• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : من كتب التصحيح اللغوي .
                          • الكاتب : صلاح عبد المهدي الحلو .

من كتب التصحيح اللغوي

صرتُ أشعرُ بشيءٍ من العزاء والمواساة,حين أجد عملاً درامياً ضخماً باللغة العربية الفصحى ,فيه عدَّة أغلاطٍ لغوية,سواءً كان هذا العمل مسلسلاً دينياً ك (على هامش السيرة) المصري,أو (يوسف الصدِّيق) الإيرانيِّ, وسواءً كان مثل البرنامج الشهير (أفتح ياسمسم) أوغيره.
ذاك أنِّي عملتُ مصححاً لغوياً في عدَّة أماكن ومنها بعض الإذاعات والاستوديوهات الخاصة,ولم يبلغ ما أشرفتُ عليه,أو أشرف عليه غيري حدَّ الكمال,ولا جرم ,فالعصمة لأهلها,وإن كانت هذه العبارة لا تُعدُّ مبرراً لخروج الغلط على الهواء,مما يسبب حرجاُ أخلاقياً مُذلاً,وإهانةً علميةً مريرة.
وإن سألتَ عن الفرق بين التصحيح اللغوي في إذاعة,أو في مقروءٍ من مجلةٍ أو جريدةٍ أو كتاب,فأقول لك:- إن التصحيح اللغوي في الإذاعة أصعبُ بكثيرٍ ولا مجال للمقارنة؛لأنَّك في ساعة تصحيحك الكتاب وصعبت عليك كلمة,فلك الفرصة في المراجعة,والوقت للبحث,أما في الإذاعة,فليس لديك الفرصة,خصوصاً مع ازدحام البرامج التسجيلية,وتأفف المذيع,وانزعاج مسجِّل الاستوديو,وعليه,فكل غلطٍ في المجلة يتحمَّله المصحح اللغويُّ,حتى مايكون خطئاً مطبعياً,إذ كان عليه أن ينتبه له,ولعلَّ من أشهر الأغلاط المطبعية,هو إذا مازحفت الحركة على الحرف أثناء التصميم,مثل (كُلّ) تكون (كّل),أي تنتقل الشدَّة من اللام إلى الكاف,أو مثل تقطّع حروف الكلمة,وهذا غالباً مايكون في الألف واللام,و (لا) مثل (ال كلمات,الكلمات- الحم لات,الحملات).
أما الأخطاء النحوية في الإذاعة,فكثيرة جداً,لا سيما في بنية الكلمة الصرفية,إذ أنك تستطيع غالباً أن تضبط حركة آخرها الإعرابية,ولكنك تواجه صعوبةً في أحايين كثيرة في ضبط بنيتها,وأوائل حروفها,مثل (رَغم,ورُغم,--أبَّان,وإبَّان) ونحوهما,ولعلَّ من أهمِّ أسباب خروج المُنتج الإذاعيِّ وفيه أغلاطٌ نحوية,وبعضها لايتحمَّله المصحح,والآخر مشترك,والثالث يتحمَّله وحده,
1- ازدحام التسجيل وتراكمه,مما يُنهك المذيع والمصحح.
2- عدم قوة المصحح اللغوي وقلَّة اطلاعه.
3- عدم تمكّن المذيع من اللفظ الصحيح,لذلك عندما يقرأ المذيع فقرة من ثلاثة أسطرٍ مثلاً,وعنده فيها كلمة واحدة مغلوطة,فالمصحح يغمض العين عن هذا الغلط؛لأنه يدري بسبب سابق معرفته بالمذيع,أنه لو طلب منه الإعادة,لما استطاع أن يأتي باللفظ المغلوط صحيحاً,وسوف لن يعيد قراءة الفقرة مرةً ثانية بصورةٍ صحيحة كما في المرة الأولى,لذا يضطر لتحمَّل مسؤولية خروج الغلط على الهواء عند إذاعته.
4- عدم وضوح عبارة المُعدّ,بحيث لايتضح المعنى,والإعراب معنى.
5- عدم قبول المذيع لملاحظات المصحح,لشعوره بالحرج,ولقد صادفتُ العمل مع هكذا مذيعين ممن يكبرني في العمر نحو عشرين سنة,وكان لايقبل بملاحظاتي إلاَّ عندما آتي له بالمعجم اللغويِّ,ثم صار لايقبل بها حتى مع محاججته بالكتب,مما أدَّى إلى تلكؤ العمل,والعراك بيننا دائماً,وهذا بعكس ما رأيناه عند ممثلي بغداد المشهورين حين يؤدون عملاً درامياً فصيحاً,فهم يتقبلون التصحيح بصدرٍ رحبٍ جدا.
6- انزعاج المسجل الفنيِّ من كثرة ملاحظات المصحح,وكثرة تكرار المذيع للعبارة الواحدة بالخطأ نفسه.
