتيات جميلات، بهر بجمالهن وحسنهن الأخاذ لِللُّب والفؤاد، وكانت الفتيات يتحدثن بحديث استطاع الملك سماعه من أوله، إذ قالت الأولى وكانت تعجن الدقيق: أقطع عهدا على نفسي إن تزوجني الملك الباهر لعملت له قرصًا من الخبز يكفيه وجنده بأكملهم!!!...
وقالت الثانية وكانت تحوك بخيوط صوف غليظة لتصنع منها سجادة: أقطع عهدا على نفسي إن تزوجني الملك الباهر، لصنعت له من خيوط الصوف سجادة كبيرة وواسعة جدا، تكفيه وتكفي جنده للجلوس عليها!!!...
وقالت الثالثة وكانت تغزل الصوف بمغزل من الخشب: أقطع عهدا على نفسي إن تزوجني الملك الباهر، فسوف أنجب له أولا غلاما وثانيا بنتا يكونا بغاية الروعة والجمال، ويكون شعر رأسيهما، نصفه ذهب ونصفه الأخر فضة!!!...
ضحك الملك، وعلا صوته وانتبهت الفتيات الثلاث للملك المتنكر، فقال: نعم سوف أتزوجكن جميعا لكن يجب الوفاء بما قلتن!.
ضحكت الفتيات الثلاث على كلام الملك الذي كان يبدو كعابر سبيل، وقلن بلسان المستهزئ ومن أنت لتتزوج منا؟...
فقال: إنا الملك الباهر وفي الغد لنا لقاء!!!...
لم يخطر لـ (عهود) و (أماني) و (وفاء) أن هذا الرجل هو الملك الباهر، وفي اليوم التالي أرسل الملك وزيره لخطبة الفتيات الثلاث من أهلهن، وتمت الخطبة والزواج، وجلس الملك إلى نسائه الثلاث، وقال: بعد أن حققت لكن أمانيكن بالزواج مني، وجب عليكن الوفاء بما قطعتن على أنفسكن من عهد!!!...
فقالت عهود سوف نفعل، وقامت وأخذت مقدارًا من الدقيق وجعلت معه كمية كبيرة من الملح وعجنته وخبزت قرصًا كبيرا، لكن ليس بالقدر الذي يكفي الملك وجنده!!!...
وجاءت به ووضعته بين يدي الملك، ودعا الملك جنده ليأكلوا من القرص، وتقدم الجند، أكل الأول لقمة منه وترك الباقي لكثرة الملح الموجود بقرص الخبز وأتى الثاني وأخذ منه قليلا وفعل كما فعل الأول حتى أخر جندي وبقي قرص الخبز ولم ينفد!، فضحك الملك وقال: حيلة لطيفة يا عهود قد وفيتِ عهدك ِ ...
وأمرت أماني بعض الجواري فأحضرن لها خيوط الصوف الغليظة وجلست وحاكت بها سجادة، وبعد أيام جاءت بها ووضعتها بين يدي الملك وقالت هذه السجادة التي وعدت بها فأمر جندك للجلوس فوقها، فأمر الملك الجند بالجلوس فوق السجادة، واتى الجنود وجلس بعضهم، وسرعان ما نهضوا عنها، وتبين إن أماني قد وضعت في السجادة مجموعة من الدبابيس، وضحك الملك وقال: أنها حيلة العاجز يا أماني لكن وفيتِ عهدك ِ ...
نظر الملك إلى وفاء وصاحباتها وقال: الخبر بان واتضح وصدق القائل: 
دع ذكرهن فما لهن وفاء ** ريح الصبا و عهودهن سواء
يكسرن قلبك ثم لا يجبرنه ** و قلوبهن من الوفاء خلاء
فقالت وفاء: أيها الملك سوف أفي لك بوعدي والأيام القادمة هي كفيلة بتحقيق الوعد والعهد!!!...
