صفحة الكاتب : السيد ابراهيم سرور العاملي

بناء الأسرة الصالحة
السيد ابراهيم سرور العاملي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

قال تعالى في سورة الفرقان في وصف من أوصاف عباد الرحمن:
{وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا}.
كثيرون يرددون هذا الدعاء.. وكثيرون يؤمّنون عليه بتأثر ورغبة.. لكن كم مِن هؤلاء حققه وتمثله في نفسه وبيته واقعا حيا؟!
إن حقيقة هذا الدعاء قول باللسان، وتضرع إلى الرحمن، وتصديق بالحال والأفعال..
فكم من بيت صالح عمّ صلاحه من حوله، فأصبح مشعلا للخير والدعوة، ومثالا ونموذجا وقدوة، تزدان مجالسه بالآداب الفاضلة ومكارم الأخلاق والكلمة الطيبة.
وكم من بيت تمنى أهله الأماني، ولكن قعدت بهم هممهم عن سلوك سبيل التقوى!
ربما يظن ظان أن هذا الوصف {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} بعيد المنال، وأنه يختص بأناس دون آخرين، ويتطلب العلم الغزير، مع أن بعض الناس قد يبلغ بصدق نيته وحسن خلقه من التأثير في الناس ما لا يبلغه من يفوقونه علما وفقها! 
بل إن طفلا صغيرا نشأ في بيت صالح مصلح ليؤثر بأدبه وحسن سمته تأثيرا قد لا يبلغه كثير من الرجال؛ ببركة التقوى وحسن التربية والتعاهد.

الإمام له معنيان له معنيان، فالإمام بالمعنى الأخص هو من ينكشف له عالم الملكوت، فكل من انكشف له عالم الملكوت وعالم ما وراء المادة فهو إمام ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا﴾ فهؤلاء أئمة بالمعنى الأخص وهم من انكشف لهم عالم الملكوت فيرى وراء هذا العالم المادي فيرى عالم الأرواح وعالم الأشباح وعالم الملائكة وعالم الجن وسائر الوجودات السيارة في هذا الكون وفي هذا الوجود ما يُرَى وما لا يُرَى. فمن أدرك كل هذه العوالم فهو إمام.

الإمام بالمعنى الأعم هو بمعنى المُقتَدَى فمن يقتدي به الناس في الصلاة فهو إمام ومن يقتدي به الناس في منهج معين فهو إمام سواً كان إمام هدىً أم إمام ضلال ﴿يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ﴾ أي من اقتدوا به سواء كان حقاً أو ضلالا. والمقصود هنا في الآية ﴿وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً﴾أي قدوة فنحن لا نريد قرة العين فقط فنحن مننت علينا ووهبتنا قرة العين في زوجاتنا وفي ذرياتنا ونحن نطمح لأمر آخر أن تكون أسرنا قدوة للأسر الأخرى وبيوتنا قدوة للبيوت الأخرى. وهناك آية أخرى ﴿وَاجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً﴾فكلمة قبلة لها ثلاثة معاني:

1- قبلة بمعنى متقابلة، أي أن تكون الخارطة الهندسية التي تبنى عليها البيوت ينصح الإسلام بأن تكون هذه الخارطة تفتح البيوت على بعضها البعض لكي يتحسس الإنسان آلام جاره وهمومه وحتى يعيش الناس أسرة واحدة فالإسلام ليس فقط أفكار ومباديء فالحتى القوانين الهندسية جاء الإسلام ليطرحها من أجل أن يضمن مجتمعاً مترابطاً ومتآلفا وكما ورد عن النبي محمد «»: «ما زال أخي جبرئيل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه».

