صفحة الكاتب : صالح الطائي

الحسن بن علي قدوة المجاهدين
صالح الطائي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

محاضرة الحسن بن علي قدوة المجاهدين

اختلف الباحثون في أصل التدين، حيث يرى البعض:
 
•    أن أصل التدين هو الإدراك الفطري لدى الإنسان الخاص بالسببية: والسببية هي:انتهاء الأسباب إلى سبب أو علة نهائية عليا...

•    أن أصل التدين هو شعور الإنسان بتبعيته إلى قوة عظمى عليا...

•    أنه حدس لا نهائي يناسب تركيبة الطبيعة البشرية...

أما الناس فيكونون متدينين عادة لأسباب متعددة، يمكن وفقها تصنيف التدين على النحو الآتي:

1ـ التدين الغرضي أو المصلحي أو البراغماتي الذرائعي النفعي:  ويعني التوجه نحو الدين بوصفه وسيلة للحصول على أشياء أخرى ذات قيمة .... على أمل أن هذا النوع من التدين قد يحقق لصاحبة مكانة اجتماعية أو اعتبارية أو وظيفية . وبهذا يكون الدافع وراء التدين هو تحقيق منفعة تهدف إلى تمجيد الذات، ويكون الوجدان الديني في هذا التدين غير ناضج ولا واضح المعالم وقابل للهزيمة بيسر.

2ـ التدين الفضولي:  ويعني التوجه نحو الدين بوصفه سَفرا دائما من أجل فهم القضايا الأخلاقية والروحية المعقدة، والمصحوب عادة بمعتقد أن الإجابات السريعة والبسيطة، خاطئة تماما، وهو نوع من التدين الفلسفي وليس العقائدي.

3ـ التدين الفطري: وهو وليد بحث الإنسان الفطري عن عقيدة يلوذ بها ورب قوي يحتمي به، قد يكون ربا حقيقيا وقد يكون حجرا أو حفنة من التمر.

4ـ التدين العقدي الإيماني الحقيقي:  وهو التوجه نحو الدين ببصيرة وسعي عميق في محاولة من الإنسان لأن يعيش إنسانيته.

يعني هذا أن مشارب الناس وعلاقتهم بالله تعالى وبالرسائل السماوية وبالأديان عموما تتأثر تبعا للنمط والأسلوب الذي اختاروه في تأسيسهم لهذه العلاقة واعتقادهم بها.

أما الدين من حيث الكلية فهو نظام مثل باقي الأنظمة، والمعروف أن هناك نوعان من المؤثرات تحدد مسار أي نظام، هي:
•    ما في النظام نفسه من قوة داخلية ذاتية.
•    مجموع المؤثرات الخارجية التي تحيط بالنظام، سواء المؤيدة أو المعارضة.
وهكذا هو حال الإسلام، فالإسلام نشأ متأثرا بقوته الذاتية وقوة المؤثرات المضادة المحيطة به، وقد أخذ شكله النهائي من شكل تلك التيارات التي صبت فيه، بمعنى أنه تأخر في توظيف قواه الذاتية، بعد أن تقمصت تلك الجهات رؤاه ومزجتها برؤاها وتطلعاتها السياسية والدنيوية، ثم سوقتها إلى الناس على أنها هي الدين المقصود. بمعنى أن العقيدة الإسلامية الصحيحة صودرت من قبل جهات داخلية لتحقيق منافع شخصية دنيوية.
وليس الإسلام وحده هو الذي تعرض إلى المصادرة فإن رسول الإسلام نفسه تعرض إلى مماحكة وسعي كبير، أراد القائمون عليه من المسلمين أن يتخلوا عن صورة (محمد) الواقعية، ليؤمنوا بصورة (محمد) الأسطورية، فحولوه إلى فحل يدور على تسع أو عشر نسوة في ساعة واحدة.
وفي ذات الوقت أبرزوا وضخموا ضعفه الإنساني، وأرادوا من الأمة أن ترى فيه رجلا له عيوب الإنسان العادي، فلم يزيلوا هالة القداسة عنه فحسب بل وحولوه من نبي عالمي إلى نبي وطني ولكنه كان يجهل أهمية تلقيح التمور مثلا، أو تبارون أمامه بالكلام المنمق فيغلبونه لدرجة أن يحكم على خلاف ما أنزل الله لأنه خدع بطلاوة وحلاوة قول أحدهم.

وحينما تتعرض الرسالة، ويتعرض الرسول إلى هذه المتغيرات لا يعد مستغربا أن تتعرض سيرة رجال الرسالة ولاسيما آل بيت الرسول إلى حملات تصادر حقوقهم وتظهرهم بغير حقيقتهم.