مرت أيام أحست بها وفاء بحملها، وكانت عهود وأماني يراقبن وفاء، وأخبرت وفاء عهود وأماني بحملها وأرادت إخبار زوجها الملك، فقالت لها عهود: لا تخبريه بحملك، فقد عزم إن يقتلك إن أنجبت له صبيًا ولم يكن شعر رأسه نصفه ذهبا وفضة، خافت وفاء على نفسها وجنينها وكتمت خبر حملها عن الملك، وخلال أشهر الحمل كانت تتهرب من رؤية الملك، وجاءها المخاض وحضرت عندها عهود وأماني، وأنجبت وفاء صبيًا بغاية الروعة والجمال، وكان شعر رأسه نصفه ذهبا والنصف الأخر فضة!، لكن عهود وأماني احتالتا على وفاء وأخبرتاها أن الصبي قبيح المنظر وقد مات، واعددَتا مسبقًا صندوق خشب ووضعتا الصبي فيه وقذفته عهود في النهر المجاور للقصر الملكي، سار الصندوق في النهر إلى إن وصل لجرف النهر وأوقفته الصخور، وشاء القدر إن يقف الصندوق أمام دار مزارع يعمل في حقول الملك الباهر، وهذا الرجل كان فقيرا ولم يرزق بولد رغم السنين الطوال التي مرت على زواجه، فحمل الصندوق واتى به إلى الدار، جلس ليفتح الصندوق وجلست زوجته معه، وكانت المفاجئة لهما ذلك الصبي ذو الشعر الذهبي والفضي، فرح الفلاح وزوجه بهذه الهدية الثمينة التي بعثها القدر، واختاروا له اسم (فخر الزمان)!!!...
وبقيت وفاء حزينة لمدة، تذكرها الملك وطلبها إلى مخدعه، وصار يلاطفها ويسألها عن وفاء عهدها، اعتذرت له لكنها لم تخبره بحملها وولادتها، أما هو فأخبرها أنه لم يعد يريد وفاءها بعهدها، فأصبح شبه متيقن بأنه عقيم، وخصوصا أنه يملك أكثر من إلف جارية، وقضى تلك الليلة مع وفاء، وبعدها بأكثر من شهر أحست وفاء بالحمل، وأخبرت عهود وأماني وكالعادة لعبت عهود بعقل وفاء وقالت لها اكتمي الخبر عن الملك فإنه أصبح متأكدًا من كونه عقيم لا ينجب وإن عرف بحملك ِ فسوف يعتقد انك ِ خائنة!، وكالعادة خافت وفاء وكتمت حملها وغيبت شخصها عن زوجها الملك حتى جاءها المخاض وحضرت عندها عهود وأماني، ولدت وفاء بنتًا بغاية الروعة والجمال وكان شعر رأسها نصفه ذهب ونصفه فضة، وفعلت عهود وأماني كما فعلتا مع الصبي الأول وقالتا لوفاء أنها بنت وشكلها قبيح وقد ماتت!!!...
وشاءت الأقدار مرةً ثانية أن يقف صندوق الخشب أمام دار الفلاح، ورآه الفلاح وأخذه من جرف النهر وأتى به إلى الدار وفتحه وكانت زوجه حاضرة، ووجد البنت الجميلة داخله، وعرف من خلال الشبه إن هذه البنت هي أخت فخر الزمان، سعد الفلاح وزوجته بهذه البنت الجميلة واختاروا لها اسم (نور الصباح)، وكان شعر فخر الزمان وأخته نور الصباح يطول بمدة قصيرة بشكل غير طبيعي فيضطر الفلاح إلى قصه، وعند قصه يتحول الشعر الذهبي إلى معدن من الذهب والشعر الفضي إلى معدن من الفضة، وكان الفلاح يبيع الذهب والفضة حتى استغنى، واشترى البستان الواقع على ضفة النهر المقابلة لبستان الملك الباهر.
