صفحة الكاتب : د . محمد تقي جون

خلاصة الأدب العباسي- أدب الحضارة والحداثة الجزء الرابع
د . محمد تقي جون

الجزء الرابع- نقد الشعر العباسي

سمات الشعر العباسي في ضوء النقد

ظهور النقد

 يحاول النقد أن يقول الكلمة النهائية في الشعر أو الشاعر، ويريد الناقد أن يكون سكان السفينة والشعراء تبعاً له في الاتجاه الذي يختاره، فيكسدون أو يُروَّجون بمشيئته. ولكنه أخيراً يتشرف بأن يكون ممهداً للشعر إلى القراءة الواعية. ويبقى سرُّ الإبداع عصياً على التحديد، فهو كالروح التي لا ترى بذاتها بل تدرك بأثرها؛ فالدراسات التي تتناول الشعر لا تعدو وصف جسد الإبداع الذي تلبسه تلك الروح الخفية، أو بعبارة أخرى هي تدرس الظواهر والأسباب والنتائج، وتقف على الأثر والتأثر والتأثير، محاولة تقديم صورة عن هذا الشعر أو ذاك، يستعين بها المتلقي في فهم الأدب أو التهيؤ لقراءته. ولن تغني الدراسات النقدية مهما بلغت من القدرة عن قراءة النص. فاللذة والإحساس المبهر والتقييم الحقيقي هو في قراءة المتلقي المباشرة للنص. وهذا يدعو إلى قراءات لا حصر لها للنص أو الشاعر. فالمتنبي – مثلا – تدرس ألفاظه، ومعانيه، وصوره، وموسيقاه وغير ذلك، ولكن طريقته الشخصية التي استخدمت كل ذلك في تقديم قصيدته المتنبية ستكون بعيدة عن المنال، لأنها روح شعر المتنبي التي يحاول أن يراها النقد في هذه الأجساد المتعددة.

وإذا طبقنا هذه النتيجة على الشعر العربي منذ امرئ القيس وحتى شعرائنا المعاصرين، آخذين بنظر الاعتبار الشكل الشعري والمضمون والموسيقى، والثابت والمتغير في كتابة القصيدة، فسنخلص إلى أن ما يستحق اسم شعر هو ما ألف بين المفردات والنغم(1). وهو يعني قوة السبك، وحسن المعنى، والانسجام الموسيقي، والوحدة العضوية، ونمو وتطور الفكرة في الأبيات من المقدمة إلى الخاتمة. وهذا لا يحققه إلا شاعر حقيقي. وقد أغري غير الشاعر بإمكان تحقيقه ذلك فأنتجت أطنان من الكلام الخاوي قديما وحديثا بمسمى (شعر).

والحقيقة الشعرية في الشعر نفسه ووجود الشاعر المقتدر وليس الأسلوب والطريقة. ومن الحكم النقدية الغالية: إذا حضر الشاعر فسيحضر الجمهور تلقائياً(2). واليوم إذا سُئلنا من أفضل شعراء العربية سنفتح الزمان والمكان ونقول: امرؤ القيس، جرير، أبو نواس، أبو تمام، البحتري، المتنبي، صفي الدين الحلي، أحمد شوقي، الجواهري، بدوي الجبل، السياب، محمود درويش.

ولوجود النقد علتان: ظهور شاعر كبير، وبروز ظاهرة شعرية. لذا لم يظهر نقد جاهلي لانَّ الشعراء تسابقوا بحلبة واحدة. ولا في العصر الأموي بسبب تقليد الشعراء للجاهليين. ونحن نشك بكثير من نقود الشعر الجاهلي كنقد النابغة لشعر حسان بن ثابت، وتفضيل زوجة امرئ القيس علقمة على زوجها، لانها نقود قامت على المعاني وليس الألفاظ وهي مجال اشتغال أشعارهم. والذي عالجه هذا النقد المزعوم (الأشعرية) وهو تفضيل شاعر على آخر، أو المفاضلة بين عدة شعراء، كالمفاضلة بين جرير والفرزدق والأخطل. وتتصف أسباب المفاضلة بالعموميات أحياناً كقول ابن دأب: " الفرزدق أشعر عامة، وجرير أشعر خاصة"(3)، وأحياناً بالسذاجة كقول أحد الشعراء لصاحبه: أنا أشعرُ منك؛ لأنِّي أقول البيتَ وأخاه، وأنت تقولُ البيتَ وابن عمِّه(4).

وللسببين السابقين لم يظهر نقد في الأندلس، فالأندلسيون قلدوا المشارقة تقليدا صنمياً فلم ينتجوا ظاهرة جديدة، ولا برز منهم شاعر كبير بمستوى ابي تمام أو المتنبي. وما ظهر من نقود فبسيط الأهمية وغير أصيل؛ فـ(العِقد الفريد) لابن عبد ربه نقل البضاعة الشعرية والنقدية المشرقية بل أساء اليها. ومثله (العمدة في محاسن الشعر ونقده) اذ ضمَّنه ابن رشيق القيرواني كل شاردة وواردة تخص الشعر ويحتاجها الشاعر، وكله عن المشارقة ومنهم، فهو جامع لما ألفه المشرقيون في الشعر والنقد متفرقاً، هذا اذا عددنا ابن رشيق أندلسياً وهو مغربي. وحازم القرطاجني لم يجعل كتابه (منهاج البلغاء وسراج الأدباء) في شعراء الأندلس، بل كتاباً يتناول قضايا الشعر بشكل عام مثل: أهمية الشعر، بواعثه ، أقسامه، المحاكاة في الشعر، الصدق والكذب، اللفظ والمعنى، بناء القصيدة، المطالع، المخلصات في القصيدة، الأسلوب(5). ولم يتناول المنهاج كالموازنة والوساطة شاعراً أو ظاهرة. وابن شُهيد في (التوابع والزوابع) ترك واقع بلاده الشعري وراح إلى عام فنتازي هو عالم الجن. على أن هذا العالم البعيد عن أندلسه كان قريباً جدا من الشرق؛ ففكرة شياطين الشعراء شرقية ابتكرها عرب الجاهلية في تفسيرهم الساذج للظاهرة الشعرية. كما انه راح يقارع الشعراء المشارقة جاعلا إياهم مقياساً للتفوق، وهو وان تفوق عليهم في الرسالة لم يستطع أن يتفوق عليهم في الواقع فبقوا مقياساً وعقدة للأندلسيين.

وهكذا كل ما يخص الشعر والنقد في المشرق خلقه الواقع وليس الخيال أو التقليد والمجاراة؛ فالامتزاج بين العرب والفرس لغة وحضارة وثقافة والذي توج بظاهرة الشعر الحضري (المولَّد) أنتج (طبقات الشعراء) و(فحولة الشعراء) و(نقد الشعر) و(عيار الشعر) و(البيان والتبيين) و(الحيوان) و(أسرار البلاغة) و(دلائل الإعجاز). وظهور أبي تمام أنتج (الموازنة بين الطائيين)، وظهور المتنبي أنتج (الوساطة بين المتنبي وخصومه). فالنقد يخرج مع خروج شاعر كبير أو ظاهرة شعرية جديدة ومهمة.

النقاد والشعر الجديد

وقف العلماء والنقاد العرب ضد الشعر العباسي الجديد (المولَّد)، وأهمهم: أبو عمرو بن العلاء (ت154هـ)، الأصمعي (ت 216هـ) ابن سلام  (ت 232هـ). ولكنهم اختلفوا في شدة الرفض؛ فأبو عمرو بن العلاء لم يعترف حتى بشعر الأمويين فلم يحتج بشعرهم(6)، ومنهم جرير والفرزدق. والأصمعي اعترف بالأمويين وجعل ابن هَرمة والحكم الخضري، وابن ميادة، ورؤبة، ومكين العذري ساقة الشعراء (أواخرهم)(7). ومثله ابن سلام الجُمحي (332هـ) منح الفحولة للجاهليين والأمويين فقط، واستثنى العباسيين فحولة وشعراً مع تأخره في الزمن ومعرفته فحول الشعراء العباسيين.

وبعد هؤلاء يأتي علماء ونقاد قبلوا الشعر العباسي الا انهم فضلوا عليه القديم. أهم هؤلاء الجاحظ(8) (255هـ) وله آراء تستحق الوقوف عندها.

أولا- جعل الشعر للعرب والعربية فقط، فنفى أن يوجد شعر في الدنيا كلها عدا الشعر العربي " وفضيلة الشعر مقصورةٌ على العرب، وعلى من تكلَّم بلسان العرب"(9). وكان يقصد بالتحديد الشعر الفارسي الناشئ في إيران. والجاحظ جعل النقد عدة للحرب ضد الشعوبيين كما قلنا.

ثانياً- ربط بين قول الشعر والعِرق؛ فالشاعر العربي أشعر من الشاعر الأعجمي الذي يكتب بالعربية ضرورة " والقضية التي لا أحتشِمُ منها، ولا أهابُ الخصومة فيها: أنّ عامّة العرب والأعراب والبدوِ والحضر من سائر العرب، أشعر من عامَّة شعراء الأمصار والقرَى، من الموَّلدة والنابتة"(10).

