صفحة الكاتب : محمد الحمّار

الدعاء مخ العبادة والقرار مخ الفكرة >>> ستراتيجيا 14
محمد الحمّار

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

لمّا يكون الدعاء، وهو مخ العبادة، مقرونا بالتقنية المسماة في علم النفس السريري "الإيحاء" (الذاتي)، قد يشكل أقوى الوسائل لتحقيق صنع القرار عند المسلم. بل أعتقد أنّ الدعاء له طابع علمي، لِما يتطلبه من تقنيات مثل المباشراتية والهمس والتكرار والتركيز العقلي. وهي تقنيات تُسهل على المريض النفساني استبطان الرسالة التي يوهم بها نفسه (أو توحَى له) عسى أن يُشفى من علته بقوة الاستبطان الرسالي. وحينئذ ربما يمكن القول إنّ الإيحاء (الذاتي) ضرب من ضروب الوسائل العلاجية ذات الصلة العلمية بالدعاء.  

حاولنا دعم صحة الدعاء علميا، بالرغم من أنّ الإيمان بالدعاء بديهي عند المؤمن، وذلك لثلاثة أسباب. أولا  لا لشيء سوى لأنّ المسلم عادة ما يُبدي ريبته من التدبر في ما لا نص فيه. ثانيا لأنّ مجالات التدبّر أوسع من أن تتقيّد بنص. ثالثا لأنه مِن التدبّر أن يتقرّب المسلم من فاطر السماوات الأرض بكل الطرق الممكنة. والآن نأمل أن يَدمج المسلم الدعاء في عملية صنع القرار. 
لكن قبل ذلك تجدر الملاحظة أنّ صنع القرار يشترط أن يحدث تزامنٌ بين أمرين اثنين. والأمران هما القدرة والإرادة. إذ يقول بيار داكو إنه ينبغي تصحيح المثل العالمي "من يريد يقدر" فنقول "من يقدر يريد"، مؤكدا على سبق القدرة على الإرادة في كل فعل ناجح. مع ذلك فإن إرادة المسلم، لكي تكللَ بالنجاح، لا بد أن تكون وثيقة الصلة بمشيئة الله جل وعلا؛ "وَمَا تَشاؤُونَ إِلاَّ أنْ يَشَاءَ اللهُ رَبُّ العَالَمِينَ" (سورة التكوير: 29). وهنا تتزل أهمية الدعاء في اتخاذ القرار.
وبعد أن تبيّن لنا أنّه قد تدعمُ الدعاءَ وسائلُ التدبير، ستكون كل وسيلة، وعلى رأسها الدعاء، بمثابة المُفاعِل لثنائية القدرة والإرادة في عملية صنع القرار. وإلا سوف لن تنفع قدرةٌ بلا إرادة ولا إرادةٌ بلا قدرة. بل قُل إننا اليوم نعاني من هذه الحالة الأخيرة. فالعرب يملكون من دون أدنى شك القدرة على الرقي وعلى إسماع صوتهم في المحافل الدولية وعلى استرداد حقوقهم المغتصبة، بل وعلى إطعام العالم بأسره من جوعٍ وتأمينهم من خوفٍ، ليكونوا آية من آيات الله بامتثالهم لآية الله " وَ لْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذا البَيْتِ الذي أطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَ آمَنَهُمْ خَوْفٍ" ( سورة قريش: 3، 4، 5). إلا أنّ هذه القدرة خاملة لأنها غير مُفعَّلة؛ وهذا مشكل عويص.
إذن ليست القدرة هي التي تنقص العرب والمسلمين. لكن يحبذا لو توفرت لديهم الإرادة كنتيجة منطقية لتوفرِ القدرة. وما الذي عطل القدرة أن تتحول بصفة طبيعية إلى إرادة، ومنه إلى قرار؟ للإجابة، لم يبق سوى أن نفترض أنّ الذي يوعز العرب والمسلمين إنما هو استناد علاقة الفرد، ومنه علاقة الجماعة المسلمة، المباشرة إلى مشيئة الخالق البارئ. فالذي يوعزُهُم قد يُحسب على تعطيلٍ ذاتيّ لوظيفةٍ طبيعية. وتتمثل هذه الوظيفة في رمي الجسور بين القدرة (وهي متوفرة لكنها كامنة) والعناصر المرشحة للتحول إلى إرادة. وأعتقد أنّ رمي الجسور من شروط استكمال العبادة. وما دامت القدرة، شرط الإرادة، موجودة، فاستكمال العبادة واكتمالها، في هذا الباب، رهن الوسيلة لا المضمون.
 ويعني ذلك أن الإنسان العربي المسلم ليس جاهلا لا بدينه ولا بالعلم الدنيوي. إنما هو جاهل بكيفية توظيف المعرفة والعلم من أجل تجديد دينه. فالتعطيل الذاتي ناتج عن هذا الجهل. وفي هذا السياق سيُرفعُ اللبس وتُحلّ العقدة بمجرد أن يسمح المتعبد لعلمه بأن يساعده على تجديد دينه. وإذا تحقق السماح وأعطيت الرخصة للعلم سيُنجَزُ رميُ الجسور بعناوين دينية مثل العمل الصالح وتغيير ما بالنفس، وفي كل الحالات، التوكل على الله وعبادته. و يحبذا لو يتمّ بواسطة التحلي بالإحسان كما جاء في الحديث " الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك" (حديث جبريل؛ مشهور). 
وأتلخص إلى دعوة المسلم أن يسعى إلى أن يكون رشيدا بما يكفي لتلبية الشروط الملائمة لكي تتناظر إرادته مع مشيئة الله سبحانه وتعالى. والحذر من مغبة التمادي في الخطأ المنهجي واجب. ويتلخص الخطأ في أنّ المسلم يفصل بين الدعاء والقرار. ولمّا نعلم أنّ القرار مخ الفكرة وأنّ الفكرة حياة، فهو إذن يفصل بين الدعاء والحياة. أمّا لو تحقق غرض المزج من جديد بين الدعاء والحياة،  لن يتمادى المسلم في كونه رهين مَن تُسوّلُ لهم أنفسهم أن يتخذوا القرارات بالنيابة عنه. 
وفي سياق متصل، يمكن القول إنّ تملك المهارة في اتخاذ القرار سوف تعود بالنفع على الجماعة المسلمة أيضا. والشرط أن يكون الفرد المكتسب للمهارة مستبطنا لمميزات الجماعة والمجتمع. فالحياة العامة، الحرة والتعددية، لا يمكن أن تنجح من دون أن يكون الفرد مستبطنا لصفات المجموعة. وهذا الصنف من التعايش لا يمكن أن ينجح من دون أن تكون المجموعة بدورها مستبطنة لصفات الفرد.
 كما أنّ اكتمال شخصية المسلم، على ذلك النحو، يُعدّ شرطا أساسا للنجاح. حينئذ لو تعلقَت همّة المسلم بما وراء الشواغل المحلية والنسبية واليومية لطالت شواغلَ العالم بأسره، بمقتضى متطلبات العقل الكلي.
محمد الحمّار
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد الحمّار
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/09/21



كتابة تعليق لموضوع : الدعاء مخ العبادة والقرار مخ الفكرة >>> ستراتيجيا 14
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net