صفحة الكاتب : امل الياسري

في اليوم العالمي للأب رحم الله آباءنا وآباءكم
امل الياسري

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

لقد توفي أبي منذ ساعة!
وجدتُ نفسي وحدي مع مجموعة من الملائكة، وآخرين لاأعرف مَنْ هم، توسلتهم أن يعيدونني إلى الحياة، لأجل زوجي الذي لاأزال أشتاق إليه، وولديّ اللذين لم يرا النور، ليواجها الحياة عقب تخرجهما من الجامعة، مرت عدة دقائق أخرى، جاء أحد الملائكة يحمل شيئاً يشبه شاشة التلفاز، أخبرني أن التوقيت بين الدنيا والآخرة يختلف كثيراً، الدقائق هنا تعادل كثيراً من الأيام هناك،وقال:"تستطيعين أن تطمئني عليهم من هنا"قام بتشغيل الشاشة فظهر زوجي يحمل إناءً فيه بقايا طفلين بائسين!
الصورة كانت مسرعة جداً، والزمن يتغير كل دقيقة، وإبناي يكبران ويكبران، وغيَّر زوجي الأثاث، وإستطاع أن يحصل على مرتبي التقاعدي، دخل ولداي للمدرسة، تزوج إخوتي الواحد تلو الآخر، أصبح لكل منهم حياته الخاصة، فمرت حوادث كثيرة، وفي زحمة الحركة والصورة المشوشة، لاحظتُ شيئاً ثابتاً في الخلف يبدو كالظل الأسود، مرت دقائق كثيرة، ولا يزال الظل ذاته في جميع الصور، كانت تمر هنالك السنوات والظل يصغر ويخفت، فناديتُ على أحد الملائكة.
 توسلتُه أن يقرب الظل حتى أراه جيداً، لقد كان ملاكا عطوفاً، لم يقم فقط بتقريب الصورة، بل عرض المشهد بذات التوقيت الأرضي، ولاأزال قابعة في مكاني منذ خمسة أعوام، أشاهد هذا الظل يبكي فأبكي، ولم يكن هذا الظل سوى أبي، فلوالدي وجوه جميلة، وروائح عبقة تصادر ألمنا منذ ساعات الصباح الأولى، فأشعر بالغبطة وأروي لصديقاتي كيف أوصلني لهذا الإبداع، لقد كان يُحضِر لي الصحف الثلاثة يومياً، ومجلة ألف باء أسبوعياً، وكنت أجمع معها تأريخ والدي. 
(الزمن الحقيقي ليس الذي نراه على الساعة، بل الزمن الفعلي هو أن نعيشه في أذهاننا، ليطول في حالة الحزن، ويقصر في الفرح)،فرغم أن الساعات الأولى لرحيل أبي، عن هذه الدنيا كانت مؤلمة، إلا أننا إقتنعنا أن التابوت الذي حفظ جسده، يعرف عن الحنان مالا يعرفه البشر، فجمعنا كنا نريد الرحيل إليه، لكنهم يرفضون ذهابنا معه، فما كان علاجنا وعزاؤنا إلا القرآن، فهو شفاء لمَنْ كسرت الحياة قلوبهم، والذين من حولنا يقولون:(أعظم كنز لدينا هو الصبر!).
يقدر العلماء ألم طلوع الروح بـ (300) ضربة بالسيف، ونحن كنا نتمنى أن يضربونا أضعافها، ليكون والدي معنا على الدوام، ولكن (كل نفس ذائقة الموت)، فوالدي ليس كلمات نستطيع محوها بمرور الأيام، فظله يرافقنا أينما كنا، وإن تبدلت ألوان غرفنا، وكُثر عدد أولادنا، وتعددت مصادر متاعبنا وهمومنا، إلا إن ذلك الملاك يحضر بيننا، ومعه الشاشة الصغيرة لكي يطمئن عليَّ، وعلى إخوتي، وأمي التي تحاول صياغة البيت من جديد، ولكنها عبثاً تحاول فملامح الزمن نالت منها.
مشاعر الشوق واللوعة تنادي صرخات المغتسل، وهم يقلبون أعضاء جسده، وأنا لا أصدق ما تشاهده عيني، فأبكي كثيراً، وأصلي قليلاً، وأراقب عدالة السماء، وكنت أود أن يبتسم أبي، حتى لو بكت الحياة كلها، فروح والدي كانت تطوف حولنا لحظتها، ولم تكن تحتاج لأجنحة، فالملاك الذي عرج بها، أحضر معه الشاشة الصغيرة وخاطبني بلطف:صحيح أن والدكِ غادر الحياة، إلا أنه يستطيع الإطمنئان عليكم وسأحضره بنفسي، ولأجل هذه الرؤيا كتبتُ لكَ، فلكأنه قد توفي أبي قبل ساعة!   


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


امل الياسري
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2017/06/20



كتابة تعليق لموضوع : في اليوم العالمي للأب رحم الله آباءنا وآباءكم
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net