وهذا الرأي وراء الفكرة الشاذة التي تقول إن الشاعر الكبير والحقيقي يجب أن يكون عربياً فقط، فالشاعر الأعجمي مخير بين أمرين: أن يكون دعي شعر، أو دعي نسب عربياً ناكرا لعروبته، او (ابن حرام)! وتكررت هذه الفكرة مع أكثر من شاعر، سأل أعرابي عن بشار فقالوا: رجل شاعر؛ فقال: أمولى هو أم عربي؟ قالوا: بل مولى؛ فقال: وما للموالي وللشعر! فغضب بشار، ثم ارتجل أبياتاً حمل فيها على العرب(11). وقال أحدهم لابن الرومي يمازحه: ما أنت والشعر؟ لقد نلت منه حظاً جسيماً وأنت من العجم، أراك عربياً في الأصل أو مدعيا في الشعر. فقال: بل أنت دعي إذ كنت تنسب عربياً ولا تحسن من ذلك شيئاً، وأنشده:

إياكَ يا ابن بويبِ         أن يستثار بويبُ

قد تحسن الروم شعراً         ما أحسنته العريبُ(12)

ثالثاً- جعل الشعر الجاهلي الطريقة المثلى لقول الشعر والمقياس لجودته، لذا فغير العربي لا يقوى على مجاراته فينجح في القليل ويتعب في الكثير، بقوله: " ونقول: إن الفَرق بين المولَّد والأعرابي: أنَّ المولَّد يقول بنشاطه وجمع باله الأبياتَ اللاحقَةَ بأشعارِ أهلِ البدو، فإذا أَمعنَ انحلَّتْ قُوَّتُه، واضطربَ كلامُه"(13). فهو لا يعترف بطريقة المولدين لذا فابن الرومي الذي تبلغ قصائده الأربعمائة بيت لا يقدر إلا على الأبيات القليلة إذا كتب على الطريقة الشعرية المثلى. التي وصفها بالاتي " وذهب الشَّيخُ إلى استحسانِ المعنى، والمعاني مطروحةٌ في الطريق يعرفها العجميُّ والعربيُّ، والبدويُّ والقرَوي، والمدنيّ، وإنَّما الشأنُ في إقامةِ الوزن، وتخيُّر اللفظ، وسهولة المخرج، وكثرة الماء، وفي صحَّة الطبع وجَودَة السَّبك، فإنما الشعر صناعةٌ، وضَرْب من النَّسج، وجنسٌ من التَّصوير". أراد بالنسج (الصياغة) و التصوير (الشكل) بلا محتوى معنوي.

وأكثر من الجاحظ قبولاً للشعر العباسي ابن المعتز (296هـ) لأنه شاعر. ولكنه مع ذلك يفضَّل شعر القدماء عليه، فجعل الاقتدار والفصاحة للأعراب والمحاسن والملح للمحدثين(14). وشعره على النمط الأعرابي وان علق شعره ببعض ما للشعر الجديد للمجايلة.

 وأطلق المحافظون مصطلح (المولدين) على (الشعراء الأعاجم)، كما أطلقوا لقب (الشعر المولد) على الطريقة الجديدة غير التقليدية سواء كان الشاعر عربيا أو أعجمياً، فحين سئل أبو عبيدة عن أشعر المولدين قال: السيد الحميري وبشار(15)، والسيد عربي قح. وتسمية الشعر الجديد مولّداً فيه غمز وتسقيط. فالمولَّد لغة: غير العربي الذي ينشأ مع العرب ويتأدب بآدابهم. والكلام المولد: كل لفظ كان عربي الأصل ثم تغيَّر في الاستعمال(16). ولغلبة الأسلوب المولدي على الشعر العباسي قاطبة لأنه أصبح يمثل نمطاً حضارياً، سموا كل شاعر عباسي (أعجمي أو عربي) محدثاً، وسمي شعرهم (شعراً محدثاً). وأرادوا بالمحدث (المبدع) فـ(كل محدث بدعة)(17)، فأبو تمام والبحتري والمتنبي يعدون من المحدثين، وكان أبو العلاء المعري يجعل المتنبي أشعر المحدثين، ويفضله عليهم كلهم(18). 

ودافع العلماء والنقاد العجم عن الشعر الجديد وتبنوه مثل: ابن الأعرابي (ت231هـ)، ابن قتيبة الدينوري(19) (ت 296هـ)، وقدامة بن جعفر(20) (ت 337هـ) والآمدي(21) (370هـ) والثعالبي (ت 429هـ)، وأبو بكر الصولي (ت 335هـ) وعبد القادر الجرجاني(22) (ت 392هـ).

 فابن الأعرابي وان فضَّل القدماء على المحدثين بقوله " إنما أشعار هؤلاء المحدثين مثل الريحان يشمُّ يوماً ويذوي فيرمى به، وأشعار القدماء مثل المسك والعنبر، كلما حركته ازداد طيباً"(23) نقرأ له في موضع آخر إعجابه بأبي العتاهية وبمذهبه اذ عدَّه ضرباً من السحر(24). وألغى ابن قتيبة الزمن معياراً لجودة الشعر أي الغى التعصب للجاهليين "ولا نظرت الى المتقدم منهم بعين الجلال لتقدمه، ولا إلى المتأخر منهم بعين الاحتقار لتأخره"(25). وجعل قدامة بن جعفر الأهمية الكبرى في الشعر للمعنى حين عرف الشعر بأنه " قول موزون مقفى يدل على معنى "(26). وهو مبدأ الشعر الجديد. 

والآمدي كان موارباً في رأيه؛ فقد بدا منتصراً لطريقة العرب القدماء بطرحه نظرية عمود الشعر، الا ان ما طرحه يمثل آراء العلماء فكثيراً ما أحال اليهم. وموازنته كانت بين شاعرين محدثين مزجا بين الطريقتين، وكل ما طرحه احاله الى (صاحب البحتري) و(صاحب ابي تمام). أما رأيه فممكن قراءته من خلل ما طرحه؛ فنحن نراه أقرب الى الشعر الحديث، وكتاب الموازنة بجماعه وجملته ترويج لابي تمام (الخارج عن العمود) أكثر من البحتري (الملتزم بالعمود). ونجده ينتصر للمعنى على اللفظ بالكامل في قوله: " ولو أن أبا تمام حي يخلو من كل لفظ جيد البتة، أو لو أنه قال بالفارسية أو الهندية:

وَإِذا أَرادَ اللَهُ نَشرَ فَضيلَةٍ       طُوِيَت أَتاحَ لَها لِسانَ حَسودِ

لَولا اِشتِعالُ النارِ فيما جاوَرَت       ما كانَ يُعرَفُ طيبُ عَرفِ العودِ

أو قال:

هِيَ البَدرُ يُغنيها تَوَدُّدُ وَجهِها       إِلى كُلِّ مَن لاقَت وَإِن لَم تَوَدَّدِ

أو ما أشبه هذا من بدائعه حتى يفسره بكلام عربي منثور، أما كان هذا يكون شاعراً محسناً باعثاً شعراء زمانه من أهل اللغة العربية على طلب شعره وتفسيره واستعارة معانيه؟ فكيف وبدائعه مشهورة، ومحاسنه متداولة، ولم يأت إلا بأبلغ لفظٍ وأحسن سبكٍ"(27).

أما الثعالبي (ت 429هـ) ففضَّل الشعر العباسي على كل شعر قبله في قوله: " كانت أشعار الإسلاميين أرق من أشعار الجاهليين، وأشعار المحدثين (العباسيين عامة) ألطف من أشعار المتقدمين (جاهليين وأمويين)، وأشعار المولدين (المجددين) أبدع من أشعار المحدثين، وكانت أشعار العصريين (المعاصرين لزمانه) أجمع لنوادر المحاسن، وأنظم للطائف البدائع من أشعار سائر المذكورين؛ لانتهائها إلى أبعد غايات الحسن، وبلوغها أقصى نهايات الجودة والظرف، تكاد تخرج من باب الإعجاب إلى الإعجاز، ومن حد الشعر إلى حد السحر، فكأن الزمان ادخر لنا من نتائج خواطرهم، وثمرات قرائحهم، وأبكار أفكارهم أتم الألفاظ والمعاني استيفاء لأقسام البراعة، وأوفرها نصيباً من كمال الصنعة، ورونق الطلاوة"(28). وانتصر الصولي للشعر الجديد بوضعه كتاباً في أبي تمام (أخبار أبي تمام)، وعبد القادر الجرجاني وضع كتاباً في المتنبي (الوساطة بين المتنبي وخصومه).

ونجد لنقاد عرب انتصاراً للشعر الجديد لأنه صار نمطاً حضارياً وليس أسلوباً أعجمياً، قال المبرد الأزدي (ت 286هـ)  " وليس لقدم العهد يفضَّل القائل، ولا لحِدثان عهد يهتضم المصيب"(29). وأفرد ابن طباطبا العلوي (ت 322هـ) في كتابه (عيار الشعر) باباً باسم (أشعار المولدين) وترجم لثلاثين شاعراً منهم. ولكنه جعل المحدثين عيالاً على القدماء في كثير من أساليبهم ومعانيهم(30).

وبالمحصلة انتصر الواقع الشعري والنقدي والذوقي للشعر الجديد؛ ذكر الخطيب البغدادي أن مروان بن أبي حفصة – وكان يقلد القدماء – مدح الخليفة بقصيدة طويلة جداً، وصف فيها ناقته من خطامها إلى خفَّيها، والفيافي من اليمامة إلى باب الخليفة أرضاً أرضاً، وجاء أبو العتاهية فمدح الخليفة ببيتين فقط على طريقة المحدثين فضعضع بهما شعر ابن حفصة، فساوى الخليفة بينهما في الجائزة(31)!!

المعنوية

 كان الشعر العباسي متجاذباً بين السليقة العربية والسليقة الأعجمية، ففي هذا العصر أخذ الفرس مواقعهم المتصدرة في كافة الميادين ومنها الشعر. وجاء تأثير الفرس من ناحيتين الأولى: الشعراء العجم (فرس وغيرهم) الذين عاشوا في أكناف العرب وكتبوا باللغة العربية كبشار، وأبي نواس، وأبي العتاهية، وصريع الغواني، وابن الرومي، ومهيار الديلمي. والثانية: نشوء شعر فارسي في إيران.

