صفحة الكاتب : د . محمد تقي جون

خلاصة الأدب العباسي- أدب الحضارة والحداثة الجزء الخامس
د . محمد تقي جون

الجزء الخامس- الشعراء/ حقبة المولدين

 مقدمة

يتكون الشعراء العباسيون من مخضرمين ومحدثين. المخضرمون: الذين عاشوا في العصرين الأموي والعباسي، وكتبوا على طريقة القدماء وان كانوا عجماً كحسين بن مطير. والمحدثون: الذين كتبوا على الطريقة الجديدة، ويقسمون على عرب وعجم (مولدين).

في المباحث التالية سنقسم الشعراء على ثلاث حقب، ونجعل لكل مبحث حقبة: المبحث الرابع لحقبة اسميناها (حقبة المولدين) لشيوع طريقتهم وتسيدها، والمبحث الخامس لـ(حقبة الفحول) لظهور فحول العربية: أبي تمام والبحتري والمتنبي، وبهم استعادت القصيدة الكثير من ملامحها العربية، والمبحث السادس لـ(حقبة التراجع) وبها تراجع الشعر والشعراء فكبار هذه الحقبة دون الفحول. وسنقتصر في دراستنا واختيارنا للشعراء على المشاهير لكثرة الشعراء العباسيين، فقد أحصى عفيف عبد الرحمن في (معجم الشعراء العباسيين) (2549) شاعراً.

 سنوزع الشعراء على القرون ضمن الحقب الثلاثة: حقبة المولدين نحو قرن واحد (132- 200هـ)، حقبة الفحول قرنان (200- 400هـ)، حقبة التراجع قرنان ونصف (400- 656هـ). وسنختار لكل قرن أشهر عشرين شاعراً، ونعرف بأربعة، ونختار نموذج لكل منهم ونشرحه ونحلل أسلوبه من خلاله. وندرس دراسة مفصلة لشاعر من كل حقبة: بشار عن حقبة المولدين، والمتنبي عن حقبة الفحول، والبهاء زهير عن حقبة التراجع. سوف نجد تداخلاً في أسلوب الحقب؛ فالسيد الحميري ضمن حقبة المولدين ويكتب على طريقة العرب القدماء لأنه عاش في حقبة المولدين، وأبو العتاهية ضمن حقبة الفحول وهو أهم من يمثل طريقة المولدين لأنه عاش في حقبة الفحول.

الشعراء المخضرمون

عينة لأشهر (20 ) شاعراً

الشعراء العرب

شبيل الضبعي (ت 140هـ)، إسماعيل بن عمار (ت 140هـ)،أبو نخيلة (145هـ)، رؤبة بن العجاج (ت 145هـ)، غالب بن عثمان الهمداني/ (بعد 145هـ)، ابن ميادة (ت 149هـ)، الحكم الخضري (ت 150 هـ)، يحيى بن زياد الحارثي (ت 160هـ)، طريح بن إسماعيل الثقفي ( ت 165هـ)، ابن هَرمة (ت 176هـ)، الأحيمر السعدي (ت 170هـ)، أبو الهندي (ت 180هـ)،  يحيى بن طالب الحنفي (ت 180هـ)، أبو حية النمري (ت 183هـ)، عبد الملك الحارثي (ت 190هـ)، العماني الراجز (ت 193هـ)، أشجع السلمي (ت 195هـ)، جعفر بن عثمان الطائي (نحو 150هـ).

الشعراء العجم

حسين بن مطير (ت 169هـ)، مروان بن أبي حفصة (ت 182هـ)(1)

النسبة: الشعراء العرب 90%، الشعراء العجم 10%

تقييم شعر المخضرمين

  يعد شعر المخضرمين امتداداً لشعر الجاهليين والأمويين في لفظيته وأسلوبه وطريقته، إلا أنهم لا يبلغون شأو الجاهليين ولا فحول الأمويين كجرير والفرزدق والأخطل وعمر بن أبي ربيعة، بدليل أن هؤلاء لم ينالوا شهرة أولئك. ولا تفوقوا على الشعراء المحدثين الذين استطاعوا سلب المبادرة من أيديهم، فالأصمعي المعروف بانتصاره لطريقة القدماء حين سئل عن بشار ومروان بن أبي حفصة أيهم أشعر قال: بشار(2). والفاصل بين المخضرمين والمحدثين أن المخضرمين كتبوا الشعر بطريقة العرب القدماء، والمحدثون كتبوا الشعر بالطريقة الجديدة بتفاوت، فقد نجد في بعض شعر المحدثين سمات طريقة القدماء، وفي بعض شعر المخضرمين شيئاً من طريقة المحدثين كاستعمال ابن هرمة البديع(3).

 وقد نجح المخضرمون في كتابة قصيدة جاهلية مقنعة في قلب العصر العباسي، ولكن المحدثين تفوقوا عليهم بالمعاني الغزيرة الحضرية وجمال الموسيقى. وبالمحصلة لم يكن المخضرمون أفضل الشعراء العباسيين، ولا خاملين في الوقت نفسه، بل أحسنوا وكانت لهم سوق رائجة لدى الممدوحين. ونالوا حظاً وفيراً من استحسان النقد، فجعلهم الأصمعي ساقة الشعراء وان كان رأيه غير فني، وعَدَّ إبراهيم بن هرمة آخر الشعراء الذين يحتج بشعرهم(4). وقال عن حسين بن مطير (ت 169هـ) وهو مخضرم أعجمي " إنه ليقع من شعره الشيء بعد الشيء فيكثر تعجبي من كثرة بدائعه"(5). وعده غير واحد من أشعر الناس. وعبد الملك الحارثي (ت 190هـ) - وهو برأينا أشعر المخضرمين - وصفه ابن المعتز بأنه شاعر مفلق مفوَّه مقتدر مطبوع. وقال: ولو لم يكن في كتابنا إلا شعر الحارثي لكان جليلا(6). وبالغ الأصمعي في الثناء عليه. وشعره على نمط شعر الأعراب، وقيل هو السهل الممتنع الذي يطمع بتقليده ويُعجز عن ذلك. وهو أحد من نسخ شعره بماء الذهب. واليه تنسب لامية الشنفرى. وله قصيدة يرثي فيها أخاه سعيد ليست أقل من قصيدة متمم جودة(7). ومن شعر عبد الملك الحارثي الذي خلب عقول الشعراء قوله:

ها أنذا يا طالبي ساعي         محتضرٌ بزّي إلى الداعي

أحمي حمى من غابَ من مذحجٍ         ويحمَدُ الشاهدُ إيقاعي

لا هَلِع في الحرب هاعٍ إذا         ريَّق فيها كل هلواع

أشوَسُ ينضو الدرعَ عن منكبٍ         مثل سنانِ الرمح شعشاعِ

كما ترى أفطح ذا رقطة         تنجاب عنه هبوةُ القاع(8)