وهذا ما حدث فعلا في الساعة التي أسلم فيها رسول الله الروح، وحتى قبل أن يواروه الثرى، حيث:
•    أوقف العمل بالخلافة والإمامة الشرعية، وأستعيض عنه بالخلافة والإمامة السياسية.
•    أُخِّر السابقون وقُدم المتأخرون.
•    أوقف العمل بالسنة، فعُطلت الأحكام، وحلت محلها أحكام عدالة الصحابة، طاعة أولي الأمر الفسقة، عدم وجود قاعدة لانتخاب الخليفة، وحتى ولادة الحكم الذي عرف بقول: (قتل بسيف جده).
•    ثم أوقف العمل بالقرآن، قال المستشرق جولد تسيهر: (إن القرآن لم يحكم الإسلام إلا خلال السنوات العشرين الأولى)

وحتى مع شدة تأثير هذه المدخلات، وجدوا أنفسهم حينما فاجأهم صعود نجم الإمام علي جماهيريا أنهم بحاجة إلى شن ثلاثة حروب طاحنة أوهنت الإسلام وفرقت الأمة.  

ثم تمت كتابة تاريخ الإسلام وفق تلك المتغيرات الطارئة، ووفق رؤى القائمين عليها، ليس في محطاته الكبيرة الخطيرة فحسب، بل وحتى في أصغر مفاصله، ويعني هذا أننا يجب أن نتعامل بحذر شديد جدا مع أبسط معلومة تواجهنا، فهناك الكثير من المعلومات البسيطة جدا تمت صياغتها بهذا الشكل لتخدع أكبر عدد من الناس. 

لقد حصد السياسيون هذه النتائج الباهرة بعد عناء كبير بدؤوه في عصر البعثة،  وكان رسول الله(صلى الله عليه وآله) أول من تعرض إلى مكر السياسة، فاشتهرت لهم أكثر من محاولة لاغتياله؛ تكاد محاولتهم يوم (تبوك) أن تكون الأخطر من بينها.

ووفق المنهجية نفسها تم اعتراض مشروع الإسلام في إمامة علي(ع) ومن ثم اعتراض المشروع العلوي بالكامل والعمل على تسقيطه.

وكان الإمام السبط الحسن بن علي(عليهما السلام) أحد أشهر من حاربتهم تلك الجيوش في أكثر من جبهة وبأكثر من وسيلة؛ في حياته وبعد موته، ولذا لم يتركوا صغيرة ولا كبيرة في سيرته إلا ودسوا فيها وحولها أخبارا وروايات وقصصا وأكاذيب، ابتداء من ساعة ولادته وإلى يومنا الراهن
فهم لكي ينزعوا عنه صفة الصحابي ادعوا أنه ولد لأربع سنين وستة أشهر ونصف من التاريخ. وفيهم من ادعى أنه ولد لخمس سنين من الهجرة!
وهم لكي يخفوا تسميته بأمر الله تعالى، ادعوا أن الإمام علي، قال: لما ولد الحسن سميته حربا، فجاء رسول الله، فقال: أروني ابني ما سميتموه؟ قلنا: حربا، قال: بل هو حسن. ومن هذه الجزئيات تم الصعود وصولا إلى التشكيك بإمامته مدعين أنه تنازل عنها يوم الصلح.
إن التشويه الذي لحق بسيرة الإمام الحسن كان متشعبا وواسعا والحديث عنه يطول، ولكني سأكتفي بالحديث عن  موضوعين حددهما المشرفون على هذه الجلسة، وهما (الصلح) و(كثرة الزوجات)

الصلح

إن العقيدة الإسلامية في الله، والإنسان، والكون؛ هي الأصول النظرية العامة التي يعتمد عليها النظام الإسلامي عموما، سواء في المجال السياسي أو غيره.  بمعنى أن هذه الأركان هي أسس السياسة الإسلامية؛ والمتمسك بها يبقى في دائرة الدين، وهو ما جمعه الصادق (عليه السلام) بقوله: (ما من شيء إلا وفيه كتاب أو سنة)
وفق هذه الرؤية جرى تتابع الأحداث وتنوع المفاصل. فالصلح من حيث الكلية هو واحد من المناهج السياسية، ولكن مضامينه تختلف في السياسة الدينية عما هي عليه في السياسة الدنيوية. 
الصلح في منهج الإسلام والإمامة المعصومة حق مقدم على الحرب، وقد اخذ الأئمة (عليهم السلام) ذلك من قوله تعالى:{وإن جنحوا للسلم فاجنح لها} وقوله تعالى: {لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح}
ولذا تراهم يتأخرون عن الحرب، إلا أذا ما فرضت عليهم، ويتقدمون إلى الصلح، ما دام ذلك ممكنا ومتاحا؛ وفي عهده إلى مالك الأشتر (رحمه الله) قال أمير المؤمنين (عليه السلام): "ولا تدفعن صلحا دعاك إليه عدوك ولله فيه رضا، فإن في الصلح دعة لجنودك، وراحة لهمومك، وأمنا لبلادك"  

الإمام الحسن كان متمسكا بهذا المنهج الديني الأخلاقي مثلما تمسك أعداؤه بمنهج القبح في سعيهم للوصول إلى الإمارة عن طريق وسائل النذالة، وحينما استلم مهام الدين والدنيا كان مدركا لحجم وأثر هذا لصراع الخفي، لأنه عايشه خلال عمره الشريف، فالإمام: 

•    كان شاهدا على الباب الذي كسر الضلع، والنار التي استعرت لتأكل بيت آل بيت محمد(ص)
•    والإمام كان شاهدا على حفلة مصادرة حق أبيه يوم السقيفة
•    وشعر بلوعة فراق المحبوب يوم ودع أمه ليلا، وحرم من زيارة قبرها نهارا.
•    والإمام عاش مرحلة اعتزال الفوضى في عصر الخلفاء الثلاثة.