 أهم مسألة أضافها الشعراء العجم المستعربون هي الاشتغال على المعنى بدل اللفظ الذي كان ميدان اشتغال الشعر العربي منذ الجاهلية، مأخوذين ومنطلقين من طبيعة لغاتهم. وأدت هذه السمة إلى حراك نقدي كبير ولدت إثره نظريات كبيرة كنظرية (المعاني المطروحة) و(الألفاظ والمعاني) و(الطبع والتكلف) وهي مصطلحات متقاربة الدلالة، وصارت (المعنوية) حقيقة لم يجد الشعر العربي بداً من الأخذ بها.

وكان الشعر العربي قبل هذا العصر يتبختر بجمال وجزالة ألفاظه ويعطيها الأولوية في التعبير، فاللفظة لا تستعمل لعرض المعنى كما يعرض القميص البدن، بل هي مقصودة بذاتها وجزء لا يتجزأ من الإبداع الشعري. فكان استعمال الألفاظ من الشعراء ذوي النمط العربي فيه صرامة، بحيث من الصعوبة إبدالها بألفاظٍ غيرها دون تأثر الشعر، وهذه القضية أشرها المعري في شعر المتنبي الذي جارى القدماء(32).

   ولفظية الشعر العربي ليس خلوه من المعاني- كما يتوهم البعض- ولكن جعل اللفظ الأساس في إبداع الشعر، وعدم تركيز الاشتغال على المعاني لضيق أفق حياة العرب الجاهليين، وكذلك ضعف عنصر الخيال الذي يعزز آليات المعنى وعمقه. وهو ما وضحه ابن رشيق بقوله " إنَّ المعاني اتسعت لاتساع الناس في الدنيا، وانتشار العرب بالإسلام في أقطار الأرض، فمصروا الأمصار، وحضروا الحواضر، وتأنقوا في المطاعم والملابس، وعرفوا بالعيان عاقبة ما دلتهم عليه بداهة العقول من فضل التشبيه وغيره"(33). ومعنوية الشعر المولد هو بناؤه على المعنى، واللفظ فيه إناء لحمل المعنى، لذا يمكن تغييره دون ضرر بالإبداع. ولشرح معنى اللفظية والمعنوية نورد قول امرئ القيس:

فلَمَّا أَجَزْنا ساحَةَ الحَيِّ وانتَحَى         بنا بَطْنُ خَبْتٍ ذي حِقافٍ عقَنقَلِ

هَصَرْتُ بفَودَيْ رأْسِها فَتَمايَلَتْ         عليَّ هَضِيْمَ الكَشْحِ رَيَّا المُخَلخَلِ

مُهَفهَفَةٌ بَيضاءُ، غَيرُ مُفَاضَةٍ         تَرائِبُها مَصْقُولَةٌ كالسَّجَنْجَلِ

كَبِكْرِ المُقاناةِ البَياضِ بِصُفْرَةٍ         غَذاها نَميرُ المَاءِ غَيرُ المُحَلَّلِ

تَصُدّ وتُبدي عَنْ أَسِيْلٍ وَتَتّقي         بناظِرَةٍ منْ وَحشِ وَجرَةَ مُطْفِلِ(34)

فالأبيات قائمة على جمال اللفظ، وتلاحمه وانسجامه،  وموسيقاه الطاغية المؤثرة. أما إذا فتشت عن المعنى فلا تجد معنىً عميقاً، ولا خيالا محلقاً، ولا وصفاً شعورياً داخياً، بل حاول الشاعر وصف ما وجده ظاهراً من دقة الخصر وصقل الصدر، واللون الأبيض المصفر، والخد الطويل، والعين الواسعة وهذه أوصاف عامة لا يميزها الا صنعة الشاعر اللفظية. وقد كانت الألفاظ أوتاد الخيال فمنعت الشعر من التحليق السماوي فظل يبحث في الأرض. وبالمقابل نقرأ شعراً ليس للفظ أهمية فيه، اعتمد على المعنى فقط في إبداعه فجاء بالمعجب المطرب، كقول أبي العتاهية:

أَعلَمتُ عُتبَةَ أَنَّني       مِنها عَلى شَرَفٍ مُطِلُّ

وَشَكَوتُ ما أَلقى إِلَيها وَالمَدامِعُ تَستَهِلُ

حتى إِذا بَرِمَتْ بِما       أَشكو كَما يَشكو الأَذَلُّ

قالَت فَأَيُّ الناسِ يَعلَمُ ما تَقولُ؟ فَقُلتُ: كُلُّ(35)

ونورد مثالاً آخر للمعنوية بالفارسية لشرف خان البدليسي يصف الكلام البليغ:

بگو أي سخن كيمياي تو چيست                  عيار ترا كيميا ساز كيست

كه جندين نكار از تو برساختند                    هنوز از تو حرفي نپرداختند

أگر خانه خيزي قرارت كجاست                   ور از در درآيي ديارت كجاست

زما سر برآري وبامانه                             نمايي بما نقش وپيدانه

ندانم چه مرغي بان نكويي                         زما يادگاري كه ماند تويي

الترجمة:

قل لي: أيها الكلام! ما حكمتك؟ ما كيمياؤك؟ ومن الذي نقد عناصرك حتى أصبحت تحاك منك التصاوير والتماثيل؟ ولكن لم يُقل للآن بشأنك حرف واحد. إن كنت من سكان البيوت فأين مقرك؟ وان كنت تدخل من الخارج فأين موطنك؟ تبدي رأسك من بيننا ولستَ منا، ترينا صورتك المنقوشة ولكن ليس لك مظهر في الخارج. لا أدري أي طائر أنت بهذا الشكل؟ يا من تبقى التذكار الوحيد بيننا"(36).

   لقد وصف البدليسي الكلام من الداخل: الكنه، الجوهر، الماهية، الجمالية، بانبهار ملحوظ عليه. ولم يعنَ بانتقاء الألفاظ فتحرر منها وانطلق في عالم المعنى إلى أغوار بعيدة بخيال مجنح سمواً، وقد شاعت في أشعار الفرس التشبيهات المعتمدة على الخيال(37). وجاء البدليسي بوصف جديد اعتمد على التجسيد مخترقاً مرحلة الاستعارة، فعامل الشعر وكأنه مخلوق كامل كالإنسان بل أفضل منه لأنه يبقى خالداً بينما يفنى الإنسان، ولكن هذا المخلوق لا جسد له. وراح يخاطبه دائراً حول هذا المفهوم، فهو يستفهم عن كنهه وعنصره ومقره. وقد استطاع أن يضخ طاقة من الأفكار والمعاني في ألفاظه بكمية أكبر، والسبب هو التفكير الشعري المعنوي لدى البدليسي.

ومثله قول الشاعر الانگليزي شكسبير في مسرحية مكبث:

(38)(Macbeth does murder sleep, the innocent sleep)

الترجمة: (مكبث يقتلُ النعاسَ.. النعاسَ البريء)! وكان مكبث قد قتل (دنكان) وهو نائم مطمئن عنده. فشكسبير اراد وصف بشاعة القتل وليس القتل، فجعله يقتل النعاس، ونعتَ النعاس بالبراءة ليسقطها على حالته. فالشاعر لم يبحث عن الفاظ للتعبير عن صورته، بل غاص في أعماق سحيقة في المعنى، كما استعمل الخيال وهو من لوازم المعنى في تعبيره الساحر. ومثل البدليسي اخترق مرحلة الاستعارة إلى التجسيد، فجعل النعاس شخصاً يُقتل.

 وطريقة المعنى التي دخلت في بداية العصر صراعاً مريراً مع طريقة الألفاظ المتوارثة راحت تتسيد باطراد في العصر العباسي، ثم عادت اللفظية إلى الصعود مع أبي تمام والبحتري والمتنبي وأضرابهم، ثم انحسرت موجتهم وتراجع اللفظ الجزل، ذكر ابن وكيع التنِّيسي (ت 393هـ) أن على شعراء عصره أن يجعلوا أشعارهم قريبة من الأفهام، وان الخواص في معرفتها كالعوام، ولاسيما مع زهد الناس في الأدب في هذا العصر(39). حتى إذا وصلنا القرن الخامس والسادس الهجري صار تقديم الشعر الجاهلي مبدأ معكوساً(40).

 ولما كان قوام الشعر العباسي (المولد) المعنى، أراد الجاحظ أن ينسف هذا الشعر من أساسه بطلبه أن يقوم الشعر على مظاهر لفظية هي: الطبع (وهم يجعلونه للفظ والتكلف للمعنى)، والصناعة والنسج (الصياغة) والتصوير (شكل الشعر).  قال الجاحظ " وذهب الشَّيخُ إلى استحسانِ المعنى، والمعاني مطروحةٌ في الطريق يعرفها العجميُّ والعربيُّ، والبدويُّ والقرَوي، والمدنيّ، وإنَّما الشأنُ في إقامةِ الوزن، وتخيُّر اللفظ، وسهولة المخرج، وكثرة الماء، وفي صحَّة الطبع وجَودَة السَّبك، فإنما الشعر صناعةٌ، وضَرْب من النَّسج، وجنسٌ من التَّصوير"(41). ومثله قول الأصمعي حين سئل: من أشعر الناس؟ قال من يأتي إلى المعنى الخسيس فيجعله بلفظه كبيراً(42).