الشرح 

 محتضر بزي: قادم بسلاحي. إيقاعي: بطشي بالعدو. هلع: خائف: هاعَ: تقيأ. ريَّق: جاء على ريقه لم يفطر. هلواع: مسرع. باضت الحرب: اشتدت. أشوس: بطل مقدام، وأصل الأشوس المتكبر الذي ينظر بطرف عينه فاستعير للبطل. شعشاع: طويل، والعرب تقرن الشجاعة بالطول، فيصفون القوي بجذع النخلة والرمح. أفطح: عريض. الرقطة: وجود بقع من لون مختلف. هبوة القاع: غبار المعركة. المعنى العام: يقول أنا أسعى لكل من يندبني للنجدة، فأجيء بكامل سلاحي استعداداً للقتال والحرب. فأحمي مكان الغائب، ويرى الحاضر إيقاعي وبطشي بالعدو. ولست خائفاً ولا اتقيأ من الرعب إذا الرجال أسرعت إلى الحرب على ريقها، وذكر ذلك ليبين أن من يتقيأ ليس من فساد الطعام بل من الخوف فقط. ووصف نفسه بالبطولة والضخامة. وان غبار الحرب تنجاب عنه وهو مشرق الوجه منقط بدم الاعداء كالأرقط. 

 

المولدون

 هم طليعة الشعراء المحدثين الذين جددوا طريقة الشعر، ويشكل الشعراء العجم (المولدون) النسبة الأكبر منهم. وسمي شعرهم الجديد (الشعر المحدث) و(الشعر المولد). وطريقتهم وان كانت استجابة لطبيعة ثقافتهم ولغتهم الأعجمية، إلا أنها مثلت ضرورة حضارية، ولهذا نجد معهم شعراء عرباً بارزين، كان لهم أثر فاعل في صناعة الشعر الجديد. لذا لا نقصر المبحث على العجم المولدين فهذه الحقبة وان سادوا فيها فهي من صنع العرب أيضاً.

 

عينة لأشهر (20 ) شاعراً

الشعراء العرب

مطيع بن إياس (ت 166هـ)، السيد الحميري (ت 173هـ)، أبو الهندي (ت 180هـ)، منصور النمري (ت 190هـ)، العباس بن الأحنف (ت 194هـ)، أبو الشيص الخزاعي (ت 196هـ)،  ربيعة الرقي (ت 198هـ)، بكر بن النطاح (ت 200هـ).

الشعراء العجم

سُديف بن ميمون (ت بعد 146هـ)، أبو دلامة (ت 161هـ)، حماد عجرد (ت 161هـ)، صالح بن عبد القدوس (ت 167هـ)، والبة بن الحباب (ت 170هـ)، بشار بن برد (ت 167هـ)، أبو العطاء السندي (بعد 180هـ)، أبو الشمقمق (ت 182هـ)، سَلْم الخاسر (ت 186هـ)، إبراهيم بن سيابة (ت 198هـ)، أبان اللاحقي (ت 200هـ)، أبو نواس (ت 200هـ).

النسبة: الشعراء العرب 40%، الشعراء العجم 60%

تعريف ببعضهم

(شعراء السلطة)

سُديف (بعد 146هـ) وأبو دلامة (ت 161هـ) ومطيع (ت 166هـ)

سيرهم  

سُدَيف (بضم السين وفتح الدال) بن ميمون مولى خزاعة(9). كان شديد التعصب للعباسيين للأهمية التي نالها هو والموالي في زمنهم. وقد وظف شعره للدعاية لهم وضرب أعدائهم. فكلفه أبو العباس السفاح (وكان عبده) بمهمة تحريضه على قتل بقايا الأمويين؛ لأنه خاف أن تعود إليهم الدولة، وكان حدسه بمكانه فقد قام البيت الأموي (السفياني) بثورات كثيرة حاولت إعادة الخلافة للأمويين. وهذا حداه إلى دعوتهم إلى مائدة ظاهرها للمصالحة وباطنها للقضاء عليهم برمتهم لكي لا تقوم لهم قائمة، والعباسيون معروفون بالغدر. وحين اجتمع بقايا الأمويين(10) لدى السفاح دخل عليهم سُدَيف فأنشده قصيدته السينية المشهورة التي أعدها سلفاً باقتراح السفاح، فتظاهر السفاح بالغضب للضحايا الذين ذكرهم سُدَيف، وأوعز لجلاوزته الذين أعدهم مسبقاً للمهمة فانقضُّوا على الأمويين بالأعمدة حتى قضوا عليهم جميعاً. وأعطى سُدَيف أجره (خمسة آلاف دينار)(11).

وأبو دلامة جعل دينه دين العباسيين (ديني على دين بني العباس)(12) وكلفته الدولة العباسية بالدعاية لهم وتمجيدهم، فأقعدهم (فوق الشمس) ونعت المنصور بـ(القائم) و(المهدي) ليجعله الأحق بالخلافة من العلويين وباقي الخصوم. وحين غدر المنصور بأبي مسلم الخراساني الذي جاء بالخلافة للعباسيين على طبق من ذهب، هجاء واتهمه بالغدر، وسماه (أبا مجرم) وهي الكنية التي خاطب بها المنصور أبا مسلم قبل قتله(13).

أما مطيع بن إياس الفاسق الزنديق، فقرَّبه الخلفاء العباسيون وقبلهم الأمويون، لتملقه لهم وإضحاكهم وليس لجودة شعره. فحين أراد المنصور الترويج لابنه محمد بأنه (المهدي المنتظر) كلف مطيع بن إياس ليكون زفَّاف هذا العرس في كوميديا سياسية سخر منها جعفر بن المنصور. فكذب على الرسول (r) بحديث ملفق يزعم فيه أن الرسول بشَّر بمهدوية محمد بن جعفر المنصور، ولقب اثر ذلك بـ(المهدي)! ويصح أن نسمي سديفاً وأبا دلامة، ومطيع بن إياس (عملاء للعباسيين).

شعرهم

هؤلاء وأمثالهم من خدم السياسة وألعوبات الخلفاء كانوا أصغر الشعراء فناً، وأقل من (الشعراء الوقتيين) لأن فنهم لا يقوم بنفسه، بل يتكئ على السلطة. من قصيدة سُديف بن ميمون السينية:

أصبح الملك ثابت الأساسِ         بالبهاليل من بني العباسِ

أنت مهديُّ هاشم وهداها         كم أناسٍ رجوك بعد إياسِ

لا تقيلنَّ بعد شمسٍ عثاراً         واقطعنْ كل رَقلةٍ وغراسٍِ

خوفها أظهرَ التوددَ منها         وبها منكمُ كحزِّ المواسي

اقصهم أيها الخليفة واحسمْ     عنكَ بالسيف شأفةَ الارجاسِ

واذكرنْ مصرعَ الحسين وزيدٍ         وقتيلاً بجانب المهراس

والقتيل الذي بحرَّانَ أمسى                ثاوياً بين غربةٍ وتناسي

فلقد ساءَني وساءَ سوائي         قربُهُمْ من نَمَارق وكراسي(14)

الشرح

البهاليل: السادة. أقال عثرته: أنهضه من سقوطه. رَقلة: النخلة الطويلة. حز المواسي: قَطْع الشفرات. شأفة: قرحة. المهراس: ماء في جبل أحُد دفن فيه حمزة عم النبي (r). قتيل حران: إبراهيم الإمام (أخو السفاح). النمارق: الوسائد. المعنى العام: أصبح الملك مكيناً للسادة العباسيين. أنت (أي السفاح) هو المهدي الذي به الهداية، والمنتظر القادم  بعد يأس. لا تسامح الأمويين فتقيلهم من عثرات ذنوبهم، بل اقطعهم من جذورهم كلهم. ولا يغرك حضورهم، فإنما جاء بهم الخوف لا الطاعة. اقتلهم واستأصل قرحة العداوة الدامية هذه. واذكر مقتل الحسين وزيد وحمزة وأخيك إبراهيم الإمام.

