• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : هذيان متمرجع ضد التراث الشيعي ( 2 ) .
                          • الكاتب : ابو تراب مولاي .

هذيان متمرجع ضد التراث الشيعي ( 2 )

 تقدّم في الجزء الأول من هذا الرد الحديثُ عن دعوى ( أنّ التراث الشيعي أكثره من اليهودية والنصرانية ) وأثبتنا بطلانها وضحالتها .. 

🔰 والآن نتحدّث عن الدعوى الثانية وهي : ( أنّ علماء الشيعة لم يميّزوا بين الصحيح وغيره من الموروث الروائي الشيعي ) ..
ونحن في مقام تفنيد هذه الدعوى سنجعل الكلام من مقدمة وعدّة محاور ونتيجة :

🔰 المقدمة :
ذكرنا في الجزء الأول أنّ تراثنا الروائي وإن كان بعيداً عن الدس اليهودي والنصراني بالشكل الذي ادعاه السيد كمال الحيدري لأنّه قد كُتبت أُصوله تحت نظر الأئمة (ع) والعلماء من أصاحبهم ، إلا أنّ هذا لا يعني سلامته ١٠٠% من الشوائب التي تحتاج إلى متخصص عارفٍ يميّز بين صحيحه وسقيمه . 
وهذا التمييز بين الصحيح والسقيم : 
◀️ ١ . إما أن يكون من خلال تصنيف مصنّفات يقال عنها "الصحيح من كتب الحديث" .
ولنطلق على هذه الطريقة اسم ( طريقة التصنيف ) .
◀️ ٢ . وإما أن لا يكون كذلك ، بل ينقّب الفقيه في الكتب الحديثيّة .. فما وجده - بحسب رأيه - صحيحاً أخذ به ، وما وجده ليس صحيحاً تجنّبَهُ .
ولنطلق على هذه الطريقة اسم ( طريقة التنقيب ) .

وكلا الطريقتين يُعتبرُ تمييزاً ، والعمل وفق أحدهما ناقضٌ لدعوى السيد كمال الحيدري المتقدّمة ( إنّ علماء الشيعة لم يميّزوا بين الصحيح والسقيم ! ) .
ولنناقش كلا الطريقتين وما هو العلمي والصحيح منهما ، وهل أنّ علماء الشيعة قد عملوا وفق أحدهما أو لا ؟ .

❎ الطريقة الأولى : ( تصنيف كتب حديثيّة يُنقل فيها الصحيح من الأحاديث فقط ) 

وإنّك حين تقرأ هذا المقترح ستجده شيئاً رائعاً وعملياً ، وهو الذي يريده السيد كمال الحيدري .
ولكنّ حقيقة الأمر إنّ هذا المقترح وهذه الطريقة ليست علميّة ! ولا عمليّة ! ولا محصّل لها !!
وذلك لو افترضنا أنّ فقيهاً أو جماعة من الفقهاء قد صنّفوا مجموعة حديثية وقد نقلوا فيها كل ما انتهت إليه آرائهم من الأحاديث الصحيحة ، فإن السؤال سيكون : 
هل من يأتي من بعدهم من الفقهاء سيعملون وفق رأي هذه المجموعة أو لا ؟
✳️ فإن قلنا : يجب العمل وفق هذه المجموعة من قِبَلِ بقيّة الفقهاء ، أصبح الفقهاء الآخرون مقلّدين ! وهذا خلاف كونهم مجتهدين . وهذا هو غلق باب الاجتهاد الذي اتهم به السيد الحيدري الآخرين !
✳️ وإن قلنا : لا يجب العمل وفق هذه المجموعة ، بل كلّ فقيه يعمل وفق مبانيه الرجالية والأصولية التي انتهى إليها رأيه ويوظّفها لتمييز الحديث الحجّة من الحديث غير الحجّة ، ضرورة اختلاف الفقهاء في المباني الرجاليّة والأصولية وغيرهما مما يدخل في عملية تنقيب الأحاديث ، وحينها تصبح هذه المجموعة الحديثية ليست ذات فائدة ، والجهود التي بُذلت فيها لا طائل منها !

إذن هذه الطريقة ( طريقة التصنيف ) ليست علميّة ولا عملية ولا محصّل لها !! وإن كانت في بادئ الأمر يتخيّلها القارئ -  غير المتخصص - دعوة عمليّة .

✅ الطريقة الثانية : ( كلّ فقيه ينقّب في الكتب الحديثيّة ويختار الصحيح بحسب ما انتهى إليه رأيه وفق مبانيه الأصولية والرجالية وغيرهما ، ويدع غير الصحيح ) 

