صفحة الكاتب : السيد ابراهيم سرور العاملي

نفحات رمضانية العزة الإلهية في مواقف الإمام الحسن المجتبى (ع)
السيد ابراهيم سرور العاملي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

/مجمع الامام الصدر /برح الشمالي
لم يفتأ كتاب الله عزَّ وجلَّ يبثُّ في قلب المؤمن وروحه هذا الشُّعور العظيم، الشُّعور بالعِزَّة المستمدَّة من عِزَّة هذا الدِّين وقُـوَّته، والمسْتَلْهَمة من آيات كتابه وتعاليمه، عِزَّةٌ تجعله يترفَّع عن كلِّ ما من شأنه أن يَحُطَّ من قدره، أو يُرْغِمه على إعطاء الدَّنيَّة في دينه. 
ففي العديد من آيات الكتاب الكريم، ينبِّه المولى -تبارك وتعالى- على هذه القضيَّة، والتي ينبغي على المؤمن أن يجعلها نُصْب عينيه، فلا يغفل عنها، ولا يتساهل بها؛ لأنَّ الإسلام إنَّما جاء بالعِزَّة لأتباعه والرِّفعة لأوليائه. قال الله تعالى: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ.[المنافقون: 8] (فجعل العِزَّة صِنْو الإيمان في القلب المؤمن؛ العِزَّة المستمدَّة من عِزَّته تعالى، العِزَّة التي لا تَهُون ولا تَهُن، ولا تنحني ولا تلين، ولا تُــزَايل القلب المؤمن في أحرج اللَّحظات، إلَّا أن يتضَعْضَع فيه الإيمان، فإذا استقرَّ الإيمان ورسخ، فالعِزَّة معه مستقِرَّة راسخة؛  وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ ، وكيف يعلمون وهم لا يتذوَّقون هذه العِزَّة، ولا يتَّصِلون بمصدرها الأصيل؟!).

والعِزَّة تَنْتُج عن معرفة الإنسان لنفسه، وتقديره لها، وترفُّعه بها عن أن تصيب الدَّنايا، أو تُصَاب بها، أو أن تَخْنَع لغير الله عزَّ وجلَّ أو أن تركع لسواه، أو أن تُدَاهن، وتحابي في دين الله عزَّ وجلَّ ، أو أن ترضى بالدَّنيَّة فيه، فهي نتيجة طبيعيَّة لهذه المعرفة، كما أنَّ الكِبْر نتيجة طبيعيَّة للجهل بقيمة هذه النَّفس وبمقدارها، يقول الراغب الأصفهاني: العِزَّة: منزلة شريفة، وهي نتيجة معرفة الإنسان بقدر نفسه، وإكرامها عن الضَّراعة للأعراض الدُّنيويَّة، كما أنَّ الكِبْر نتيجة جهل الإنسان بقدر نفسه، وإنزالها فوق منزلتها.
العزة الحقيقية التي لا تنفصل ولا تنفك هي عزة الإيمان وهنا ذكر الإمام الحسن الزكي (ع) مقياسًا للفرق بين العزة الصورية والعزة الحقيقية: "من أراد عزًا بلا عشيرة، وهيبةً بلا سلطان، فليخرج من ذل معصية الله إلى عز طاعته"، العزة الحقيقية عزة الإيمان، المؤمن الثابت على مبادئه عزيزٌ، عزيز عند الله، وعزيز عند الناس، لأن الإنسان المبدئي محترمٌ عند الناس، هذا إنسان ثابت، هذا إنسان لا يتغير، هذا إنسان لا يتبدل، إنسان ثابت على مبادئه وقيمه، الإنسان المبدئي عزيز عند الله عزيز عند الناس أيضًا؛ لأنه إنسانٌ ثابتٌ على مبادئه وثابتٌ على قيمه ومواقفه.

 من الواضح أن الإمام الحسن (ع) تعرّض لمواجهةٍ ومعارضةٍ وهو حي، اعترض عليه بعض شيعته وهو في حياته، اعترضوا على صلحه لمعاوية بن أبي سفيان. دخل عليه عمرو بن الحمق الخزاعي معترضًا، ودخل عليه حجر بن عدي الثائر الشهيد متسائلًا ومستغربًا، ودخل عليه بعض الشيعة وقالوا له: ليتك متَّ يا حسن ولم تصالح معاوية بن أبي سفيان! ودخل عليه أيضًا بعض شيعته وقال: السلام عليك يا مذلّ المؤمنين!