2- أي قبلة للكرم فتكون مأوى للضيوف ففي زمن أمير المؤمنين «»، الحارث بن زياد بنا له داراً واسعة مثل بيوتنا هذه الأيام بيوت واسعة ومرفهة ودعا الإمام علي (ع) لزيارة بيته فدخل أمير المؤمنين (ع) فقال: «يا حار ما تصنع بهذه الدار الواسعة؟» فسكت، فقال «»: «إنك تستطيع أن تصل بها الآخرة» فقال: كيف هذا؟ فقال «»: «تقري الضيف وتصل الرحم وتخرج الحقوق من مخارجها فإذا أنت فعلت ذلك فقد وصلت بها الآخرة» فأن يكون بيتك قبلة لا يعني أن تعمل كل يوم وليمة، فأن تعمل جلسة أسبوعية في بيتك يتلى فيها ذكر آل محمد «» أو جلسة شهرة أو حتى سنوية يتلى فيها ذكر أهل البيت فهذا معنى «وَاجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً»، قد هذا لا يكون في طرف الرجال فليكن في طرف النساء فالمهم أن يكون قبلة وأن يكون مأوى لآخرين يتلى في هذا المأوى ذكر آل محمد «».

3/ أن تجعل أسرتك قدوة للأسر الأخرى، فأسرتك بما لها من صفات وبما لها من مباديء وبما لها من سيرة ناصعة حسنة تكون قبلة للأسر الأخرى وهذا هو المعنى المقصود في قوله تعالى «وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً». نأتي لقوله «وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ» ولم يقل: واجعلنا للمؤمنين أو الصالحين، فلماذا؟ هذا يعلمنا أن المؤمن يسعى نحو الكمال.
وتدل على اختصاص آية (وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً) بأهل البيت عليهم الصلاة والسلام، سلسلة من الروايات الموجودة في عدد من اهم مصادرنا الروائية والحديثية والتي لا يرقى الشك الى صحة بعض تلك المصادر كتفسير علي بن ابراهيم القمي.

فعلى هذا الرأي تكون الآية الشريفة كأية (إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ) فانها لا تنطبق على كل من آتى الزكاة وهو راكع، بل هي خاصة بأمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام وقد عممتها بعض الروايات لبقية الائمة الاثني عشر عليهم الصلاة والسلام .

كما ان التدبر في الاية الشريفة يرشدنا إلى وجود مجموعة ادلة في الاية نفسها تعضد تلك الروايات. ومن هذه الروايات ما ذكره في تفسير الصافي حيث نقل عددا من الروايات الكريمة في هذا الحقل:

في الجوامع عن الصادق عليه الصلاة والسلام في آية (وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً): "ايانا عنى" وفي رواية اخرى: "هي فينا "

وفي المناقب عن سعيد بن جبير قال: "هذه الآية والله خاصة في امير المؤمنين"

كما روى في كتاب (البرهان في تفسير القران) روايات عديدة منها ما عن تفسير علي بن ابراهيم القمي مما عليه المعول، نذكر منها:

1- عن ابان بن تغلب قال: "سالت ابا عبد الله عن قول الله عزوجل (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً) قال: هم نحن اهل البيت"

وظاهر هذه الرواية الشريفة (الحصر) وليس انهم (صلوات الله عليهم ) اجلى المصاديق.

2- وروى غيره "ان ازواجنا: خديجة، وذريتنا: فاطمة، وقرة اعيننا: الحسن والحسين، واجعلنا للمتقين اماما: علي بن ابي طالب"

3- وفي رواية اخرى في قول الله عز وجل "(وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً) قال: أي هداة يهتدى بنا، وهذه لآل محمد خاصة"

4- وفي رواية اخرى قلت لابي عبد الله عليه الصلاة والسلام: " (وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً) قال: سالت ربك عظيما!!"

فأين الثريا وأين الثرى، ومن نحن حتى نطلب من الله عز وجل أن نكون أئمة للمتقين!! فإن هذه المنزلة والمرتبة خاصة بالائمة المعصومين عليهم الصلاة والسلام.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


السيد ابراهيم سرور العاملي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2017/07/07



كتابة تعليق لموضوع : بناء الأسرة الصالحة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net