كبر فخر الزمان وأخته نور الصباح ، ولم يبخل أبوهما الفلاح في إغداقه عليهما بحبه وعطفه حتى عهد ابنه فخر الزمان إلى مؤدبين يعلمونه الكتابة والقراءة والحكمة والمعرفة، وعهد به إلى مدربين علموه القتال بالسلاح والرمي بالقوس والرمح وامتطاء الخيل، حتى أصبح فارسا لا يجارى، وشجاعًا لا يهاب ركوب الصعاب، أما عهود وأماني فكانتا على تقصي ما آل إليه حال فخر الزمان وأخته، وكانت عهود تخاف أن يفتضح أمرهما ويكتشف السر لدى الملك وتكون عاقبتها وضرتها أماني إلى سوء، فأتت إلى دار الفلاح متنكرة وزعمت أنها عرافة تقرأ الطالع والكف، وأخذت كف نور الصباح وقالت لها أرى إن لك ِ أخا شجاعا يركب الصعاب ولا يخاف الأهوال، وهو لا يرفض لك ِ طلبًا ولا يرد لك ِ حاجة، فأنت ِ نور عينيه، فقالت نعم صدقتِ هو كذلك، فقالت إني أراك ِ غير سعيدة، وان كمال سعادتك ِ وسرورك ِ بتلك السجادة السحرية التي يملكها الساحر الكبير (طارق الهند) !!،، قالت ومن طارق الهند؟، وأين يسكن؟، وما تلك السجادة؟، وما صفتها؟، فقالت طارق الهند هو ساحر شاب غلب جميع السحرة بقوة سحره، وقد اتخذ له قصرا جميلا على سفح جبل المروج الخضراء، أما تلك السجادة السحرية فهي اسم على مسمى، وهي زاهية الألوان، جميلة المنظر يسر الناظر إليها، ويفرح الجالس فوقها، فإن جلس عليها احد صارت تموج وتشع نورا، وتخرج منها أروع الأنغام والموسيقى، حتى يتخيل للجالس أنه يرقص طربا، ويصبح نشوانًا من غير مسكر!!!...
غادرت عهود منزل الفلاح، وجلست نور الصباح ولا هم لها غير رؤية السجادة والجلوس عليها، رجع فخر الزمان إلى الدار، وجلس إلى أخته، وشاهد على محياها علامات الهم والحزن، فسألها عن الخبر، وصارحته برغبتها بتلك السجادة السحرية، فلم يلوِ على شيئ، وخرج وامتطى صهوة جواده، وأسرع نحو كاهن المدينة وعرافها الكبير، وبادره بالسؤال عن مكان قصر طارق الهند وكيفية الوصول إليه، وأخذ السجادة منه، فقال الكاهن ارجع يا ولدي من حيث أتيت فإن الحياة غالية وثمينة ولا تهدر على سجادة سحرية وإن كان لا مثيل لها في الدنيا، وطارق الهند ساحر عظيم، وقصره حصن حصين، ليس بأسواره لكن بتلك الأفاعي الكبيرة، والتي رؤوسها رؤوس الشياطين، وأنيابها كأنياب السباع، فقال فخر الزمان أنا لها أيها الكاهن فلا بد من إحضار السجادة وحياتي فداء لأختي الغالية، لكن صف لي المكان جيدا، فقال الكاهن يا ولدي يجب أن تذهب نهارا وتكمن إلى غروب الشمس وبعد العشاء تنام تلك الأفاعي مدة ساعة، وفي هذه البرهة يجب أخذ السجادة لكن يجب إن تنتبه إلى فخاخ وضعها طارق الهند، ومنها خيوط متصلة بشجرة ذات أجراس كثيرة إن سحبت أحدثت أصواتا توقظ الأفاعي، فانطلق فخر الزمان مسرعا حتى وصل إلى قصر طارق الهند وكمن حتى الوقت المعلوم، واختطف السجادة وعاد إلى منزله بسرعة البرق، ووضعها بين يدي أخته الغالية، فأخذتها وجلست فوقها وصارت السجادة تشع نورا، وتتمايل كأنها جان، وتصدر أنغامًا وموسيقى رائعة، والبنت تتراقص فرحا وطربا، وسعد الفلاح وزوجه وفخر الزمان لسرور نور الصباح.