ولا عجب في وجود الأخطاء,فاللغة العربية لغةٌ صعبة,وبحرٌ واسع,وحسبك أن تعلم أنَّه عندما طُبع (المُنجِدُ في اللغة) أول مرة استدرك عليه الاستاذ عبد الستار فرَّاج في مجلة العربي الكويتية مئات الأغلاط اللغوية,علماً وهذا أمرٌ طريف,مجلة العربي كثيرة الاغلاط اللغوية,ومن لم يصدِّق فليراجع.
ومن العجيب,أن هذا الشخص - الدكتور فرَّاج- لتضلعه في لغة العرب,يهزأ بآراء الدكتور المرحوم مصطفى جواد,صاحب (قل ولا تقل) ويراها أقرب للطرائف العلمية منها للتحقيقات العلمية,وكان يأخذ عليه كثيراً منعه جمع صيغة فاعل على فواعل,لأن الدكتور مصطفى جواد لا يرى أن كلمة (باسل) تُجمع على (بواسل) ويعيب عليهم في نشرة الأخبار قولهم (جنودنا البواسل) وردَّ عليه الاستاذ فرَّاج بجمع (فارس) على (فوارس),نعم لم يقف للأستاذ فرَّاج إلا الشيخ عبد الهادي الفضلي في نقاشهما على إحدى صفحات المجلة المذكورة.
وحسبك أن تعرف أن نقاشاً حامياً وعاصفاً جرى بين السيد رؤوف جمال الدين – رحمه الله – خريج الحوزة النجفية,والدكتور مصطفى جواد في مواضيع لغوية كثيرة في رسائل متبادلةٍ بينهما طبعت تحت عنوان (مناقشات مع الدكتور مصطفى جواد) كانا أثناء النقاش يتصيَّدانِ الأغلاط اللغوية لبعضهما بعضا,وقد ردَّ السيد رؤوف جميع اشكالات الدكتور,فيما عجز الدكتور عن ردِّ ثلاثة اشكالات واحدٌ منها إملائيٌّ للسيد رؤوف,واعترف بها أخيراً من باب الاضطرار,وهو صاحب (قل ولا تقل).
وهذه مضمون طرائف من ردود وتعليقات بعض اللغويين على بعضهم أو غيرهم,وكنت أحفظ منها جملةً صالحة,ولكن للأسف (طار) كثيرٌ منها,وأنا واثقٌ حين أنتهي من كتابة المنشور سترجع كلها,ولم يحضرني غير هذين الموردين.
1- السيد عبد الستار الحسيني,أعاب على الشيخ محمد تقي التستري عنوان كتابه (قاموس الرجال)؛لأنَّه ظنَّ أن القاموس بمعنى المعجم,والحق انه بمعنى البحر الواسع المحيط.
2- الدكتور عدنان -نسيت اسمه الكامل - أعاب على الدكتور مصطفى جواد عنوان كتابه (قل ولا تقل)؛لأن من عادة العرب أن تبدأ – حين القول – بالنَّهي ثم بالأمر,قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انظُرْنَا وَاسْمَعُوا ۗ) وقوله تعالى (فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيما).
وهذه جملة من أشهر الأغلاط التي تجري على أقلام الكتاب في الصحف,
يقولون (عرضٌ مصان) والصواب (عرضٌ مصون) لأن مضارع صان يصون,تبدل ياء المضارعة ميما.
يقولون (تناقشا حول الامر) والصواب (تناقشا في الامر) لان من معاني (الحول) القوة.
يقولون (شخصُ خلوق) والصواب (ذو أخلاق) لان الخلوق الرائحة,ومنه مضمون قوله صلى الله عليه وآله (خلوق فم الصائم أطيب عند الله من رائحة المسك) والخلوق رائحة الكعبة المشرَّفة.
يقولون (رأيتُ نفس الشخص) والصواب (رأيت الشخص نفسه) لأن النفس من الفاظ التوكيد,تأتي بعد الموكَّد.
يقولون (وخلال لقائه بوفد) والصواب (خلال لقائه وفداً) لان (لقاء) مصدر مضاف,والمصدر المضاف ينصب مابعده ,قال تعالى (وقتلهم الانبياء) ولم يقل وقتلهم للأنبياء
يستخدمون كلمة (عديد) بمعنى كثير,يقول (قرأت كتباً عديدة) يريد كثيرة,وهو غلط,لأن (عديد) للمعدود القليل,يقال لضرب المثل في القلة (هم يعدّون على أصابع اليد) وقال السموأل:
تعيّرنا أنَّا قليلٌ عديدنا *** فقلت لها إن الكرام قليل. 
ومن أشهر الأمثال التي تجري على ألسنة الناس غلطا,قولهم (انما يعرف الفضل ذووه) وهو غلط,لأن (ذوو) تضاف إلى اسم جنس,والصواب (انما يعرف الفضل ذوو الفضل).
هذا ما اقتنصته لكم من كتب التصحيح اللغوي.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=109990
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2017 / 11 / 16
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28