 وقلب عبد القاهر الجرجاني (ت 471هـ)- وهو أعجمي - معادلة الجاحظ وجعل أهمية الشعر بمعناه لا بمبناه، واعتنق فكرة المعنى، وآمن بسلطان العقل وبُعد أثره في الأدب كبعد أثره في الحياة وفي تقدير صاحبه عند الناس. وهذه الفكرة كانت ردة فعل عن فكرة الجاحظ في نصرة اللفظ وتقدير الصورة وجعلها مجال الافتتان ومجال التفاوت بين الأدباء. وكان صنيع عبد القاهر أن يجمع فنون البلاغة حول فكرته، ويجعلها تنقاد لرأيه بعد أن رأى طغيان فكرة الجاحظ على بيئات الأدب والنقد، وبعد أن رأى سيل الصناعة يطغى على الأعمال الأدبية، ورأى النقاد قد جعلوا هذه الصناعة من أهم المقاييس التي يقيسون بها جودة تلك الأعمال(43).

كما نجد قدامة بن جعفر يجعل بتعريف الشعر الأهمية الكبرى للمعنى بأنه: " قول موزون مقفى يدل على معنى "(44). مضيفاً " المعاني بمنزلة المادة الموضوعة، والشعر فيها كالصورة، كما يوجد في كل صناعة من أنه لا بد فيها من شيء موضوع يقبل تأثير الصور منها، مثل الخشب للنجارة، والفضة للصياغة"(45). فجعل المادة الأهم (الخشب للنجارة، والفضة للصياغة) بمثابة المعنى للشعر.

 لقد سار الخطان: شعراء اللفظ كابن هرمة والسيد الحميري وعمارة بن عقيل والبحتري والمتنبي والمعري، وشعراء المعنى كوالبة بن الحباب ومطيع بن إياس وأبي نواس وأبي العتاهية وسلم الخاسر وأغلب شعراء القرون العباسية التالية، معاً في هذا العصر. ولكن لم يكن الخطان متوازيين لا يلتقيان، بل اخذ كلٌّ من الآخر. فالبحتري - الذي جعله الآمدي من الملتزمين بعمود الشعر العربي – نجد عنده إلى جنب الألفاظ الجزلة ألفاظاً سلسة إلى درجة الابتذال، وكثير من صوره وأمثاله العميقة ضاعت في تلك السلاسة(46). كما نجد المتنبي وهو مجلجل اللفظ على أسلوب القدماء يفتخر بأنه (ربّ المعاني الدقاق)(47)، وذكروا أن العتابي حين تثقف بالثقافة الفارسية أصبح أديبا ممتازاً غزير المعاني في شعره روح غير مألوف(48). وبالمقابل نجد بشاراً يصرّ على أن يبني إحدى قصائده (أعرابية وحشية)، ونجد أبا نواس يكتب على الطريقتين باقتدار فائق ويسجل إعجاب النقاد والشعراء معاً.

وكان كبار شعراء القرن الثالث والرابع يوازنون في العناية بين اللفظ والمعنى، ولكن العصور اللاحقة أنتجت شعراء معنويين فقط كابن الوردي والبهاء زهير فهبطوا في ميزان الشعر؛ لان الشعر العربي لا يمكن له التخلي عن اللفظية كلياً. ثم صارت المعنوية - بما تهيئه من تحليق الخيال والرمزية والتكثيف والعمق والآليات البيانية - أساس منطق (الحداثة) لدى شعرائنا الحداثويين.

ولكن الحقيقة الشعرية العربية تقول: إنَّ الشعر يجب أن ينال من خصوصية اللفظية بقدر لكي ينجح شعراً عربياً، وإلا سيكون مرحلياً فقط ولا يكتب له الخلود. وإذا أراد الشاعر أن يكتب بغير الأسلوب العربي (أي بترك اللفظية) ككثير من الشعر المولّد، فإنه سيكون دون مستوى الشاعر الذي يكتب بالأسلوب العربي اللفظي قطعاً. فأبو العتاهية وأبو دلامة لتجاهلهم اللفظ في الإبداع كانوا دون شعراء عجم اهتموا بها كبشار بن برد وأبي نواس.

وهذا ينطبق على شعرائنا المعاصرين فأحمد شوقي والجواهري وبدوي الجبل في قمة الشعراء لأنهم أجادوا الكتابة بلفظية، وتأخر عنهم بقية الشعراء أو تلاشوا في الزحام. ويتقدم للسبب نفسه السياب على الرواد وسائر شعراء جيله. ومن مظاهر اللفظية عند السياب استخدام بعض الألفاظ الجزلة مثل (الجثام) و(الجوسق)، والاعتماد على الألفاظ في صنع المعنى كقوله: ((هذا لكلِّ) اللاجئين، و(كل هذا) لليهودٍ). والدقة في اختيار اللفظة في تمثيل المعنى كقوله:

أو كالفرات على ملامحه

(دعة الثرى) و(ضراوة الذهبِ)(49)

فهذه هي خصوصية الشعر العربي الخالدة.

عمود الشعر

 استعير مصطلح (عمود الشعر) من الخيمة الجاهلية، وهو في القاموس قوام الشيء الذي لا يستقيم إلا به(50)؛ فالشعر إذن لا يستقيم إلا بطريقة العرب الموروثة(51). وبهذا فإنَّ نظرية عمود الشعر أرادت طرد الشعر الجديد من الشعرية. وحين فرض الشعر العباسي الجديد نفسه، صارت النظرية مقياساً ينتصر للقديم حسب، فأبو تمام الخارج عن عمود الآمدي أصبح مع العمود عندما ظهر المتنبي، الذي أصبح بدوره خارجه، ثم بـ(وساطة) الجرجاني تضمنه العمود، وقد أضاف إليه (كثرة الأمثال السائرة والأبيات الشاردة) لتميز المتنبي بها. واليوم نقول (قصيدة عمودية) إشارة إلى أنها  كلاسيكية على طريقة العرب، ولا نختلف مع العموديين في التسامح التنازلي حين ندخل في العمود كل قصيدة ذات شطرين!

 لم يكن الآمدي مخترع (نظرية عمود الشعر) فقد ذكرها صاحب الأغاني قبله(52)، وصاحب الأغاني لم يبتدعها بدوره، بل وجدت فيما اعتقد مع نشوء الشعر المولد. ويؤكد الآمدي ذلك بنسبة النظرية إلى (أهل العلم) في قوله " وليس الشعر عند أهل العلم به إلا حسن المأتى، وقرب المأخذ، واختيار الكلام، ووضع الألفاظ في مواضعها، وان يورد المعنى باللفظ المعتاد فيه، المستعمل في مثله، وان تكون الاستعارات والتمثيلات لائقة بما استعيرت له وغير منافرة لمعناه"(53). والآمدي بحكم أعجميته كان اقرب إلى الشعر الجديد، وذكرنا انه انتصر للمعنى في الموازنة. وهو لم يفضل أحد الشاعرين، بل عرض أسلوبيهما، واستعرض الآراء فيهما وترك للقارئ الاختيار. وهو في عمود الشعر يطرح آراء العلماء بالشعر، وربما تبنى بعضها.

 ويبدو من قراءة أشعار المولدين وكتب النقد ان الشعر المولد لم يقطع الصلة بقوانين الشعر الجاهلي، وان المتشددين بالغوا في ذلك. وجاء طرح (عمود الشعر) في وقت استعاد الشعر العربي الكثير من ملامحه العربية، فأبو تمام والبحتري منحا الألفاظ أهمية توازي المعنى، واستمر ذلك مع الجيل الذي بعدهم كالمتنبي والمعري والشريف الرضي. ولكن القضية في المستوى الحضاري والفكري الذي وصله العصر والشعر. فالشعر صار تشترك في إنتاجه الموهبة والعقل معاً، وصار البيت الشعري يقوم على فكرة يختلف عمقها مع مستوى الشاعر، وهذا نلمسه بشكل أكبر في شعر المتنبي كما سنوضح.

ولما كان البحتري لا ينقر على المعنى كثيراً عدوه مع العمود كالشعر الجاهلي في بساطة عمقه، وأبو تمام عدوه خارج العمود لعمق معانيه، وحضارية شعره المتمثلة بالاستعارة البعيدة التي أرادت كسر حاجز اللغة للوصل إلى مستوى خارق من التعبيرية. لذا سميت معاني أبي تمام (مولـّدة) أي لا تشبه معاني العرب، وينقل الامدي عن العلماء " كثير مما أتى من المعاني لا يعرف ولا يعلم غرضه فيها إلا بعد الكد والفكر وطول التأمل، ومنه ما لا يعرف معناه إلا بالظن والحدس"(54). وهذا كما قلنا يتعلق بعصر أبي تمام (عصر الشاعر المثقف) الذي يكون لمعانيه عمق ودقة. وهو ما اشار اليه المتنبي بقوله:

شاعر المجد خدنه شاعر اللفظ كلانا ربُّ المعاني الدقاقِ(55)

ولم يكن أبو تمام كما قالوا بعيداً عن التراث قاطع الصلة به، بل هو أولى الناس بمذاهب العرب(56)، وشعره قوي الوشائج بالشعر القديم، ونحن نجد في كل فكرة طرحها أصولا قديمة. والبحتري لم يفلت شعره من المذهب الجديد، كما أكد ذلك الآمدي نفسه " وما رأيتُ شيئاً مما عيب به أبو تمام إلا وجدتُ في شعر البحتري مثله، إلا انه في شعر أبي تمام كثير وفي شعر البحتري قليل"(57). وكان المرزوقي أدرك من الآخرين لهذه الحقيقة حين أعلن أن الشاعر قد يكون مع العمود بكل شعره، وقد يكون معه في بعضه(58). أي أن شعر الشاعر متفاوت في الانتماء إلى العمود؛ فأدرج الشعراء كلهم في العمود قصد أم لم يقصد.

