• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : كلام الموتى .
                          • الكاتب : حيدر الحد راوي .

كلام الموتى

 يافع شاب في متوسط العمر , لديه فضول وحب استطلاع , يهوى وينجذب لكل ما هو غريب من حوله , دفعه فضوله وحبه للاستطلاع ان يقترب من المجنون مريطي مده , والمعروف عنه انه يحب النظر الى اجساد الموتى , ومواظبا على زيارة المقابر وحضور الجنائز , ويتفوه بكلام لا يفهمه الناس , فينعتونه بالجنون , ويدعونه ( ابو الموتى مريطي مده) . 

ذات يوم فيما كان مريطي مده يجلس في احد المقابر , فأقترب يافع منه , سلم عليه بأدب واحترام , فرد العجوز عليه السلام بأفضل ما يكون , فجلس يافع وحدق فيما كان يحدق فيه العجوز , وكان قبرا حديثا . 
يافع بشجاعة : لماذا تجالس الاموات ؟ رغم ان مجالستهم ف ي المقابر موحشة ! . 
مريطي بعد ان تأوه : انهم اصدقائي ... واقاربي . 
يافع : الا يكفي انهم قد ماتوا .. وكما يقول المثل ( الحي ابقى من الميت ) . 
مريطي : نعم .. لكني اجد الحياة فيهم ... فاتعلم من كلامهم . 
يافع : هل الموتى يتكلمون ؟! 
مريطي : نعم .. يا بني ! ... رغم صمتهم يتكلمون ! ...  ورغم سكونهم ينطقون ! . 
يافع : عذرا جدي .. لم افهم ! . 
مريطي : الم تعلم ان علم الميكانيك ينقسم الى قسمين هما علم الحركة ( ديناميكا ) وعلم السكون ( ستاتيكا ) . 
يافع : ما دخل هذا بذاك ؟ ! . 
مريطي : لدى الاحياء حركة وسكون ... الم ترى ان للسكون علم قائم بذاته ! . 
يافع : نعم .
مريطي : الموت يمثل السكون بعد حركة الحياة .. فالميت ينطق بسكونه عن الحركة . 
يافع : وماذا يقول ؟ . 
مريطي : يقول الميت لكل من ينظر اليه (( يا من لا تزالون احياء ... سيأتيكم الموت من بين ايديكم ومن خلفكم .. كما قد اتاني ... الم تروا اني كنت حيّا مثلكم .. اضحك وابكي .. اأكل واشرب ... انام وامشي ... اسير في الشوارع واجلس في المجالس )) . 
يافع : أكل ذلك يقوله الميت ؟ ! .
مريطي : نعم واكثر ... انظر لهذه القبور ! ... اتظن ان اصحابها صامتون ! . 
يافع : لا اسمع أي اصواتا تصدر منهم ! . 
مريطي : انهم يقولون لي ولك ولكل الاحياء ... ( لقد كنا نسكن البيوت الفارهة .. واليوم نعمر المقابر المهجورة ) . 
اكتفى يافع بهذا القدر من الكلام مع مريطي مده المجنون , تركه وانصرف , يفكر فيما قد سمع , تارة يظن ان مريطي مجنونا كما يظن كل الناس , وتارة يراه حكيما , حكيما بين جهال , فطغت عليه حكمته , وبانت عليه اثار الجنون . 
                                   ******************** 
ذات يوم , شاهد يافع جنازة تحمل , ويسير خلف الجنازة حشد كبير من الناس , فبحث عن مريطي , فلا بد له ان يكون في مكان ما , فلمحه يقترب من حملة التابوت , ويخاطبهم : 
مريطي : اليوم انتم رافعون ! وغدا انتم مرفوعون ! ... فخذوا من هذا اليوم لذاك اليوم ! .
التفت مريطي نحو المشيعين واردف قائلا : انتم اليوم مشيعون ! ... وغدا ستشيعون ! فأقتبسوا من هذا اليوم لذاك اليوم ! . 
غير ان احدا لم يعبأ بكلامه , وربما لم يفهموه , وظنوا ان الجنون قد استحكم عليه , فتطوع عدد منهم لابعاده , فقاومهم , هموا بضربه وابعاده بالقوة , غير ان يافع حال دون ذلك , فسار الموكب مبتعدا , واكتفي مريطي ويافع بالنظر . 
مريطي : يافع .. لقد اتيت الى هذه الدنيا .. كنت تبكي .. والناس من حولك يضحكون ... فغادرها انت تضحك والناس من حولك يبكون ! . 



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=10283
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2011 / 10 / 12
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19