•    وكتب عليه أن يخوض مع والده وأعوانهم  ثلاثة حروب شرسة، استهدفت العقيدة والفكر ومنظومة الأخلاق والقيم.

•    وأخيرا وليس آخرا، اضطرته الأيام ليجلس قبالة قاتل أبيه ينتظر أن يوقع فيه حكم الله لا أكثر.

•    وفي آخر المراحل أضطر لأن يمسك بالخيوط التي تجمع جماجم العرب ليتحكم بمصيرها.
 
هكذا وبهذا الثوب تهيأ الإمام الحسن ليتولى مهامه الشرعية... 

وفي الجانب الآخر كانت هناك مجاميع من المتربصين: 
•    استغلوا التزام علي(ع) بالشروط، فأخلوا بها وبدئوا ببناء جيش قوي له قدرة التصدي لجيش الدولة والانتصار عليه. 
•    ثم بنوا جيشا آخر وزرعوه في صفوف جيش وشعب الدولة، حيث كانت الكوفة والبصرة تمور بهؤلاء الأعداء. 
•    ضخوا كل ما في بيت مال الشام وهو كثير لشراء الذمم مستغلين عدالة علي والتزامه بأسلوب التوزيع الشرعي للثروة، فكسبوا جل أهل الأمصار، وحيدوا غيرهم واشتروا الذمم.
•    تحركوا بجيوشهم الجرارة ومعداتهم الحربية في الأسبوع الأول لمبايعة الإمام الحسن، وتحديدا في اليوم الثامن للبيعة، ونزلوا جسر منبج على حدود الدولة.
•    تمكنوا من زعزعة أركان الدولة الحسنية الفتية عن طريق الإغراء والمال.

وهذا لا يعني أنهم كانوا واثقين من النصر، فما واجهوه في حروبهم الثلاث التي شنوها على سلطة الدولة الشرعية،  تمكن من تغيير عقائدهم وعقائد أتباعهم ومؤيديهم في الحرب، وأوصلهم إلى درجة اليقين أن أي حرب جديدة تشبه تلك الحروب الثلاث، ستؤدي إلى هزيمتهم إلى الأبد، ومن هنا أصابهم الاسئذاب والتوحش، وجاء تصميمهم على خوض الحرب الأخيرة بأسلوب حرب الإبادة التي لا تبقي ولا تذر، أي خوض حربٍ قذرة بدون أخلاق ولا قيم ولا رجولة ولا فروسية. 
وقد كان الإمام الحسن مدركا لهذا الواقع وعلى يقين أن دخوله الحرب والاستمرار بها سيحقق بعض تلك التوقعات، وهذا ما يتضح من قوله: (كانت جماجم العرب بيدي يسالمون من سالمت ويحاربون من حاربت فتركتها ابتغاء وجه الله وحقن دماء المسلمين)
أما غالبية أتباعه فلم يكونوا قد فهموا اللعبة بعد، فأراد استغلال يوم البيعة ليستوضحوا ذلك....
جاء في الكامل في التاريخ أن أول من بايعه هو قيس بن سعد الأنصاري الذي قال له: (مدّ يدك أبايعك على كتاب الله وسنة نبيه وقتال المحلّين ... فقال الحسن: بل على كتاب الله وسنة رسوله، فإنهما يأتيان على كل شرط)  فبايعه الناس، وكان الحسن يشترط عليهم: أنكم مطيعون تسالمون من سالمت وتحاربون من حاربت. أي أنه بقوله ذلك أخرجهم من خصوصية التحديد إلى عمومية الانفتاح بالاعتماد على الكتاب والسنة التي تنضوي فيما تنضوي عليه على الصلح وعقد الاتفاقيات.

ومما لا خلاف عليه أن الإمام الحسن نفسه رأى في الحرب مع رجل عنيد متغطرس لا يردعه رادع عن تحقيق مآربه الدنيوية مثل معاوية مفسدة كبيرة لأن الحرب مع هذا العناد سوف تطحن المسلمين طحنا لأنها كانت تمثل الفرصة الأخيرة للجانبين، معاوية كان يريد أن يعلن عن دولته والحسن كان يريد الحفاظ على بيضة الإسلام..
وأن خير ما تتمخض عنه ممكن أن يَقسم الأمة إلى قسمين متناحرين؛ سواء انتصر معاوية في النزال، أم بقي الأمر كما هو عليه، بما يشبه انقسام الأمة إلى رعايا يحكمهم منهجان مختلفان في دولتين بنفس الاسم والعقيدة، واحدة في الكوفة والثانية في الشام فيضيع الإسلام.

وفق هذه المعطيات كان الإمام الحسن قد تهيأ للحرب، وخرج فعلا ليس لأنه لا يعرف نتائجها وإنما لكي يلقي الحجة على الناس، وفي طريقه من الكوفة إلى المدائن انهارت الكثير من دفاعاته وتعرض للاغتيال وكان سيقتل لولا موقف همدان الكرام. وهنا برز الصلح كخيار لا خيار أفضل منه، وأقتنع بذلك بعض المقربين منه ممن كانوا يرفضون الصلح ابتداءً.