فما عمود الشعر؟

جزء منه يخص الألفاظ والمعاني ( حلاوة الألفاظ)(صحة المعاني)(الطبع والتكلف)، وجزء يخص البديع (التجنيس والمطابقة)، وجزء يخص الاستعارة وهذه تتعلق بالأسلوبية والشعرية، وجزء يخص الموضوعات القديمة؛ وقد استهلك الآمدي نهاية الجزء الأول من كتابه وعامة الجزء الثاني في مقابلة شعر الشاعرين فيها وكلاهما كان ملتزماً بالموضوعات القديمة.

 فالنظرية جماع ما قاله المتشددون السابقون في ماهية الشعر، وإلزامه بتقليد القديم، ومآخذهم على الشعر الجديد. فهي تنتصر للفظ وترفض أن يكون توليد المعاني أساساً، فالشعر يحتاج إلى البناء والعروض والقوافي(59)، وهو رأي الجاحظ بأن المعول عليه في الشعر " إقامة الوزن وتخير اللفظ وسهولة المخرج وكثرة الماء وصحة الطبع وجودة السبك"(60) أي دون الاهتمام الجاد بالمعاني. ومصطلحا (الطبع) و (التكلف) يتبعان اللفظ والمعنى؛ فالذي ينقّر على المعنى متكلف، والذي يعتمد على الألفاظ فقط بلا إزعاج الغوص على المعاني مطبوع. وجزالة الألفاظ عابوا بها كثيراً من شعر المولدين. ويقصد بـ(وضع الألفاظ في مواضعها) ما اعتاده الجاهليون من استعمال الألفاظ وإلا فهو مخالف للعرف اللغوي كقول أبي تمام:

إذا ما رحى دارت أدارت سماحة                   رحى كل انجاز على كل موعدِ(61)

فجعل انجاز الوعد بمثابة طحنه بالرحى، وهو قضاء عليه وذلك في العرف اللغوي لا يكون إلا للإخلاف. وقوله (المستعمل في مثله) أي ما تواتر من استعمال الألفاظ للمعاني، فيكون قول أبي تمام: 

أجدر بلوعة جمرة إطفاؤها                 بالدمع أن تزداد طول وقودِ(62)

" خلاف ما جرت عليه العرب (العرب = الجاهليين)، وضد ما يعرف من معانيها، لان المعلوم من شأن الدمع أن يطفئ الغليل"(63). واذا صح ما قالته العرب فلماذا ابيضت عينا يعقوب من البكاء دون أن تشفي دموعُه غليلَه؟

وعمود الشعر استبعد البديع إلا ما جاء عفو الخاطر، لأنه جاء هكذا في أشعار الأوائل، مردداً بذلك الفكرة التي قالها عبد الله بن المعتز في كتابه (البديع). أما البديع المقصود والملحوح فيه كبديع أبي تمام فخارج العمود. ولكن البديع سمة عصرية لم ينج منها حتى شعر البحتري، ولكن (صاحب البحتري) دافع عن بديعه " حصل للبحتري انه ما فارق عمود الشعر وطريقته المعهودة مع ما نجد في شعره من الاستعارة والتجنيس والمطابقة ". ونقل الآمدي عن حذيفة بن محمد (العالم بالشعر) أنه قال: " إن أبا تمام يريد البديع فيخرج إلى المحال"(64). وكانت حملة العموديين الأشنع على (الاستعارة) لأنها هوية الشعر الجديد. وهي درجة أعلى في الشعرية والمعنوية، أو هي كما يقول أرسطو (عنوان العبقرية).

 إن استقراء الشعر الجاهلي يرينا اعتماده على التشبيه البسيط بالدرجة، كقول طرفة وقد استعمل التشبيه في أبيات متتالية:

كأن علوب النسع في دأياتها             موارد من خلقاء في ظهر قرددِ

تلاقى وأحيانا تبين كأنها                  بنائقُ غر في قميصٍ مقدَّدِ

واتلع نهاض إذا صعَّدت به               كسكان بوصي بدجلة مصعدِ

وجمجمة مثل العلاة كأنما                وعى الملتقى منها إلى حرف مبردِ

وخدٍّ كقرطاس الشآمي ومشفرٍ           كسِبتِ اليماني قدُّه لم يحرَّد(65)

بينما يقلب الشعر العباسي المعادلة فتكثر الاستعارة والصور الشعرية القائمة عليها، كقول أبي تمام وقد استعمل الاستعارة في أبيات متتالية:

في مكر للروع كنتَ أكيلاً                  للمنايا في ظله وشريبا

لقد انْصعتَ والشتاء له وجه يراه الكمــــــــــــاة وجهاً قطوبا

طاعناً منحر الشمال متيحاً               لبلاد العدوِّ موتاً جنوبا

في ليالٍ تكاد تبقي بخدِّ الشمــــــــس من ريحها البليل شحوبا

فضربت الشتاء في اخدعيه              ضربة غادرته عوداً ركوبا(66)

وعلى الرغم من أن أصحاب العمود أضافوا الاستعارة وذكروا فضلها، إلا أنهم قتلوها؛ فقد اشترطوا أن " تكون الاستعارات والتمثيلات لائقة بما استعيرت له" والجرجاني اشترط " مناسبة المستعار للمستعار له". كما لصقوا باستعارات المجددين تهمة الغلو والمبالغة ووضعوا مقابلها (الصدق). وذكر الآمدي أنهم عدوا استعارات أبي تمام قبيحة، هجينة، غثة، وبعيدة عن الصواب كقوله (وضربت الشتاء في اخدعيه) " فجعل – كما ترى – للدهر أخدعاً ويداً تقطع من الزند وكأنه يصرع"(67). ومثله (ماء الملام) على الرغم من ورود مماثل له في الموروث؛ فاستعمل ذو الرمة (ماء الصبابة)  و(ماء الهوى)، واستعمل عمر بن أبي ربيعة (ماء الشباب)، واستعمل العتابي (ماء الشوق)، وأبو نواس (ماء الكلام)(68). وهذا يدل على أن أبا تمام لم يبعد عن الموروث كما ادعوا.

إذن عمود الشعر سعى إلى إخلاء الشعر من الخيالية التي تمنحه إياها الاستعارة وجعله (شعراً صاحياً)، لا يستطيع الارتفاع عن الواقع الجاف إلا قليلا، لان الشاعر الجاهلي - كما افترضوا- واقعي استقى (بعينه) لا (بعقله الحضاري) شعره. وهذا غير صحيح أبداً فواقع الشعر الجاهلي لا يثبت هذا ولا يؤكده؛ إذ توجد استعارات على شاكلة استعارات أبي تمام، مما جعلهم – وتبنى الامدي ذلك - يجدون لها تخريجاً وتعليلا لتنطبق مع فرضيات عموده الشعري، ومن ذلك استعارات لامرئ القيس وزهير بن أبي سلمى وطفيل الغنوي وعمرو بن كلثوم وحسان بن ثابت وأبي ذؤيب الهذلي. فقال الامدي عن استعارة امرئ القيس:

فـقلت له لما (تمطى بصلبه)             و(أردف أعجازا) و(ناء بكلكل)

" فلما جعل له وسطاً يمتد وأعجازا مرادفة وصدراً متثاقلا في نهوضه حسن أن يستعير للوسط اسم الصلب... وهذه اقرب الاستعارات من الحقيقة"!! وقال عن استعارة زهير:

صحا القلبُ عن سلمى واقصر باطلهْ                    و(عرِّي افراس الصبا ورواحلهْ)

 

" لما كان من شأن ذي الصبا أن يوصف أبداً بان يقال: ركب هواه، وجرى في ميدانه، وجمح في عنانه، ونحو هذا، حسن أن يستعار للصبا اسم الأفراس، وان يجعل النزوع أن تعرّى أفراسه ورواحله، وكانت هذه الاستعارات أيضا من أليق شيء بما استعيرت له"(69). وهذه تخريجات مخجلة لا تليق بالعلم والعلماء. وهذا يشي بأن عمود الشعر كان الجزء الأعظم منه تسييد طريقة القدماء.

السرقات الشعرية

لكل زمن بضاعة شعرية يزدحم عليها الطلب فتغلو وتستنفد، مما يلزم إعادتها وتكرارها. ففي العصر الجاهلي كانت البضاعة النافقة الألفاظ الجزلة الخلابة، فاستنفدوها وكرروها:

ما أرانا نقول الا معاراً                               أو معاداً من قولنا مكرورا(70)

وفي العصر العباسي كانت المعاني الجديدة والغريبة، وفي نهاية العصر والعصر الوسيط كانت البديعيات الغريبة، وفي العصر الحديث الشكل الشعري والضربة.

حين اشتغل الشعر العباسي على المعنى باطراد حدثت أزمة المعنى والصور الجديدة، طبعاً يستثنى من ذلك المبدعون الكبار(71) وهم قلة، وأواسط وصغار الشعراء وهم السواد الأعظم أحسوا بقلة البضاعة، وهؤلاء هم وراء ما عرف بالسرقات الشعرية. إلا أننا نجد كتب السرقات تكاد لا تستثني شاعراً عباسياً من السرقة، فألف ابن وكيع التنيسي والحاتمي كتاباً مستقلا في سرقات المتنبي. وزخرت كتب كثيرة مثل (حلية المحاضرة) و(الموازنة) و(العمدة) وغيرها بالسرقات. وأوصل البديعي في (الصبح المنبي) أنواعها إلى خمسة عشر ضرباً بين محمود ومذموم(72).