التحليل

القصيدة تمثل أسلوب المولدين في نثريتها الواضحة واتكائها على المعاني. وألفاظها ناقلة للمعاني غير مشاركة في التعبيرية، فأمكن إبدالها. ولذا تروى الأبيات بروايات مختلفة وألفاظ مختلفة. ولفظة (سوائي) التي بمعنى غيري خاطئة، فالصحيح (سواي)، ومعنى (سوائي) قاموسياً وسطي، وقد أوردها الشاعر مضطراً لعدم معرفة بديل لها.

قام الشاعر بسرد قصصي لمآثم الأمويين، ولا نجد آليات فنية سوى تشبيه الحقد بـ(حز المواسي)، وكناية عن ازالتهم بقلع الغراس. ونجد الشاعر يضيق عن الإتيان بقافية لذيذة وصارمة فجاء أغلبها ضعيفاً كقوافي الأبيات المرتجلة. ولا نرى أنَّ الشاعر ارتجلها. والقصيدة ذات أهمية سياسية وتاريخية أكثر منها أدبية، وهي تظهر أسلوب الأعاجم الذي سيفرض نفسه على الشعر العربي، كما تبين مستوى الشاعر المتدني، ومثله في التقييم أبو دلامة ومطيع بن إياس.  

 

السيد الحميري (105- 173 هـ)

سيرته

 أبو هاشم، إسماعيل بن محمد بن يزيد بن ربيعة بن مفرغ الحميري. شاعر إمامي متقدم. ولد في نعمان وهو وادٍ قريب من الفرات على أرض الشام قريب من الرحبة، ونشأ بالبصرة، ومات في بغداد وقيل واسط(15). كان مجاهراً بتشيعه مع تعصب شديد للعباسيين(16) لإيمانه بأحقيتهم بالخلافة لأنه كيساني، لذا تغاضوا عن تشيعه ومجاهرته بسبّ الصحابة. لم يترك منقبة للإمام علي إلا ونقلها إلى الشعر(17). وفي ذلك يقول:

إنّي امرؤٌ حميريٌّ حين تنسبني         جدّي رعينٌ وأخوالي ذوو يزنِ

ثمّ الولاء الذي أرجوا النجاة به         يوم القيامة للهادي أبي الحسنِ(18)

كان أبواه من الخوارج الإباضيين، ولما تشيع همَّا بقتله(19). ويذكر الكتبي أن السيد الحميري سمعهما يسبان الإمام علي في صلاة الفجر فقال:

لعنَ الله والديَّ جميعاً            ثمَّ أصلاهما عذاب الجحيمِ

حكما غدوة كلما صلَّيا الفجر بلعن الوصيّ بابِ العلومِ(20)

وكان يؤمن برجعة محمد بن الحنفية، ويقال انه حين التقى بالإمام جعفر الصادق ترك هذا القول وصار أمامياً. ومنهم من ينكر جعفريته ويبقيه على حنفيته. أولع بشرب الخمر(21)، وقيل للإمام جعفر الصادق: كيف تدعو للسيد الحميري وهو يشرب المسكر؟ فقال: إن محبي آل محمد لا يموتون إلا تائبين(22).

شعره

شعره أعرابي سلك فيه مسلك الفحول(23). وألفاظه أكثرها جزل مألوف. وفي شعره رونق ومعنى(24)، ومعانيه قريبة لا غوص فيها، مع قوة سبك(25) وصرامة قافية. وقد يؤدي به جداله في أحقية آل البيت بالخلافة وتناوله فضائل ومناقب الإمام علي إلى هبوط الشعرية والمباشرة، حتى تصلح بعض قصائده أن تكون تعليمية(26).

 أهم موضوعات شعره ما يخص أهل البيت: مدحاً ولاسيما للإمام علي وذكر فضائله ومناقبه، وجدلاً في حقهم وفي عقيدته الكيسانية، ورثاءً ولاسيما في الإمام الحسين. وله مدح قليل في العباسيين كالسفاح، وهجاء وتعريض في أعداء أهل البيت كالخوارج وعمران بن حطان. وله غزل قليل. وشعره المجموع لا يمثل كل شعره بل أقله لضياعه؛ فقد انصرفوا عن تدوينه بسبب سبه للصحابة(27). ومن شعره:

امررْ على جدثِ الحسينِ فقل لأعظمه الزكيَّهْ

آأعظماً لا زلتِ من         وطفاءَ ساكبةٍ رويَّهْ

وإذا مررتَ بقبرِهِ         فأطلْ به وقفَ المَطيَّهْ

وابكِ المطهَّرَ للمطهَّر والمطهَّرةِ النقيَّهْ

كبكاءِ معلولةٍ أتتْ         يوماً لواحدها المنيَّهْ(28)

الشرح

جدث: قبر. آأعظماً: يا أعظماً، وتستعمل لنداء القريب. وطفاء: غيمة ممتلئة. المعنى العام: يدعو إلى زيارة قبر الإمام الحسين، ويدعو الله أن يسقيه من سحاب ممتلئ ماءً. ويقول: إذا مررت فلا تعجل بالمغادرة وأقم عنده، وابكه هو وآل بيته المطهرين، بكاء مراً كبكاء أمٍّ مات ولدها الوحيد.

التحليل

تجسد الأبيات أسلوب الشاعر خير تجسيد؛ فألفاظها قوية ومألوفة، ومعانيها واضحة قريبة، وهي مسبوكة سبكاً وكأنَّ سامعها يسمعها دفعة واحدة وليست أبياتاً. وقد نجح الشاعر في خلق أجواء الحزن فجعلك تعيش هذا الجو وتتأثر به، وأهم سمة الشعر الحقيقي أنك تعيشه، مما يؤشر قوة شعرية النص على بساطته.