معاوية نفسه بالرغم من شدة دفاعاته واستعداده لهذه اللحظات التاريخية كان مهزوزا مهزوما يتوسل الصلح ويتمناه، ولكن الإمام الحسن كان يرفض لكي يقنع الناس بصواب منهجه، فلما تأكد من إدراك الناس لهذه الحقائق أعلن موافقته على الصلح وفق شروط، وهو يعلم تمام العلم أن معاوية لن ينفذها.
 معاوية من جانبه أرسل إلى الحسن بصحيفة بيضاء مختوم على أسفلها، وكتب إليه: (أن اشترط في هذه الصحيفة التي ختمتُ أسفلها ما شئت فهو لك)

آخر ما أريد الإشارة إليه بشأن الصلح هو أن الصلح حفظ الإسلام وأبقاه، إذ لو وقعت الحرب لكان الإمام والطالبيين الذين معه ابتداء من الحسين وصولا إلى أصغر هاشمي  قد قتلوا عن بكرة أبيهم لكي يتخلص السياسيون من خطرهم، وهذا يعني تسيد الفكر الشامي، وتحول عقيدة الشام المنحرفة إلى دين. وقد أتاح الصلح للعقيدة أن تتعافى بحيث أصبحت قادرة على تلقي صدمة إبادة جيش الحسين في كربلاء، فخرجت من المواجهة وهي أقوى وأكثر إصرارا على المواصلة، وها أنتم تروها اليوم وترون صمودها وعنادها.

كثرة الزيجات

الموضوع الآخر الذي سنتحدث عنه هو زيجات الإمام، وكنا قد تحدثنا في المقدمة عن سعيهم الحثيث لتشويه الصورة النقية لأئمة أهل البيت، والحديث عن الزواج هو أحد الأجزاء المهمة جدا من مشروع التشويه

ما أريد قولة ابتداء بخصوص أكذوبة كثرة زوجات الإمام الحسن بضعة مقدمات لأدخل من خلالها إلى صلب الموضوع، وهذه المقدمات هي:  
•    أن الزواج في الفقه الإسلامي سنة، قال النبي (ص): "النكاح سنتي فمن رغب عن سنتي فليس مني".
•    أن شريعة الإسلام أقرت الزواج لإتمام الدين، قال النبي (ص): "من تزوج فقد أحرز نصف دينه فليتق الله في النصف الثاني". 
•    أن الزواج من أعاظم أبنية الإسلام، قال النبي (ص): "ما بني في الإسلام أحب إلى الله من التزويج".
•    في تطبيقهم للسنة كان أئمة أهل البيت (عليهم السلام) يختارون أوسط الأمور تبعا للقاعدة الفقهية التي استنبطوها: (لا إفراط ولا تفريط، وإنما أمر بين أمرين) وهو المشهور عنهم في كل حياتهم؛ بما فيها الزواج. 
•    أن المؤمن يتزوج ليرضي الله سبحانه ولذا تراه يبحث عن (ذات الدين) التي أوصاه النبي بها لتترب يداه. 
•    وضع رسول الله الجنة تحت أقدام الأمهات ولم يضعها تحت أقدام العاهرات، أو اللواتي يتزوجوهن لقضاء الوطر وقضاء المتعة ثم يطلقوهن ليتزوجن من جديد ثم لا ينلن فرصة للإنجاب.
•    أن الزواج بأكثر من واحدة كان فاشيا في ذلك المجتمع على أن لا يزيد عدد الزوجات الحرائر في عصمة الرجل في المرة الواحدة على أربع، مع ملاحظة أن في فقه مدرستنا يتوجب على المتزوج بأربع  إذا ما طلق واحدة أو أكثر من زوجاته أن لا  يتزوج قبل انقضاء عدتها.
•    أن رسول الله (ص) وغالب الصحابة جمعوا أكثر من أربع زوجات، وتزوجوا بأضعاف هذا العدد بدءاً من الخلفاء ووصولا إلى عامة الناس؛ وفي الروايات أن الإمام علي (عليه السلام) مع ما كان عليه؛ تزوج بعد موت فاطمة (عليها السلام) تسع حرائر؛ وكان له ثمانية عشر من أمهات الأولاد، وأنه يوم استشهد كان عنده أربع حرائر هن: أمامة بنت أبي العاص، وليلى بنت مسعود التميمية، وأسماء بنت عميس الخثعمية، وأم البنين فاطمة بنت حزام الكلابية. 
•    ثبت في الروايات أن الإمام علي (عليه السلام) كان يبحث عن نساء يلدن له رجالا يقاتلون في سبيل نصرة لدين الله؛ لا للمتعة وقضاء الوطر، وقصته مع أخيه عقيل معروفة لديكم. 
•    أن الإمام علي (عليه السلام) كان يبحث بنفسه عن زوجات لأولاده الحسنين، ولو كانا كلاهما، أو كان احدهما مزواجا مطلاقا لما فعل ذلك.!

