صفحة الكاتب : محمد شفيق

المشهد السوري بمنظار السعدي
محمد شفيق

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
 البحث عن الحقيقة هو ديدن الكاتب ومبتغاه . لكن اي كاتب يكون الوصول الى الحقيقية هاجسه الوحيد , هو ذلك الكاتب الذي قال عنه الفليسوف الفرنسي كانت واصفا نفسه ( قد يتعذر علي قول اشياء لا اؤمن بحقيقتها لكن يستحيل ان اكتب ما لا اعتقد بصدقه ) الكاتب الذي يطرح الرؤى والافكار بعيدا عن التهريج والمديح واخفاء صورة او ابراز اخرى , ذلك هو الكاتب الحقيقي 
اتحفنا الكاتب والباحث في علم الاجتماع السياسي الاستاذ " علي السعدي " في زاويته الاسبوعية ( خطوة نحو الحقيقية ) التي يكتبها كل ثلاثاء , بمقال عن الربيع الذي يعيشه الشعب السوري والذي حمل عنوان ( سوريا بعيون عراقية ) ما جعلني اعجب بالمقال هو تحمل استاذنا السعدي عناء السفر الى دمشق في ظل الاوضاع الراهنة وكل ذلك اجل كتابة مقال عن الازمة السورية , والسعدي هنا يعطي درسا في غاية الاهمية للكتاب والمحللين السياسيين بضرورة الدراسة الميدانية للحدث , فاليوم نجد وفرة في الكتاب وسوءا في الاداء وهو ما افرد الاستاذ السعدي بحثا مهما عنه في كتابه الاخير ( العراق والمصباح النووي ) الصادر في بيروت مؤخرا . تتميز مقالات وبحوث السعدي بأنها تخلو من التأثيرات الايدلوجية لذا فهو خير نموذج لوصف كانت ( لايكتب الا ما يعتقد بصدقه ) لذا هي برأي من نفائس ما يُطرح في علم السياسة وهي محط انظار الكثير من العلماء والباحثين . هنا سأتعرص بشكل موجز  لتفاصيل المشهد السوري كما صوره لنا الاستاذ السعدي , والتي يمكن اسنتاج ثلاثة امور فيها 
 
1 - التفاوت والاختلاف في التظاهرات ( من حيث التنظيم والحماسة ) بين انصار النظام والمناوئين له . حيث تمتاز تظاهرات المعارضين للنظام بالحماس والثورية تشترك فيها حتى النساء ويذكر لنا السعدي في المقال ما نصه (( في إسقاط رمزي بالغ الدلالة، اتخذ المتظاهرون وضعية الركوع على الرُكب بإحناء الروؤس، ثم وبصوت هامس أخذوا بترديد نداء الحرية، ليرتفع من ثم، الصوت تدريجياً مع نهوض تدريجي بدوره، يتحول الى هتاف مدو، بعدها وبنداء آخر ذي رمزية مستمدة من الموروث الشعبي (يا بعثيه إرحلوا برا – نحنا معكو كسرنا الجرّه) وكسر الجرّة فعل تقدم عليه المرأة السورية الكارهة لزوجها حين تحصل على الطلاق، كناية على ان مابينهما قد تبعثر كالماء من جرّة تتهشم ) ) اما عن تظاهرات انصار النظام فيحدثنا الاستاذ السعدي : بأن الفرق بين المشهدين واضح , حيث المناصرون (( مجاميع من الصبية والفتيان المرحين المتضاحكين، وبعض الرجال المنهمك معظمهم بأحاديث خاصة، لاشىء في هذه المسيرات يجعلها مختلفة عما اعتاد حزب البعث ان يقيمه من تجمعات في مناسباته (بالروح بالدم، نفديك يابشار) لكن الأعداد هنا أقل وكذلك التنظيم، الإنطباع الأول الذي تخرج به من مسيرات كهذه، ان المشاركين فيها ليسوا جديين ولايعنيهم كثيراً إن بقي النظام أو رحل . ويصف الاستاذ السعدي المتظاهرين من المناوئين للنظام بأنهم شباب ورجال مملئون جدية وحماساً، يتظاهرون ويهتفون مع علمهم بالمخاطر التي تواجههم، لايبدو عليهم الخوف أو الحذر، لذا لا يلجأون الى اية إجراءات للحيطة، كإخفاء الوجوه وراء لثام مثلاً ))
 