 

العباس بن الأحنف (؟- 194هـ)

سيرته

 أبو الفضل، العباس بن الأحنف بن الأسود بن طلحة بن جردان بن كَلـَدة الحنفي اليمامي(29). أصله من عرب خراسان، ونشأ مترفاً في بغداد. وهو خال إبراهيم بن العباس الصولي، فهو من عائلة أدبية لها مكانتها في العصر العباسي(30). اختص بالحب فلم يمدح إلا قليلا، فكان مقرباً من السلطة لسبب غير المدح هو عمله مستشارا في الحب، ومدبر أمور العشاق المتخاصمين من كبار رجال السلطة. قيل: إن الرشيد لما هجر جاريته ماردة (أم المعتصم)، وكان يهيم بها، تكبَّر أن يبدأها بالصلح، وتكبرت هي أيضاً، فصبرا معاً على ذلك بأمرِّ عيش! وكاد الرشيد يتلف!! فطلب وزيره الفضل بن الربيع من العباس التدخل للمصالحة، فكتب ابن الأحنف شعراً حمل الرشيد على مصالحتها وهو:

العاشِقانِ كِلاهُما متجنِّبُ       وَكِلاهُما متعتّبٌ متغضّبُ

صَدَّت مهَاجرةً وَصَدَّ مهَاجراً       وَكِلاهُما مِمّا يُعالِجُ مُتعَبُ

إِنَّ التَجنُّبَ إِن تطاول مِنهُما       دَبَّ السُلُوُّ لَهُ فَعَزَّ المَطلَبُ(31)

 والفضل بن ربيع بدوره خاصمته جارية له فصالحها بتأثير قصيدة لابن الأحنف(32). وهذا يعني أن حالات خصومات الحب (الزعل) كانت كثيرة في تلك البلاطات وهي محتاجة بالفعل إلى طبيب غرام يكتب وصفة شعرية ناجعة شافية، وكان هذا الطبيب هو العباس بن الأحنف، وكان يأخذ أجراً على علاجه الغزلي(33).

عاش في عالم المرأة ولم يخرج منه إلى عالم الرجال مطلقاً حيث الاصطراع والسياسة الدامية، فلم يشارك في أحداث عصره، ولا انتمى إلى حزب من الأحزاب، وكان يشبَّه بعمر بن أبي ربيعة الذي جعل شعره في مدح النساء دون الرجال، حتى سماه بعضهم (عمر العراق)(34)، وهو يقول:

لَحوني في القَريضِ فَقُلتُ أَلهو       وَما مِنّي الهِجاءُ وَلا المَديحُ(35)

ولذلك يقدمه الجاحظ: " لولا أن العبَّاس بن الأحنف أحذق الناس، وأشعرهم، وأوسعهم كلاماً وخاطراً، ما قدر أن يكثر شعره في مذهب واحد لا يجاوزه، لأنه لا يهجو ولا يمدح، ولا يتكسَّب، ولا يتصرَّف، وما نعلم شاعراً لزم فنّاً واحداً لزومه، فأحسن فيه وأكثر"(36).

شعره

شعره عباسي مولد، بألفاظه الاعتيادية البسيطة وان استعمل أحياناً ألفاظاً صعبة، وبمعانيه اليومية السهلة، لأنه أراد أن يكون شاعراً غنائياً، وهو أكثر من غني شعره. وصفه إبراهيم الموصلي فقال " الحسن المعنى، السهل المورد، القريب التناول، السهل اللفظ، العذب المستمع"(37). ويبدو أن طبقة من المجتمع تميل إلى الشعر البدوي استبردت شعره(38). وأشرت عاتكة الخزرجي تكراره بعض معانيه من باب التأكيد دون إملال، وعرضها في قوالب مختلفة، مع حشو كثير واعتيادية نظم. واستخدامه البحور القصيرة للأغراض الخفيفة، والطويلة للأغراض الجادة(39). وفي شعره عبارات عامية مثل (صرتُ كالخيط) (أصابتنا عين) (تمشي على البيض). ويغلب على شعره المقطوعات، التي يبدو بعضها رسائل وخواطر في الحب. ويشبه شعره في غنائيته شعر عمر بن أبي ربيعة فأكثره أغانٍ. ومع ظرافته(40) نلمس فيه خبيراً بالحب وأسراره، وذا مقدرة فائقة على فهم المرأة والتعامل معها، ووصف العلاقة الحميمة بينها وبين الرجل، والتمكن من التأثير فيها وفي المتلقي. ومن شعره الغزلي:

بَلِّغي يا ريحُ عَنّا       أَهلَ بَغدادَ السَلاما

بأَبي مَن حَرَّمَ النَومَ عَلى عَيني وَناما

بِأَبي مَن أَضرَمَ القَلبَ اشتياقاً وَهُياما

بِأَبي مَن كانَ مَشغوفاً بِقُربي مُستَهاما

فَقَضى اللَهُ عَلَينا       أَن شَحَطنا وَأَقاما

أُذكُري مَن لَيسَ يَنساكِ وَلَو لاقى الحِماما

إِنَّ مَن نامَ لَعَمري       يَحسَبُ الناسَ نِياما(41)

الشرح

بأبي: أفدي بأبي. الهُيام: أقوى درجات الحب وأقصاها فبعدها الجنون أو الموت. شحطنا: ابتعدنا. الحِمام: الموت. لعَمري: وحق عُمري. المعنى العام: يطلب من الريح أن تبلغ أهل بغداد السلام، وهو يريد حبيبته التي ببغداد. ويفدّي بأبيه حبيبته التي حرمته النوم وهي نامت، وأضرمت في قلبه الحب والشوق ولم تهتم به. وكان وهي قربه مستهاماً مشغوفاً بها فكيف اذا بعدت؟ ثم شاء الله فابتعد بالفعل عنها، فيطالبها بأن تذكره لأنه سيذكرها إلى الموت. ولكنه يعود فيعذرها على السلوان، لأنها تنام فتظن أنه مثلها ينام خالي البال.

التحليل

تمثل القصيدة أسلوب أكثر شعر العباس بن الأحنف، ولديه شعر قليل يستعمل فيه ألفاظاً جزلة وتعابير قديمة. والظاهر أن هذه الأبيات من كلام العباسيين الاعتيادي لفظاً ومعنى. ولا تبدو عليها القوة بل هي من الشعر المهموس الطافح بالموسيقى الذي يتخاطب به المحبون،. وهي تصلح أن تكون رسالة حب. وقد كتبها العباس بلغة الأغنية ليفهمها فضلا عن المثقف والعربي، العامي والأعجمي ومنهم حبيبته، فالجواري عموماً أعجميات.

 

أبو نواس (146- 200هـ).

سيرته

الحسن بن هانئ بن عبد الأول بن صباح، الأهوازي المولد، الحكمي بالولاء(42). نشأ في البصرة، وكان يكسب رزقه بمشقة، يؤجر في البساتين والدور، أو يحمل الأمتعة، أو يبري عيدان البخور في سوق العطارين(43). وتعرف بعدها إلى والبة بن الحباب وقدم إلى الكوفة بصحبته، فصار أستاذه الأول في الشعر، الذي عنه أخذ ومنه اقتبس(44). ثم قصد بغداد واتصل بالخلفاء من بني العباس، وكان الرشيد أولهم. وقد نال عنده حظوة لشعره وظرفه، إلا أن تهتكه جعل الرشيد يرضى عنه مرة ويغضب مرة أخرى فيودعه السجن. وظلت مشكلة مجونه ملازمة له ومنفـِّرة للحكام منه. وبعد تنكيب الرشيد بالبرامكة قصد مصر وامتدح الخصيب، ولكن لمجونه وإلحاحه ضجر منه الخصيب، فتركه أبو نواس بعدما هجاه.