مع كل هذه المقدمات، ومع أن الإمام الحسن هو أوحد المسؤولين عن تنفيذها في زمانه، قال المؤرخون والكتاب عن عدد المرات التي تزوج بها أو عدد النساء اللواتي تزوجهن في حياته القصيرة التي قضاها إما تلميذا عند جده وأبيه ينهل عنهما ومنهما العلم، وإما مجاهدا في سبيل الله مع أبيه في حروبه ضد الناكثين والقاسطين الباغين والمارقين، وإما حاجا سيرا على الأقدام وإما معتكفا في داره لا يقوم من دسيسة سم حتى يقع في أختها؛ قالوا الكثير وغير المعقول بل والمستحيل.
فقال المقدسي في البدء والتاريخ إن الحسن:"كان أرخى ستره على مائتي حرة"  وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء: "وكان منكاحا مطلاقا تزوج نحوا من سبعين امرأة، وقلما كان يفارقه أربع ضرائر".  وقال ابن عساكر: "تزوج سبعين امرأة، وفي رواية أنه أحصن تسعين امرأة".
أما هذه الروايات وتلك الأعداد فالملاحظ أنها جاءت على لسان مؤرخين من أتباع مدرسة الخلفاء حصرا، وأشهر رواياتها جاءت عن طريق علي بن محمد المدائني (135ـ 225هـ/752 ـ 840م)، وهو بصري سكن المدائن ـ طيسفون. قال عنه "أيلرلنغ ليدوك بيترسن": (إن المدائني كان مولى لبطن من بطون عبد شمس بن عبد مناف التي تنتمي وترجع إلى مدينة البصرة، وهي عبارة عن تفرع من الأمويين) وعن المدائني الأموي أخذ ابن عساكر والمقدسي وابن سعد والسيوطي وآخرون غيرهم قصص كثرة الزوجات. وقد بالغوا بالأرقام بشكل يفوق قدرة الإنسان مهما كان طبيعيا، وهذا ليس غريبا عليهم فمن يروي في الصحاح أن رسول الله كان يدور على إحدى عشرة امرأة من نسائه في الساعة الواحدة باعتبار أنه كما قالت السيدة عائشة: (أوكلكم يملك إربة مثل رسول الله؟ إن الله أعطاه قوة ثلاثين رجلا).

وبالتالي يتبين وبشكل واضح مما أورده ابن سعد وغيره أن عقول أعداء الإمام الحسن كانت محصورة في اطر سياسية خالصة، وان كل سلوكهم وتفكيرهم كان محصورا في السياسة وحدها، بما لم يدع مجالا للدين أو للقيم والأخلاق والصدق والنزاهة أن تجد مكانا في تلك العقول. 
وأن السياسيين نجحوا في التأثير في المؤرخين فجعلوهم يكتبون ما يريدونه. ومع انه من المفروض بالمؤرخين الذين جاؤوا بعد هؤلاء أن يمتحنوا النصوص قبل نقلها، إلا أن امتداد أثر الدفع السياسي بدا ظاهرا حتى على المتأخرين منهم؛ حيث نجد السيوطي بعد تسعة قرون يأخذ بما نقله ابن سعد على أنه قول الإمام علي: (حتَّى خشيت أنْ يكون يورثنا عداوة في القبائل) ولا يكتفي به وإنما يضيف إليه اسم القبيلة التي ينتسب إليها من ادعوا أنه رد على الإمام علي (عليه السلام)، حيث تبين ـ حسب السيوطي ـ أنه من قبيلة همدان بالرغم من أن ابن سعد لم يورد هذا الاسم، ولكن السيوطي قال بملء فيه: "وأخرج ابن سعد عن جعفر بن محمد، قال: قال علي: يا أهل الكوفة لا تزوجوا الحسن فإنه رجل مطلاق، فقال رجل من همدان: والله لنزوجنه، فما رضي أمسك، وما كره طلق"
أي أنهم ادعوا بأن أهل الكوفة لم يسمعوا نصيحة علي (عليه السلام)، بل وتحدوه بأنهم سيبقون يزوجون الحسن ببناتهم ليلهو معهن ويستأنس بجمالهن؛ (كل ذاك ابتغاء في صهر رسول الله) كما تقول الرواية. وما يستنتج من هذه الرواية الموضوعة أن الحسن (عليه السلام) كان كثير الزواج كثير الطلاق في الكوفة التي عاش فيها ثلاث سنوات مفعمة بالمؤامرات والحروب والسفر والجهاد، وهذا وحده دليلا كافيا لنفي هذه التهمة وتقويض تلك الروايات من جذورها.
وبسبب هذه الرواية وأخواتها من الموضوعات تحولت قصص زواج الإمام الحسن (عليه السلام) إلى موارد شائبة ينهل منها المحب ظنا منه انه يخدم قضية الحسن؛ ويلغ فيها المبغض ظنا منه أنه يسيء إليه، فلا المحب وفّاه حقه ولا الشانئ أطفأ نوره، وكلاهما أساء إليه من حيث يدري أو لا يدري، ففي تتمة القصة المختلقة عن رد الهمداني على أمير المؤمنين علي (عليه السلام)؛ ادعوا أن رد الهمداني المنمق أسعد عليا فنسى أنه قسيم الجنة والنار بالنص، فارتجل قائلا:
ولو كنت بوابا على باب جنة    لقلت لهمدان ادخلوا بســـلام