وهذه الطريقة ( طريقة التنقيب ) هي المعمول بها من قِبَلِ علماء الشيعة في البحوث العقائدية والفقهية .
وهي الطريقة الصحيحة وذلك :
◀️ ١ . إنّ الإجتهاد مظنّة الإختلاف ، فقد يرى المجتهد الفلاني حجيّة الخبر الفلاني لاعتماده على خبر الثقة ، بينما يراه الآخر ليس بحجّة ، لأنه يشترط الوثوق بخبر الثقة . 
ومثل هذا الخبر بحسب الطريقة الأولى نثبته في المجموعة الحديثية أم نحذفه ؟!! .
◀️ ٢ . إنّ الأحاديث الضعيفة السند ، قد تكثر في مسألةٍ ما وتشكّل تواتراً ، ويصبح هذا التواتر حجّة عقلاً وشرعاً ، فإذا حذفنا الأحاديث الضعيفة - بحسب الطريقة الأُولى - سنفقد هذه الحجّة ومثيلاتها وندخل في محذور شرعي ، خصوصاً إذا كان التواتر المشكّل من الروايات الضعيفة يثبت وجوباً أو حرمةً .
بل قد ندخل في محذور عقائدي وذلك حينما تشكل هذه النصوص الضعيفة مع النصوص الصحيحة تواتراً على عقيدةٍ ما ، فإنها ستكون حجّة لأنها ستؤدي إلى القطع واليقين !
◀️ ٣ . إنّ التعامل الصحيح مع النصوص لا يتم وفق المزاج الفردي أو النوعي للإنسان ! بل قد تكون هناك روايات صحيحة صادرة عن المعصوم وهي تخالف مزاج الإنسان ! ، وبحسب الطريقة الأُولى - كما سمعنا أحاديث مَن يدعون إليها - أنهم يرفضون النصوص التي لا تنسجم مع أمزجتهم ولا يجدون لها تفسيراً ، بينما قد يُكتشف لها تفسيراً ينسجم مع أساسيات الشريعة .. فمثل هذه النصوص ستُحذف لو طبقنا الطريقة الأُولى ، وبذلك نفقد نصوصاً كثيرة صادرة واقعاً عن المعصوم ، لذلك ورد النهي عن تحكيم المزاج والقبول والرفض  النفسي بالنسبة للأخبار الواردة عنهم (ع) .

وهكذا نجد أنّ الطريقة الثانية المعمول بها هي الطريقة الناجعة في التعامل مع النصوص .

🔰 لمحة في كيفية اهتمام العلماء في التمييز بين الصحيح والسقيم من الأخبار 

لا يمكننا بهذه السطور القليلة أن نحيط بجهود علماء الشيعة في عملية التمييز بين الصحيح والسقيم من النصوص في مقام العمل والاعتقاد ، ولكن سنكتفي بالإشارة إلى ذلك من خلال عدّة نقاط :
◀️ ١ . في المباحث الأصولية ، في مبحث حُجيّة الأخبار ، حيثُ شرطوا في حجية الخبر أن يكون راويه ثقة ، وقد أسهبوا في الاستدلال والنقض والإبرام ، ليكون ذلك أساساً في قبول الخبر أو الإعراض عنه .
وكذا في غير هذا الموضع كمباحث التعارض بين الخبرين والمرجّحات والعرض على الكتاب الكريم .
◀️ ٢ . في المباحث الرجالية ، وهي مباحث مطوّلة ، غايتها التمييز بين الرواة ، فمن كان ممدوحاً أخذوا بما روى ، وإن كان مذموماً أو مجهولاً أعرضوا عن روايته .
◀️ ٣ . في القواعد الرجالية المشدّدة ، فإنّ هناك قاعدة رجالية معروفة تقول : " الجرح مقدّمٌ على المدح " فلو أنّ الشيخ الطوسي في رجاله مدح شخصاً إلا أنّ الكشّي قد ذمّه ، حينها لا يمكن الأخذ برواية هذا الممدوح المجروح ، وهذه القاعدة تكشف لك مدى تشدّد علماء الشيعة في قبول الرواية .
◀️ ٤ . التصنيفات الكثيرة للتعريف بالقواعد التي من خلالها يتم التمييز بين الرواة ، ولدراسة أحوالهم ، ليُعرف العدل الصحيح من الكاذب الوضّاع ، وكان من أهم تلك المصنفات " معجم رجال الحديث " الذي كتبه السيد الخوئي (قدس) في ٢٤ مجلّد قد فصل فيه طبقات الرواة تفصيلاً .
ومن ذلك قبسات من علم الرجال في مجلّدين ، مقتبسٌ من أبحاث السيد محمد رضا السيستاني (دام تأييده) .
وهكذا لو أردنا أن نذكر المصنّفات في هذا الباب - قديماً وحديثاً - لاحتجنا إلى عدّة حلقات أخرى .
◀️ ٥ . في المباحث العقائدية والفقهية ، فإنهم لا يعتمدون الأخبار إلا ما متمّت شروط حجّيتها ، تلك الشروط المبحوثة في علمَي الأصول والرجال .

هذا غيضٌ من فيض اهتمامهم في التنقيب في النصوص وتمييز الصحيح من السقيم .

🔰 النتيجة :
١ . لا أحد من أهل التحقيق يدعي صحّة كل الأخبار الواردة ، كما أنّ دعوى كون تراثنا من اليهودية والنصرانية دعوى جاهلة كما تبيّن في الجزء الأول من الرد .
٢ . إنّ طريقة التصنيف التي دعى لها السيد كمال الحيدري طريقة غير صحيحة وتتقاطع مع مبدأ الإجتهاد . 
٣ . إنّ دعوى السيد كمال الحيدري بأنّ علماء الشيعة لم يهتموا بالتمييز في الموروث الروائي دعوى باطلة وغير حقيقية ، لأنهم قد اتخذوا الطريقة الصحيحة وهي طريقة التنقيب .

ولمراجعة الجزء الأول من الرد أُدخل على هذا الرابط 👇
http://www.kitabat.info/subject.php?id=117138

هذا ونسأل الله العلي القدير أن يأخذ بأيدي الجميع الى الهداية والصلاح والحمد لله رب العالمين . 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=117543
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2018 / 04 / 03
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28