2 - الطائفية والحرب الاهلية التي تهدد سوريا : يعقب السعدي على ذلك بأن المتظاهرين في دمشق يتجنبون الشعارات الطائفية وللتأكيد على ذلك  يرددون ( اسلام مسيحية - درزية علوية وحدة وحدة سورية ) لكن ذلك بحسب مايذهب اليه السعدي قد لايكون مؤكدا او ان الامور تبقى حسب رغبة المتظاهرين  فهناك مناطق يكاد النزوع الطائفي يطغى عليها - ظاهر أحياناً ومستتر حيناً- (نريد حاكماً سنياً) يقول بعضهم وان على إستحياء، لكن عدم الإطمئنان على وحدة سوريا لايكاد يخفى . ويرى السعدي ان اهمية ذلك يأتي من احتمالية اقدام النظام اذا اشتدت عليه الضغوط ووصل مرحلة اللاعودة الى سحب الوحدات العسكرية الخاصة بقيادة شقيقه ماهر، والتحصن من ثم في المناطق العلوية، وعندها ستكون احتمالات التقسيم قد أصبحت مطروحة، خاصة حين يصبح الحسم العسكري مستحيلاً لأحد الطرفين . هذا السيناريو بحسب السعدي يتجنب السوريون اية اشارة اليه لكن لاضمانات حقيقية لدرء خطره في حال حصوله
 