فضلا عن ذلك بينت قصصهم الموضوعة أن الحسن كان يختار من كل عشيرة امرأة ليتزوجها وكأنه يريد أن ينشئ جامعة العشائر والقبائل العربية، أو انه يريد إفساد الود بين أبيه والقبائل العربية كلها، فمنقرية، وكلبية، وثقفية، وعلقمية، وسبيعية وشيبانية، وتيمية، وخثعمية، وقرشية، وكندية، وقضاعية، وفزازية، وقيسية، وتميمية، وأنصارية، وبجلية، وهمدانية، وفارسية، ومن قبائل أخرى نجهل أسماءها. وأسأل هنا: إذا ما كان الهمداني قد تحدى عليا ولم يأخذ بأمر منع تزويج الحسن لأن همدان تحب أهل البيت؛ هل يعقل أن رجال جميع تلك القبائل العربية كانوا على القول نفسه، فلم يأخذوا برأي علي، فرضوا بتزويج بناتهم إلى الحسن بن علي بالرغم من علمهم انه سيطلقهن بعد يوم أو أكثر، وبالرغم من أن فيهم من لم يكن يهوى أهل البيت مثل قوم الأشعث والخوارج وغيرهم؟

إن من الحقائق التي تدحض خرافة كثرة الزوجات أنه حتى مع إباحة الإسلام لكثرة الزواج إلا أن تحول الزواج إلى هوس جنسي يحط من قيمة المرء مهما كان عظيما، ليس بثقافة عصرنا الراهن بل حتى بثقافة تلك العصور، وهذا ما لا يصح على الإمام الحسن، هذه الشخصية التي نالت تسديد الله وحب رسوله، جاء عن حذيفة بن اليمان قال: (بينا رسول الله (ص) على جبل احد في جماعة من المهاجرين والأنصار إذ أقبل الحسن بن علي (ع) يمشي على هدوء ووقار، فنظر إليه رسول الله؛ فرمقه من كان معه، فقال له بلال: يا رسول الله ما ترى أحدا بأحد؟ فقال: إن جبرائيل يهديه وميكائيل يسدده، وهو ولدي والطاهر من نفسي، وضلع من أضلاعي، هذا سبطي وقرة عيني بأبي هو. وقام وقمنا معه وهو يقول: أنت تفاحتي وأنت حبيبي وبهجة قلبي، وأخذ بيده فمشى معه).
وﻋﻦ ﺃﻧﺲ ﺑﻦ ﻣﺎﻟﻚ ﻗﺎﻝ: (ﺩﺧﻞ ﺍﻟﺤﺴﻦ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﺒﻲ (ص) ﻓﺄﺭﺩﺕ ﺃﻥ ﺃﻣﻴطﻪ ﻋﻨﻪ، ﻓﻘﺎﻝ (ص): "ﻭﻳﺤﻚ ﻳﺎ ﺃﻧﺲ، ﺩﻉ ﺍﺑﻨﻲ، ﻭﺛﻤﺮﺓ ﻓﺆﺍﺩﻱ، ﻓﺈﻥ ﻣﻦ ﺁﺫﻯ ﻫﺬﺍ ﺁﺫﺍﻧﻲ، ﻭﻣﻦ ﺁﺫﺍﻧﻲ ﻓﻘﺪ ﺁﺫﻯ ﷲ).
ومن كلام لأمير المؤمنين لابنه الحسن في وصية طويلة: (ووجدتك بعضي، بل وجدتك كلي، حتى كأن شيئا لو أصابك أصابني، وكأن الموت لو أتاك أتاني، فعناني من أمرك ما يعنيني من أمر نفسي).

هذا هو المظهر الطبيعي للحالة، وهذه هي حقيقة الإمام الحسن، أما المظهر المشوه فتجده في روايات الذين أرادوا الإساءة للإمام الحسن(ع) من خلال حديثهم عن كثرة الزوجات وإدعاؤهم أنها ألحقت به تصاغرا (حاشاه الله) ولهم في ذلك روايات كثيرة منها
•    عن ابن سعد في طبقاته: (أن عليّاً مرَّ على قوم قد اجتمعوا على رجل، فقال: من هذا؟ قالوا: الحسن. قال: طحن إبل لم تُعوَّد طحناً، إنَّ لكل قوم صُدّاداً وإنَّ صُدادنا الحسن)........... والصداد: دابة صغيرة من جنس الجرذان.
•    وروي عن المسيَّب بن نجبة، قال: "سمعت عليّاً يقول: (ألا أُحدِّثكم عنِّي وعن أهل بيتي؟ أمَّا عبد الله بن جعفر فصاحب لهو، وأمَّا الحسن بن علي فصاحب جفنة وخوان فتى من فتيان قريش، لو قد التقت حلقتا البطان لم يغن في الحرب عنكم شيئاً، وأمَّا أنا وحسين فنحن منكم وأنتم منَّا)....... وحلقة البطنان: تعني اشتداد الأمر..
•    روى ابن عساكر وغيره: (أنَّ الحسين قال للحسن: أعيذك أن تُكذّبْ علياً في قبره وتصدق معاوية، فقال: الحسن والله ما أردت أمراً قط، إلا خالفتني إلى غيره).


