صفحة الكاتب : علي علي

الاستقرار.. حلمنا الموعود
علي علي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

    في علم الجيوفورمولوجي والذي يعنى بالمتغيرات التي تطرأ على سطح الأرض، هناك بديهة تنص على أن الظواهر الطبيعية مهما بلغت قوتها وشدتها تميل دوما الى الاستقرار، فالرياح العاصفة لابد لها من سكون.. والبركان الثائر مصيره الخمود.. والأعاصير المدمرة تستحيل على حين غرة الى نسمة كريح الصبا.. وكذا الحال مع باقي ظواهر الحياة.

  في أرض عُلِم أنها أرض الحضارات ومهبط الأنبياء والرسل، عُلِم أيضا أنها محط أطماع أٌقوام وأمم عبرت البحار والجبال على مر العصور، للوصول اليها والاستحواذ على ما فوقها وما في باطنها، تارة تحت مسمى الفتوحات.. وأخرى تحت مسمى العائدية، وثالثة تحت مسمى التحرير، وبتحصيل حاصل من كل هذا شاء قدر سكان هذي الأرض أن يعيشوا تحت اضطراب وقلق مستمرين، على أيدي أشرار وافدين اليهم من غياهب الأرض ومتاهاتها. وظل هذا الحال ملازما لحياة السكان اليومية قرونا طويلة، تخللتها بين الفينة والأخرى بضع سنين تنفسوا خلالها الصعداء بفعل بطل أسطوري، تمثل لهم بشخص حاكم او سلطان مسك زمام أمور هذي الأرض وأحسن صنيعا فيها، ولسوء حظهم أن الأخير هذا سرعان مايرحل ويعود الاضطراب والقلق أشد من سابق عهده.

   بعد عقود الجور والدكتاتورية والظلم.. وسني القمع والبطش والكبت.. والحروب والحصار والحزب الواحد والقائد الأوحد، هبط من السماء الأمريكية وحي الديمقراطية، مبشرا وليس نذيرا، فقد بشرنا بأدواتها ولم ينذرنا بتداعيات سوء استخداماتها، وفي جميع الأحوال (أنعم الله من الأجاويد) فقد أزاحوا صنما كان قد نأى بالعراق والعراقيين بعيدا عن ركب الحضارات الغربية والشرقية عقودا، فبين ليلة وضحاها وبعد ان كان العراق مركونا فوق رفوف الحصار مكبل العقول والطاقات والقدرات، ناهيك عن كبحها وتعطيلها المتعمد، فاذا بإطلالة عام 2003 واذا بالحريات تنهمر عليه كالسيل الجارف، وبذا تكون البديهة التي ذكرتها بدءًا، قد فُصِّلت للعراقيين (تفصال) فاصبحوا يميلون الى الاستقرار على ضوئها. ومعلوم ان الفرد لايشعر باستقرار في بلده إلا إذا توافرت له جملة حيثيات، منها وأهمها وعلى رأس أولوياتها الضمان، وهذا بدوره تندرج تحته مسميات عدة أهمها ضمان الأمن واستتبابه، وحين توفيره له على الدوام ومن دون غبن او غدر، يشعر الفرد بالتصاقه بتربة وطنه، حيث ان الضمان يحقق له كيانا ووجودا وشعورا بان له حضورا دائما لدى حاكميه ومسؤوليه، ومن غير ذاك الضمان فهم جلادوه وسجانوه. فضمان أمن المواطن حق على الحكومة ان ترعاه، ليرعى -بالمثل- الواجبات المناطة على عاتقه تجاهها.

   لو قلبنا صفحات تاريخ العراق القديم والحديث، تبين لنا أن القلق والاضطراب اللذين أشرت اليهما في مبتدأ حديثي هذا، كان أغلبهما تجلبه رياح الشر من خارج الحدود، غير أن المنظر لأحداث العراق بعد عام 1963 يلمس أن رياح الشر تلك لم تكن تعبر الحدود لولا الأجواء الملائمة لها داخلها، كما أنها لم تكن شرورا بفعل خارج عن إرادة البشر، بل هي من صنع البشر وحياكته وصياغته، وقد سبكها وحبكها بشكل يتلبس واقع الحال العراقي حسب تقلبات الظرف ومستجداته، ولاسيما بعد سقوط النظام السابق، فاضطرابات السنة الأولى بعد سقوطه لم تكن كاضطرابات عام 2005.. وكذلك اضطرابات عامي 2006- 2007 لم تكن كمثيلتها في الأعوام 2008- 2009- 2010. والفرق ذاته بعد انتهاء الاحتلال وخروج آخر جندي امريكي من العراق يوم 18122011. واللافت للنظر ان الاضطرابات لم تكن تتمحور بشخص قائد او سياسي بعينه، كما كان بعضهم ينحى باللائمة على رئيس الوزراء السابق، ولو كان الأمر كذلك لانتهت الاضطرابات بانتهاء مهمته، لكنها أخذت قالبا آخر ونمطا ثانيا مع معطيات رئيس الوزراء اللاحق، وإن كان بعضها -الاضطرابات- قد خفّت وتيرته.. فإن بعضها الآخر ازداد حدة ونكوصا وخطورة وتداعيات، الأمر الذي إن دل على شيء فإنما يدل على عزم جهات -داخلية بالدرجة الأساس- للإبقاء على القلق والاضطراب في الساحة العراقية، سواء أكان المالكي حاكما أم العبادي أم شخصا آخر! وقطعا هذا لغاية في نفس يعقوب قضاها، ولو أسلمنا الأمر لتلك الجهات، فإن بديهة ميل الطبيعة الى الاستقرار تكون معطلة في العراق، وغير قابلة للتطبيق اليوم وغدا وبعد غد.

aliali6212g@gmail.com


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


علي علي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2017/07/11



كتابة تعليق لموضوع : الاستقرار.. حلمنا الموعود
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net