 
3 - المقارنة السورية العراقية : يقول الكاتب السعدي هنا (( فبالمقارنة مع العراق، تبدو سوريا متقدمة بمجالات عديدة، انها دولة تمتلك الكثير من مظاهر الحداثة، فعلى رغم ان الحسابات المجردة تميل بقوة لصالح العراق حيث موازنته السنوية تزيد عن ستة اضعاف الموازنة السورية ( أكثر من 90ملياردولاراً للعراق مقابل 16ملياراً لسوريا) مع المساحة الجغرافية ووفرة المياه وماشابه، لكن الوقائع تشير من دون لبس الى ان سوريا هي واحدة من الدول القليلة التي تكاد تتمتع بإكتفاء ذاتي، ليس هناك الكثير من المستورد، وبالتالي لا انهاك للميزان التجاري ولاهدر للقطع النادر من العملة الأجنبية، معظم الاسواق هنا، تغصّ بالبضائع المحلية، من الخضار والفاكهة والحبوب واللحوم، الى المصنوعات النسيجية والأدوات الكهربائية والمنزلية- بل وبعض صناعة السيارات - وسواها قطاع البناء كان قد شهد ازدهاراً يبدو جلياً في المشاريع المتعددة على شكل مدن وأحياء تحيط بدمشق، بما يمكن من خلاله القول، ان لاوجود لشىء أسمه (أزمة سكن) ليس مقارنة بالعراق وحده، بل في أكثر الدول المجاورة ودول المنطقة عامّ .... المواطن السوري عموماً، يكاد ان لايطالب الدولة بشيء، فالقطاعات الحيوية متوفرة بشكل جيد (الكهرباء دائمة الحضور، لا تشهد انقطاعاً في بعض المناطق، الا بفترات متباعدة ولوقت قصير – التعليم المجاني المضمون في مختلف مراحله – خاصة الأساسية منها – الطبابة المجانية بخدمات معقولة – السكن الذي يتكفله القطاع الخاص بتسهيلات من الدولة - الخ) كذلك امتلاك المجتمع مقومات ملموسة للإكتفاء الذاتي، لذا لايخفي السوريون مباهاتهم بما أنجزه بلدهم،لكن ذلك لايغني عن كلام الحرية ))  لكن مقابل هذا التقدم النهضوي فهي متخلفة سياسيا وتلك هي المعادلة المعضلة بحسب السعدي , والتي لم يجد لها النظام حلا .يختتم السعدي مقاله القيم هذا بتساؤل وهو ( اذا كان السوريون يهتفون مطالبين برحيل الحزب الحاكم وقائده، رغم كل ما تحقق لهم وماينعمون به، فبماذا سيهتف العراقيون ضد أحزابهم الحاكمة وقادتها ؟ تلك الأحزاب التي جعلت من الجهل كفاءة، والكذب شطارة، والتبعية قناعة ؟ وماذا سيقول العراقيون وهم يرون مقدار الخراب الذي يفتك ببلدهم والفساد في مفاصل حكومتهم حيث يبدو العراق وكأنه يعيش في القرون الوسطى ؟بل كان حاله أفضل آنذاك، يأكل مما يزرع وإن كان قليلاً، أما اليوم، فهو يستورد كلّ شىء، من رأس البصل حتى قرن الجاموس، ويبعثر في سبيل ذلك كلّ شىء، من الكرامة والاستقلال، حتى الثروة والفلوس  ) تساؤلات مهمة طرحها استاذنا علي السعدي وتعقيبا على تساؤله اقول : لايمكننا مقارنة الواقع السوري واليمني والمصري بالواقع العراقي . فالتقدم النهضوي والعمراني ليس بالغريب لنظام يحكم بلاد منذ اكثر من 40 عاما ووتتوارث العائلة الحكم وتتمتع بأستقرار سياسي واقتصادي الى حد كبير ولم تشهد هزات كتلك التي شهدها العراق على الاقل بعد العام 2003 التي لو مرت على سوريا لازالتها من خارطة العالم . اما بالنسبة للفساد والخراب الذي حل بالبلاد فهي نتيجة حتمية لعدم استقرار الوضع السياسي وبلوغ النضج , والعراق الى الان غير مؤهل لحكم نفسه  كما يجمع المراقبون والمعنيون .اما احتمالية اندلاع انتفاضة عراقية بوجه الفساد والخراب فهي تكاد تكون مستحيلة لان الشعب العراقي يفتقد للحماسة والثورية التي تعيشها شعوب المنطقة اليوم , فمن المستحيل اليوم ان تجمع الف نسمة للتظاهر في ساحة التحرير او اي مكان اخر , نحن شاهدنا في تظاهرات يوم الخامس والعشرين من شباط الماضي التي سميت ( جمعة الغضب ) او ( يوم الغضب العراقي )  فرغم التحشيد لها قبل ايام عبر مواقع التواصل الاجتماعي والفضائيات التي اصبح يوم 25 شباط شغلها الشاغل ورغم تدخل بعض القوى والاجندات ( كما ذكر ) فلم تتمكن من جمع الف نسمة في ساحة التحرير او المحافظات الاخرى حتى تلك المحافظات والمدن التي تعادي النظام الحالي والعملية السياسية .  فكيف نستطيع التحشيد لتظاهرات مليونية .وبأختصار العراقي لايهمه شكل الحكم او النظام السياسي , المهم هو ان يتمتع بدخل جيد وان تتوفر فرص عمل جيدة لمختلف الشرائح . ولقد اختصرها احد شيوخ عشائر الفرات الاوسط ردا على شعارات احد المرشحين للانتخابات الماضية  قائلا ( استاذ احنة انريد خبز ) اذن فالعراقي اليوم  يفكر في توفير رغيف الخبز لاغير 
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد شفيق
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/09/19



كتابة تعليق لموضوع : المشهد السوري بمنظار السعدي
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net