ونؤشر فيما ذكرته كتب الشرقات:

  1. وجود تعسف وتحامل، ككثير مما زعمه الصاحب بن عباد عن المتنبي، وما قاله الحاتمي ان المتنبي سرقه من أرسطو، فأورد ما لا يصلح للمقابلة وتعسف في ذلك(73).
  2. بعض السرقات وقعت دون قصد، وهو ما علله المتنبي بقوله " الشعر جادة، وقد يقع الحافر موضع الحافر"(74).
  3. بعضها ما يقع للشاعر من تراكم ثقافته المختلفة فتصبح خزيناً من الأفكار والمسلمات فلا يجد ضيراً في صياغتها شعراً كقول المتنبي: 

وأكبِر نفسي عن جزاءٍ بغيبةٍ                وكلُّ اغتياب جهدُ من ما له جهدُ(75)

وهو من قول الإمام علي: " الغيبة جهد العاجز"(76).

  1. بعضها استظراف الشاعر لبيت من شعر غيره دون رغبة في تحديه أو سرقته كقول المتنبي:  

ما بالُ هَذي النُجومِ حائِرَةً       كَأَنَّها العُميُ ما لَها قائِدْ(77)

أخذه من العباس بن الاحنف في قوله:

وَالنَجمَ في كَبِدِ السَماءِ كَأَنَّهُ       أَعمى تَحَيَّرَ ما لَدَيهِ قائِدُ(78)

وعدها الثعالبي مصالتة (أي إغارة بالسيف) وليست سرقة، وهي مذمومة جداً عند النقدة(79). ولم يرد المتنبي غير ما ذكرنا فهو في غنى عن السرقة والإغارة.

  1. توجد سرقة بالفعل وقصدية بأخذ معنى مسبوق إليه كقول سلم الخاسر:

مَن راقَبَ الناسَ ماتَ غَمّاً       وَفازَ بِاللّذَّةِ الجَسورُ(80)

أخذه مع العلم والقصد من أستاذه بشار إذ يقول:

مَن راقَبَ الناسَ لَم يَظفَر بِحاجَتِهِ       وَفازَ بِالطَيِّباتِ الفاتِكُ اللَهِجُ(81)

على أن هذا لا يشكل إلا جزءاً طفيفاً من شعر الكبار، وتسمية اخذ معنى أو إشارة إلى معنى سرقة باطل، فالسرقة هي ادعاء قصيدة كاملة. واخذ البيت والبيتين وحتى أكثر لا تصنع شاعراً، وقد عالج احمد شوقي هذا الموضوع في مسرحيته الشعرية (مجنون ليلى) بقوله:

فقد يسطى على بيتٍ             وقد يسرق بيتانِ

وقد ينتحلُ الإنسانُ أبياتاً لإنســـــــــــــــانِ(82)

ووصف ابو تمام قصائده بانها:

منزهة عن السرق المورى               مكرمة عن المعنى المعادِ(83)

وأرى أن جزءاً كبيراً من هذه السرقات من إفرازات الصراع حول اللفظ والمعنى، واستُعملت سلاحا لإسقاط الشعراء المجددين. والعجيب أن النقاد المحافظين لم يذكروا للجاهليين سرقات؛ فطرفة نقل بيتاً كاملاً من معلقة امرئ القيس عدا تبديله (تجلد) بـ(تجمل)، ولكن لاشتغال الشعر الجاهلي على (الألفاظ) فإن العلماء تجاوزوا السرقات فيه لأنهم لم يعدوا التشابه في الألفاظ سرقة(84). والاشتراك بين شعرائهم لا حد له، بل قد يقول شاعر صدر البيت فيكمل له الآخر العجز فيحسب الشعر له ولا يعد في السرق! ولم يعدُّوا تعاور المعاني بين الأوائل من السرق أيضا وهو أصل فكرة السرقات التي الصقوها بالمحدثين، وكلهم يروي أن بيت الشماخ:

مأخوذ من حديث الأنصارية مع الرسول (r)، وتعاوره عبد الله بن رواحة وذو الرمة(85) ولكنهم لم يتهموا بالسرقة. بل غضوا الطرف عن سرقات الفرزدق العلنية التي يتندر بها، وكان الأصمعي يقول:" تسعة أعشار شعر الفرزدق سرقة"(86)، إلا أن كتب السرقات تجعل السارق عباسياً فقط.

والحق إن المدرسة الجديدة أحيت المعاني القديمة وبثت فيها روحا جديدة، واستوفت ما لم يستوفه أصحابها. فأعيد نخل الأشعار وأعيدت صياغتها فضلا عن توليد المعاني الجديدة. وإذا غلا أهل السرقات بإسقاط الشعراء المجددين، فبالمقابل وضع هؤلاء المجددون قوانين تبيح للشاعر المعاني إذا أجاد التصرف فيها، فقالوا: وشعر أبي تمام أجود مبتدأ ومتبعاً، وهو أحق بالمعنى. والسبب في ذلك أن هؤلاء المحافظين يرفضون أن يكون توليد المعاني أساسا في الشعر لأنه بدعة عباسية فالشعر العربي يكون إبداعه الحقيقي في ألفاظه وجزالتها وذلك مذهب العرب فكان هو المعيار" فاللفظ أغلى من المعنى ثمناً، وأعظم قيمة، وأعز مطلباً فان المعاني موجودة في طباع الناس يستوي الجاهل فيها والحاذق ولكن العمل على جودة الألفاظ وحسن السبك وصحة التأليف"(87).

وقد مارس أصحاب السرقات دكتاتورية فريدة من نوعها في تاريخ آداب الشعوب فقرروا وحدهم وعلى رغم انف الشعراء والمتلقين أن هذا أخذ من ذلك، وأن ذا اخذ من ذاك حتى أتوا بالمفضوح في أحيان كثيرة؛ كاتهام العميدي للمتنبي بالسرقة من بديع الزمان الهمذاني الذي ولد بعد موت المتنبي بأربع سنوات! وجعل الآمدي قول أبي تمام:

السيف أصدق أنباء من الكتبِ           في حدّه الحدّ بين الجد واللعبِ

مسروقاً من قول الكميت بن ثعلبة (الأكبر):

فلا تكثروا فيه اللجاج فانه                  محا السيف ما قال ابن دارة اجمعا(88)

ولا علاقة بين البيتين بتاتاً.

وقد أعذر المنصفون من النقاد الشعراء على الأخذ فالاشتغال الكبير على المعاني وما سبق اليه القدماء قد استنفد المعاني أو كاد. ولم يعدّ القاضي الجرجاني من السرقة المعاني الشاملة مثل " تشبيه الحسَن بالشمس والبدر، والجواد بالغيث والبحر، والبليد، البطيء بالحجر والحمار، والشجاع الماضي بالسيف والنار... لانها أمور متقررة في النفوس، متصورة في العقول، ولا الألفاظ العامة  مثل: لا مرحباً بالشيب، وحبّذا الشباب! ويا أسفي لفراق الأحبة(89)! وأنكر عبد القاهر الجرجاني السرقات الشعرية جملة وتصيلاً؛ لأنَّ لكل شاعر أسلوبه ونظمه في عرض المعنى الذي يشترك فيه مع غيره(90).

 والمدارس النقدية الحديثة تسمي السرقة (تناصاً) وهي تسمية منصفة ومهذبة،  مع الأخذ بالاعتبار أن هؤلاء المتناصين ليسوا كبعض شعراء العرب يتعمدون سرقة براءة اختراع المعاني من غيرهم ليكونوا الأولى بها. وبالمقابل يوجد تشابه في شعر شعراء العرب يعد تناصاً ووقعَ حافر على حافر، فنحن نجد تناصات كثيرة لزهير وعنترة والفرزدق، وبشار وأبي تمام والبحتري والمتنبي... بل وجدتُ تناصاً كبيراً بين المتنبي وشكسبير، والمتنبي ونيتشه.

وإذا وضع اللفظيون مصطلح السرقات ضدَّ الشعر المعنوي، فالمعنويون وضعوا مصطلح (الإخلاء) ضد الشعر الفارغ. وأرادوا به أن الشاعر يأتي بأبيات طويلة لا طائل من معنى تحتها، وكأنها بخلوها من المعاني المهمة خالية من الشعرية. قال البحتري: دعاني علي بن الجهم فمضيت إليه، فأفضنا في أشعار المحدثين إلى أن ذكرنا أشجع السلمي، فقال لي: إنه يُخلي، وأعادها مراتٍ ولم أفهمها، وأنفت أن أسأله عن معناها، فلما انصرفت فكرت في الكلمة، ونظرت في شعر أشجع السلمي، فإذا هو ربما مرت له الأبيات مغسولةً ليس فيها بيت رائع، فإذا هو يريد هذا بعينه، أنه يعمل الأبيات فلا يصيب فيها ببيتٍ نادرٍ، كما أن الرامي إذا رمى برشقه فلم يصب فيه بشيءٍ قيل أخلى(91).