وعادت عهود إلى دار الفلاح، بعد أن فشلت خطتها التي رامت منها موت فخر الزمان، وقالت لنور الصباح إن أخاك ِ رجلٌ شجاع، لا يهاب المخاطر وأثبت أنه يحبك ِ ويضحي بنفسه من أجل إسعادك ِ، وعليه فإن فرحك ِ وسرورك ِ لا يكتمل إلا بعد إن يجلب لك ِ تلك المرآة العجيبة والجميلة!، فقالت وما تلك المرآة؟ وأين أراضيها؟، فقالت هي مرآة سحرية عجيبة يستطيع الناظر إليها رؤية وجهه حتى في الظلام الدامس!، وهي أيضا من ممتلكات الساحر طارق الهند، وهي معلقة على تلك الشجرة ذات الأجراس الكثيرة، فجلست تفكر بتلك المرآة، ولا هم لها غير الحصول عليها والنظر إليها، ورجع فخر الزمان إلى الدار، ووجد أخته الغالية، مغمومة وحزينة، فسألها عن سبب غمها وحزنها، ولم تتوانى في الإفصاح عن غايتها ومرادها، وأخبرته عن تلك المرآة، وعن صفاتها ومكانها، فقال لها حبا وكرامة، ما هي إلا ساعات قليلة وتكون المرآة بين يديك ِ وملكا لك ِ، وانطلق مسرعا كالبرق الخاطف، والرعد الصاعق، وسرعان ما أتى وهو يحمل تلك المرآة ليضعها بين يدي أخته الغالية، وسرت وسر الجميع لسرورها وفرحها.
وللمرة الثانية فشلت عهود في إزهاق حياة فخر الزمان، وانطلقت تحث الخطى إلى دار الفلاح، وجلست إلى نور الصباح وقالت هنيئا لك ِ ذلك الأخ المبارك الذي لا يلوي على شيئٍ في سبيل إسعادك ِ وسرورك ِ، وبقي شيئٌ واحدٌ إن أحضره لك ِ يكون هو كمال السعادة والغاية القصوى، والسرور الأعظم، فقالت وما هو؟ وأين أراضيه؟، قالت هي الشجرة السحرية ذات الأجراس الجميلة والمضيئة والتي يصل شعاعها إلى عنان السماء وصوت أنغامها إلى مسامع أهل المملكة بأسرها، وهي أيضا من ممتلكات الساحر طارق الهند، ألقت عهود كلماتها إلى نور الصباح ورحلت عنها تاركة خلفها فتاة أميرة، وإن عاشت في غير القصور الملكية لكنها تربت على الدلال والغنج، وتحقق جميع أمانيها بأخيها الشجاع، وأبيها الفلاح الذي استغنى بواسطتهم، أخذ التفكير منها مأخذه، وسيطر على مجامع لبها، ودخل الأخ الحاني، ووجدها شاردة الفؤاد، فقال لها ما سر الشرود؟، فأخبرته بخبر الشجرة، وكعادته المعهودة أسرع الأخ الشجاع، وحث الخطى مسرعا إلى تحقيق أماني أخته الصغرى، وجاء إلى الكاهن وأخبره بعزمه وما نوى عليه من فعله، فقال الكاهن يا ولدي إن إحضار الشجرة أمر بغاية الخطورة والصعوبة، فيجب نزع الفخاخ المربوطة بها، ويجب أن تأخذ معك قطنًا تجعله حشوًا في داخل الأجراس، وعند حملها لا تحدث الأصوات التي توقظ الأفاعي، سمع فخر الزمان كلام الكاهن وحرص على العمل وفق تعليماته، وانطلق مسرعا نحو غايته المنشودة، واستطاع بقوة عزمه وإصراره، إحضار الشجرة ووضعها في دارهم ونزع القطن عن الأجراس، لكن الشجرة لم تعمل كما أخبرت به عهود، فجلست نور الصباح والحزن ملازمها والرغبة في حضور عهود إليها أملها لمعرفة سر عمل الشجرة!!!...