الإمام الحسن الزكي تلقى كل ذلك، وشرح لهم الأسباب بحسب الروايات الواردة عنه، ومن تلك الروايات هذه الرواية الشريفة التي تؤكّد لنا المنطلق الذي انطلق منه الإمام الحسن الزكي في صلحه معاوية بن أبي سفيان، ألا وهو مبدأ العزة، نفس المبدأ الذي انطلق منه الحسين (ع). 
الحسن بن علي أدرك أنه لو خاض الحرب مع معاوية بن أبي سفيان بذلك الجيش الخائر الضعيف، لم تكن نتيجة الحرب شهادة الإمام الحسن، لو كانت النتيجة أن الإمام الحسن يستشهد لأقدم الحسن على خوض الحرب، كانت النتيجة - بحسب تحليل الإمام الحسن لذلك الواقع المرير - أسر الإمام الحسن.
كان معاوية يهدف لهذه الفرصة الذهبية، أن يقع الحسن أسيرًا بين يديه، كان معاوية يخطّط لهذا اليوم الذي يُرَى فيه سيدُ شباب أهل الجنة - ريحانة رسول الله، خليفة المسلمين بعد مقتل أبيه الإمام أمير المؤمنين علي (ع) - أسيرًا بين يدي معاوية، وأن تأسره شيعتُه، وأن يأسره بعضُ المقرّبين منه، لذلك بذل معاوية السبل والخطط الكثيرة في أن يقع الإمام الحسن في مصيدته، أغرى كثيرًا من الطامعين والانتهازيين بأسر الإمام الحسن (ع)، وأن يسلّموه إلى معاوية سرًا، وكان يرغب معاوية أن تقع الحرب، كانت الحرب أمنتيه؛ لأن نتيجتها أن يقع الحسن أسيرًا لمعاوية بن أبي سفيان.
ولذلك ورد في الرواية الشريفة: "والله لو قاتلت معاوية لأخذوا بعنقي"، أنا لا أُقْتَل، هم يريدون هذه النتيجة، "والله لو قاتلت معاوية لأخذوا بعنقي؛ حتى يدفعوني إليه سلمًا - أي: أسيرًا - فلئن أسالمه وأنا عزيز" لاحظ مبدأ العزة، منطلق العزة الذي يركّز عليه، "فلئن أسالمه وأنا عزيز أحب إليَّ من أن يقتلني وأنا أسير"، لو كان يقتلني في الحرب لكان ذلك مفخرةً وعزةً، أما أن يقتلني وأنا أسير فهذا إذلال، "أو يمن عليَّ بالعفو، فتكون سُبَّةً على بني هاشم، لا يزال يمنّ بها معاوية وهو عقبه على الحي منا والميت"، معاوية أسير، معاوية طليق، وأبوه طليق، كلاهما وقعا أسيرين لرسول الله (ص) في يوم فتح مكة، فأطلقهما وقال: اذهبوا فأنتم الطلقاء.
فالإمام الحسن ما صالح خوفًا ولا جبنًا، وهو أحد القادة في يوم صفين. الإمام الحسن الزكي (ع) كتب إليه معاوية بن أبي سفيان، بعد أن استتبت الأمور لمعاوية ظاهرًا كتب للإمام الحسن، قال: يا أبا محمد، أنا خيرٌ منك؛ لأن الناس أجمعت عليَّ ولم تجمع عليك! فكتب إليه الإمام الحسن (ع): "إنَّ الذين أجمعوا عليك بين مكرهٍ ومطيع، فأما المكره فهو معذورٌ في كتاب الله، وأما المطيع فهو عاصٍ لله، وأنا لا أقول: أنا خير منك؛ لأنه لا خير فيك؛ فلقد برّأني الله من الرذائل كما برّأك من الفضائل".

إذن، الإمام الحسن الزكي لم يكن يعجزه منطق، ولم تكن تعييه حجة، بل كانت الحجة له، والمنطق له، فلم يكن صلحه لمعاوية خوفًا أو جبنًا أو خذلانًا أو تراجعًا، وإنما كان من منطق الحكمة والحفاظ على عزة منصب الإمامة وعزة المجتمع الإسلامي.
      والحمد لله رب العالمين

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


السيد ابراهيم سرور العاملي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2017/06/11



كتابة تعليق لموضوع : نفحات رمضانية العزة الإلهية في مواقف الإمام الحسن المجتبى (ع)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net