الأنماط غير الشعرية 

 كان العصر الجاهلي متشدداً في تخريج الشعراء، فلا يسمح الشاعر لتلميذه (راويته) بقول الشعر إلا بامتحان صبور، كما فعل زهير مع ابنه كعب(92). وفي الإسلام فتحت (آية الشعراء) الباب للجميع لقول شعر مؤمن يؤاجر عليه صاحبه، فظهر (شعر خيِّر) لا فنيةَ فيه، والشعر كما يقول الأصمعي بابه الشر فإذا دخل في الخير ضعف ولان(93). وهذا الشعر الخيِّر يصف بلا فنية كقول أعرابي شاهد فيلا أول مرة في الفتوحات:

أجردُ أعلى الجسم منه أصحمُ

يجرُّ أرحاءً ثقالاً تُحطِمُ

ومشفرٌ حين يمدُّ سرطمُ

يردُّه في الجوفِ حين يُطعَمُ(94)

وفي العصر الأموي شددوا على الشعر الجزل فلم تنقل لنا الكتب شعراً دون القبول الفني وان تفاوت في الجودة. ولم يفاضل العباسيون بين الشعراء فنياً، بل فاضلوا في إخلاصهم للعائلة العباسية ودفاعهم عنها ضد أعدائها. فعندما أنشد مروان بن أبي حفصة المهدي قوله:

أَنّي يَكونُ وَلَيسَ ذاكَ بِكائِنٍ                  لِبَني البَناتِ وِراثَةُ الأَعمامِ

قال له المهدي:" وجب حقك على هؤلاء، يقصد أهل بيته، فجمعت له العائلة العباسية مبلغاً ضخماً(95)، لأنه انتصر لهم على العلويين في موضوع الخلافة. كما أعطى الخلفاءُ والوزراءُ والأمراءُ الشعراءَ لتخليدهم لا لتجويدهم، وإذا طلبوا الشاعر المجيد فلأنه الأفضل في التخليد والتمجيد. يذكر أن أميراً يلقب بذي المنقبتين أنشده شاعر قصيدة سرقها من عبد المحسن الصوري وزاد فيها بيتاً هو:

ولك المناقب كلها                فلم اقتصرتَ على اثنتينِ

 

فأحسن إليه وأكرمه، وأمر له بجائزةٍ سنيةٍ، فلامه بعض خواصه وقال: هذا شعر عبد المحسن الصوري، فقال: إنما أعطيته لهذا البيت الواحد(96).

 وهذه العوامل دفعت غير الشعراء إلى نظم الشعر، مما هيأ لظهور أطنان من الشعر الهاوي السخيف فنياً. وعقد المرزباني في كتابه الموشح فصلاً عن (الشعر الرديء) مؤشراً شيوع هذا النوع. ومنه أن رجلاً عرض على بشار شعراً له فقال له بشار: يا هذا اخبَأ هذا الشعر كما تخبأ سوأتك(97)! وكان أحمد بن المدبر إذا مدحه شاعر ولم يرض شعره أمر غلمانه أن يمضوا به إلى المسجد فلا يفارقوه حتى يصلي مائة ركعة، فتحاماه الشعراء عدا الشعراء المجيدون(98) .

 وكلما مشينا في العصر كثر الشعر الرديء. وحتى الشعراء اللامعون يكثر او يقل الرديء في شعرهم. وبعض الشعراء تشتهر له قصيدة واحدة من ديوانه الضخم؛ فالطغرائي ليس في ديوانه من الشعر الراقي عدا لامية العجم وقليل غيرها، لذا عدّه رشيد ماهر الكنعاني ضمن (شعراء الواحدة)(99). وناصح الارجاني ديوانه ثلاثة مجلدات ليس فيها من الشعر غير أبيات يصف فيها الشمعة في مقدمة قصيدة من (99) بيتاً. وفي بلاطات الدويلات المستقلة في الشرق والغرب جبال وبحار من هذا الكلام المتهافت المسمى شعراً. وغطى على سوء هؤلاء الشعراء النقاد بعمومياتهم ومجاملاتهم بالتقييمات الجاهزة المستنسخة؛ فهذا الشاعر الخامل باقعة عصره، وهذا المتشاعر وحيد دهره، وهذا الشعرور فحل مِصره!

بل اندفع غير الشعراء إلى منافسة الشعراء في كتابة الشعر، وعرف هذا الشعر بـ(شعر العلماء)، وهو مجرد نظم، أو كتمثال صنعه نحات ماهر فصار شبيهاً تماماً بالإنسان، إلا انه لم يستطع أن ينفخ فيه الروح فبقي بلا حياة. ولم يعترف ابن قتيبة بهذا الشعر وبأصحابه، ووصفه بالتكلف ورداءة الصنعة وانه لم يجئ عن إسماح(100).

 وظنَّ كثير من العلماء والكتاب أنهم بإتقانهم صناعة وقواعد الشعر قادرون على كتابته وهماً أو طمعاً في أن يضيفوا لأنفسهم منقبة الشعر. فقد كان القاضي الفاضل يرى من مفاخره انه ذو شعر خالد على الزمن(101). وديوانه الضخم ليس فيه من الشعر شيء. وتطول قائمة هؤلاء الذين أتحفوا كتب الأدب بالخزعبلات والسفاسف، مثل: أبي عبيدة، ابن دريد، ابن طباطبا العلوي، الجاحظ، أبي هلال العسكري، أبي الفرج الأصفهاني، الخليل بن احمد الفراهيدي، خلف الأحمر، سليمان بن وهب، عبد الله بن طاهر، هارون الرشيد، سيف الدولة، ابن جني، ابن سينا، المرزباني، البيروني، الثعالبي، القاضي الجرجاني ... ولا يزال في زماننا من يظن انه شاعر لإتقانه علم الشعر فقد وضع عباس محمود العقاد سبعة دواوين من الهراء الشعري اسماها مارون عبود (السبع العجاف)! وجرب ذلك طه حسين فجاء بالبارد الغث، وكثير من أساتذة الجامعات يكتب الشعر على أنهم شعراء وهم غير ذلك.

 ومن الشعر الرديء:

1- الشعر التعليمي.

2- الشعر التسجيلي.

3- الشعر الفلسفي.

وهذه الأشكال فكرية علمية تخاطب العقل دون المشاعر.

4- الشعر الصوفي. وهو وسط بين العقل والمشاعر، إلا انَّ أكثر شعر التصوف العربي غير فني، والسبب يعود إلى الشعراء أنفسهم لكونهم غير مبدعين، او لانشغالهم بالدعاية الصوفية. ولكن لا نعدم بعض الأشعار الجيدة. ونجح المتصوفون الفرس مثل جلال الدين الرومي في كتابة شعر صوفي تتوافر فيه الحماسة والعاطفة والفنية بأسمى درجاتها، وله تأثير وحيوية، فضلاً عن قوة الخيال والتأمل. إلا أن اغلب الشعر الصوفي العربي دون الإبداع،  وأهم عيوب الشعر الصوفي العربي:

  1. ضعف اللغة الشعرية.
  2. كثرة الضمائر وحروف الجر.
  3. عدم صرامة القافية وتكرارها (الايطاء).
  4. وقد تأتي ظرفاً او جارا ومجروراً مما يجعلها ضعيفة.
  5. هبوط الخيال.
  6. سطحية المعاني لحرصهم على الوضوح والتبشير بمعتقدهم.
  7. التصرف باللغة إذا اضطرتهم القافية مثل (دنيائي) بدل (دنياي) و(مولائي) بدل (مولاي).
  8. شعرهم خيّر وهذا يجعله ضعيفاً لا يقبله الذوق.
  9. تهافت الموسيقى واقتصارها على البحر الشعري وهو لا يعول عليه في موسيقية الشعر كثيراً.
  10.  الخروج عن اللغة وقواعد النحو والعروض. 
  11.  الاعتماد على التعبير وليس الوصف(102).
  12.  الإغراق في الصنعة اللفظية بالنسبة للمتصوفة المتأخرين كابن الفارض.

  وبينما لم يفلح المتصوفة العباسيون في تحقيق (التصوف الفني)، نجح الشعراء المحدثون كالشاعرة العراقية (عاتكة الخزرجي) في ديوانها (لألاء القمر). ولابدَّ من القول :إن شعر التصوف العربي أقل شأناً إلى حد بعيد من نظيره الفارسي، للسمات التي ذكرناها. بينما نجد شعر التصوف الفارسي يمتلك الحماسة والعاطفة والفنية بأسمى درجاتها، وله تأثير وحيوية، فضلاً عن قوة الخيال والتأمل.  

الاتساع

 اتسعت خارطة الشعر العباسي عما كان عليه الشعر الجاهلي والأموي، فلم يقتصر المدح على الخلفاء، بل شمل الوزراء والقواد والقضاة والموظفين الكبار والصغار، ولم يعد له مكان واحد كالمربد، أو عاصمة واحدة كدمشق لاتساع الدولة، بل صارت له عواصم كثيرة(103). وكانت هذه العواصم تزداد كلما استقلت إمارة أو مدينة عن جسد الدولة. وأشهر هذه العواصم: البصرة، واسط، الحلة، سامراء، الموصل، الشام، مصر، تونس، القيروان، صقلية، فاس، بجاية، تلمسان، برقة، الإسكندرية، نجد والحجاز، القدس، طرابلس، بيروت، منبج، الموصل، إربل (أربيل)، أصبهان، الري، خوارزم، جرجان، طبرستان، بخارى، سمرقند، خراسان وغيرها.

الأصالة والابتكار

 اتصف الشعر العباسي بالأصالة والابتكار منذ نشوئه بداية العصر العباسي وحتى انطفاء العصر. وقد ظلَّت عين الأندلس وغيرها من الأطراف تتطلع إلى المشرق لنقل كل ما ينتج ويبتكر فيها، محاولة إضفاء صبغتها عليه، وكل ما استطاع شعراء الأندلس تحقيقه إضافة الرقة والموسيقى الرومانثية والشعر الشعبي متمثلاً بالموشح والزجل. ويؤكد تقليد الأندلسيين للمشارقة بشكل أعمى قول ابن بسام : " إلا أن أهل هذا الأفق أبوا إلا متابعة أهل الشرق، يرجعون إلى أخبارهم المعتادة، رجوع الحديث إلى قتادة، حتى لو نعق بتلك الآفاق غراب، أو طنّ بأقصى الشام والعراق ذباب، لجثوا على هذا صنماً، وتلوا ذلك كتاباً محكماً"(104). ولم تكن أصالة الشعر الأندلسي وابتكاراته إلا في فضول تقليده للشعر المشرقي، وقصص وهمية موضوعة تجعل المشرقيين يبجلون شعرهم وشعراءهم، كقصة انبهار المتنبي بأبيات أربعة لابن عبد ربه، وقوله له: " يا ابن عبد ربه، لقد يأتيك العراق حبواً"(105)، وهي أبيات اخذ ابن عبد ربه ألفاظها ومعانيها من شعراء مشارقة! ورحلة ابن شهيد الوهمية الى عالم التوابع والزوابع حيث انبهر الشعراء والكتاب المشرقيون بنتاجه، ولم يكن نتاجه الشعري والنثري يقاس بنتاج من ذكر تفوقه عليهم في الواقع.