لم تمضِ فترة طويلة حتى عادت عهود لمنزل الفلاح لترى ما تحقق من أمانيها، وفوجئت بالشجرة وتمكن الأمير فخر الزمان من إحضارها، فسارعت بالتهاني والتبريكات، وفي العين قذى وفي القلب شجا، وسألتها نور الصباح عن سر عمل الشجرة وأن الشجرة لم تعمل كما أخبرتهم، فرحت عهود وظنت أنها قد أصابت الهدف من ما مضى، من خلال ما سوف يأتي في قابل الأيام، فقالت إن الشجرة لا تعمل وحدها، وينبغي إحضار الساحر طارق الهند، فهو الوحيد القادر على جعل الشجرة تشع بالأنوار وتطلق ألحانها الجميلة عبر الأجراس،!!!...
عاد الأمير إلى الدار، ولحظ على محيا أخته العزيزة، الفرح والسرور والاستبشار، وأسرعت بإخباره عن عمل الشجرة، وطلبت منه إحضار الساحر طارق الهند، فأجابها بالموافقة، ووعدها بعدم عودته دون الساحر، وأسرع إلى الكاهن واخبره بعزمه ونيته على إحضار الساحر طارق الهند، فقال الكاهن يا ولدي وهل الساحر جماد يسرق، إن ما عزمت عليه في إزهاق روحك، وانصهار جسدك، وتحولك إلى حجارة صلدة على باب قصر الساحر طارق الهند!، فقال قد وعدت أختي الغالية، بإحضار الساحر وان كان فيها إزهاق نفسي، فلست ممن يخون العهود!!!...
فأسرع الأخ الشجاع، إلى قصر الساحر، ووقف إمام باب القصر وصاح بقوة، يا طارق الهند، يا طارق الهند، اخرج لمقابلتي، فصاح الساحر من شرفة قصره وقال من المنادي؟، وماذا يريد؟، فقال إنا فخر الزمان، وأريد أخذك إلى داري، لتعمل الشجرة السحرية، فقال طارق الهند إذا أنت من سرق الشجرة وقبلها السجادة والمرآة؟، فقال نعم أنا هو!، فقال إذا تجمد أمام باب داري وكن تمثالا مع التماثيل، ممن أرادوا التعدي على حرمتي والتجاوز على حدودي!، فتحول فخر الزمان تمثالا من الحجر شاهرا سيفه بيده!!!...
كانت نور الصباح في انتظار عودة أخيها المقدام، على أحر من الجمر، ومضت ساعات طويلة عليها، إلى حلول اليوم التالي، وباتت ساهدة لم تذق طعم النوم، وفي الصباح ارتدت ثياب الرجال وتلثمت وانطلقت إلى الكاهن، وحين مثلت بين يديه، كاشفت الكاهن عن نفسها ونسبها وأنها أخت فخر الزمان، وأخبرته أن أخاها لم يرجع إليها، وباتت قلقة عليه، فقال لها أنا على يقين أن أخاك ِ قد لقي مصير من وقف بوجه الساحر طارق الهند، ولا ريب عندي إن أخاك ِ أصبح تمثالا جميلا من الحجر الصلد، فقالت لابد من إنقاذ أخي، فكيف السبيل إلى ذلك، فقال إن فكاك أسر أخيك ِ مجازفة خطرة، لكن لا مهرب من ذلك، فعليك ِ الإسراع، واستخدام الرق والغنج واللين بالكلام مع الساحر طارق الهند، عسى إن يرق قلبه لك ِ ويرفع السحر عن أخيك ِ المسكين، وبعد إن أرشدها إلى طريق قصر الساحر انطلقت بسرعة، حتى وصلت إمام باب القصر وصرخة بصوت جميل، يا طارق الهند، يا طارق الهند، فقال من أنت ِ ؟، وماذا تريدين؟، قالت أنا نور الصباح أخت الفارس والبطل الشجاع فخر الزمان، وجرت دموعها مع نحيب، تأثر به الساحر فخرج إليها وانحنى لها، وصار يكفف دموعها، ويلاطفها إلى أن هدأت، فقصت عليه قصتها، وأتت على آخرها، فقال لها إن أخأك ِ رجلٌ شجاع يستحق الاحترام والتقدير، وأنتِ فتاة تستحقين حب أخيك ِ، وقد خاطرتِ بحياتك ِ وأتيت ِ لمواجهتي، كالفدائي المضحي بنفسه في سبيل الآخرين، وحبا وكرامة لك ِ سوف ارفع سحري عن أخيك ِ، وسوف أهدي لك ِ ما سرقه أخوك ِ مني، وأذهب معكم ضيفا عليكم لتمكينكم من تشغيل الشجرة!!!...