وعاد إلى بغداد ومحمد الأمين خليفة، وكان عهده عهد أبي نواس الذهبي لعلاقتهما الطيبة وتشابههما في الأخلاق. ومع ذلك كان الأمين يتجنبه أحياناً ليدفع عن نفسه تهمة تقريب شاعر ماجن. وأخيراً حبسه بتهمة الشرب وطال حبسه حتى قال:

يا رَبِّ إِنَّ القَومَ قَد ظَلَموني       وَبِلا اقتِرافِ تعَطِّلٍ حَبَسوني

وَإِلى الجُحودِ بِما عرفتُ خلافه       مني إليه بكيدهم نَسَبوني

أَمّا الأَمينُ فَلَستُ أَرجو دَفعَهُ       عَنّي فَمَن لي اليَومَ بِالمَأمونِ

فقال المأمون لما بلغته الأبيات: والله لئن لحقته لأغنيته غنى لا يؤمله، فمات قبل دخول المأمون مدينة السلام(45).

 تصور الكتب أبا نواس منحطاً وسكيراً بلا توقف، وتروي أن أمه امرأة داعرة اسمها (جلبان)، وفي هذا مبالغة. وربما ألصق به خصومه الكثير من ذلك جراء التهاجي؛ فشاعريته وعلميته لا يتفقان مع اللهو والسكر الدائمين. قال إسماعيل بن نوبخت: ما رأيت قط أوسع علماً من أبي نواس. وكان يقال: الشافعي شاعرٌ غلب عليه الفقه، وأبو نواس فقيه غلب عليه الشعر(46). ولم يتم له تمكنه اللغوي المعروف إلا عن طريق الإقامة المتطاولة بين ظهراني الأعراب(47)، والمدارسة للكتب. ولكن لا ينكر أن له مجوناً ولهواً بعدما عاش في بلاط الخلافة ببغداد، فانغمس كغيره (البلاطيين) في الملهيات والملذات. ومع ذلك فما نقرأه في شعره من سخف وإشارات بذيئة هي بسبب تمثيله دور النديم في البلاط والمجتمع البغدادي، فتلك تدل فيما تدل على الذوق الوضيع لسامعيه(48)، كما أن الخمرة كانت شبه مباحة لان الخلفاء كانوا يشربونها علناً بلا خوف أو حياء.

 

شعره

 أبو نواس أول مَن أنـَّث القصيدة العربية وكانت قوية ذكورية، بما أضاف لغزله من مجون وتهتك وميوعة. نظم في جميع أنواع الشعر، وأجود شعره خمرياته. والخمر عند أبي نواس واقعية ورمزية: واقعية شربها ووصفها، ورمزية جعلها مزية للفرس على العرب، والحضارة على البداوة. وسخريته من العرب تفضح شعوبيته. وقد تأنق في وصف الخمر وغالى بها، واستخدم في صورها الخيال أيضا. وبعض صوره الخمرية مستعار من غيره.

تتميز ألفاظه بالسهولة والعذوبة، ومنها عبارات يومية(49). ولم يكن فيما أورده من الغريب متكلفاً، بل بدا كأنه من القدماء (اللفظيين) لسعة قاموسه اللغوي وتمكنه من اللغة وحفظه أشعار القدماء، ولاسيما في طردياته وأراجيزه. وهو وان مثَّل الطريقة العباسية المعنوية خير تمثيل، أفضل من أجاد كتابة شعر عربي متفوق؛ لانَّ اللفظية لم تفارق تكوين شعره، مع الرشاقة والموسيقية. وأبو نواس – بتقديري - أفضل الشعراء العباسيين في القرن الثاني. اتسع ديوانه لأحد عشر موضوعاً شعرياً حسب جمع أبي بكر الصولي وهي: ما يدور حول أخباره مع الشعراء والقيان، المديح، المراثي، العتاب، الهجاء، الزهد، الطرديات، الخمر، الغزل بالمؤنث، الغزل بالمذكر، المجون(50). ومن شعره حين طرده إبراهيم النظام وقال له: اخرج لا غفران لك:

دَع عَنكَ لَومي فَإِنَّ اللَومَ إِغراءُ       وَداوِني بِالَّتي كانَت هِيَ الداءُ

صَفراءُ لا تَنزَلُ الأَحزانُ ساحَتَها       لَو مَسَّها حَجَرٌ مَسَّتهُ سَرّاءُ

قامَت بِإِبريقِها وَاللَيلُ مُعتَكِرٌ       فَلاحَ مِن وَجهِها في البَيتِ لألاءُ

فَأَرسَلَت مِن فَمِ الإِبريقِ صافِيَةً       كَأَنَّما أَخذُها بِالعَينِ إِغفاءُ

رَقَّت عَنِ الماءِ حَتّى ما يُلائِمُها       لَطافَةً وَجَفا عَن شَكلِها الماءُ

فَلَو مَزَجتَ بِها نوراً لَمازَجَها       حَتّى تَوَلَّدُ أَنوارٌ وَأَضواءُ

لِتِلكَ أَبكي وَلا أَبكي لِمَنزِلَةٍ       كانَت تَحُلُّ بِها هِندٌ وَأَسماءُ

حاشا لِدُرَّةَ أَن تُبنى الخِيامُ لَها       وَأَن تَروحَ عَلَيها الإِبلُ وَالشاءُ

فَقُل لِمَن يَدَّعي في العِلمِ فَلسَفَةً       حَفِظتَ شَيئاً وَغابَت عَنكَ أَشياءُ(51)

الشرح  

لا تلمني على شربها لأنك ستغريني بها أكثر. وهي داء لأنها تحدث صداعاً لمن يشربها ليلاً ويسمى (الخُمار) وفي الوقت نفسه هي دواء يزيل الصداع إذا شُربت فجراً، لذا أشربها ليلَ نهارَ متعة وعلاجاً، وهو من قول الأعشى (وَكَأسٍ شَرِبتُ عَلى لذةٍ/ وَأُخرى تَداوَيتُ مِنها بِها). ومن يمسها تمسه السعادة والسرور. وحين سكبتها الساقية ليلا أضاءت المكان فصار كالنهار. وهي ألطف من الماء، فالأفضل أن تمزج بالنور لا بالماء لأنها بلطف النور. ولها أبكي وليس للأطلال التي يبكي عليها شعراء زمننا تشبثاً بالبدواة، وحاشاها أن تشرب في الخيَم مع الإبل والغنم، بل تشرب في القصور لأنها من لوازم حضارة العجم لا بداوة العرب. ويجيب النظام فيقول: عرفت شيئاً واحداً في الفقه يحرمني التوبة، وفاتتك أشياء كثيرة تمنحني التوبة وغفران الله.