ولأن كثرة الطرق تفل الحديد فإن كثرة تكرار قصص الزواج والطلاق أوهم بعض رجال مدرستنا بصحتها وهذا بسبب تأثرهم بتلك الروايات، والأخذ بها دون تمحيص، فالسيد نعمة الله الجزائري (رحمة الله عليه) أورد في الجزء الثاني من الأنوار النعمانية رواية قال فيها: (إن الحسن بن علي كان مطلاقا مذواقا، فقيل له في ذلك، فقال: رأيت الله علق بهما الغنى [أي بهاتين الصفتين: المطلاق، المذواق] فقال: {وانكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله} وقال في موضع آخر: {وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته})

أما صفة (مذواق) التي ألصقتها الرواية بالإمام الحسن فهي تعني: سريع النكاح سريع الطلاق، وتعني لغة: الملول لما هو فيه، يريد تذوق غيره، وفي الحديث: (إن الله يبغض الذواقين والذواقات)  وفي مكارم الأخلاق: (إن الله يلعن كل ذواق من الرجال، وكل ذواقة من النساء) وفي تفسير الطبري عدة أحاديث نبوية منها: "إن الله تعالى لا يحب الذواقين ولا الذواقات"..  و"تزوجوا ولا تطلقوا فإن الله لا يحب الذواقين ولا الذواقات".. و"لا تطلقوا النساء إلا من ريبة فإن الله لا يحب الذواقين ولا الذواقات".. وجاء في مصنف ابن أبي شيبة: عن شهر بن حوشب، قال: "تزوج رجل وامرأة على عهد النبي (ص) فطلقها؛ فقال له النبي: طلقتها؟ قال: نعم! قال: من بأس؟ قال: لا يا رسول الله! 
ثم تزوج أخرى؛ ثم طلقها، فقال له رسول الله (ص): طلقتها؟ قال: نعم! قال: من بأس؟ قال: لا يا رسول الله! 
ثم تزوج أخرى ثم طلقها، فقال له رسول الله (ص): أطلقتها؟ قال: نعم! قال: من بأس؟  قال: لا يا رسول الله.!
فقال رسول الله (ص) في الثالثة: إن الله لا يحب كل ذواق من الرجال ولا كل ذواقة من النساء)
فهل معنى ذلك أن الحسن ملعون على لسان جده؟!

هكذا أسهم بعض الشيعة في ترسيخ هذه الفكرة في العقول لدرجة أن المستشرق رونلدسن قال في كتابه عقيدة الشيعة: (ويعترف الشيعة أنفسهم أنه كان للحسن ستون زوجة وعدد كبير من السرايا أو اللواتي تمتع بهن، وقد ذُكر أن عددهن كان بين الثلاثمائة والتسعمائة) وهذا أحد الأسباب التي دعتنا إلى رفع شعار ضرورة تغيير أنماط التعامل مع الموروث.

بسبب هذه الروايات السقيمة وغيرها، وصلت الجرأة ببعض المدعين إلى أن يدعوا أن الإمام الحسن كان يطلق أربع نساء دفعة واحدة ويتزوج أربع نساء دفعة واحدة؛ كما في كتاب قوت القلوب لأبي طالب المكي: (وكان الحسن ربما عقد له أربعة وربما طلق أربعة)
وهذا خلاف ما هي عليه مدرستنا الفقهية الشيعية التي أسسها علي والحسن من بعده فلها مبان معروفة في الطلاق عامة وطلاق صاحب الزوجات الأربع خاصة، وفي الحديث عن جميل بن دراج، عن زرارة بن أعين، ومحمد بن مسلم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (إذا جمع الرجل أربعا؛ فطلق إحداهن، فلا يتزوج الخامسة حتى تنقضي عدة المرأة التي طلق: لا يجمع الرجل ماءه في خمس)   
وعن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن علي بن أبي حمزة، قال: (سألت أبا إبراهيم (عليه السلام) عن الرجل يكون له أربع نسوة فيطلق إحداهن أيتزوج مكانها أخرى؟ قال: لا، تنقضي عدتها). 

إن مجرد نجاح السياسيين بتحويل موضوعة الزواج من أمر اعتيادي فاش بينهم يمارسونه  بأعداد وأنواع وأجناس مختلفة، ومن طبعٍ تطبع به المجتمع العربي في جاهليته أولا ثم في عصور الفتح الإسلامي في عشرينات القرن الهجري الأول ثانيا، إنما يؤكد أن السياسيين العرب الذين تسلطوا على مقاليد حكم الأمة إنما نجحوا في مسعاهم بفضل حنكتهم السياسية، وهم في مثل هذه الحال قادرون على تلوين المعتقد الإسلامي بالألوان التي يرغبونها ويدفعون الناس إلى التصديق والعمل بها وربما لهذا السبب نجد هناك إلى اليوم من لا يرضى الانتقاص من أولئك السياسيين، أو أن يمتدح أحد ما أعدائهم. وإلا لماذا يضخم السياسيون عدد زوجات الإمام في وقت يملك كل واحد منهم أضعاف عدد ما تزوج به الإمام، حتى قيل أن لدى المعتصم العباسي 4000 أمة وطأهن كلهن؟ 
لماذا وافقتهم الأمة فعابت على الحسن كثرة زيجاته المزعومة؛ في الوقت الذي تمتدح فيه كثرة انتقاء الخلفاء والأمراء للإماء والجواري والقيان والغلمان، وتعدهم فحولا ورجالا في غاية التميز؟