كان الفلاح وزوجه المسكينة، يندبون حظهم في غياب فخر الزمان وأخته، وكانت الفرحة كبيرة عند مشاهدتهم لشخص فخر الزمان وأخته وبصحبتهم الساحر طارق الهند، استمع الفلاح وزوجه إلى ابنتهم وهي تقص عليهم خبرها مع الساحر، وطيب كرمه ورأفته عليها وعلى أخيها، فشكرا صنيع الساحر وجود أخلاقه وسماحته، وقررا أن يعم فرحهما الجيران خاصة وعامة أهل المدينة، فوضعوا الشجرة والسجادة في باحة بيتهم الكبير واجتمع خلقٌ كثير، وعمل الساحر على إضاءة الشجرة وعملت أجراسها، وارتفع شعاعها إلى عنان السماء، وعلا صوت الموسيقى حتى وصل إلى مسامع الملك الباهر، وهو مستلقٍ على فراشه في غرفته، فنهض يستطلع الأمر، من خلال شرفة غرفته المطلة على النهر، فرأى الأنوار صاعدة إلى السماء وسمع أعذب الألحان والأنغام، من جهة النهر الثانية، فدعا المستشارين وأمرهم بمعرفة مصدر الضوء والموسيقى، على أقصى سرعة، وبعد برهة قليلة حضر المستشارون بين يدي الملك، واخبروه بحكاية فخر الزمان وأخته المدللة نور الصباح والساحر طارق الهند، فأمر المستشارين أن يدعوهم إلى ضيافة الملك، وتشرفهم بالجلوس معه على مائدة الغداء في اليوم التالي، ليتمكن الملك من مشاهدة أعمال الساحر الكبير طارق الهند وإكرامه وإكرام فخر الزمان وعائلته الطيبة!!!...
سمعت عهود خبر دعوة الملك لفخر الزمان وعائلته والساحر، واضطربت لهذا الاجتماع، وخافت أن يفتضح سرها وسر شريكتها أماني، ولا ريب عندها أن وفاء قد تتعرف إلى ابنها فخر الزمان وابنتها نور الصباح ، من خلال شعرهما الذهبي والفضي، فأسرت إلى أماني وجلست إليها وأخبرتها بدعوة الملك، وأصرت على قتل الجميع بما فيهم الملك والهرب من القصر بعيدا، خافت أماني من هذه الفكرة، وبعد التفكير أدركت أن لا سبيل غير تطبيق فكرة عهود، مع أن الملك الباهر كان صاحب قلبٍ كبير، وربما كان يغفر لهما عملهما القبيح!!!...