 

التحليل

القصيدة منسوجة على الطراز الجديد، وفيها الكثير من الأسلوب المولَّد. فإذا يصدمك الشاعر العربي بألفاظ غريبة تحاول أن تتعرفها لتصل إلى المعنى المخبوء فيها، فهنا الصدمة والمفاجأة بالمعنى، فأنت لم تتعود أن تسمع أن الخمرة فيها لألاء يزيل الليل المعتكر، ولا أن الحجر الصلد إذا مسَّ الخمر مسته السعادة. كما تحلق القصيدة بعنصر الخيال الذي أضافه الأسلوب الجديد لارتباط الخيال بعالم المعنى. فبالخيال تدرك أن الخمر الطف من الماء وأنهما لا يمتزجان لفرق الرقة واللطافة، مع انهما واقعاً يمتزجان. وبالخيال تمزج الخمر بالنور لتتوالد بشكل أزلي أنوار وأضواء. على أن أبا نواس اختار ألفاظه فناسبت معانيها مناسبة تامة. وجاءت قوافيه لذيذة وليست صارمة، وهذا في عموم شعره. وقد حشدت القصيدة بالصور المتلاحقة فهي تحفة فنية عباسية.  

دراسة مفصلة لشاعر من حقبة المولدين

بشار بن برد (95- 167هـ)

سيرته

هو بشار بن بُرد بن يرجوخ. فارسي أصله من طخارستان (شمالي أفغانستان وجنوبي طاجاكستان). أسر المهلب جده يرجوخ، ونشأ ابنه بُرد عند زوجته، فزوَّجته من امرأة عقيلية. وحين ولد بشار أعتقته المرأة العقيلية(52) فعاش حراً لديها. ولكنه مع ولائه للعرب وبني عقيل خاصة كان يقدم العجم، وله مدائح كثيرة في فرسان أهل خراسان(53)، وافتخر بفارسيته مراراً كقوله:

هَل مِن رَسولٍ مُخبِرٍ       عَنّي جَميعَ العَرَبِ

بِأَنَّني ذو حَسَبٍ       عالٍ عَلى ذي الحَسَبِ

جَدّي الَّذي أَسمو بِهِ       كِسرى وَساسانُ أَبي(54)

وكانت فيه زندقة (مانوية)(55)، فاجتمعت فيه الشعوبية والزندقة. وكان لهذين أثر في شعر بشار؛ فهو مستهتر بالقيم والأخلاق، متهتك، كاره للناس، محتقر لحياة العرب وعنصرهم(56). وكان ضعف الدين في بشار، وحبه القاهر للشهوات ولاسيما النساء، فضلا عن حالة اليأس والضجر بسبب العمى، قد اجتمعت في دفعه إلى نمط من الحياة اللاهية الفارغة من المسؤولية. جاء في الأغاني انه كان لديه مجلسان في الغداة والعشي يسمي الأول (البردان)، ويسمي الثاني (الرقيق) يطعم فيهما الأكل والنبيذ، وتحضرهما النساء المتحللات(57).

 وجره تمرده إلى إسرافه في هجاء الناس وهو صغير. وكان مهجووه يشكونه إلى أبيه. فقال لأبيه: قل لهم: أليس الله يقول: " ليس على الأعمى حرج "؟ فلما عاودوا شكواه قال لهم برد ما قاله بشار؛ فانصرفوا وهم يقولون: فقه بُرد أغيظ لنا من شعر بشار(58).

وعرف بسخريته، وهي شكل من تمرده على أفكار عصره، فضلا عن كونها صورة لنفسه الساخرة. قيل: مرَّ بشار بقاضي البصرة فسمعه يقول: من صام رجباً وشعبان ورمضان بنى الله له قصراً في الجنة صحنه ألف فرسخ في مثلها وعلوه ألف فرسخ وكل باب من أبواب بيوته ومقاصره عشرة فراسخ في مثلها. فالتفت بشار إلى قائده. فقال: بئست والله الدار هذه في كانون الثاني(59).

ولا نعتقد انه ناصر ثورة إبراهيم بن الحسن المحض بدافع الإيمان بحق العلويين، وإنما لكرهه المنصور. ونجده يعود بقوة إلى البيت العباسي فيكون الأقرب إلى ابنه المهدي. لقد مارس بشار كل صراحته واخذ كل راحته في الدولة العباسية بعدما كان مهمشاً في الدولة الأموية الغريبة عليه وعلى سليقته الفارسية فلم يأخذ حظه من الشهرة التي يستحقها فيها. وقد وثق كثيراً واتكأ على سيادة عنصره الفارسي، وفاته الصراع الخفي بين العباسيين والفرس حتى وقع ضحيته حينما قدّم للإعدام ولم تستنقذه اليد الفارسية، فقتل تعذيباً بين يدي المهدي متهماً بالزندقة. والصحيح انه هجا المهدي فبيتها له.

 

شعره

لا غبار على شعرية بشار وتقدمه وتميزه، فهو من أصحاب الإبداع والاختراع. وهو أبو المحدثين(60)، فتق لهم الكثير من المعاني والأساليب والأشكال. فقد جدد وابتكر المعاني، وأشاع المقطوعات، وابتدأ وضع أسس البديع، وكتب بعض الأشكال كالمزدوج(61). وبشار كشأن كل رائد ومفتتح لطريق جديد، مهَّد لشعراء أفضل منه بعدما زوَّدهم بكل ما يحتاجونه للتفوق. وقد ذكرنا انه كتب على الطريقة العربية القديمة في العصر الأموي اضطراراً، وفي العصر العباسي مجاملة للعلماء العرب، ولكن أفضل شعره الذي كتبه على طريقة المحدثين. ومن شعره الذي قلد به القدماء:

إِذا كُنتَ في كُلِّ الذُنوبِ مُعاتِباً       صَديقَكَ لَم تَلقَ الَّذي لا تُعاتِبُه

فَعِش واحِداً أَو صِل أَخاكَ فَإِنَّهُ       مُفارِقُ ذَنبٍ مَرَّةً وَمُجانِبُه

إِذا أَنتَ لَم تَشرَب مِراراً عَلى القَذى       ظَمِئتَ وَأَيُّ الناسِ تَصفو مَشارِبُه(62)

وألهمت البصرة بشاراً قول الشعر، وسار على الخطى التقليدية للشعراء في التدرج والوصول إلى أعلى الممدوحين ما أمكن. مدح سليمان بن عبد الملك وابن هبيرة وغيرهما في العصر الأموي، ثم المنصور والمهدي وغيرهما ليكون سيد قصيدة المدح في العصر العباسي. ويدل قوله:

إذا أَنشَدَ حَمّادٌ       فَقُل أَحسَنَ بَشّارُ(63)

على كثرة شعره قيل له (12) ألف قصيدة(64)، كما يدل على ثقته المتناهية بشاعريته. وكان بشار متردداً بين الفحولة والسهولة. غير انه جرب لغة الفحولة والجزالة اضطراراً في العصر الأموي، وجرى على طبيعته وسليقته بالسهولة في العصر العباسي. وعندما أحسَّ بأن الشعر العربي بحاجة إلى اللفظية قام  - تعويضاً عن اللفظ العربي الجزل وفاعليته في الشعر - بصناعتين بديلتين: الأولى دس كلمات جزلة في شعره السهل مما جعله أحياناً يترنح ثقلا. وأطلقوا على هذه الألفاظ (الغريب) لأنها صارت بالفعل غريبة عن حياة الترف والتحضر. والثانية (البديع) وهو تزويق اللفظ المألوف من الخارج لإضفاء جمالية له تعويضاً عن جماليته اللغوية التي لم يعد الشاعر المحدث قادرا على تحقيقها، فهو أشبه بالماكياج التي تضعه المرأة غير الجميلة لتصبح جميلة براقة، الا انه فتح الطريق في ذلك لمن بعده ولم يكثر في شعره أو يتضح.

