• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : إسماعيل البويحياوي قصيصة عن الثورة .
                          • الكاتب : عزيزة رحموني .

إسماعيل البويحياوي قصيصة عن الثورة

 

قصة قصيرة جدا
لْكُرْحَة
تحلقنا برأس الدرب، وأخرجنا "كَيَّةْ لْكِيَّاتْ" من صدورنا. حفَّنا المارّة و " فوَّجوا" معنا. وكبّ الشارع على الشارع. عشرات الأجيال، وملايين الأصوات تعطروا بعبق الأرض. مكاوي، إمام، الغيوان، مارسيل، محمود و جوليا يحبكون حروف قصيصتي ويُهلِّلون:
الأرض بتتكلم عربي،
الأرض،
الأرض،
الأرض
 
قرحة السرد أو حرقته عند إسماعيل البويحياوي تأخذنا في لوحات تشكيلية إلى عوالم من الموروث الثقافي  حيث يتقاسم الناس الفرح و القرح و يمارسون إنتماءهم إلى الأرض/الوطن/الحضن الذي يضمهم و يضمد جراحهم  thérapie de groupe
في اللوحة الأولى  تنفتح "الحلقة" لتمتص المتحلقين و ترضعهم بعض الضحك  في فرجة ممتعة يتداخل فيها أنا الحكواتي/الحلايقي مع الأنا الجماعية لأفراد مجتمعه.
في اللوحة الثانية الذات الجماعية تمارس نشوتها في التبوريدة لتنبت قصص الفروسية و الفرسان النجباء في ذاكرة المتفرجين و تزهر ذكريات الخيل و الفتوحات و أندلس مفقود
اللوحة الثالثة: أفواج/أجيال لا تملك الا التغني بمجد غابر في حاضر محاصر بين الذكرى و الحسرة و الحلم المجهض بأرض عربية تتحرر من جلاديها...
لوحة رابعة محتملة : أرض  تحكي لغة  صارت غريبة في وطنها,مستلبة  من قلوب أبنائها, من أقصى الشام مرورا بأرض الكنانة إلى المغرب العربي حرقة/قرحة واحدة تشد القلب
نفتح أعيننا على شكل القصصية, نقلبها بشكل عمودي فتدهشنا صورة البندقية  التي كانت كلمات تقطر كمجد غارب أو أحلام مُرّة؟
نصحو على صوت جوليا أو صوت الحلايقي( لا ندري إلى أي مدى يتداخل الصوتان) في الحلقة التي تحكي عن الفرسان ورائحة  البارود. المخزنة في الذاكرة الجماعية  مع ما تستدعيه من صور المجد الماضي و صولة الفرسان ما وراء البحار في فتوحات تجلب الخير و السلطان و تعلي الهمم و تجعل لذة الوطن تعلو/تحلو في الضمائرو الهمم ...
القاص إسماعيل البويحياوي مبدع يسعى نحو كشف الحقيقة , يسعى  أن يكون الكل في نفسه و تطور الشكل في كتابته لا ينفصل عن تطور المضمون  حيث تفضي صرخاته إلى كشف الجذر الإنساني في السارد. منه ينطلق نحو بيئته يخترقها و يسبر غورها و يكتشفها اكتشافا واعيا. و لأنه  مبدع شفاف  و كتابته لها ارتباط بالحياة فإنها تأتي في شكل شرارات تنم عن إحتراق داخلي يخلق  الرغبة في الصراخ هذه الصرخة التي يلبسها زيا تارخيا أحيانا أو يطبعها ب سمة فلكلورية أو يصوغها في قالب الأسطورة او يسطرها في خانة الأحداث المعاصرة. 
 صرخات قلم البويحياوي  لها قيمة جمالية لا تتحدد بمقدار ما تصوغه من معاناة الجموع الهادرة .هذه الصرخة التي ستستمر ألاف السنين لأنها تحتوي آلاما إنسانية تنم عن التعلًق بالحياة و التعلق بإنسانية الإنسان في عالم متحرك. يقول القاص :
" تحلقنا برأس الدرب، وأخرجنا "كَيَّةْ لْكِيَّاتْ" من صدورنا. حفَّنا المارّة و " فوَّجوا" معنا. وكبّ الشارع على الشارع. عشرات الأجيال، وملايين الأصوات تعطروا بعبق الأرض..."
 التحلًق لم يكن للفرجة كما في ظاهر اللوحات التي تدهشنا بحركِيَتها. إنها تموج  بكل ما يعتمل في الصدور العربية من "كيات" تنامت حتى "صارت" كية الكيات"   صرخة و صرخات, أصوات تتراكم و تموُج في الشارع و الشارع يصب في شوارع و تلتقي الصرخات التي تحررت أخيرا في تفاعل ايجابي مع سيرورة الحياة. من رأس الدرب تبدأ الشرارة الأولى تتسع الرؤية  تسقط الجدران بين الأجيال و يتنامى عطر الأرض النابضة في الأصوات  المتعالية. إنها شرارة الربيع العربي...
السارد يدخل تجربة الكتابة واعيا بأن الحرف موقف في حد ذاته. شاهد جريء يحدق في استلابات الزمن  العربي و  ندوبه  شاهد يذكرنا أن غضب الشارع هو اعتراف أن لا تأقلم مع الظلم. شاهد يذكر الإنسان بإنسانيته  يذكره بأن لديه كرامة و إباء و أن  تاريخه يرفض الضيم و الظلم و كان منبعا لطقوس الاحتفال بالتبوريدة و الحلقة  هذا التجمهر-العلاج الجماعي للقرحة الجماعية حيث يخرج كل فرد للصراخ و لمواجهة نفسه بمسؤوليتها تجاه ما يحدث لها من ندوب و سلب للحرية.
كان لا بد أن  يكب الشارع في الشارع
لا بد من  قيام كل الأجيال   قومة رجل واحد
 كان لا بد أن تنتظم كل الأصوات بحثا عن علاج جماعي  يعيد توحيد العالم العربي بنفسه من خلال توحيد صرخته و شرارته  توحيد صوت الإنسان مع صفاء الحياة فيسير في الشارع دون خوف من تطاول السلطة. فهل هذا تصور ...
 من قال أن الكتابة سهلة و متعة  "رسم" لوحات قصصية" فقط. الكتابة حالة تحقق إنساني بكل موروثاته و قيمه و عاداته .
لان الحياة تعبر عن نفسها في الإنسان من خلال الكتابة
 اعلامية-مترجمة من المغرب.



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=11262
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2011 / 11 / 13
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28