إن قصص الزواج التي أوجدها السياسيون كانت إحدى أدوات الحرب الإعلامية ضد الإمام الحسن (عليه السلام)، ولقد نجحت في تشويه حقائق التاريخ؛ وأظهرت وجها لا يمكن أن يوصف به ابن رسول الله وشبيهه وسيد شباب أهل الجنة والإمام المعصوم، وبالرغم من سوئها وضعفها ومخالفة مضامينها لمنهج الإمامة المعصومة، مع كل تلك الدسائس نجحت للأسف بالتسلل إلى عقول الناس؛ بما فيهم بعض رجال مدرستنا حتى حازت رضاهم. ومن خلال متابعتي للكتب القديمة والحديثة التي تناولت قصص زواج الإمام الحسن لم أعثر عند أي واحد منهم على ما يثبت صحة تلك الروايات، ولاسيما وأنهم جميعا عجزوا عن تعداد أكثر من سبع عشرة زوجة، فهل يعقل أنهم لم يتذكروا سوى أسماء هؤلاء النسوة فقط، ولماذا لم يتمكنوا من ذكر أكثر من هذا العدد حتى ولو بقليل، علما أن هناك من أحصى تسع أو عشر زوجات فقط. وبالمناسبة وجدت الحديث عن سبع عشرة زوجة  قد ورد ضمن كتاب من كتب مدرستنا يتحدث عن زوجات الأئمة المعصومين عليهم السلام وليس في كتب المدارس الأخرى وتلك من المفارقات الغريبة.

إن حديثهم عن مئات الزوجات والإماء وتحدثهم عن رغبتهم بتزويج الحسن مستغلين رغبته الجامحة بالزواج إنما (كل ذاك ابتغاء في صهر رسول الله) يكذبه موضوع عدد أولاد الإمام فليس من المعقول أن لا يخلف من يتزوج بمائتي امرأة سوى ستة عشر ولدا فلماذا لم ينجح أي مؤرخ في ذكر أكثر من هذا العدد؟ وحتى هذا العدد من المفروض أن يخلف عددا كبيرا من الأبناء والأحفاد فلماذا لم نسمع بأي ذكر لهؤلاء؟ وهل يكفي قولهم (إن جميع أولاد الحسن كانوا مصابين بالعقم فلم يخلف منهم إلا الحسن المثنى، وفي رواية: الحسن وزيد) وبالمناسبة انطلت هذه الكذبة على بعض كتابنا الكبار فقال الاربلي: (كان الحسن له من الأولاد عدد لم يكن لكلهم عقب بل كان العقب لأثنين منهم).

لا يفوتني التنويه إلى أمر في غاية الأهمية والخطورة وهو أن أهم وأخطر المصادر التي استقت منها الأمة هذه الأخبار وغيرها هي كتب الحديث وكتب التاريخ، وكلاهما تعرضا إلى التشويه والدس والتحريف ليس في العصور المتأخرة فحسب وإنما في العصر الأول أيضا، فمجرد تأخر كتابة السنة كان الفرصة العظمى في إعادة ترتيبها وتبويبها وألا ما السر في أن يحصر أعم وأشهر من كتبوا السنة في محور (30) عاما فقط: 
البخاري: 194 ـ 256
مسلم: 206 ـ 261.
ابن ماجة: 209 ـ 273.
الترمذي: 209 ـ 279.
النسائي: 215ـ 303.
وكان باقي رجال الحديث عالة عليهم
أما كتب التاريخ فهي فضلا عن كتابة أوائلها بأقلام السياسيين وأولادهم وأحفادهم فإنها استمرت بنمط واحد حيث ينقل الخلف عن السلف دون تمحيص.

في الختام أقول: إن رجلا استطاع الصمود أمام كل هذه المتغيرات، والنجاح بالحفاظ على العقيدة، وإدامة مسيرة الإمامة الظافرة إنما هو بمنزلة الأنبياء ويستحق منا كل احترام وتقدير وتمجيد وتقديس.
سلام الله على من قال عنه ابن أبي الحديد المعتزلي: (روى محمد بن حبيب في أماليه أن الحسن (ع) حج خمس عشرة حجة ماشيا تقاد الجنائب معه، وخرج من ماله مرتين، وقاسم الله عز وجل ثلاث مرات؛ حتى انه كان يعطي نعلا ويمسك نعلا ويعطي خفا وبمسك خفا). 
وأسأل الله أن يتقبل طاعاتكم، وان ينصر حشدنا وقواتنا الأمنية، وأشكر لكم حسن استماعكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


صالح الطائي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2017/06/11



كتابة تعليق لموضوع : الحسن بن علي قدوة المجاهدين
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net