ويرى طه حسين - وهو محق - أن بشاراً كان موفور الحظ من الإجادة لكنه ليس أفضل شعراء عصره كما يردد أغلب النقاد القدماء، فأبو نواس أفضل منه(65). وهو ما رآه الجواهري وأراه أيضاً. وتميز شعره بطغيان الموسيقى لذا شبهوه بالأعشى صناجة العرب، لما في شعره من موسيقى مؤثرة، ولكثرة عروضه وتصرفه فيه(66). وقد قسا عليه طه حسين بقوله: كان يتكلف المعاني والألفاظ والأوصاف(67)، وغزله لا يدل عن صدق دائماً، بل كتب غزله لأمرين: التهالك على اللذة، وطلب الشهرة(68). فنحن نرى كثيراً من ألفاظه ومعانيه وأوصافه تأتي سمحة غير متكلفة، وغزله بـ(عبدة) نلمس فيه الصدق. وبشار بفضل عماه أول من وظَّف عنصر الخيال في الشعر العباسي تعويضاً عما يراه. كقوله:

وَكَأَنَّ رَجعَ حَديثِها       قِطَعُ الرِياضِ كُسينَ زَهرا

وَكَأَنَّ تَحتَ لِسانِها       هاروتَ يَنفُثُ فيهِ سِحرا(69)

فلابدَّ من ركوب الخيال للربط بين جمال حديثها وقطع الرياض، وكذلك بين حديثها وسحر هاروت. ويسميه البهبيتي (التوهم) " ومن هنا كان عليك أن تتوهم لتفهم"(70). ويرى الصادق عفيفي أن بشاراً  يختار تعابير دارجة في تداولها، صحيحة في فصاحتها، جميلة في مدلولها مثل: (يا نور عيني)، (روحي فداك)، (خافي الله). 

 وأغراض شعره في مقدمتها المدح والغزل والنسيب وأكثره بعبدة. ثم الهجاء، والرثاء، والفخر. وأغراض اخرى كتب فيها بقلة كالعتب، والشكوى، والمجون، والزهد، والوصف المستقل. ومن قصائده الرائعة:

وَذاتُ دَلٍّ كَأَنَّ البَدرَ صورَتُها       باتَت تُغَنّي عَميدَ القَلبِ سَكرانا

(إِنَّ العُيونَ الَّتي في طَرفِها حَوَرٌ       قَتَلنَنا ثُمَّ لَم يُحيينَ قَتلانا)

فَقُلتُ أَحسَنتِ يا سُؤلي وَيا أَمَلي       فَأَسمِعيني جَزاكِ اللَهُ إِحسانا

(يا حَبَّذا جَبلُ الرَيّانِ مِن جَبَلٍ       وَحَبَّذا ساكِنُ الرَيّانِ مَن كانا)

قالَت فَهَلا فَدَتكَ النَفسُ أَحسَنَ مِن       هَذا لِمَن كانَ صَبَّ القَلبِ حَيرانا

يا قَومُ أُذني لِبعَضِ الحَيِّ عاشِقَةٌ       وَالأُذنُ تَعشَقُ قَبلَ العَينِ أَحيانا

فَقُلتُ أَحسَنتِ أَنتِ الشَمسُ طالِعَةٌ       أَضرَمتِ في القَلبِ وَالأَحشاءِ نيرانا(71)

الشرح  

ذات دل: معجبة بنفسها. عميد القلب: مريض القلب من الحب. الحَوَر: شدة بياض العين في شدة سوادها. سؤلي: حاجتي. الصَبُّ: العاشق. المعنى العام: ربَّ جميلة معجبة بنفسها كأنها البدر سهرت تغني عاشقاً سكران بالحب بيت جرير (إنَّ العيون الَّتي في طَرفِها حَوَرٌ/ قَتَلنَنا ثُمَّ لَم يُحيينَ قَتلانا). فقلتُ أحسنتِ، فأسمعيني لجرير من نفس القصيدة (يا حَبَّذا جَبلُ الرَيّانِ من جبل/ وَحَبَّذا ساكِنُ الرَيّانِ مَن كانا). فقالت: بل أحسن منه لعاشق متيم مثلك أن أغني (يا قَومُ أُذني لِبعَضِ الحَيِّ عاشِقَةٌ/ وَالأُذنُ تَعشَقُ قَبلَ العَينِ أَحيانا) وهي أذن الشخص الاعمى الذي لا يعول على العين. فقلتُ أحسنت وأنتِ كالشمس جمالاً، وقد أضرمت نار حبك في قلبي وأحشائي.  

الأسلوب

القصيدة مكتوبة على طريقة المحدثين، سلسة الألفاظ خالية من غريب اللغة. ومعانيها واضحة، وتشبيهاتها قريبة ليس فيها عمق أو تعقيد. وقد استخدم التشبيه بأداة (كأن البدر صورتها)، وبلا أداة (أنت الشمس). اشتغلت القصيدة على المعنى فجاءت صورها رائعة، وفيها صورة مبتكرة جميلة هي جعله الأذن تعشق قبل العين. ولكن لم يحلق الخيال عبر معانيه لوضوحها، وفي القصيدة أبيات مضمَّنة من شعر جرير (الثاني والرابع). وكان للموسيقى أثر كبير في صياغة الأبيات ومنحها رونقها، كما جاءت القافية بضربات واضحة تعظّم وتنظّم موسيقى الأبيات. القصيدة بمجملها جميلة ومؤثرة وذات شاعرية واضحة.

 

تقييم شعر حقبة المولدين

 أغلب كبار الشعراء في هذه الحقبة أعاجم. وسمي شعرهم (شعر المولدين) و(شعر المحدثين) لما أحدثوه في الشعر من مغايرة لأسلوب القدماء، ويقف مع العجم في ذلك شعراء عرب لانَّ التغيير صار واقعاً حضارياً أيضاً. وتميز الشعراء بالابتكار والتجريب المستمر للعثور على جديد يكون أكثر تمثيلاً للعصر، فكان نشاطهم دؤوباً. فقد استحدثوا أشكالاً وأوزاناً وأساليب وأغراضاً كثيرة. وأغلب ما أنتجوه يدور في فلك (النثرية)؛ فالشعر التعليمي، والشعر التاريخي، وشكل المزدوج، والشعر المدور، والأوزان العباسية والمقطوعات التي لا يطول معها النفس كلها في كنهها هبوط إلى النثرية.