وهذا يقنعنا بأنَّ الشعر الأندلسي بشكل عام كان مقلداً للشعر العباسي ودونه في المستوى، وان ابتكاره كان ضمناً مما فتحه العباسيون من أبواب للشعر. ولا أرى لهم ابتكاراً خاصاً مهماً غير الموشح والزجل. وابتكاره كان في الموسيقى والنغم وليس في الأخيلة والمعاني، وهو نمط شعبي لذا تركه كبار شعرائهم.

 

هوامش المبحث الثالث

...........................................

(1) حوارات مع الجواهري: 20.

(2) حين أقامت رابطة الأدباء في الكويت أمسية شعرية لشاعر العرب الأكبر محمد مهدي الجواهري مساء الأربعاء الموافق 31/ 1/ 1979، كتبت جريدة القبس الكويتية في العدد (2409) في 1/ 2/ 1979 تقول: " قبل حضور الجواهري إلى الكويت كنا نتساءل: هل فقد الشعرُ جمهوره؟ وبعد أمسية ابن الفرات وأبي فرات تبيَّن أن الجمهور كان موجوداً ولكنَّ الشعر كان غائباً. فقاعة رابطة الأدباء التي قلما تمتلئ مقاعدها، اكتظت أمس حتى البهو الخارجي، وكان عدد الواقفين يتعادل مع عدد الجالسين، ترفرف فوق رؤوسهم هيبة الشعر الأصيل التي تجسدها شاعرية فذة، أعادت أجواء عظمة الشعر العباسي في العهد الذهبي للحرف المنغم.

(3) كتاب الأغاني: 8/ 6.

(4) البيان والتبيين: 1/ 228.

(5) ينظر: الجهود النقدية لحازم القرطاجني في كتابه منهاج البلغاء وسراج الأدباء، د. نجم مجيد علي مهدي، مجلة كلية التربية الأساسية – الجامعة المستنصرية (العدد:70، 2011).

(6) ينظر: البيان والتبيين: 1/ 321.

(7) كتاب الأغاني: 5/ 170.

(8) المرجح أن الجاحظ غير عربي من الأفارقة، وقد وضعناه ضمن النقاد العرب لأنه أشدهم دفاعاً عن الطريقة الشعرية العربية، وآراؤه أوضح وأدقّ من آراء الآخرين.

(9) الحيوان: 1/ 74- 75.

(10) الحيوان: 3/ 130.

(11) ينظر: كتاب الأغاني: 3/ 115.

(12) وفيات الأعيان: 3/ 360.

(13) الحيوان: 3/ 132.

(14) ينظر: طبقات الشعراء: 108.

(15) كتاب الأغاني: 7/ 182.

(16) ينظر: المعجم الوسيط: 1056

(17) القاموس الفقهي، الدكتور سعدي أبو حبيب: 32.

(18) معجم الأدباء: 1/  302.

(19) ابن قتيبة كردي والدينور مدينة كردية معروفة الى اليوم.

(20) قدامة من اصل يوناني، وهو من علماء المنطق والفلسفة، وقد وضع كتابه نقد الشعر على أساس منطقي.

(21) آمد مدينة كردية تقع في تركيا، وهي ضمن ديار بكر. وقد أكد كردية الآمدي أكثر من باحث.

(22) ابن الأعرابي والمرزباني والثعالبي وعبد القاهر الجرجاني  وعبد القادر الجرجاني فرس.

(23) الموشح: 313.

(24) ينظر: كتاب الأغاني: 4/ 13.

(25) الشعر والشعراء: 1/ 64.

(26) نقد الشعر: 17.

(27) الموازنة بين أبي تمام والبحتري: 391.

(28) يتيمة الدهر: 1/ 26.

(29) الكامل في اللغة والأدب، المبرد: 1/ 29.

(30) تاريخ النقد الأدبي والبلاغة حتى القرن الرابع الهجري، د. محمد زغلول: 175- 176.

(31) تاريخ بغداد، الخطيب البغدادي: 6/ 255؛ تاريخ الأدب العربي، بروكلمان: 2/ 21- 22.

(32) شرح ديوان المتنبي: 4/ 361.

(33) العمدة: 2/ 171.

(34) شرح المعقات السبع، الزوزني: 35- 38.

(35) طبقات الشعراء: 228.

(36) شرفنامه، شرف خان البدليسي: 541.

(37) دراسات في الشعر الفارسي:35.

(38) مكبث،المشهد الثاني، صفحة 3، أنترنت: موقع (spark notes).

(39) كتاب المنصف للسارق والمسروق منه في إظهار سرقات أبي الطيب المتنبي ، ابن وكيع: 1/ 154.

(40) تاريخ الأدب العربي، رينولد. ا. نكلسون: 61.

(41) الحيوان: 3/ 131- 132.

(42) كتاب المنصف من السارق والمسروق منه: 1/ 62.

(43) ينظر: البيان العربي، د. بدوي طبانة: 152- 153.

(44) نقد الشعر: 17.

(45) نقد الشعر19.

(46) حوارات مع الجواهري: 91.

(47) إشارة إلى قوله: (شاعر المجد خدنه شاعر اللفظ كلانا ربُّ المعاني الدقاقِ) (ديوانه: 3/110.

(48) ينظر ضحى الإسلام، احمد أمين: 144.

(49) بدر شاكر السياب – المجموعة الشعرية الكاملة: 283.

(50) معجم مقاييس اللغة، ابن فارس: 4/138.

(51) المعجم الوسيط: 626.

(52) كتاب الأغاني: 14/ 103.

(53) الموازنة: 391.

(54) الموازنة: 123.

(55) شرح ديوان المتنبي: 3/110.

(56) ينظر العمدة: 1/148.

(57) الموازنة: 380.

(58) ينظر: شرح ديوان الحماسة:1/12.

(59) طبقات فحول الشعراء: 1/ 56.

(60) الحيوان: 3/131.

(61) شرح ديوان أبي تمام: 1/434.

(62) شرح ديوان أبي تمام: 1/389.  

(63) الموازنة: 186.        

(64) الموازنة: 15.

(65) شرح المعلقات السبع، الزوزني: 82- 84.

(66) شرح الصولي لديوان أبي تمام: 1/ 254، 255.                 

(67) الموازنة: 234.        

(68) ينظر أخبار أبي تمام: 34 وما بعدها.                                          

(69) الموازنة: 236 وما بعدها.

(70) العقد الفريد: 5/ 297.

(71) في لقاء لجريدة الثورة العدد (2599) في 24/ 1/ 1977 سئل الجواهري ألم تتعب؟ ألم تنته صورك الشعرية؟ فقال: ما أكثر الصور! لو أخلق من جديد، لو أعطى خمسين مرة هذا العمر ما انتهت الصور!! (ينظر: ديوان الجواهري- الأعمال الشعرية الكاملة : 7/ 1248).

(72) ينظر الصبح المنبي عن حيثية المتنبي، يوسف البديعي: 188- 205.

(73) تاريخ النقد الأدبي عند العرب، إحسان عباس: 248.

(74) العمدة: 2/ 225.

(75) شرح ديوان المتنبي: 2/95.

(76) نهج البلاغة، تحقيق: محمد عبده: 4/106.  

(77) شرح ديوان المتنبي: 2/95.

(78) شرح ديوان المتنبي: 2/95.

(79) يتيمة الدهر: 1/ 160.

(80) شرح ديوان المتنبي: 2/95.

(81) شرح ديوان المتنبي: 2/95.

(82) مسرحية مجنون ليلى، احمد شوقي : 78.

(83) شرح ديوان أبي تمام: 1/217.  

(84) ينظر تاريخ النقد الأدبي: 323.

(85) الموشح: 79.           

(86) الموشح: 141.

(87) العمدة: 1/134.

(88) الموازنة: 47.

(89) الوساطة بين المتنبي وخصومه، القاضي الجرجاني: 183- 186.

(90) النقد، شوقي ضيف: 109

(91) أخبار أبي تمام: 63.

(92) ينظر: كتاب الأغاني: 17/ 64- 65.

(93) ينظر: الشعر والشعراء، ابن قتيبة الدينوري: 1/ 296.

(94) الحيوان: 7/ 173.

(95) العقد الفريد، ابن عبد ربه: 1/ 377..

(96) وفيات الأعيان: 3/ 233.

(97) الموشح في مآخذ العلماء على الشعراء: 452.

(98) وفيان الأعيان: 2/ 19.

(99) شعراء الواحدة، نعمان ماهر الكنعاني: 85.

(100) الشعر والشعراء: 1/ 64، 71.

(101) ديوان القاضي الفاضل: المقدمة.

(102) الشعر الصوفي في القرن الثالث الهجري، مريم عبد النبي عبد المجيد: 29.

(103) ينظر بحثنا: عواصم الشعر العربي دراسة فنية.

(104) نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، المقري: 2/ 500- 501.

(105) معجم الأدباء: 4/ 223.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . محمد تقي جون
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2017/07/21



كتابة تعليق لموضوع : خلاصة الأدب العباسي- أدب الحضارة والحداثة الجزء الرابع
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net