وفي اليوم التالي وقبل وقت الزوال حضر الجميع إلى قصر الملك الباهر، وأحضروا معهم الشجرة والسجادة، ومثلوا بين يدي الملك وسلموا عليه بكامل التحية والإجلال، وقام الملك بالترحيب بهم بكل عطف وإكرام، وطلب إليهم أن يقصوا عليه خبرهم بالكمال، فقصت نور الصباح خبرها مع تلك العرافة المزعومة، وقص فخر الزمان قصته مع أخته وطلباتها وأمانيها، وما فعله في سبيل سعادتها، وما وقع له في النهاية مع الساحر طارق الهند، وعادت نور الصباح لتقص عليه خبر إناقذها لأخيها وذهابها إلى الساحر وإكرامه لها وفك اسر أخيها، دهش الملك الباهر بحديث الأخ وأخته، وقال لهما أنا اعتقد أن في أمركما حيلة ما، فتلك العرافة أرادت بكما السوء، لكن قدر لكما استمرار الحياة والتنعم برزقها، فجاء المباشر وأخبر الملك بتمام مائدة الطعام، فقام الملك عند المائدة وطلب من الضيوف الجلوس إليها، وكانت المائدة وفيرة مما لذ وطاب من لحوم الطير والضأن، ومختلف الفواكه الطيبة، والأطعمة وأنواع الشراب، وكانت عهود بزيها المختلف عن زي العرافة حاضرة ومعها أماني، وقد هيئت طعاما يحبه الملك وهو المفضل لديه، وقد أمرت المباشر بوضع هذا الطعام أمام الملك وضيوفه على الخصوص دون البقية!، فأراد الملك إن يتناول منه فصاح الساحر طارق الهند بالملك وطلب منه عدم الأكل من هذا الطعام، إمتثل الملك لكلام الساحر، فالملوك سريعوا الشك وهم يبالغون بالحيطة والحذر دوما!، وسأل الساحر علام صياحه فقال أيها الملك إن الطعام مسموم!!، فقال وكيف عرفت بذلك؟، قال أنا لدي حاسة قوية بمعرفة هذه الأسرار، وان أردت التأكد فأمر المباشر إن يلقي بعض هذا الطعام إلى أحد كلاب القصر وسوف ترى قوة السم الموضوع فيه، أمر الملك بالعمل بمشورة الساحر، والتهم الكلب الطعام وصرع بلحظة واحدة، وفي الأثناء انتبهت نور الصباح إلى الملكة عهود وعرفتها بفراستها رغم لباس الملكية، فقامت بقوة من مجلسها وسقط عنها غطاء رأسها، وانكشف شعرها، وصاحت وأشارت إلى عهود قائلة أنا اعرف هذه المرأة فهي العرافة بشحمها ولحمها!، فادخل كلام نور الصباح الشك عند الملك، وقال الساحر أيها الملك إن وجه الملكة عهود والخوف البادي عليها يدل على أسرار خفية يجب كشفها، أما وفاء (الأم) المسكينة قد عرفت أن نور الصباح ابنتها من شعرها المميز، وقالت أيها الملك إن هذه الفتاة ابنتي وابنتك!، وقصت على الملك سر حملها وولادتها مرتين وأخبرته بفعل عهود وأماني، وأقرت عهود بفعلها وذنبها بعد انكشاف الأسرار، وانفضاح أمرها فلا فائدة في الإنكار ولا حيلة غير طلب العفو والسماح!!!...
كان في نية الملك، قتل عهود وأماني، لكن قلبه الرحيم والعطوف، خفف الحكم إلى السجن مع طلاقهما، وحمد الملك الباهر لطف السماء، على عودة أبنائه إلى حضنه بعد طول الفراق، وسر لوجود من يخلفه بعد موته، ويحكم بالعدل والإحسان، وعاش بقية عمره في فرح وسرور مع ولده وولي عهده الأمير فخر الزمان وابنته نور الصباح، وزوجه الوفية والطيبة وفاء. 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


فلاح العيساوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/09/14



كتابة تعليق لموضوع : الأمير فخر الزمان والساحر طارق الهند
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net