 والشعر الجديد يشتغل على المعنى وآلياته كالفكرة والخيال والتجسيد والوحدة العضوية، ولا يهتم كثيراً بالألفاظ والصياغة، مع حرص على الموسيقى. ويمكن جعل هذه الآليات معياراً لمعرفة طريقة الشعراء؛ فمن يشتغل عليها مع طريقة المحدثين، ومن لا يشتغل عليها مع طريقة القدماء. والشعراء المجددون (المعنويون) لم يهملوا اللفظ كلياً، فحتى صالح بن عبد القدوس نجد عنده مظهراً لفظياً مع بساطة وسلاسة ألفاظه، وهو اختياره اللفظ الذي يلبس المعنى تماماً فلا نستطيع إحلال لفظ محله. كما نجد أغلبهم يستعمل أحياناً ألفاظاً صعبة، واستعمل بعضهم ألفاظاً وتراكيب أعجمية. وقد وضع بشار بن برد أسلوب اللفظ الصعب مرة (الغريب) و(البديع) مرة أخرى للتعويض عن لفظية الشعر اللابدية، وفي كليهما قلده الشعراء، إلا أن استعمال البديع حظي بالاهتمام أكثر، وتزايد صعوداً في الزمن.

 وكان علماء العرب يجابهون كل مبتدع ويتشددون في قبوله، وبالفعل اسقطوا الكثير مما استحدثه المولدون، وسمحوا لمرور القليل الذي لا سبيل إلى رده. فأسقطوا أوزاناً كثيرة كأوزان ابن السميذع ورزين العروضي، وبعض مبتدعات أبي العتاهية فلم يكتب عليها غيرهم، أو لم يجترئ أحد عليها(72)، وأسقطوا التدوير الذي ابتدعه أبو نواس، والأشعار الشكلية الخالصة كتجربة رزين العروضي بكتابة قصيدة بلا حروف منقوطة، وأشكال وأنماط أخرى لا شعرية ازدهرت في العصور المتأخرة حين نزل الشعر من قمته.

هوامش المبحث الرابع

...........................................

(1) مروان بن أبي حفصة جده من يهود خراسان (تاريخ الشعوب الإسلامية: 190).

(2) كتاب الأغاني: 3/ 102.

(3) كتاب العمدة: 1/ 138.

(4) خزانة الأدب، البغدادي: 1/ 406.

(5) طبقات الشعراء: 114.

(6) طبقات الشعراء: 279.

(7) طبقات الشعراء: 275- 277.

(8) الشعر والشعراء: 275- 276.   

(

(9) كتاب الأغاني: 16/ 90

(10) تخلف عن الحضور عبد الرحمن الداخل فنجا وأعاد الدولة الأموية في الأندلس.

(11) المحاسن والمساوئ، البيهقي: 382.

(12) كتاب الأغاني: 10/ 200.

(13) الوافي بالوفيات: 18/ 165.

(14) شرح نهج البلاغة: 7/ 126.

(15) الأعلام: 1/ 322.

(16) الأعلام: 1/ 322.

(17) طبقات الشعراء: 32.

(18) الوافي بالوفيات: 9/ 118.       

(19) كتاب الأغاني: 7/ 178.

(20) الوافي بالوفيات: 9/ 118.

(21) ينظر قصته في شرب الخمر مع سليمان بن حبيب بن المهلب في طبقات الشعراء: 32.

(22) لسان الميزان: 1/ 436.

(23) كتاب الأغاني: 7/ 179.

(24) كتاب الأغاني: 7/  182.

(25) طبقات الشعراء: 32.

(26) ينظر: الثورات العلوية- كتابة التاريخ وقراءة الشعر، أ.د محمد تقي جون: 266.

(27) الوافي بالوفيات: 9/ 118.

(28) ديوان السيد الحميري: 226- 227.

(29) وفيات الأعيان: 3/ 20.

(30) الأعلام: 3/ 259.

(31) طبقات الشعراء: 255- 256.

(32) كتاب الأغاني: 8/ 256- 257.

(33) كتاب العمدة: 1/ 89.

(34) كتاب العمدة: 1/ 89.

(35) ديوان العباس بن الأحنف: 91.

(36) كتاب الأغاني: 8/ 254.

(37) كتاب الأغاني: 8/.263- 264.

(38) كتاب الأغاني: 8/ 266.

(39) ينظر: العباس بن الأحنف، د. عاتكة الخزرجي: 125، 153، 191.

(40) طبقات الشعراء: 253.

(41) ديوان العباس بن الأحنف: 267.

(42) الأعلام:: 2/ 225.

(43) ديوان أبي نواس: 10.

(44) كتاب الأغاني:18/ 76.

(45) تاريخ الطبري: 7/ 110.

(46) الوافي بالوفيات: 12/ 177.

(47) تاريخ الشعوب الإسلامية: 190.

(48) تاريخ الشعوب الإسلامية:191.

(49) تاريخ الشعوب الإسلامية: : 190.

(50) ديوان أبي نواس: 16- 17.

(51) ديوان أبي نواس: 27- 29.

(52) ينظر: كتاب الأغاني: 3/ 94.

(53) البيان والتبيين: 1/ 49.

(54) ديوان بشار بن برد، تحقيق: د. احسان عباس(بيروت، دار صادر، 2010): 136.

(55) المانوية ديانة إيرانية قديمة تؤمن بوجود عنصرين متصارعين: النور (اوهارا) والظلمة (اهريمن). وهي تتقاطع مع المجوسية التي ترى النور الله (يزدان) والظلمة الشيطان (أهرمن). وقد استطاع المجوس القضاء على المانوية في إيران، مما جعلها متخفية. وأعادت نفسها في العصر العباسي. والمانوية هم الزنادقة الذين تعقبتهم الدولة العباسية. (ينظر: محاضرات عن فنون الشعر الفارسي والحضارة الإسلامية في إيران: 86- 87؛ رسائل المرتضى: 2/ 284.

(56) حديث الأربعاء: 2/ 190.

(57) كتاب الأغاني: 3/ 117.

(58) كتاب الأغاني: 3/ 145.

(59) كتاب الأغاني: 3/ 110.

(60) كتاب العمدة: 1/ 138.

(61) البيان والتبيين: 1/ 49.

(62) ديوان بشار بن برد: 106.

(63) الوساطة بين المتنبي وخصومه: 221.

(64) كتاب الأغاني: 3/ 100.

(65) حديث الأربعاء:197.

(66) ينظر: كتاب العمدة: 1/ 138- 139.

(67) حديث الأربعاء: 2/210.

(68) حديث الأربعاء: 2/ 204- 205.

(69) ديوان بشار بن برد: 446.

(70) تاريخ الشعر العربي، نجيب البهبيتي: 357

(71) ديوان بشار بن برد: 415.

(72) ينظر تاريخ الأدب العربي: 1/54.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . محمد تقي جون
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2017/07/29



كتابة تعليق لموضوع : خلاصة الأدب العباسي- أدب الحضارة والحداثة الجزء الخامس
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net